فوزي مسعود - تونس
من كتـــــّاب موقع بوّابــتي المشاهدات: 6735
يسمح بالنقل، بشرط ذكر موقع "بوابتي" مصدر المقال، ويفضّل أن يكون ذلك في شكل رابط
من ضمن أسباب الانحطاط لدينا يوجد عامل الخلط بين الواقع والصواب، أي أن هناك تصور يقوم على افتراض أن كل ما هو واقع فهو صواب.
قد يكون هذا التصور لدى البعض مباشرا وواضحا، ولكنه أحيانا أخرى ضمنيا فقط، وفي كل الحالات لا يتم تتبع الواقع ونقده باعتباره مصنفا صحيحا أي صوابا.
لا أريد الإطالة في الرد على فساد هذا الخلط المنهجي، يكفي لذلك القول أن الصواب هو ما يجب ان يكون نسبة لمرجعية حكم أما الواقع فإنه ما هو كائن كمحاولة لفهم تلك المرجعية، والمسافة بينهما هي المسافة بين النظري وبين التطبيقي، بين المبدأ في أصوله وبين المبدأ المنزل، بين ما هو بالقوة وما هو بالفعل كما يقول الفلاسفة.
إذا أردنا التعمق، فإن الفرق قد يكون معرفيا فلسفيا، فيصبح مقابلة بين من يعتمد على المبادئ كخلفية وبين من يعتمد على الواقع كمرجع، أي مقابلة بين أصالة المجردات من فكر وعقل وبين أصالة الواقع المادي، بين نظرية المعرفة الإسلامية وبين نظرية المعرفة الغربية الواقعية المادية.
يمكن ملاحظة هذا الخلط في الاستعمالات العادية، حيث يقول بعضهم في معرض الكلام: الحقيقة أن ذلك الأمر هو كذا وكذا عوض أن يقول: الواقع أن ذلك الأمر هو كذا وكذا، والعكس بالعكس، لاستواء الحقيقة بالواقع لديه.
تتفاقم نتائج الخلط هذا حينما ننظر لبعض عينات ممارساتها، إذ يصبح كل متحكم بالواقع مقبولا وتتناسى فضاعاته.
فسيئ الذكر مثلا وقع تناسي انه مؤسس تبعية تونس للغرب والمسؤول عن مجمل ما نعيشه من مآسي من ضمنها التفكك المجتمعي والتبعية الذهنية لعموم التونسيين للغرب وضعف حس الانتماء الحضاري وكره الذات لدى التونسيين وغياب المساهمة العلمية والتقنية لتونس باعتبار أن المسلوب حضاريا في تونس لن يمكنه إلا أن يكون عاجزا ذهنيا، أكبر أمانيه أن يدرس في فرنسا ويشتغل بها ويستحيل لديه أن يجاوز فرنسا بإنجاز او غيره، فكيف يمكنه ان يفكر في صناعة سيارة مثلا أو غيرها، هذا غير ممكن لدى تلك العقليات المسلوبة التابعة.
ثم تمّ تناسي كل أفاعيل سيئ الذكر تلك، بل وتم الاتفاق بين اغلب الفاعلين المتحكمين بالواقع الآن الذين يمثل اغلبهم ضحاياه، اتفقوا انه يجب المحافظة على انجازات سيئ الذكر تلك، مما يعني انه تم ضمنيا اعتبار ان الواقع صواب، وأن صوابية الواقع المفترضة ألغت صوابية الأفكار والمبادئ التي تحكم على الواقع ذلك بالفساد.
مثل آخر، لو رجعنا لنماذج من تاريخينا الإسلامي، يمكن أن نجد عينات أخرى للخلط بين الواقع و الصوابية، فحكام بني أمية قتلة الناس يتغاضى عن أفاعيلهم ويستعاض عنها باعتبار واقعهم صوابا ومرجعا، أي أن صوابية الواقع غلبت صوابية المبدأ الذي يحتم الحكم عليهم كمجرمين، فضلا على أن يكونوا قدوات يعلى من شأنهم بل منهم من تروى عنه الأحاديث النبوية.
مثل آخر، فعموم من نعرف من علماء بل ومؤسسي مذاهب، كانوا مجرد فقهاء سلطان متواطئين مع الحكام وساكتين عن الحق، ولكنه تم تاريخيا الإعلاء من شأنهم لمصلحة الحكام في ذلك، وتم بالمقابل التغاضي عن سقطاتهم، وانتهى بنا الحال أن اعتبرناهم فعلا قدوات كما اعتبرهم المتحكمون في ذلك الواقع من قبل، أي انه تم تغليب صوابية الواقع على صوابية المبدأ الذي يحتم أن نرفض كون أولئك هم قدوات فضلا على أن يرووا الأحاديث فضلا على أن يكونوا مؤسسي مذاهب
اضغط على الكلمات المفتاحية التالية، للإطلاع على المقالات الأخرى المتعلقة: