البدايةالدليل الاقتصادي للشركات  |  دليل مواقع الويبالاتصال بنا
 
 
 
المقالات الاكثر قراءة
 
تصفح باقي الإدراجات
أحدث المقالات

الشيزوفرينيا العربية

كاتب المقال د. مصطفى يوسف اللداوي - المغرب    من كتـــــّاب موقع بوّابــتي
 المشاهدات: 3592 moustafa.leddawi@gmail.com


 يسمح بالنقل، بشرط ذكر موقع "بوابتي" مصدر المقال، ويفضّل أن يكون ذلك في شكل رابط


ليس هناك شك بأن الدول العربية تعاني من مرض الشيزوفرينيا، وأنها تعيش حالة متقدمة جداً من مرض الفصام في الشخصية، وقد بدت عليها كل مظاهر هذا المرض، رغم أنها تحاول أن تثبت أنها سوية وسليمة، وأن تصرفاتها عقلية ومنطقية، وهي متناسقة ومنسجمة، ومنظمة ومنتظمة، وأنه لا تناقض فيها ولا اختلاف، ولا شذوذ ولا انحراف، وأنها عاقلة وليست مجنونة، وأنها إنسانية وعقلانية، وطبيعية وواقعية، نافيةً عن نفسها أي تهمةٍ بالتناقض، أو الفصام في السلوك والتصرفات.

إلا أن الحقيقة التي تعرفها الشعوب العربية كلها، أن أنظمتها مريضة منذ زمنٍ بالفصام في الشخصية، سواء اعترفت أو أنكرت، وأن عليها أن تقبل بهذه الحقيقة إن كانت ترغب في الشفاء، وتبحث عن العلاج، فاعتراف المريض بمرضه يشكل أولى خطوات العلاج، ويساعد على الشفاء، إذ أن كل الدلائل تشير إلى أن المرض قد استبد بها، وسيطر عليها، وتمكن منها، فأصبح من الصعب عليها أن تنكر أو تنفي، إلا أنها تكابر وتعاند، وترفض الاعتراف، كما لا تقبل بالعلاج، وهو ما يجعل التعامل والتفاهم معها صعباً.

فهي تدعي الديمقراطية وتمارس الاستبداد، وتقول بأنها شفافة وهي أبعد ما تكون عنها، وتصف انتخاباتها بأنها نزيهة وهي في حقيقتها مزورة، وتدعي العدل وهي تمارس الظلم بأبشع صوره، وتقول بأنها تطبق معايير مهنيةٍ منصفة، وهي في حقيقتها تحتكم إلى منظومةٍ من العلاقات الشخصية والمنافع الفردية، وتقول بأنها تنفذ سياسات إنمائية متوازنة، لكنها تقوم بمشاريع إنمائية انتقائية، بما يخدم مصالحها، ويحقق منافعها، وفي مناطق معينة تهم بعض المسؤولين، بينما تهمش مناطق كثيرة، وتحرمها من حقوقها.

وهي تقسم بالله بأن سجونها خالية من المعتقلين السياسيين، وأنه لا يوجد فيها معتقلوا رأي، ولا معارضون سياسيون، ولا دعاة حقوق الإنسان، ولا ممثلوا مؤسسات مجتمعٍ مدني، ولكن الحقيقة أن معتقلاتها تغص بآلاف المعتقلين، ممن يصنفون بأنهم معارضة أو أصحاب رأيٍ حرٍ، كالكتاب والصحفيين، كما تدعي بأنها لا تمارس التعذيب في سجونها، ولا تجبر المعتقلين على الإدلاء باعترافاتٍ تحت الضغط والإكراه، وأنها تمنح المعتقلين حقوقهم، ولا تحرمهم مما نص عليه القانون، إلا أن سجونها مسالخٌ للتعذيب، وزنازينٌ للقهر، وقبورٌ لآلاف المعتقلين، في هدرٍ غير مسبوقٍ للكرامة الإنسانية للمعتقلين في سجونها.

وهي ترتكب أكبر المجازر، وأفضع المذابح، فتقتل بالجملة والآحاد، وتطلق النار غزيراً على المظاهرات والتجمعات، وتدوس بالدبابات والجرافات أجساد المتظاهرين والمعترضين، وتسحق عظام الأموات والأحياء معاً، وتفجر المؤسسات والثكنات، وتقتل العسكريين والمدنيين، وتعتدي على المساجد والكنائس، وتقتحم الجامعات والمدارس، وتلقي بالطلاب من فوق أسطح المباني، وتقتل من شاءت بمديةٍ أو بسكين، أو تدهسه بسيارة أو تسجله بناقلة، أو تقنصه ببندقيه أو تغتاله بمسدس، أو تخنقه بغازٍ سامٍ، ثم تتهم الآخرين بأنهم إرهابيون قتلة، ومأجورون فسدة، يسعون إلى تخريب البلاد، وترويع العباد، وأنهم يقفون وراء حريق الوطن، ودمار مستقبله.

وهي تدعي بأنها سيدة حرة ومستقلة، وأنه لا يؤثر على قرارها أحد، ولا تملي جهةٌ عليها، وأنها لا تخضع للشروط، ولا تستجيب للضغوط، ولا تقبل الوصاية من أحد، ولا يكرهها على القيام بأمرٍ غير شعوبها، إلا أن الواقع يقول بأنها أنظمةٌ مرتهنة، وهي تابعةٌ وخاضعة، تتلقى التعليمات، وتنفذ السياسات، وأنها لا تستجيب لأماني شعبها، ولا تحقق مطالبه، ولا تقبل أن تمضي وفق سياسته، بل تنفذ عكس رغباته، وتقمع من اعترض من شعوبها على سياستها.

لا تكتفي الأنظمة العربية بإنكار مرضها، ونفي معاناتها، ورفض تشخيصها أو علاجها، بل تبادر إلى اتهام الآخرين من مواطنيها بالمرض، وتصفهم بأنهم مصابون به، ويعانون منه، ويشكون من مضاعفاته، وتجبرهم على القبول بتشخيصهم، وتلقي العلاج الذي تصفه لهم، وهو علاجٌ في غالبه مرٌ وقاسي، وعنيفٌ وشديد، ويجب على الشعوب أن تتجرعه، وأن تقبل به وترضى، وإن لم تستسغ طعمه، أو تقبل بآثاره ومضاعفاته، ولدى الأنظمة العربية من الوسائل والسبل، التي من شأنها ضمان الوصول إلى النتائج المرجوة بسرعة.

أما من عاند واستكبر، ورفض وتمنع، وأبى أن يخضع أو يلين، ورفع الصوت عالياً وصدح برأيه دون خوفٍ، فإنه يتهم بالعمالة والارتباط، وأنه ينفذ أجندة معادية، ويرتبط بأنظمة أجنبية، مما يستوجب اعتقاله ومحاسبته، ومحاكمته وتنفيذ أقصى العقوبات في حقه، أو يتهم بالجنون والسفه، ويقاد إلى المستشفيات العصبية، ليخضع إلى جلساتِ علاجٍ كهربائية، التي هي في حقيقتها جرعات تعذيبٍ كهربائيةٍ قاتلة، فهو إرهابي يستحق ما ينزل به عذاب، أو يحل عليه من عقاب.

أما من رغب بالنجاة، وآثر الفرار بنفسه، فإن عليه أن يعطل عقله، ويلغي تفكيره، ويسلم للأنظمة بما ترى، ولو كان ما ترى حلماً في منام، أو خيالاً جامحاً لمدمنٍ على مخدرات، أو كان رأياً لمجنونٍ يرى فيه نفسه العظمة والخلود والكبرياء، ويعتقد أنه صاحب الوحي ومسير العدل في هذا الزمان.

وعلينا أن نقتنع ونسلم، ونخضع ونقبل، إذ أن للأنظمة من السلطان، ما ليس للعقل ولا للقرآن، ومن لم يصدق من الأجيال الجديدة فعل الأنظمة وسحر سلطانها، فإن عليه أن يسأل من سبقه من المعارضين، أو يمر على قبورهم ومن سبقهم أجمعين، فهذه معالمٌ وشهاداتٌ لا تنكرها الأجساد، ولا تخفيها العقول، وسلوا إن شئتم المدفونين والمجانين، والمنفيين والمبعدين، والمعتقلين والمعزولين، عل في بيان حالهم شفاءٌ لما في الصدور.


 اضغط على الكلمات المفتاحية التالية، للإطلاع على المقالات الأخرى المتعلقة:

الواقع العربي، الحالة العربية، الوضع السياسي، الثورات العربية،

 





تاريخ نشر المقال بموقع بوابتي 28-12-2013  

تقاسم المقال مع اصدقائك، أو ضعه على موقعك
لوضع رابط لهذا المقال على موقعك أو بمنتدى، قم بنسخ محتوى الحقل الذي بالأسفل، ثم ألصقه
رابط المقال

 
لإعلام أحدهم بهذا المقال، قم بإدخال بريده الإلكتروني و اسمك، ثم اضغط للإرسال
البريد الإلكتروني
اسمك

 مشاركات الكاتب(ة) بموقعنا

  يومٌ في الناقورة على تخوم الوطن
  فرنسا تضيق الخناق على الكيان الصهيوني
  ليبرمان يعرج في مشيته ويتعثر في سياسته
  يهودا غيليك في الأقصى والكنيست من جديد
  عيد ميلاد هدار جولدن وأعياد الميلاد الفلسطينية
  ليبرمان يقيد المقيد ويكبل المكبل
  سبعون عاماً مدعاةٌ لليأس أم أملٌ بالنصر
  ويلٌ لأمةٍ تقتلُ أطفالها وتفرط في مستقبل أجيالها
  سلاح الأنفاق سيفٌ بتارٌ بحدين قاتلين
  دلائل إدانة الأطفال ومبررات محاكمتهم
  طبول حربٍ إسرائيلية جديدة أم رسائلٌ خاصة وتلميحاتٌ ذكية
  سياسة الأجهزة الأمنية الفلسطينية حكيمةٌ أم عميلةٌ
  العلم الإسرئيلي يرتفع ونجمة داوود تحلق
  نصرةً للجبهة الشعبية في وجه سلطانٍ جائر
  طوبى لآل مهند الحلبي في الدنيا والآخرة
  تفانين إسرائيلية مجنونة لوأد الانتفاضة
  عبد الفتاح الشريف الشهيد الشاهد
  عرب يهاجرون ويهودٌ يفدون
  إيلي كوهين قبرٌ خالي وقلبٌ باكي ورفاتٌ مفقودٌ
  إرهاب بروكسل والمقاومة الفلسطينية
  المساخر اليهودية معاناة فلسطينية
  الدوابشة من جديد
  المهام السرية لوحدة الكوماندوز الإسرائيلية
  المنطقة "أ" إعادة انتشار أم فرض انسحاب
  إعلان الحرب على "فلسطين اليوم" و"الأقصى"
  عظم الله أجر الأمريكيين وغمق لفقيدهم
  الثلاثاء الأبيض وثلاثية القدس ويافا وتل أبيب
  الهِبةُ الإيرانية والحاجةُ الفلسطينية
  هل انتهت الانتفاضة الفلسطينية ؟
  سبعة أيامٍ فلسطينيةٍ في تونس

أنظر باقي مقالات الكاتب(ة) بموقعنا


شارك برأيك
لوحة مفاتيح عربية بوابتي
     
*    الإسم
لن يقع إظهاره للعموم
     البريد الإلكتروني
  عنوان المداخلة
*

   المداخلة

*    حقول واجبة الإدخال
 
كم يبلغ مجموع العددين؟
العدد الثاني
العدد الأول
 * أدخل مجموع العددين
 
 
 
أكثر الكتّاب نشرا بموقع بوابتي
اضغط على اسم الكاتب للإطلاع على مقالاته
محمد شمام ، د. خالد الطراولي ، جاسم الرصيف، د - محمد بنيعيش، فتحـي قاره بيبـان، د. عبد الآله المالكي، سعود السبعاني، د - صالح المازقي، فتحي العابد، فوزي مسعود ، عمار غيلوفي، وائل بنجدو، سلام الشماع، ضحى عبد الرحمن، د. أحمد بشير، حاتم الصولي، يحيي البوليني، حسن الطرابلسي، محمد يحي، عبد الله الفقير، محمد أحمد عزوز، محمد العيادي، أحمد النعيمي، منجي باكير، د - المنجي الكعبي، د. مصطفى يوسف اللداوي، المولدي الفرجاني، عبد الله زيدان، عبد الغني مزوز، د- محمود علي عريقات، أنس الشابي، سفيان عبد الكافي، رشيد السيد أحمد، ياسين أحمد، أحمد ملحم، صفاء العربي، أ.د. مصطفى رجب، د - الضاوي خوالدية، محمد الطرابلسي، يزيد بن الحسين، عواطف منصور، مراد قميزة، د- محمد رحال، د. ضرغام عبد الله الدباغ، محمود طرشوبي، طلال قسومي، سامح لطف الله، مصطفي زهران، د - شاكر الحوكي ، الناصر الرقيق، رافع القارصي، عزيز العرباوي، د - ‏أحمد إبراهيم خضر‏ ، عبد الرزاق قيراط ، علي عبد العال، رمضان حينوني، مصطفى منيغ، محمود سلطان، رحاب اسعد بيوض التميمي، إيمى الأشقر، الهيثم زعفان، د. صلاح عودة الله ، د. أحمد محمد سليمان، أبو سمية، د. طارق عبد الحليم، صالح النعامي ، د.محمد فتحي عبد العال، فتحي الزغل، صلاح المختار، خبَّاب بن مروان الحمد، تونسي، حميدة الطيلوش، محمود فاروق سيد شعبان، ماهر عدنان قنديل، د - عادل رضا، رضا الدبّابي، عمر غازي، خالد الجاف ، سليمان أحمد أبو ستة، د- جابر قميحة، أ.د أحمد محمّد الدَّغَشِي ، محرر "بوابتي"، كريم السليتي، صفاء العراقي، د. كاظم عبد الحسين عباس ، أحمد بوادي، محمد اسعد بيوض التميمي، إسراء أبو رمان، د - مصطفى فهمي، د- هاني ابوالفتوح، حسن عثمان، أحمد الحباسي، د - محمد بن موسى الشريف ، أشرف إبراهيم حجاج، سلوى المغربي، سيد السباعي، نادية سعد، مجدى داود، علي الكاش، صباح الموسوي ، حسني إبراهيم عبد العظيم، كريم فارق، سامر أبو رمان ، رافد العزاوي، عراق المطيري، العادل السمعلي، د. عادل محمد عايش الأسطل، محمد عمر غرس الله، أحمد بن عبد المحسن العساف ، صلاح الحريري، فهمي شراب، إياد محمود حسين ، الهادي المثلوثي، محمد الياسين،
أحدث الردود
مسألة الوعي الشقي ،اي الاحساس بالالم دون خلق شروط تجاوزه ،مسالة تم الإشارة إليها منذ غرامشي وتحليل الوعي الجماعي او الماهوي ،وتم الوصول الى أن الضابط ...>>

حتى اذكر ان بوش قال سندعم قنوات عربيه لتمرير رسالتنا بدل التوجه لهم بقنوات امريكيه مفضوحه كالحره مثلا...>>

هذا الكلام وهذه المفاهيم أي الحكم الشرعي وقرار ولي الأمر والمفتي، كله كلام سائب لا معنى له لأن إطاره المؤسس غير موجود
يجب إثبات أننا بتونس دول...>>


مقال ممتاز...>>

تاكيدا لمحتوى المقال الذي حذر من عمليات اسقاط مخابراتي، فقد اكد عبدالكريم العبيدي المسؤول الامني السابق اليوم في لقاء تلفزي مع قناة الزيتونة انه وقع ا...>>

بسم الله الرحمن الرحيم
كلنا من ادم وادم من تراب
عندما نزل نوح عليه السلام منالسفينه كان معه ثمانون شخصا سكنو قريه اسمها اليوم هشتا بالك...>>


استعملت العفو والتسامح في سياق انهما فعلان، والحال كما هو واضح انهما مصدران، والمقصود هو المتضمن اي الفعلين: عفا وتسامح...>>

بغرض التصدي للانقلاب، لنبحث في اتجاه اخر غير اتجاه المنقلب، ولنبدا بمسلمة وهي ان من تخلى عن مجد لم يستطع المحافظة عليه كالرجال، ليس له الحق ان يعامل ك...>>

مقال ممتاز...>>

برجاء السماح بإمكانية تحميل الكتب والمراجع...>>

جل الزعماء العرب صعدوا ،بطرق مختلفة ،تصب لصالح المخطط الانتربلوجي العسكري التوسعي الاستعماري،ساهموا في تبسيط هدم حضارة جيرانهم العربية او الاسلامية عم...>>

مقال ممتاز
لكن الاصح ان الوجود الفرنسي بتونس لم يكن استعمارا وانما احتلال، فرنسا هي التي روجت ان وجودها ببلداننا كان بهدف الاعمار والاخراج من ح...>>


الاولى : قبل تحديد مشكلة البحث، وذلك لتحديد مسار البحث المستقل عن البحوث الاخرى قبل البدء فيه .
الثانية : بعد تحديد مشكلة البحث وذلك لمعرفة الا...>>


بارك الله فيكم...>>

جانبك اصواب في ما قلت عن السيد أحمد البدوي .

اعلم أن اصوفية لا ينشدون الدنيا و ليس لهم فيها مطمع فلا تتبع المنكرين المنافقين من الوها...>>


تم ذكر ان المدخل الروحي ظهر في بداياته على يد شارلوت تويل عام ١٩٦٥ في امريكا
فضلا وتكرما احتاج تزويدي ب...>>


الدين في خدمة السياسة عوض ان يكون الامر العكس، السياسة في خدمة الدين...>>

يرجى التثبت في الأخطاء اللغوية وتصحيحها لكي لاينقص ذلك من قيمة المقال

مثل: نكتب: ليسوا أحرارا وليس: ليسوا أحرار
وغيرها ......>>


كبر في عيني مرشد الاخوان و صغر في عيني العسكر
اسال الله ان يهديك الى طريق الصواب
المنافقون في الدرك الاسفل من النار...>>


It is important that issues are addressed in a clear and open manner, because it is necessary to understand the necessary information and to properly ...>>

وقع تصميم الموقع وتطويره من قبل ف.م. سوفت تونس

المقالات التي تنشر في هذا الباب لا تعبر بالضرورة عن رأي صاحب موقع بوابتي, باستثناء تلك الممضاة من طرفه أومن طرف "بوابتي"

الكاتب المؤشر عليه بأنه من كتاب موقع بوابتي، هو كل من بعث إلينا مقاله مباشرة