البدايةالدليل الاقتصادي للشركات  |  دليل مواقع الويبالاتصال بنا
 
 
 
المقالات الاكثر قراءة
 
تصفح باقي الإدراجات
أحدث المقالات

فهم محاولة إنتحار: نموذج لتدين الإنحطاط

كاتب المقال فوزي مسعود - تونس    من كتـــــّاب موقع بوّابــتي
 المشاهدات: 7311


 يسمح بالنقل، بشرط ذكر موقع "بوابتي" مصدر المقال، ويفضّل أن يكون ذلك في شكل رابط


اليوم، قام أحدهم –في إريانة- بحرق نفسه لعدم قدرته على تحمل ظروفه الإجتماعية المتردية

نظرت لبعض التعليقات أسفل الصورة حيث نشر الخبر بالفايسبوك، فوجدت أن بعضهم لم يسترعه من كل الحادثة إلا أن فسرها بأن هذا نتيجة إبتعاد الناس عن الدين وعدم خوفهم من الله، يقصد أن الإنتحار حرام وهذا أرتكب محرما، لم يقل مثلا أن بقايا فرنسا فقروا التونسيين بحيث ألجؤوهم للإنتحار، ولم يقل أن منظومة الإقتلاع أهلكت التونسيين وفقرتهم وامتصت خيراتهم طيلة عقود، لم يقل ذلك، بل نظر نظرة سطحية بائسة صممها المتحكمون بالواقع وإن تسترت بالتقوى، نظرة يفرح بها ويعمل على الترويج لها من دمر التونسيين و اقتلعهم من جذورهم ونهب ثرواتهم.

هذا أسميه تناولا تسطيحيا، وتوظيفيا ووظيفيا وموجها، وسأبرهن على هذا الكلام.

فهو تسطيحي لأن المعني اختزل أبعادا متعددة في بعد واحد، حيث سطّح تضاريس المسألة في الخوف من الله فقط، وكان الأجدر أن ينظر للسبب وليس للنتيجة، وسبب الحادثة ليس عدم الخوف من الله، لان الذين لايخافون من الله كثر ولكنهم لايحرقون أنفسهم، فالسبب هو أمر سابق في التأثير على الخوف من الله وعدمه، فالسبب هو الظروف الإجتماعية أي الواقع المتردي الذي غلب المنتحر، أما الخوف من الله فهو يتناول النتيجة التي هي الحرق، فالأولى موضوعيا تناول ما هو سابق في الوجود وهو سبب الإنتحار أي التركيز على الوضع المتردي لتغييره، لا التركيز على فهم يغطي على الواقع وينتهي لتكريسه

أي أنه نسبة للواقع هناك فهم يكرس الموجود وهناك فهم يجعل الواقع موضوع التغيير، هذا الأخير هو الفهم الرسالي المطلوب من الفرد المسلم، وهو الفهم المبني على النظر في الأسبباب وينطلق من فرضية أن كل موجود يمضي بقانون وأن خالق الكون يستحيل عليه أن يخلق الدنيا بالعشوائيات بحيث لا نفسرها ونفهمها

أما الفهم الاخر فهو يكرس الموجود ويستعمل لذلك النظر في النتائج، وهذا نظر مجزء ولايمكن إلا أن يعطي تصورات فاسدة مغالطة مادامت لم تنظر في كل مسار المسالة منذ وجودها أي أسبابها.

المسألة إذن ليست في رفض استعمال الإسلام وإنما استعماله هل يكون في مستوى النتيجة أو في مستوى السبب، والأصح للفهم هو الاستعمال في مستوى السبب، ثم الاستعمال في مستوى النتيجة يكون لاعتبار آخر كتحمل النتائج السيئة مثلا، فالإشكال قائم ابتداء في مستوى الفهم، أي أن المسالة ذهنية وليست دينية.

ثم هو تناول وظيفي وتوظيفي لأنه يجعل مثل هذا الفهم السقيم للواقع وللدين على السواء، أداة لحرف الانتباه عن الواقع ومشاكله والمؤثرين فيه أعداء عامة الناس، ولذلك تجد الاستعمال الوظيفي للدين يكثر في المجتمعات المنحطة، بل ان الاحتلال البريطاني كان يدعم ويشجع الانحرافات الدينية لأنها تمثل توظيفا يخدم مصلحتها في حرف الانتباه عن وجودها، كما أن آل سعود مثلا يستعملون هذا التدين الوظيفي المحرف لصرف النظر عن الواقع المتردي الذي يتحكمون فيه، من دون انتباه من الناس لهم، بل هناك من يعتبرهم رموزا للدين وأولياء أمور.

هذا الفهم هو بالآخر وبالأول من حيث وجوده، نتيجة توجيه ذهني، فالمتحدث بهذا الفهم المختل هو ضحية عمليات توجيه ذهني وإلا لما ركز على النتيجة من دون السبب، إذ لايوجد مرجح منطقي لتناول فصل من مسار وجود أمر ما دون فصل، إلا أن يكون المرجح عاملا خارجيا قام بترجيح أحد الاحتمالين وهو هنا التركيز على النتيجة دون السبب.

هذا المرجح هو عادة ادوات تشكيل الأذهان، ممثلة في أجهزة إنتاج التدين الوظيفي من مرتزقة الدين كالشيوخ والمفتين من الذين يعملون على تكريس الفهم التجزيئيي للدين بالعمل على تضخيم جوانب من التدين دون سواها (كالصلاة فقط او الأخلاق فقط)، وان كانت صوابا في ذاتها ولكنها خطأ إذا نظرنا اليها باعتبار أشمل ذلك أن هذا الفهم التجزيئي لا ينتج الا تدينا وظيفيا بطبعه لخدمة المتحكمين بالواقع، فهو تدين يقزم الاسلام كرسالة، ويجعله في احسن الحالات مجرد اداة اخلاقية فقط، وهذا يقود موضوعيا للعلمانية، ويمكن لفهم هذه النقطة الرجوع لنموذج تدين آل سعود حيث تنتج الة الدعاية الدينية هناك تدينا يختزل الاسلام في الصلاة، ولكنه بالمقابل مجتمع تابع للغرب ودولة أضرت بالإسلام والمسلمين أكثر من باقي دول الإسلام، بل إنه مجتمع في العديد من أبعاده لاعلاقة او تكاد له بالاسلام، لان التين بني بطريقة مشوهة مجزئة.


 اضغط على الكلمات المفتاحية التالية، للإطلاع على المقالات الأخرى المتعلقة:

تونس، الظروف الإجتماعية، الإنتحارـ التدين الوظيفي، الإنحطاط،

 





تاريخ نشر المقال بموقع بوابتي 11-06-2015  

تقاسم المقال مع اصدقائك، أو ضعه على موقعك
لوضع رابط لهذا المقال على موقعك أو بمنتدى، قم بنسخ محتوى الحقل الذي بالأسفل، ثم ألصقه
رابط المقال

 
لإعلام أحدهم بهذا المقال، قم بإدخال بريده الإلكتروني و اسمك، ثم اضغط للإرسال
البريد الإلكتروني
اسمك

 مشاركات الكاتب(ة) بموقعنا

  الإختصاص لازم في المعارف وليس في الفكر
  من له تعاملات مع منظمات أجنبية لا يجب أن يُتوقف عنده حتى وإن عارض الإنقلاب
  في فهم بعض أسباب تتالي هزائم حركة "النهضة"
  الوعي الموجه، نموذج الشيعة وخطرهم: من أنتجه وكيف نشأ
  إنها القناعة بما تعتقد في نفسك، هي التي تنتج الفاعلية
  لايمكن أن تقاوم من تتخذه مسطرة: نموذج القبول بالتحقيب الغربي وبمصطلح "الديكولونيالية"
  الفرق بين الفكرة ومحورية الفكرة: حالة الغنوشي
  شروط لنجاح أفعال تغيير الواقع
  الذين يشيدون بالعفيفة لابسة الحجاب، وإذا تزوجوا اختاروا المتبرجة المتهتكة
  نقاش الانتخابات: الأفضل أن نبحث في كيفية خروجنا من السجن لا تحسين ظروف البقاء فيه
  تأملات في الغيب (5): العجز الذهني هو الذي ينتج الجرأة على الله والقرآن
  الواقع تغيره الفاعلية وليس المبادىء والحق
  المصطلح الدعائي المكثف كأداة للفعل السياسي "الناجح": الخوارج، الخوانجية، الإرهاب...
  تماثيل شكري بلعيد، أعمال عدائية يجب أن تزال
  لقد أثبتت الأحداث أن تُهَمَكم ضد "النهضة" باطلة: من يجعل مُغالِبه مسطرة فلن تنتظر منه غير الهزيمة
  "الوطد" ليس هو المسؤول الأول ولا الوحيد عن سوئنا، وماهو إلا مجرد مقاول صغير
  "الكيل بمكيالين": نموذج لصيغ الإخضاع الذهني
  حول اغتصاب الفلسطينيات
  من يدعو لترك الفرز الايديولوجي إنما يريد تسهيل عمليات إخضاعنا
  "المعارضة الديموقراطية": المسلمة الفاسدة التي تصر على إلزامك بتأسيسات تونس الاولى
  المفاضلة بين درجات السوء تنزع عن مواقفك السند الأخلاقي: نموذج حادث الفتيات السائبات
  الوعي الموجه، ظاهره جيد وباطنه تأسيس للإمّعية الذهنية
  خواطر حول الجمال والمنفعة
  الخضوع الذهني التلقائي للفرد التابع
  تعاملنا مع الأفعال نقطيا يجعل الأخطاء حتمية
  الأعمال التلفزية المتهتكة يجب رفضها لأصلها وليس لتفاصيلها
  نقاشات التونسيين حول الديموقراطية والحرية، تشبه عراك ركاب حافلة
  التضاد في المصطلحات: "على مسؤوليتي"، "إسلام التسامح"
  الاذاعات والتلفزات التونسية تمثل أكبر مصدر للتعفين الذهني: بداية من السجناء السياسيين وصولا لعموم الناس
  الدروس الوعظية تشوش وعي الناس ولاتخدمهم

أنظر باقي مقالات الكاتب(ة) بموقعنا


شارك برأيك
لوحة مفاتيح عربية بوابتي
     
*    الإسم
لن يقع إظهاره للعموم
     البريد الإلكتروني
  عنوان المداخلة
*

   المداخلة

*    حقول واجبة الإدخال
 
كم يبلغ مجموع العددين؟
العدد الثاني
العدد الأول
 * أدخل مجموع العددين
 
 
 
أكثر الكتّاب نشرا بموقع بوابتي
اضغط على اسم الكاتب للإطلاع على مقالاته
د. أحمد بشير، د. خالد الطراولي ، د. كاظم عبد الحسين عباس ، مراد قميزة، محمد العيادي، رمضان حينوني، محمد أحمد عزوز، علي الكاش، أشرف إبراهيم حجاج، د. مصطفى يوسف اللداوي، كريم السليتي، إسراء أبو رمان، يحيي البوليني، رحاب اسعد بيوض التميمي، صباح الموسوي ، محمود فاروق سيد شعبان، د - صالح المازقي، عمار غيلوفي، محمد اسعد بيوض التميمي، سامح لطف الله، أحمد الحباسي، سلام الشماع، سيد السباعي، د- محمد رحال، ماهر عدنان قنديل، يزيد بن الحسين، عواطف منصور، حاتم الصولي، مصطفي زهران، عبد الله زيدان، سامر أبو رمان ، عراق المطيري، الهادي المثلوثي، محمد عمر غرس الله، مصطفى منيغ، د - عادل رضا، أحمد بوادي، رشيد السيد أحمد، د.محمد فتحي عبد العال، صلاح المختار، سليمان أحمد أبو ستة، محرر "بوابتي"، د. صلاح عودة الله ، فوزي مسعود ، أبو سمية، تونسي، د - الضاوي خوالدية، محمود طرشوبي، د - محمد بنيعيش، د - مصطفى فهمي، إيمى الأشقر، علي عبد العال، العادل السمعلي، حسن عثمان، فتحي العابد، د. أحمد محمد سليمان، رافد العزاوي، فتحـي قاره بيبـان، حسني إبراهيم عبد العظيم، خالد الجاف ، د. عبد الآله المالكي، صالح النعامي ، المولدي الفرجاني، محمد يحي، خبَّاب بن مروان الحمد، محمد الطرابلسي، أحمد النعيمي، د- محمود علي عريقات، أنس الشابي، جاسم الرصيف، د. ضرغام عبد الله الدباغ، عزيز العرباوي، ياسين أحمد، محمد الياسين، مجدى داود، محمود سلطان، الناصر الرقيق، د - ‏أحمد إبراهيم خضر‏ ، محمد شمام ، وائل بنجدو، ضحى عبد الرحمن، فتحي الزغل، د - المنجي الكعبي، سعود السبعاني، سلوى المغربي، فهمي شراب، عبد الله الفقير، د- هاني ابوالفتوح، د - شاكر الحوكي ، نادية سعد، د- جابر قميحة، الهيثم زعفان، سفيان عبد الكافي، د - محمد بن موسى الشريف ، حسن الطرابلسي، أ.د. مصطفى رجب، رضا الدبّابي، منجي باكير، د. طارق عبد الحليم، أ.د أحمد محمّد الدَّغَشِي ، عبد الغني مزوز، عمر غازي، د. عادل محمد عايش الأسطل، صفاء العربي، طلال قسومي، كريم فارق، إياد محمود حسين ، أحمد بن عبد المحسن العساف ، صفاء العراقي، رافع القارصي، حميدة الطيلوش، صلاح الحريري، أحمد ملحم، عبد الرزاق قيراط ،
أحدث الردود
مسألة الوعي الشقي ،اي الاحساس بالالم دون خلق شروط تجاوزه ،مسالة تم الإشارة إليها منذ غرامشي وتحليل الوعي الجماعي او الماهوي ،وتم الوصول الى أن الضابط ...>>

حتى اذكر ان بوش قال سندعم قنوات عربيه لتمرير رسالتنا بدل التوجه لهم بقنوات امريكيه مفضوحه كالحره مثلا...>>

هذا الكلام وهذه المفاهيم أي الحكم الشرعي وقرار ولي الأمر والمفتي، كله كلام سائب لا معنى له لأن إطاره المؤسس غير موجود
يجب إثبات أننا بتونس دول...>>


مقال ممتاز...>>

تاكيدا لمحتوى المقال الذي حذر من عمليات اسقاط مخابراتي، فقد اكد عبدالكريم العبيدي المسؤول الامني السابق اليوم في لقاء تلفزي مع قناة الزيتونة انه وقع ا...>>

بسم الله الرحمن الرحيم
كلنا من ادم وادم من تراب
عندما نزل نوح عليه السلام منالسفينه كان معه ثمانون شخصا سكنو قريه اسمها اليوم هشتا بالك...>>


استعملت العفو والتسامح في سياق انهما فعلان، والحال كما هو واضح انهما مصدران، والمقصود هو المتضمن اي الفعلين: عفا وتسامح...>>

بغرض التصدي للانقلاب، لنبحث في اتجاه اخر غير اتجاه المنقلب، ولنبدا بمسلمة وهي ان من تخلى عن مجد لم يستطع المحافظة عليه كالرجال، ليس له الحق ان يعامل ك...>>

مقال ممتاز...>>

برجاء السماح بإمكانية تحميل الكتب والمراجع...>>

جل الزعماء العرب صعدوا ،بطرق مختلفة ،تصب لصالح المخطط الانتربلوجي العسكري التوسعي الاستعماري،ساهموا في تبسيط هدم حضارة جيرانهم العربية او الاسلامية عم...>>

مقال ممتاز
لكن الاصح ان الوجود الفرنسي بتونس لم يكن استعمارا وانما احتلال، فرنسا هي التي روجت ان وجودها ببلداننا كان بهدف الاعمار والاخراج من ح...>>


الاولى : قبل تحديد مشكلة البحث، وذلك لتحديد مسار البحث المستقل عن البحوث الاخرى قبل البدء فيه .
الثانية : بعد تحديد مشكلة البحث وذلك لمعرفة الا...>>


بارك الله فيكم...>>

جانبك اصواب في ما قلت عن السيد أحمد البدوي .

اعلم أن اصوفية لا ينشدون الدنيا و ليس لهم فيها مطمع فلا تتبع المنكرين المنافقين من الوها...>>


تم ذكر ان المدخل الروحي ظهر في بداياته على يد شارلوت تويل عام ١٩٦٥ في امريكا
فضلا وتكرما احتاج تزويدي ب...>>


الدين في خدمة السياسة عوض ان يكون الامر العكس، السياسة في خدمة الدين...>>

يرجى التثبت في الأخطاء اللغوية وتصحيحها لكي لاينقص ذلك من قيمة المقال

مثل: نكتب: ليسوا أحرارا وليس: ليسوا أحرار
وغيرها ......>>


كبر في عيني مرشد الاخوان و صغر في عيني العسكر
اسال الله ان يهديك الى طريق الصواب
المنافقون في الدرك الاسفل من النار...>>


It is important that issues are addressed in a clear and open manner, because it is necessary to understand the necessary information and to properly ...>>

وقع تصميم الموقع وتطويره من قبل ف.م. سوفت تونس

المقالات التي تنشر في هذا الباب لا تعبر بالضرورة عن رأي صاحب موقع بوابتي, باستثناء تلك الممضاة من طرفه أومن طرف "بوابتي"

الكاتب المؤشر عليه بأنه من كتاب موقع بوابتي، هو كل من بعث إلينا مقاله مباشرة