نفحات ودروس قرانية - 2 - الفرق بين مغفرة الذنوب، وتكفير السيئات في القرآن الكريم
أ. د/ احمد بشير - مصر
من كتـــــّاب موقع بوّابــتي المشاهدات: 4437
يسمح بالنقل، بشرط ذكر موقع "بوابتي" مصدر المقال، ويفضّل أن يكون ذلك في شكل رابط
قال تعالى : {رَّبَّنَا إِنَّنَا سَمِعْنَا مُنَادِياً يُنَادِي لِلإِيمَانِ أَنْ آمِنُواْ بِرَبِّكُمْ فَآمَنَّا رَبَّنَا فَاغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَكَفِّرْ عَنَّا سَيِّئَاتِنَا وَتَوَفَّنَا مَعَ الأبْرَارِ } ( آل عمران : 193 )
***
" لا تنثروه نثر الدقل، ولا تهذوه هذ الشعر، قفوا عند عجائبه، وحركوا به القلوب، ولا يكون هم أحدكم آخر السورة " ( عن القرآن الكريم، عبد الله ابن مسعود، أخرجه الآجري في " حملة القرآن )
******************
الحمد لله رب العالمين كما ينبغي لجلال وجهه وعظيم سلطانه، الحمد لله الذي عـمَّ فضـله جميع الكائنات، ووسعت رحمته كل شئ في الأرض والسماوات، وأفضل الصـلاة وأتم السـلام على سيد السادات، ونبي المعجزات الباهرات، سيدنا محمد صاحب الخلق العظيم، المرسل من قبل الله تعالى رحمة للعالمين، عليه وعلى جميع الأنبياء والمرسلين، والصحابة النجباء، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين،
أما بعد :
عجائب القرآن لا تنتهي، وفرائده لا حصر لها، والوقوف أمام عجائب القرآن وفرائده أمر لا يستغني عنه مسلم، استجابة لأمر الله تعالى لنا بتدبر آيات القرآن، وفهم دلالاتها ومعانيها ومراميها، مما يزيد المؤمن تعلقا بكتاب الله، ووعيا بأسراره، وفهما لدقائقه، ويسرا في العمل به وتطبيق ما جاء فيه من قيم ومبادئ وأحكام،
ولذلك فإننا سنحاول في هذه السلسلة أن ننتقي بعضا من فوائد القرآن، ونماذج من فرائده التي نقف عليها من خلال تلاوتنا لكتاب الله تعالى، وما يدور حوله من كتب التفسير والقراءات، والبلاغة والاعجاز ...وغيرها،
وسوف نعيش في هذه العجالة السريعة مع بعض الفوائد القرآنية، واللمسات البيانية التي تدور حول الفرق بين مغفرة الذنوب وتكفير السيئات في استعمال القرآن الكريم، حيث يجد المتأمل لآيات القرآن الكريم أنه يستعمل المغفرة مع الذنوب، والتكفير مع السيئات، وكثيرا ما يرد التساؤل عن الحكمة في هذا، وعما إذا كان هناك ثمة فرق بينهما، وفي هذا الصدد استنبط بعض أهل العلم هذه القاعدة التي تقول :
- حيثما وردت الذنوب في القرآن الكريم فالمراد بها الكبائر، وحيثما وردت السيئات فالمراد بها الصغائر،
والْكَبَائِرُ : هِيَ مَا كل ذنب فِيهَ حَدٌّ فِي الدُّنْيَا أَوْ فِي الْآخِرَةِ : كَالزِّنَا، وَالسَّرِقَةِ، وَالْقَذْفِ، ....الَّتِي فِيهَا حُدُودٌ فِي الدُّنْيَا، وَكَالذُّنُوبِ الَّتِي فِيهَا حُدُودٌ فِي الْآخِرَةِ وَهُوَ الْوَعِيدُ الْخَاصُّ، مِثْلُ الذَّنْبِ الَّذِي فِيهِ غَضَبُ اللَّهِ وَلَعْنَتُهُ، أَوْ جَهَنَّمُ ؛ وَمَنْعُ الْجَنَّةِ : كَالسِّحْرِ، وَالْيَمِينِ الْغَمُوسِ، وَالْفِرَارِ مِنْ الزَّحْفِ، وَعُقُوقِ الْوَالِدَيْنِ، وَشَهَادَةِ الزُّورِ، وَشُرْبِ الْخَمْرِ ,,,,,,وَنَحْوِ ذَلِكَ. هَكَذَا رُوِيَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ وَسُفْيَانَ بْنِ عُيَيْنَة وَأَحْمَد بْنِ حَنْبَلٍ وَغَيْرِهِمْ مِنْ الْعُلَمَاءِ. قَالَ تَعَالَى : {إنْ تَجْتَنِبُوا كَبَائِرَ مَا تُنْهَوْنَ عَنْهُ نُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَنُدْخِلْكُمْ مُدْخَلًا كَرِيمًا} وَقَالَ تَعَالَى : {وَالَّذِينَ يَجْتَنِبُونَ كَبَائِرَ الْإِثْمِ وَالْفَوَاحِشَ وَإِذَا مَا غَضِبُوا هُمْ يَغْفِرُونَ }( الشورى : 37 ) (1)،
هذا ولقد تعددت أقوال العلماء والمفسرين حول الفرق بين الذنوب والسيئات بوجه عام، ففي تفسير قول الله تعالى : { رَبَّنَا إِنَّنَا سَمِعْنَا مُنَادِيًا يُنَادِي لِلْإِيمَانِ أَنْ آمِنُوا بِرَبِّكُمْ فَآمَنَّا رَبَّنَا فَاغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَكَفِّرْ عَنَّا سَيِّئَاتِنَا وَتَوَفَّنَا مَعَ الْأَبْرَارِ } ( آل عمران : 193 )، جاء في " بحر العلوم " : " ....وقال الكلبي : الذنوب الكبائر ودون الكبائر، والسيئات الشرك، وقال الضحاك : ذنوبنا يعني ما عملوا في حال الجاهلية، وكفر عنا سيئاتنا، يعني : ما عملوا في حال الإسلام، ويقال : الذنوب والسيئات بمعنى واحد، ويقال : الذنوب هي الكبائر، والسيئات ما دون الكبائر التي تكفر من الصلاة إلى الصلاة " (5)،
وقال النيسابوري : " أصل الغفر والتكفير كلاهما الستر والتغطية، وأما الذنوب والسيئات فقيل : هما واحد والتكرار للتأكيد والإلحاح، إن الله يحب الملحين في الدعاء، وقيل : الأوّل الكبائر، والثاني الصغائر، وقيل : الأوّل أريد به ما تقدم منهم، والثاني المستأنف، وقيل : الأول ما أتى به الإنسان مع العلم بكونه معصية وذنبا، والثاني ما أتى به مع الجهل بكونه ذنبا " (6)،
وقال " الشوكاني " في تفسير الآية السابق ذكرها : " ...قِيلَ : الْمُرَادُ بِالذُّنُوبِ هُنَا: الْكَبَائِرُ، وَبِالسَّيِّئَاتِ: الصَّغَائِرُ. وَالظَّاهِرُ: عَدَمُ اخْتِصَاصِ أَحَدِ اللَّفْظَيْنِ بِأَحَدِ الْأَمْرَيْنِ، وَالْآخَرِ بِالْآخَرِ، بَلْ يَكُونُ الْمَعْنَى فِي الذُّنُوبِ وَالسَّيِّئَاتِ وَاحِدًا، وَالتَّكْرِيرُ لِلْمُبَالَغَةِ وَالتَّأْكِيدِ، كَمَا أَنَّ مَعْنَى الْغَفْرِ وَالْكُفْرِ: السَّتْرُ " (7)،
وقال صاحب تفسير " حدائق الروح " : " .. {رَبَّنَا فَاغْفِرْ}؛ أي: فاستر لنا {ذُنُوبَنَا} الكبائرَ، أو الماضية، ولا تفضحنا بها {وَكَفِّرْ}؛ أي: وغط وامح بفضلك ورحمتك {عَنَّا سَيِّئَاتِنَا} الصغائر، أو المستقبلة، وقيل : المراد بالأول ما يزول بالتوبة، وبالثاني ما تكفره الطاعة العظيمة، وقيل: المراد بالأول ما أتى به الإنسان مع العلم بكونه معصيةً، وبالثاني ما أتى به الإنسان مع جهله بذلك. والظاهر : عدمُ اختصاص أحد اللفظين بأحد الأمرين، والآخر بالآخر، بل يكون المعنى في الذنوب والسيئات واحدًا، والتكرير للمبالغة، والتأكيد كما أن معنى الغفر، والتكفير واحد. والغفران: الستر، والتغطية، يقال: رجل مكفر بالسلاح؛ أي: مغطى به، قال لبيد:
في لَيْلَةٍ كَفَرَ النُّجُوْمَ ظَلاَمُهَا، وكذلك التكفير معناه الستر، فهما بمعنى واحد، وإنما ذكرَهما للتأكيد؛ لأن الإلحاحَ في الدعاء، والمبالغةَ فيه مندوب إليه (8)،
الهوامش والاحالات :
=============
(1) - تقي الدين أبو العباس أحمد بن عبد الحليم بن تيمية الحراني ( ت : 728هـ) : " مجموع الفتاوى "، تحقيق : عبد الرحمن بن محمد بن قاسم، مجمع الملك فهد لطباعة المصحف الشريف، المدينة النبوية، المملكة العربية السعودية، 1416هـ/1995م، ج11، ص : 658،
(2) - محمد بن أبي بكرابن قيم الجوزية : " مدارج السالكين بين منازل إياك نعبد وإياك نستعين "، تحقيق : محمد حامد الفقي، دار الكتاب العربي، بيروت، ط2، 1393 هـ - 1973م، ج1، ص : 330
(3) – " نفس المرجع السابق "، ج1، ص : 319،
(4) – " نفس المرجع السابق "، ص : 319،
(5) - أبو الليث نصر بن محمد بن أحمد بن إبراهيم السمرقندي ( ت : 373هـ) : " بحر العلوم "، ج1، ص : 274، المصدر : موقع المكتبة الشاملة على الانترنت، http://www.shamela.ws
(6) - نظام الدين الحسن بن محمد بن حسين القمي النيسابوري ( ت : 850هـ) : " غرائب القرآن ورغائب الفرقان "، تحقيق : الشيخ زكريا عميرات، دار الكتب العلميه، بيروت، لبنان، 1416 هـ، ج2، ص : 323،
(7) - محمد بن علي بن محمد الشَّوكاني ( ت : 1250هـ ) : " فتح القدير الجامع بين فَنَّي الرِّوَاية والدِّرَاية من علم التفسير " ، تحقيق : سعيد محمد اللحَّام، طبع دار الفكر، بيروت – لبنان، الطبعة الأولى، 1412هـ - 1992م، ج1، 471،
(8) - الشيخ العلامة محمد الأمين بن عبد الله الأرمي العلوي الهرري الشافعي : " تفسير حدائق الروح والريحان في روابي علوم القرآن "، إشراف ومراجعة: الدكتور هاشم محمد علي بن حسين مهدي، دار طوق النجاة، بيروت، لبنان، 1421 هـ - 2001 م، ج5، ص : 342،
اضغط على الكلمات المفتاحية التالية، للإطلاع على المقالات الأخرى المتعلقة: