تماثيل سيئ الذكر تنصب من جديد: تعدي على التونسين وإستفزاز لهم (*)
فوزي مسعود - تونس
من كتـــــّاب موقع بوّابــتي المشاهدات: 6533
يسمح بالنقل، بشرط ذكر موقع "بوابتي" مصدر المقال، ويفضّل أن يكون ذلك في شكل رابط
بلغت العزة بالإثم لدى المتحكمين فينا مراحل متقدمة، هؤلاء الذين أستولوا على مقاليد تونس الثائرة بطرق مشبوهة وإن كان ظاهرها شرعيا بزعم الإنتخابات، لم يكفهم أنهم أوقفوا مسار الثورة، لم يكفهم أنهم سنوا القوانين التي تشرع وجودهم المشبوه من خلال دستور قدّ على قياس السفارات وممثليها بتونس من حملة مشعل الإلحاق بالغرب، لم يكفهم انهم حصنوا وجودهم باستحداث التشريعات التي تمنع نقدهم وفضحهم كقانون الإرهاب وقانون التكفير، لم يكفهم كل ذلك، فعمدوا الى ما يمكنه أن يبين جوهر موقفهم من التونسيين، أنهم يحتقرونهم وأنهم لا يعبؤون بما قد يسوؤهم ويجدد ألامهم
وهل يوجد ماهو أحقر للتونسيين من أن يعمد لأسوا رموز تونس فيستجلب من التاريخ من بعد أن رمي في مزبلته، فيذكّر به، بل ويقع فرضه علينا في المجال العام
هل يوجد ما هو أشد إستفزازا للتونسيين من أن يعمد لمؤسس مسار الإلحاق بالغرب في تونس فيشاد به، وهل نصب تماثيل الهالك بورقيبة إلا بعض ذلك
هل يوجد ما هو أنكى لجروح التونسيين من أن يقدم كرمز، من كانت حياته مسارا متصلا لتذويب وتقزيم هوية تونس، وهل كان سيئ الذكر إلا محاربا للإسلام وهل كان إلا مقتلعا للغة العربية مستبعدا لها من مجالات الفعل
هل يعقل ان يكون رمزا يدعى للفخر به، من جعل حياته مناطا متصلا لإثبات فساد الاسلام وعدم صلوحيته لهذا العصر، وهو الذي سخر لذلك كل أدوات الدولة، فصيّر التعليم في تونس لا يكاد يتصل بالاسلام الا كما يتصل به في أي بلد من تلك التي لا يربطها بحضارة الإسلام رابط، وهو الذي حول الاعلام لأداة توجيه ذهني نحو كره الذات، وهو الذي عبث بالتعليم فكان ان سلمه لفرنسي (جون دوبياس) سطر له برامجه، و هو الذي نكل بالزيتونيين وكل صاحب مرجعية اسلامية وشرد بهم من خلفهم
هل يعقل ان يكون ممن يحتفى به، من حارب لغة بلاده و أحتقرها، فنبذها وجعلها منبوذة لدى التونسيين، و أتى لها بضرة هي لغة فرنسا فرضها تدرس قهرا لأبنائنا منذ الصغر، كي ينتج أجيالا منبتة تحب فرنسا أكثر مما تحب بلدها وتكره ذواتها أكثر مما تكره فرنسا، وهو في ذلك جعل لغة العربية عالة عليلة عاجزة لا تكاد تقوم بشيئ من شؤون الحياة العصرية من علم وطب و هندسة و إدراة، فانتهى ان كرّه للتونسيين لغتهم، وحبب اليهم لغة فرنسا، وهو من بعد كل ذلك سرّع في عمليات الاقتلاع من الجذور أو ما بقي منها ثم الالحاق بالغرب
هل يجوز الإحترام لمن كانت حياته جهادا دؤوبا لاثبات الولاء الفكري والعقدي للغرب، دعك مما يقال انه استقل بتونس سياسيا، فتلك تهويمات ضحايا منظومة الاقتلاع التي صممها وانتج بها قطعانا يؤلهونه ويغضون الطرف عن أفاعيله، لعجز ذاتي منهم على فعل ذلك، يغالبهم العجز ولا يستطيعون رده.
هل يجوز غير التسفيه لمن أورد تونس بعد عقود ستة ما نراه من واقع سيئ على كل المستويات ورثه لنا
هل يجوز غير التحذير والتنبيه من نتائج أفاعيل من دمر مجتمعنا فشجع الانحطاط الاخلاقي وأشاع الفاحشة ودمر الاسرة وميز الرذيلة وأعلاها، وحارب العفة وقتل الصادقين من بعد أن سامهم العذابات، وأنتج أجيالا منبتة تكره ذاتها وتكره من يذكرها بدنائتها ممن يتبع منهجه فنكلوا برافعي رايات تونس العربية المسلمة مثلما نكل، ومن شابه أباه فما ظلم.
هل يجوز غير الخزي على كل من شجع المنكرات وأعلى وقرب الداعين اليها وحارب المعروف و كل من دعا اليه او أطمأنت نفسه به
أنا تفهم وجود من لم يعمل عقله يوما في واقع تونس ودور سيئ الذكر في ذلك، فأنّى لمثل هؤلاء أن يفهموا خطورته، ولكننا لسنا مجبرين نحن التونسيون أن نكون مناطا لعبث من لا يعمل عقله، وتحركه أهوائه أبدا
لمريدي سيئ الذكر هؤلاء ان ينصبوا تماثيله في بؤرهم الخاصة الموبوءة، ولكن ليس لهم الحق ان يلوثوا مجالاتنا العامة
المجال العام من ساحات وما شابه يجب ان يكون محل تصرف بما هو متفق عليه، فهل يعقل ان يأتي احدهم مثلا وينصب تمثال زعيم عصابة من تلك التي تحترف وتبرع في السرقات والقتل، او يريد نصب تمثال لهتلر مثلا، بل هل يستطيع أصلا وضع أبسط الأشياء في ساحة عامة من دون موافقة الناس من ساكني تلك المنطقة، فضلا أن يكون شيئا مما يكرهون كتمثال سيئ الذكر
الحاكمون فينا ولنا، يجب أن يعرفوا أنهم موجودون في مناصبهم تلك بحكم اتفاق تاريخي دبر بليل لا دخل للتونسيين الشرفاء فيه، دعك من مسألة الانتخابات فالكل يعلم انها امر مغشوش، بل القوانين التي انتجت تلك الانتخابات وأولها الدستور أصلا غير متفق عليها، والأرجح أن وجودهم في مناصبهم لن يدوم طويلا، فالاحسن اذن أن لا يعجلوا في تدمير بناء الاتفاق الذي اوجدهم بالنبش في ما هو مستفز للتونسيين
الحكمة تقول -وان كنت استبعد الحكمة عن بقايا فرنسا فما عرفناهم يتصرفون إلا كالعصابات بالإغارة والجبر-، تقول الحكمة انه يحسن ان لا تستفز الناس بإتيان أمر يكرهونه، وأنا أعرف ان الزمرة التي تحكمنا وعموم المنظومة التي تسندها، يحتقرون عموم التونسيين، ولكن مصالحهم تدعوهم إلى الكف عن العبث بما قد يعجل هدم بنائهم المفكك، وهل نصب تمثال سيئ الذكر الا عبث بيّن العبث
-----------
(*)
وصف سيئ الذكر ليس سبا كما قد يفهم البعض، ولكنه وصف موضوعي لأمر واقع، والفرق بين السب والوصف الموضوعي، أنه كلما أمكن إثبات وجود الصفة في الواقع، فهي لازمة للموضوع لايمكن انكارها، أما القول بكون الصفة سبا من عدمها، فهو أمر نسبي ذاتي، يوجد وينفى حسب زاوية النظر عكس اثبات وجود الصفة.
بالنسبة لوصف سيئ الذكر، فهو وصف موضوعي لأنه يمكننا إثبات الذكرى السيئة لبورقيبة لدى قطاع من التونسيين، منهم على الاقل كاتب هذا المقال، حين استذكار أفاعيله، فهو وصف موضوعي إذن وإن لم يرق لبعض مريديه
قد يقول مُــتَـفَـيْـقِه من جماعة الإسلام الوظيفي، أن الدين يدعونا إلى ذكر موتانا بخير، والرد على هؤلاء أن كلامهم هذا فاسد إبتداء لأنه مصادرة على المطلوب، إذ لو كان سيئ الذكر منا، لما قام أساسا بما قام به، لكن الواقع يثبت أنه قام بما قام، فبطل إذن الإفتراض، فكان معنى ذلك أن المطلب مبني على مصادرة، وكما هو معروف كل ما هو مبني على مصادرة لاقيمة له