محمد رضوان - السعودية
من كتـــــّاب موقع بوّابــتي المشاهدات: 3509
يسمح بالنقل، بشرط ذكر موقع "بوابتي" مصدر المقال، ويفضّل أن يكون ذلك في شكل رابط
يأتي دور علم الاقتصاد الاسلامي بإعتداله ليضع الميزان ويعدل بين الأطراف ويعطي كل ذي حق حقه فيسمح لصاحب المال بالربح نتيجة لاستثمارة بالقسط دون أن لا يضر بنفسه أو يُجير على من حوله والسماح بأن تعم الاستفادة جميع الأطراف ما بين فرد ومنظومة ومجتمع ، فوضع الضوابط والقواعد الأمنة من صميم أهداف هذا العلم .
ولهذا السبب أتعجب كثيراً من الأبواق التي تخرج بالتنظير منكرة وجود علم الاقتصاد الاسلامي متحججين بأنه لا دخل بين الدين وعالم المال والأعمال والاقتصاد وأن الدين لا يجب أن يتخطى حدود أماكن التعبد ولا تخرج تعاليمه عبر جدران المساجد وأن عالم المال والأعمال له قواعده ومعتقداته التي لا تتحمل أصول عقائدية تحجم من قواها وتُحد من مداها .
ولذا فقد وجدت أنه لابد لي من المساهمة برشق ولو سهم واحد من أسهم الرد على مثل هذة المهاترات والنظريات سطحية الرؤى والتي تتسم بكونها جوفاء من عمق الفهم وأبعاد الغايات وذلك من خلال نتائج البحث الذي خلص إليها الباحث .
أنا لن أجادل كثيراً في كون الدين أصل المعاملات بل وأصل العلم ذاته , وأن الدين جاء بالتشريع لمصلحة البشر وللعالمين أجمعيين .
ولكنني سأتناول الموضوع من جانب المنفعه الدنيوية البحتة , كما يريد من يدعي أنه من الواجب عدم تدخل الدين حتى لا تفسد تعاليمه الشرعية أليات عمل الاقتصاد وتعطل منظومته التلقائيه تجاه تحقيق المنفعة المرجوة من ذلك , ولكن أخي المناظر أليس من الإنصاف أن تكون نظرتك للمنفعة نظرة شاملة وليست قاصرة على جانب دون إغفال الجوانب الأخرى , فعندما نتكلم عن إنتشار أنواع وأصناف من المنتجات المالية والمضاربات القائمة عليها في معظم بورصات العالم والتي سنأخذ منها على سبيل المثال لا الحصر ( المشتقات المالية – عقد خيار البيع ) والذي يتم إنشائه بهدف التحوط من مخاطر التعامل على سلعة أو أصل مثل الأوراق المالية ( أسهم عادية أو ممتازة أو سندات) , وهنا يجدر بنا الإشارة إلى أن التحوط من المخاطر في حد ذاته شئ جيد وهدف لا غبار عليه وينم عن فكر استثماري واعي كأسلوب أحترازي في عالم الاستثمار , ولكن عندما ننظرر في الأمر بشكل أدق وأعمق نجد أن الهدف هو التحوط نعم ولكن ليس بإتخاذ سياسات الحيطة والحذر المعهودة بأي طرق متعارف عليها مثل القيام بتنويع محافظ الأستثمار مثلاً , ولكن يكون التحوط المنشود بنقل مركز الخطر إلى طرف أخر ( مستثمر أخر ) يكون على قلة وعي بمشاكل هذا النوع من الأستثمار ( الورقة المالية مثلاً )وذلك لضعف خبرة أو ضعف معلومات أو أنه مراهن على عكس توقع الطرف الأول فمثلاً الأول يتوقع انخفاض السعر والثاني يتوقع أرتفاع السعر حسب ما لديهم من معلومات أو حسبة مستقبلية والنتيجة هي نقل الخسائر المتوقعة فيربح الطرف الأول على حساب خسارة الطرف الثاني أو العكس ويكون العائد الاقتصادي على المجتمع « صفري « فلا نماء ولا تنمية ولا منفعة وإنما مراهنات على أرتفاع وأنخفاض أسعار لأوراق مالية أو أصول يكسب طرف ما يخسرة الأخر دون أدنى عائد تنموي حقيقي .
وهذا ما تصدت له العديد من الأبحاث والنظريات وحتى الكلمات التي حوتها كتب ومراجع أكبر علماء الاقتصاد في العالم , حيث أنتقدو المستوى الذي آلت إلية الأوضاع المالية والاقتصادية من تردي الحال بسبب أستخدام أسعار الفائدة « النظام الربوي « كقاعدة يتم بناء المعالجات الاقتصادية على أساسها فضلاً عن المضاربات والمراهنات داخل اسواق الأوراق المالية, وقد سبق وأن تعرض الفقه الإسلامي لكلا الأمرين بالتحريم القاطع لما لها من أضرار مضاعفة وفساد الحياة المالية والاقتصادية . ولكننا في هذا الصدد سنجنب رأي الدين مؤقتاً وسنقوم بعرض أهم ما جاء على لسان علماء الاقتصاد في العالم وسنركز على غير المسلمين منهم حتى نتجنب اختلاط العاطفة الدينية بموضوعية النظرية .
وستبدأ بما قاله العالم الاقتصادي الكبير « كينز » عندما وصف البورصة بأنها « كازينو للقمار »
«Keynes himself uses the term in this sense in his general theory where he describes the stock market as a casino inflation, thomos Wilson 1961 «
وعندما أنتقد كينز نظام سعرالفائدة قائلاً .
«إن معدل سعر الفائدة يعوق النمو الاقتصادي لأنه يعطل حركة الأموال نحو الاستثمار في حرية وانطلاق، فإن أمكن إزالة هذا العائق فإن رأس المال سيتحرّك وينمو بسرعة»
هذا وقد تطرق الاقتصادي الفرنسي « موريس آلياس» الحائز على جائزة نوبل في العلوم الاقتصادية سنة 1988م . في محاضرة بأسم «الشروط النقدية لاقتصاد الأسواق من دروس الأمس إلى إصلاحات الغد» والتي ألقاها بمقر البنك الإسلامي للتنمية سنة 1993م(1) .
حيث تكلم عن الأزمة الهيكلية التي يشهدها الاقتصاد العالمي معتبراً أن الوضع على حافة بركان , وقد انتقد فيها النظام المالي العالمي في ظل اقتصاد السوق، حيث أظهر وجود تقارب مع منهج الفكر الاقتصادي الإسلامي وتكلم عن الدور السلبي لآلية الإقراض في النشاط المصرفي الرأسمالي مهدداً بالأنهيار تحت وطأة الأزمة المضاعفة ( المديونية والبطالة ) وأقترح للخروج من الأزمة وإعادة التوازن شرطين هما تعديل معدل الفائدة إلى حدود الصفر وفرض ضريبة على رأس المال للوصول بها إلى ما يقارب 2% .
ويقول أيضاً موريس آلياس .» إن آلية الائتمان – أي التمويل الربوي – تؤدي بصورة جوهرية إلى خلق وسائل دفع من لا شيء, ذلك لان صاحب الوديعة في أي مصرف من المصارف يعتبر وديعته رصيداً نقدياً متاحاً تحت تصرفه, في حين أن هذا المصرف قد أقرض معظم هذه الوديعة, الذي إذا ما أعيد إيداعه في مصرف آخر أو لم يعد إيداعه, اعتبر رصيداً نقدياً متاحاً تحت تصرف صاحبه, فكل عملية ائتمان ترافقها إذاً عملية مضاعفة للنقود «, إن هذا القول يجسد لنا الأثر البالغ الذي يولده التمويل الربوي على النقود التي تسعى كل السياسات الاقتصادية إلى الحفاظ على استقرارها وعلى تأديتها لوظائفها الأساسية بشكل سليم.
وإن تمعنا في وجهة النظر السابقة والتوجيه المقدم من «موريس آلياس» عالم الاقتصاد الفرنسي الشهير فإن ما يقوله يتطابق كثيراً مع التأصيل الإسلامي , فقد أشار للزوم الأطاحة بمعدلات سعر الفائدة لقرابة الصفر ليتطابق ذلك مع مبادئ الشريعة الإسلامية من منع للزيادة المحددة والمشروطة فوق أصل الدين حيث أن المال يتجر به وليس فيه , والعنصر الثاني الذي قد توجه به «موريس آلياس « هو خفض معدلات الضرائب لتصل إلى 2% وهذا ما نجده في تأصيل الفقه الإسلامي لمعدلات الزكاة وهي ربع العشر « 2.5% «
ونترك موريس ألياس ونذهب إلى البروفيسر الاقتصادى ورئيس تحرير مجلة (تشالينجز) 5-10-2008م «بوفيس فانسون» في أفتتاحية المجلة وطرحه لموضوعاً أثار موجه عارمة من الجدل وردود الأفعال في الأوساط الاقتصادية بعنوان ( البابا والقرأن ) وقد تسائل المؤلف فيه عن أخلاقية الرأسمالية ؟ (2)
ودور المسيحية كديانة والكنيسة الكاثوليكية بالذات في تكريس هذا المنزع والتساهل في تبرير الفائدة، مشيرا إلى أن هذا النسل الاقتصادي السيئ أودى بالبشرية إلى الهاوية.. وتساءل الكاتب من موقف الكنيسة ومستسمحاً البابا « بنديكيت السادس عشر» قائلا «أظن أننا بحاجة أكثر في هذه الأزمة إلى قراءة القرآن بدلا من الإنجيل لفهم ما يحدث بنا وبمصارفنا لأنه لو حاول القائمون على مصارفنا احترام ما ورد في القرآن من تعاليم وأحكام وطبقوها ما حل بنا ما حل من كوارث وأزمات وما وصل بنا الحال إلى هذا الوضع المزري؛ لأن النقود لا تلد النقود».
اضغط على الكلمات المفتاحية التالية، للإطلاع على المقالات الأخرى المتعلقة: