أحمد الحباسى - تونس
من كتـــــّاب موقع بوّابــتي المشاهدات: 4260
يسمح بالنقل، بشرط ذكر موقع "بوابتي" مصدر المقال، ويفضّل أن يكون ذلك في شكل رابط
ما أوتينا من العلم إلا قليلا، و قد أراد الصديق الكبير فوزي مسعود أن يرجعنا إلى دروسنا الأولى كما يقال، و نشكر للرجل كل هذا المجهود ، و نكتفي بالقول بان المقصود بسىء الذكر هو الرئيس الراحل الحبيب بورقيبة الذي ذهب إلى رحمة الله تعالى و العاقبة للمتقين، و كنا نتمنى من الصديق فوزي أن يترجل بعض الشيء عن هذه الكراهية المفرطة للرجل و يتفهم مقصدنا بان المطلوب في مثل هذه الحالات هو الدعاء بالرحمة على الموتى مهما بلغ الاختلاف و بلغت الكراهية و بلغ التشدد الجدلي، و لأنه رفض أن يفعل و أصر على ذلك فلا نملك إلا الدعاء بالهدى و الهداية له و لنا جميعا، و نحن نتمنى للسيد فوزي موفور الصحة و طول العمر ، كما نتمنى منه أن لا يتهم هذا القلم بالتوتر لان الصراع الفكري بين مناصري بورقيبة و بين مناصري معارضيه لا يستدعى أي توتر بعد أن تحول إلى طاحونة الشيء المعتاد .
لنتفق أولا و من البداية أنني لا أحلم مجرد الحلم بشيء قليل من تغيير فكر الصديق فوزي مسعود، فكما قلت أنا متابع جيد لكل ما يكتبه الرجل و ما يسقط بين يدي كما يقال، و على مدار سنوات من المقالات بقى صاحب هذا الموقع في ‘ موقعه’ دون مراعاة لكل المتغيرات و الأحداث و الحقائق و المنشورات و الكتب التي تناولت سيرة الرئيس التونسي الراحل، سلبا أو إيجابا، بقى بورقيبة بالنسبة للسيد فوزي هو الشيطان و ما يكتبه عنه هو التاريخ و الحقيقة و التهمة الجاهزة و الجرم المشهود، و لان قانون الطبيعة متغير في كل الأحوال و في كل العصور فنحن نتساءل لماذا لم يتغير فكر الرجل إلى الأحسن أو لمزيد من السىء و بقى أسيرا منقطعا عن هذا العالم يردد نفس الاتهامات الجاهزة و نفس المقاطع المسلوخة بعناية من بعض خطب الزعيم أو من ‘ تصرفاته’ السياسية طيلة فترة حكمه، فهل أن العيب في السيد مسعود أم في الطبيعة ؟ .
لقد عاب السيد فوزي علينا مجرد توصيف الحالة حين ادعينا بأن من يتهمون بورقيبة هم أنفسهم طيلة أكثر من نصف قرن و هم لفيف معلوم من المتشبعين بالفكر الوهابي و الفكر الإخوانى، فالإخوان هم أعداء الفكر البورقيبى المعلنين، و في هذا كتب الكثير و على هذا تصارع الكثير، و لقد فوجئت بالسيد فوزي مسعود يذهب إلى الاتهام المباشر بكون العبد لله يعمد بهذا الوصف إلى الترهيب و مصادرة الرأي، هنا، يكفى أن نطالب ذاكرة الصديق بالرجوع إلى ما كتبته من يومين فقط بنفس الموقع حين دعوت علنا إلى الوقوف معه ضد الابتزاز السياسي و ضد مصادرة الرأي و في حقه الثابت في حرية التعبير ( مقال بعنوان ‘ فوزي مسعود، لا أتفق معك لكن سأدافع عن حقك في التعبير )، بهذا قصدت طبعا و من باب الإيمان العميق أن الاختلاف في الرأي رحمة و لا يفسد للود قضية،
لن يقتنع السيد فوزي مهما فعلنا أن بورقيبة هو من قام بالثورة و من نجح فيها إلى أبعد الحدود، فبورقيبة هو من قاد الثورة في التعليم ، و هذا التعليم برغم ما قيل عنه و سيقال من بعض شيوخ الظلام في الخليج و أتباعهم في المغرب العربي هو من رفع من شان تونس في كل الدول بما فيها الدول التي تلقت هذا ‘ التعليم’ المغضوب عليه من أساتذة و رجال التعليم التونسيين، و بورقيبة قاد ثورة اجتماعية بتحرير المرأة كما رآها في نصوص مجلة الأحوال الشخصية و لا كما رآها شيوخ جهاد النكاح و زواج المتعة ، و بورقيبة و خلافا لما يزعم المنافقون ليس مسئولا عن تبرج المرأة و لا عن لبسها للحجاب ، فكل شخص مسئول عن نفسه أمام خالقه، و يكفى هنا من الاتهامات الباطلة المجحفة التي جعلت من بعض التصرفات البوليسية الفردية سلوكا عاما يتحمل الرئيس الراحل وزره في خلاف مع المبدأ الدينة ‘ لا تزر وازرة وزر أخرى ‘ صدق الله العظيم ( سورة الإسراء الآية رقم 15 )، و بورقيبة قاد ثورة نفسية قانونية ضد الاستعمار كمفهوم و كواقع و يكفى الاستدلال بالثوار و الفلاقة و المجاهدين الذين رووا هذه الأرض بدمائهم، و بورقيبة من قام بالثورة الفلاحية حين رفع قيود الاحباس العامة و الخاصة و وزع الأراضي الاشتراكية و دعا لتامين الاكتفاء الذاتي أو ما يسمى بالأمن الغذائي، و بورقيبة من وضع أسس الدبلوماسية التونسية التي عرفت بتونس في كل المحافل الدولية، و بورقيبة من مات دون ملك أو أموال خاصة، طبعا، سيتقدم البعض بنفس ‘ التهم ‘ الركيكة و سيعيدون علينا تلك الاسطوانات المشروخة التي بدأ البعض منهم يتلمس عدم فائدتها و عدم تطابقها مع الحقيقة .
لن أتهم صديقي الوقور بكونه من أتباع حركة النهضة ‘ الباقون على العهد ‘ الذين تم الصراع مع الأنظمة السابقة على أكتافهم، لأنه لا يعقل منطقيا أن يكون من أصحاب السفارات و لا من المتهافتين على الحكم ، لكن من حقنا أن نتساءل بكامل الصداقة عن أي عهد يتحدث و مع من تم العهد و لماذا يتعاهد الإخوان و هم جزء من الشعب، هل يحتاج جماعة النهضة للعهد و إمضاء العهود و المعاهدات، و كيف يصدر من هؤلاء المتعاهدين ما ينقض العهود ؟ و كيف نراهم نحن و هم ينقضون عهودهم ، و ما جزاء ناقضي العهود، و كيف يقبل المجتمع بناقض العهد، و ما عسانا نفعل اليوم و الإخوان قد تفرقوا إلى ناقضي عهود و متهافتين مذمومين على السفارات و متهافتين غير قانعين على الحكم، و هم على هذا الحال، كيف يتجرؤون على ارث بورقيبة و هم بهذا التناقض الغريب ، كيف نسمع نقدهم و هم مللا و شيعا و قبائل بلا عهد، فمن هو سىء الذكر إذن ؟ من هو نبت الزقوم إذن، إنها علامات الساعة يا ترى ؟ .
اضغط على الكلمات المفتاحية التالية، للإطلاع على المقالات الأخرى المتعلقة: