البدايةالدليل الاقتصادي للشركات  |  دليل مواقع الويبالاتصال بنا
 
 
 
المقالات الاكثر قراءة
 
تصفح باقي الإدراجات
أحدث المقالات

تفاعلا مع حديث الأستاذ الشاذلي القليبي إلى القناة الوطنية الأولى (2)

كاتب المقال محمد المختار القلالي - تونس    من كتـــــّاب موقع بوّابــتي
 المشاهدات: 3732 Kallalimoktar@gmail.com


 يسمح بالنقل، بشرط ذكر موقع "بوابتي" مصدر المقال، ويفضّل أن يكون ذلك في شكل رابط


تساءلت في حديث سابق عن مدى حظ ‘ التجربة البورقيبيّة’ من الحداثة، وانتهى بي النّظر، على خلاف السائد، إلى أنّ من العسف على التاريخ خلع سمة ‘ الحداثة’ على دولة الاستقلال. واليوم ، برّا بوعدي، أودّ أن أتوقّف قليلا عند موقف الرئيس الرّاحل من الدّين. وهو أحد المحاور الذي تعرّض لها حوار القناة الوطنية الأولى مع الأستاذ الشاذلي القليبي في الحلقة التي بثت بتاريخ 18 أكتوبر 2015 من برنامج ‘ قهوة عربي’.

قال الأستاذ القليبي ردّا عن سؤال مقدّمة البرنامج حول موقف بورقيبة من الإسلام :’ أنا أعتقد أن بورقيبة كان أكثر الناس فهما لجوهر الدين’، مستدلا على ذلك بوجاهة دعوته إلى التخلي عن صوم رمضان، و بمنعه تعدد الزوجات. وهي ذرائع تحولت لكثرة صداها في الآذان إلى ما يشبه الاستماع إلى إسطوانة مشروخة.

أنا لن أعنى إطلاقا بالنبش في عقيدة بورقيبة لمعرفة ما إذا كان الرجل مؤمنا أو متشككا أو حتى من ‘ القوم النفاة’، فذاك شأنه ، لا يعني أحدا سواه. و متى كان للناس سلطان على الناس فيما يعتقدون أو ينكرون ؟ علما أن الله وحده العالم بالسرائر و ما تخفي الصدور.
ما يعنينا في هذا الخصوص هو كيف تعاطى بورقيبة الرئيس لدولة دينها الإسلام، و لشعب سواده الأعظم من المسلمين مع ‘ الشأن الديني’، و إلام آلت ‘ مغامرة’ الرجل في هذا المجال؟

ما من شك في أن بورقيبة قد أثاره، و البلد يتوثب للنهوض، ما وجد عليه عامة التونسيين من تدين موغل في التقليد ، و من فهم ملتبس لصحيح الدين ، فشاء أن يحدث القطيعة مع هذا الواقع نظرا لعلاقته العضوية بمعركة الخروج من التخلف.
وعليه قد يكون من الإجحاف بحق الرجل عدم الاعتراف له بقدر من حسن النية و نبل المقصد. لكن ما أهمية النوايا إن هي انتهت إلى ما يزيد الحال تأزما و تعقيدا من حيث يراد لها التقويم و الإصلاح؟

لقد أراد بورقيبة أن ينهض بدور’ المصلح الديني’ في بيئة تحتاج إلى ‘إصلاح ديني’ ولا شك ، لكن فاته، في اعتقادي، أن يعنى بإعداد العدة اللازمة لخوض ‘مغامرته’.

ليت بورقيبة ، وقد ارتأى النهوض لهذه المهمة ، حرص على :
• كسب ثقة الجمهور في نزاهة موقفه من الدين و في صدق حرصه على خدمته.
• تشريك ‘ أهل الرأي و المشورة ‘ في ضبط سياسة دينية واقعية و مستنيرة، تؤمّن التأطير الديني السويّ.
• تجنب المس بـ’ المعلوم من الدين بالضرورة’ (العبادات أساسا) تفاديا لما من شأنه أت يثير حفيظة الناس ويحدث البلبلة في صفوفهم.
• فسح المجال لنشأة حركة فكرية تجادل في ‘ المقدس’ بهدف الترويج للفكر المستنير، خليقة بمحاصرة الأفكار الجانحة إلى التعصب بشتى صوره و أشكاله.

لكن ، وعلى النقيض من ذلك، وجدنا بورقيبة ، مع الأسف الشديد ، قد أبى إلا أن يظهر، لدى قسم هام من التونسيين، بمظهر من يعادي الدين، المستخف به و برموزه، المزعزع لثوابته و أركانه، ما أفقد الثقة في نزاهة مسعاه، و بعث الريبة في مقصده، كما فرض، غفر الله له ، هيمنته المطلقة على المجال الديني ، ولامس تخوم المحظور بدعوته دون مواربة إلى التحلّل من إحدى الفرائض الخمس. هذا ولم تشهد أيامه إطلاق حركة فكرية حرة تتناول ‘المسكوت عنه’ فتجادل فيه جدالا هادئا عميقا ، ينفض الغبار عن الموروث، و يثير التساؤل، و يرسي ‘ ثقافة التنسيب’ ، ويؤصّل للتسامح مهما تباينت القراءات.

أما بخصوص دعوة التونسيين إلى ترك الصيام على اعتبارهم في جهاد ضد التخلف قياسا على ترخيص النبي عليه السلام لأصحابه في الإفطار، وهم في الطريق إلى فتح مكة فبدعة لم يقل بها أحد، و تلبيس لا ينطلي على متبصّر، ذلك أن فتوى النبي ، على افتراض صحة الرواية ، اقتضتها ظروف مناخية قاسية ، و لمدة لا تتجاوز ما تضطر إليه الحال ، ثم هي ، في النهاية، لا تعني سوى من كان مع النبي من المقاتلين. فكيف يسوغ القياس عليها، و ‘الإفتاء’ على ضوئها بالتحلل من فريضة الصوم بالجملة ؟

يبقى عليّ أن أشير بشأن ‘منع تعدد الزوجات ‘ إلى أن الأمانة تقتضي القول بأن بورقيبة ليس هو من نظّر لذلك، فقد سبقه إلى هذا الرأي، الذي لا يزال يثير الجدل حوله حتى اليوم، عدد من المصلحين و الشيوخ القائلين بالمقاصد. و ما يحسب للرئيس الراحل لا يتعدى تنزيله هذا ‘ الاجتهاد’ في دنيا الواقع بإضفاء الصبغة القانونية عليه. وليعد من شاء إلى ما جاء في كتاب ‘ امرأتنا في الشريعة و المجتمع’ للمرحوم الطاهر الحداد ، على سبيل المثال، ليقف على أن بورقيبة لم يأت بشيء من عنده إطلاقا. تقول العرب :’عزو الفضل إلى أهله فرض عين.’
وبالخلاصة ، فقد جانب بورقيبة الصواب، بنظري ، لما أن جعل مقاربته للمسألة الدينية تقوم على ‘سياسة الصدمة’ بدلا من أن يتوسل ‘الثقافي’ في تعاطيه مع ‘إشكالية’ هي ثقافية بالأساس، و لما جعل الغاية من ‘‘عنايته’’ بالدين لا تتعدى تعزيز شرعيته و خدمة مشروعه السياسي .

هذه المعالجة ‘‘ المتشنّجة ‘‘ ، والقائمة على حصر دور الدين في خدمة ‘‘ الحاكم بأمره ‘‘ ومشروعه يرى إليها الكثيرون على أنها أحد أبرز الأسباب في ما نعانيه اليوم من جنوح إلى التطرّف إن إلى اليمين أو إلى الشمال ، تطرّفا بات يهدّد وحدتنا الوطنية ، ويصرفنا عن التوجّه إلى قضايانا المصيرية ومشكلاتنا الحياتية ، ملقين التّبعات على بورقيبة بالدرجة الأولى بما هو من ارتأى أن ينصّب نفسه وصيّا شرعيّا وحيدا على الشعب، دون التقليل بالطبع من مسؤولية خلفه الذي زاد في الطنبور نغمة.

الأستاذ الشاذلي القليبي شخصية وطنية جديرة بالاحترام و لا شك، ساهم من مواقع مختلفة في العمل الوطني و القومي، و لم يلمز قط بسوء إبان الحكم المطلق في ظل ‘دولة الفرد’، بيد أنني وددت ، وهو فينا ذو سن ، أطال الله في أنفاسه، لو هو تفضل علينا بقراءة أكثر توازنا للتجربة البورقيبية خصوصا وهو من عجم عود صاحبها، ولعله أن يفعل بعد هذه ‘ الدغدغة’ البريئة لنقرأ له شهادة لا تمجد و لا تفند ، و تتسامى عن المجاملة التي تلتقي و ‘التحامل’ في وظيفة واحدة هي تزوير الحقيقة . و لا إخال بهذا المعنيين الجدل إلا مرحبين بمساهمة الغراء إلا مرحبة بمساهمة منه تثري الحوار و تعمقه، و تساعدنا، في الأخير، كطلاب حق على تلمس الحق.

وفي انتظار ذلك له مني بالمناسبة أصدق مشاعر التقدير و المودة و الاحترام.

- ذو سن : تطلق على من حنكته التجارب و تحلى بالحكمة.

---------------
محمد المختار القلالي
*عضو اتّحاد الكتّاب التّونسيّين


 اضغط على الكلمات المفتاحية التالية، للإطلاع على المقالات الأخرى المتعلقة:

تونس، الثورة التونسية، الشاذلي القليبي، وسائل الإعلام،

 





تاريخ نشر المقال بموقع بوابتي 23-11-2015  

تقاسم المقال مع اصدقائك، أو ضعه على موقعك
لوضع رابط لهذا المقال على موقعك أو بمنتدى، قم بنسخ محتوى الحقل الذي بالأسفل، ثم ألصقه
رابط المقال

 
لإعلام أحدهم بهذا المقال، قم بإدخال بريده الإلكتروني و اسمك، ثم اضغط للإرسال
البريد الإلكتروني
اسمك

شارك برأيك
لوحة مفاتيح عربية بوابتي
     
*    الإسم
لن يقع إظهاره للعموم
     البريد الإلكتروني
  عنوان المداخلة
*

   المداخلة

*    حقول واجبة الإدخال
 
كم يبلغ مجموع العددين؟
العدد الثاني
العدد الأول
 * أدخل مجموع العددين
 
 
 
أكثر الكتّاب نشرا بموقع بوابتي
اضغط على اسم الكاتب للإطلاع على مقالاته
د. مصطفى يوسف اللداوي، د - محمد بنيعيش، سلام الشماع، محمد يحي، د. خالد الطراولي ، د.محمد فتحي عبد العال، حميدة الطيلوش، رحاب اسعد بيوض التميمي، عبد الرزاق قيراط ، سلوى المغربي، يزيد بن الحسين، محمد الطرابلسي، عمر غازي، حاتم الصولي، كريم السليتي، فتحي الزغل، خبَّاب بن مروان الحمد، محمد شمام ، تونسي، المولدي الفرجاني، د- محمد رحال، سليمان أحمد أبو ستة، د. عبد الآله المالكي، صلاح المختار، رضا الدبّابي، طلال قسومي، صباح الموسوي ، الهادي المثلوثي، فهمي شراب، الهيثم زعفان، الناصر الرقيق، وائل بنجدو، إيمى الأشقر، فتحـي قاره بيبـان، إياد محمود حسين ، محمود فاروق سيد شعبان، صالح النعامي ، عبد الغني مزوز، محمد العيادي، د. أحمد بشير، محرر "بوابتي"، أحمد بن عبد المحسن العساف ، عزيز العرباوي، علي عبد العال، ياسين أحمد، د. صلاح عودة الله ، صفاء العربي، عواطف منصور، خالد الجاف ، مصطفى منيغ، أشرف إبراهيم حجاج، فوزي مسعود ، د - مصطفى فهمي، ضحى عبد الرحمن، محمد أحمد عزوز، محمد الياسين، أنس الشابي، د. عادل محمد عايش الأسطل، مجدى داود، رشيد السيد أحمد، د - المنجي الكعبي، ماهر عدنان قنديل، د- جابر قميحة، رمضان حينوني، د - عادل رضا، العادل السمعلي، علي الكاش، مصطفي زهران، د - صالح المازقي، جاسم الرصيف، حسني إبراهيم عبد العظيم، كريم فارق، سعود السبعاني، د. أحمد محمد سليمان، أحمد الحباسي، سفيان عبد الكافي، فتحي العابد، عراق المطيري، حسن عثمان، عمار غيلوفي، أ.د أحمد محمّد الدَّغَشِي ، نادية سعد، يحيي البوليني، د - الضاوي خوالدية، د. طارق عبد الحليم، د. كاظم عبد الحسين عباس ، إسراء أبو رمان، سامر أبو رمان ، د - ‏أحمد إبراهيم خضر‏ ، د - شاكر الحوكي ، د - محمد بن موسى الشريف ، د- هاني ابوالفتوح، صفاء العراقي، محمود سلطان، حسن الطرابلسي، د- محمود علي عريقات، أ.د. مصطفى رجب، مراد قميزة، أبو سمية، محمد اسعد بيوض التميمي، رافع القارصي، عبد الله زيدان، أحمد ملحم، رافد العزاوي، أحمد بوادي، سيد السباعي، عبد الله الفقير، منجي باكير، محمود طرشوبي، محمد عمر غرس الله، صلاح الحريري، د. ضرغام عبد الله الدباغ، أحمد النعيمي، سامح لطف الله،
أحدث الردود
مسألة الوعي الشقي ،اي الاحساس بالالم دون خلق شروط تجاوزه ،مسالة تم الإشارة إليها منذ غرامشي وتحليل الوعي الجماعي او الماهوي ،وتم الوصول الى أن الضابط ...>>

حتى اذكر ان بوش قال سندعم قنوات عربيه لتمرير رسالتنا بدل التوجه لهم بقنوات امريكيه مفضوحه كالحره مثلا...>>

هذا الكلام وهذه المفاهيم أي الحكم الشرعي وقرار ولي الأمر والمفتي، كله كلام سائب لا معنى له لأن إطاره المؤسس غير موجود
يجب إثبات أننا بتونس دول...>>


مقال ممتاز...>>

تاكيدا لمحتوى المقال الذي حذر من عمليات اسقاط مخابراتي، فقد اكد عبدالكريم العبيدي المسؤول الامني السابق اليوم في لقاء تلفزي مع قناة الزيتونة انه وقع ا...>>

بسم الله الرحمن الرحيم
كلنا من ادم وادم من تراب
عندما نزل نوح عليه السلام منالسفينه كان معه ثمانون شخصا سكنو قريه اسمها اليوم هشتا بالك...>>


استعملت العفو والتسامح في سياق انهما فعلان، والحال كما هو واضح انهما مصدران، والمقصود هو المتضمن اي الفعلين: عفا وتسامح...>>

بغرض التصدي للانقلاب، لنبحث في اتجاه اخر غير اتجاه المنقلب، ولنبدا بمسلمة وهي ان من تخلى عن مجد لم يستطع المحافظة عليه كالرجال، ليس له الحق ان يعامل ك...>>

مقال ممتاز...>>

برجاء السماح بإمكانية تحميل الكتب والمراجع...>>

جل الزعماء العرب صعدوا ،بطرق مختلفة ،تصب لصالح المخطط الانتربلوجي العسكري التوسعي الاستعماري،ساهموا في تبسيط هدم حضارة جيرانهم العربية او الاسلامية عم...>>

مقال ممتاز
لكن الاصح ان الوجود الفرنسي بتونس لم يكن استعمارا وانما احتلال، فرنسا هي التي روجت ان وجودها ببلداننا كان بهدف الاعمار والاخراج من ح...>>


الاولى : قبل تحديد مشكلة البحث، وذلك لتحديد مسار البحث المستقل عن البحوث الاخرى قبل البدء فيه .
الثانية : بعد تحديد مشكلة البحث وذلك لمعرفة الا...>>


بارك الله فيكم...>>

جانبك اصواب في ما قلت عن السيد أحمد البدوي .

اعلم أن اصوفية لا ينشدون الدنيا و ليس لهم فيها مطمع فلا تتبع المنكرين المنافقين من الوها...>>


تم ذكر ان المدخل الروحي ظهر في بداياته على يد شارلوت تويل عام ١٩٦٥ في امريكا
فضلا وتكرما احتاج تزويدي ب...>>


الدين في خدمة السياسة عوض ان يكون الامر العكس، السياسة في خدمة الدين...>>

يرجى التثبت في الأخطاء اللغوية وتصحيحها لكي لاينقص ذلك من قيمة المقال

مثل: نكتب: ليسوا أحرارا وليس: ليسوا أحرار
وغيرها ......>>


كبر في عيني مرشد الاخوان و صغر في عيني العسكر
اسال الله ان يهديك الى طريق الصواب
المنافقون في الدرك الاسفل من النار...>>


It is important that issues are addressed in a clear and open manner, because it is necessary to understand the necessary information and to properly ...>>

وقع تصميم الموقع وتطويره من قبل ف.م. سوفت تونس

المقالات التي تنشر في هذا الباب لا تعبر بالضرورة عن رأي صاحب موقع بوابتي, باستثناء تلك الممضاة من طرفه أومن طرف "بوابتي"

الكاتب المؤشر عليه بأنه من كتاب موقع بوابتي، هو كل من بعث إلينا مقاله مباشرة