د.شاذلي عبد الغني إسماعيل - مصر
من كتـــــّاب موقع بوّابــتي المشاهدات: 3760
يسمح بالنقل، بشرط ذكر موقع "بوابتي" مصدر المقال، ويفضّل أن يكون ذلك في شكل رابط
في الوقت الذي يعتقد فيه صاحب السلطة المطلقة أنه صار صاحب الحل والعقد وأن له القهر والغلبة وأن إرادته هي الأقوى والأكبر والأعظم ، تكون ذاته قد انصهرت تمامًا تحت نيران السلطة ، ويكون قد قدم بيده وثيقة إذعانه وخضوعه ؛ فيصبح عبدًا ضعيفًا للنزعة السلطوية التي استولت عليه واستبدت به وجرته جرًا إلى الاستبداد، وجعلت منه خادمًا مطيعًا للأهواء والميول والنزوات والنزعات الاستبدادية التي تتسع وتتضخم وتتقوى بفعل البطانة والحاشية التي تنتفع بوجودها في ظل صاحب السلطة المطلقة ، ومن ثم تعمد إلى نفاقه وتعميته والانحراف به بعيدًا عن كل ما يمكن أن يعيد إليه توازنه وتخوض به في غمار النزوات التي تتعارض مع الأصول والقواعد والمبادئ التي ربما كان ذلك الحاكم من أكثر الداعين لها والمنافحين عنها والرافعين لشعاراتها، ولعله كان مع بداية توليه للسلطة قد اتخذ الخطوات الأولى لتطبيقها عمليًا .
هكذا يخبرنا تاريخ العديد من الطغاة ، فقد استهل عدد غير قليل منهم حياته السلطوية بفتح فضاءات شاسعة للحرية والعدالة والتسامح والفكر القويم ، ولو أنهم استمروا لأصبحوا رموزًا مضيئة في تاريخ الحضارة الإنسانية ، لكنهم انحرفوا فصاروا رموزًا للقسوة المتوحشة والاستبداد الكريه . من أشهر هؤلاء "كاليجولا" و"نيرون" و"روبوسبير" .
البداية
فأما «كاليجولا» فقد بدأ حكمه لروما سنة 37ميلاديًا بإعطاء الكثير من الحريات السياسية فوسع من سلطات مجلس الشيوخ الروماني، كما أنه أفرج عن المسجونين، وأعاد المنفيين إلى بلادهم، وخفف الضرائب ،ووسع من أرزاق الناس ومنح شعبه الكثير من المال .
أما «نيرون» (73- 68) الذي تولى حكم روما وهو في الخامسة عشرة من عمره، فقد كانت سنواته الأولى من السنوات المجيدة التي تميزت بالإصلاحات وكان يتسم باللين والوداعة، وكان في ذلك متأثرًا بأستاذه « سيينيكا».
و"روبوسبير" (175-1794) كان محاميًا فرنسيًا متحمسًا لآراء المفكرين أمثال «جان جاك روسو» و"فولتير" و"ديدرو" ، وكان يعارض بشدة عمليات الإعدام ويقول « إن عملية سلخ المنتصر لرؤوس أسراه هو عمل يتصف بالبربرية ، إن من يذبح طفلاً ضالاً يمكن إصلاحه ومعاقبته فهو أمر وحشي « .وقد دافع عن حرية الصحافة وحقوق الانتخاب و الأقليات .
الانقلاب :
لم يستمر هؤلاء طويلاً على طريق الحرية والعدالة، فقد انقلبوا على ما شرعوا فيه، وحولهم إحساسهم بقدرتهم وسلطانهم المطلق إلى وحوش متسلطة أو قل حولهم إلى فريسة للسلطة المتوحشة .
فأما «كاليجولا» فاستبد به إحساسه أنه إله على الأرض وكان يقول : «إذا لم أقتل شعرت أني وحيد «، ومن عجائبه أنه في يوم من الأيام قرر تقديم الصلع من المساجين طعامًا للوحوش التي كان يربيها، مع أنه كان أصلع . وعندما وجد عصره خاليًا من المجاعات أغلق مخازن الغلال ومكث يستمتع برؤية أهل روما ينهشهم الجوع . والرجل الذي وسع من سلطات مجلس الشيوخ هو الذي أجبر أعضاءه بعد ذلك على تقبيل قدميه وعلى شكره أنه منحهم ذلك الشرف العظيم ، وهو الذي دخل مجلس الشيوخ بفرسه وقرر أن يجعله عضوًا في ذلك المجلس وما كان من الأعضاء إلا أن هتفوا له مؤيدين ، فأعلن عن حفل لهذا التعيين ، وعندما حضر الأعضاء فوجئوا أن المأدبة ليس فيها سوى تبن وشعير فأذعنوا وأكلوا التبن والشعير .
وهذا «نيرون» يذهب به الجبروت إلى غايته فيقتل الآلاف بدم بارد وكان من ضمن ضحاياه أستاذه «سينيكا»
وزوجته « أوكتافيا» التي كان كل جرمها أنها رأته أثناء أدائه لمسرحية يحمل فيها صولجانًا فسقط منه فمدحت تمثيله لكنها قالت له :» لو أنك لم تسقط الصولجان» فقتلها وكانت عبرة؛ حيث لم يتجرأ أحد بعد ذلك على نقده .
أما أبشع جرائمه فكان حريق روما حيث أراد أن يعيد بناءها وبينما كانت النيران تستعر والبشر يحترقون وتتصاعد صرخاتهم كان نيرون يعزف ويغني أشعار هوميروس التي يصف فيها حريق طروادة .
و "روبوسبير" الذي كان يعارض حكم الإعدام صار يضرب به المثل في تنفيذ ذلك الحكم يقول المؤرخون إنه قتل ستة آلاف مواطن فرنسي في ستة أسابيع دون أن يهتز له ضمير، وخلال تسعة أشهر حكم رسميًا على ستة عشر ألف شخص بالموت معظمهم بالمقصلة .
النهاية:
يبدو أن الطغيان يدمر أي قدرة على الاتعاظ وأخذ العبرة أو أنه يمحو الذاكرة ويجر صاحبه الأعمى إلى هلاكه دون أن يشعر؛ فنهايات الطغاة تتشابه ورغم ذلك لم نجد طاغية يتعظ، والثلاثة الذين معنا هم خير دليل على ذلك
فما فعله "كاليجولا" يثير أحد أعضاء مجلس الشيوخ وهو "براكوس" الذي يثور ويصرخ قائلاً إلى متى يا أشراف روما نظل خاضعين لجبروت "كاليجولا" ويقذف بحذائه في وجه حصانه ويصرخ « يا أشراف روما افعلوا مثلي واستردوا شرفكم المهان لتتحرك النخوة في قلوبهم ويجتمعوا على "كاليجولا" ويقتلوه .
أما "نيرون" فيعلن مجلس الشيوخ أنه أصبح عدوًا للشعب فيموت منتحرًا تاركًا له تاريخًا أسود.
و "روبوسبير" تقتحم قوة عسكرية بأمر من أعضاء المؤتمر داره وتصيب إحدى الرصاصات التي أطلقت عليه فكه ويقاد وهو يقطر دمًا إلى المقصلة التي قتل بها الآلاف.
اضغط على الكلمات المفتاحية التالية، للإطلاع على المقالات الأخرى المتعلقة: