عندما تتحول الفلسفة إلى حمار قصير يركبه المغامرون (*)
حسن الطرابلسي - ألمانيا
من كتـــــّاب موقع بوّابــتي المشاهدات: 5513
يسمح بالنقل، بشرط ذكر موقع "بوابتي" مصدر المقال، ويفضّل أن يكون ذلك في شكل رابط
صدر كتاب "الإنتفاضات العربية على ضوء فلسفة التاريخ" عن دار الساقي2013 للمفكر العربي السوري هاشم صالح الذي يقيم في باريس. والمفكر هاشم صالح هو الذي قام بترجمة عدد من كتب محمد أركون كما صدر له مجموعة أخرى من المؤلفات منها "الإنسداد التاريخي“ وكذلك "معارك التنويريين والأصوليين في أوروبا.
وفكرة الكتاب الأساسية تتلخص في أن انتفاضات الربيع العربي كما يسميها الكاتب "فاجأت معظم المثقين العرب والأجانب عندما انفجرت كالقنبلة الموقوتة بعد طول احتقان. واستطاعت تكنيس العديد من أنظمة الفساد والطغيان. ولكن يبدوا أن الشباب الذين دشنوها ليسوا هم الذين قطفوا ثمرتها في نهاية المطاف، وإنما التنظيمات الإخوانية ـ السلفية".
وأول ما يمكن ملاحظته ان الكاتب لا يعتبر ان ما حدث في السنوات الأخيرة ثورات وإنما انتفاضات شعبية لا ترتقي لأن توصف بالثورات. وهذا توصيف غير دقيق وغير منصف لأن ما حدث في بلدان الربيع العربي هو ثورة عارمة من حيث زخمها الجماهيري ومن حيث نشأتها وتطور مطالبها ووضوحها وفي شجاعة الثوار والتقنيات الجديدة التي تم اعتمادها لأول مرة في تاريخ الثورات من مثل اعتماد الشبكة العنكبوتية والفايسبوك. وهذا ما جعل الربيع العربي يحظى باحترام وإعجاب المثقفين والشعوب في العالم. ولكن نقطة التحول المركزية في الموقف من الربيع العربي، خاصة لدى المثقفين العلمانيين واليساريين العرب، بدأت منذ فوز حزب حركة النهضة التونسية في أول انتخابات نزيهة وديمقراطية تشهدها البلاد ثم بلغت حدتها بعد فوز حزب الحرية والعدالة الجناح السياسي لحركة الإخوان لمسلمين وانتخاب الرئبيس مرسي كأول رئيس مدني لمصر.
نتائج إنتخابات الربيع العربي وصداها المدوي على النخب العلمانية العربية
كان لفوز حركة النهضة في تونس ثم خاصة فوز حركة الإخوان المسلمين في مصر صداه المدوي على النخب العلمانية المغتربة التي صدمتها هذه النتائج وكشفت ضعفها الجماهيري الذي لم يتجاوز نسبة واحد في المائة لدى الكثير من أحزابها.
وبدلا من أن تكون هذه النتيجة مدخلا للبحث عن أسباب هذا الفشل ودراسة الأزمة الحقيقية التي يعيشها المثقب اللبرالي واليساري العربي المغترب، صبت هذه النخب جام غضبها على الشعوب العربية متهمة إياها بالجهل، ولم تعترف بانبتاتها عن الحقيقة والتاريخ المشترك للأمةوإنما صادرت هذه الحقيقة وأحالت مشاكلها إلى الآخر. والكاتب لا يختلف كثيرا عن هذا المسار فبدلا من أن يتجه في الإتجاه السليم ليبحث عن حلول لما سماه "الإنسداد التاريخي" نجده في قرائته لفلسفة التاريخ يعتبر أن انتخاب الإخوان المسلمين في مصر من الأخطاء التاريخية (ص 51 ). وهذا الخطأ، عنده، ستكون نتيجته "حرب ضروس" (ص 51) بين من أسماهم التنويريين والسلفيين، دون أن يحدد لنا طبيعة هؤلاء التنويريين ولا من هم هؤلاء السلفيون. وهذا الخطأ بتعبيره هو الذي أوصلنا إلى "المرحلة الإخوانية الأصولية"(ص 53) التي هي، من وجهة نظره، مرحلة انتقالية ستفشل لتصبح "الساحة خالية للبراليين والحداثيين"(ص 53) "لينقضوا العروبة والإسلام ويدخلون في مرحلة تنويرية"؟
وهنا يطرح سؤال ملح على الكاتب وعلى من يمثل نظريته هل أن ما حدث في مصر من تحالف للنخب العلمانية واليسارية مع السيسي ودعم انقلابه هو الدخول في المرحلة التنويرية التي يبشر بها الكاتب؟
في قرائته للتاريخ وجدت الكاتب يتحدث عن عالم آخر غير العالم العربي عندما اعتبر أن الإسلاميين هم الذين ساندوا الأنظمة المستبدة قبل الربيع العربي.
أليست هذه مغالطة تاريخية كبيرة؟ ألم يكن اليساريون والحداثيون هم الذين سلمهم بن علي زمام قيادة تونس فكريا ونظريا ؟ ألم يَثُر الشعب التونسي على هذه السياسة التي قادت البلاد والعباد إلى الهاوية؟ ألم يثر التونسيون على ما سمي تجربة الحداثة والتي ارتبطت بشكل وثيق مع دولة "القهر والفساد" ؟
الإنسداد التاريخي وضرورة الإجتهاد والتأويل
ينطلق الكاتب في بحثه من الإقرار بوجود حالة من الانسداد في الواقع العربي لخصها في مستوين اثنين هما:
ـ الأول في فلسطين وهو عنده انسداد خارجي
ـ والثاني يتمثل في عدم القدرة على حسم المسألة التراثية وهو انسداد داخلي (ص 73ـ74)
ويركز على العنصر الثاني الذي يرى أن سببه الجمود الديني (ص 92) ولما كان الأمر كذلك فإن الكاتب يدعوا إلى عملية إصلاح ديني.
ورغم أنه يشير إلى الجهود التي بذلها كل من الشيخ راشد الغنوشي والدكتور يوسف القرضاوي (ص 81) إلا أنه سرعان ما ينكص على عقبيه ليتبرأ من هذا المدح وليعتبر نفسه عقلانيا تنويريا ولا ينتمي إلى "جماعة القرضاوي وراشد الغنوشي" (81) وإنما ينتمي إلى "التأويل الأركوني العقلاني والإنساني لرسالة الإسلام والقرآن" (ص 81) ويختزل عملية التحديث والعملية التحررية في فلاسفة الحداثة وأساسا أركون (ص81) في حين يتحدث عن جهود العلماء الإسلاميين الجبارة بأنها تنتمي إلى "المعسكر الآخر". وبالتالي فعملية التحديث عنده يجب أن يقودها الفلاسفة فقط كأركون وغيره من الحداثيين وهذا ما أوقعه في مطبات وزلات كبيرة عندما نجده يمجد شخصيات فكرية تورطت مع دولة الفساد كان أبرزها محمد الشرفي والمازري الحداد لأن الأول كان القائد النظري لسلطة بن في حين كان الثاني سفيره في الأمم المتحدة. إن هذا البناء النظري الذي أدى به في نهاية المطاف إلى دفاعه على تونس ما قبل الثورة لا يستحق أي تعليق بعد ان اطلع الكل على تجربة بن علي والحداثيين في تونس وما آلت إليه. (ص 81)
وأما مسألة التأويل التي تحدث عنها الكاتب والتي تحمس لها عند القرضاوي والغنوشي والترابي والتي سرعان ما "تبرأ" منها وانتصر بدون سبب واضح لتأاويل محمد الشرفي وتمنى أن ينتصر "الشرفي على الغنوشي" تحيلنا إلى خلل مهم يتمثل في غموض مفهوم التأويل لدى الكاتب. فالتأويل الذي قام به القرضاوي والغنوشي تأويل خاضع ومتوافق مع أصول ومبادئ التأويل كما عرفت في أبعادها اللغوية والأصولية والفلسفية لأنها لا تسبب تعارضا بين صحيح المنقول وصريح المعقول وتتطابق مع مفهوم التأويل كما لخصه ابن رشد في فصل المقال.
وأما التأويل الذي يبشر به الكاتب فهو خارج عن شروط التأويل المتعارف عليها فهو بالتالي تأويل خارج عن النص ومتعسف يخرج روح النص عن سياقه اللغوي والديني ويجعله نصا لا دينيا. وفي هذا المستوى أريد التأكيد على أن اختلافي مع هته المنهجية لا يصل بي إلى الدعوة إلى "تعزيلها وكنسها" كما يريد الكاتب لمخالفيه من الإسلاميين، فهذا الغلو والتطرف لا نصل به إلى تنوير إسلامي "مثلما حصل تنوير ديني في الدول الغربية؟" (ص 90) .
كيف يمكن بناء الحداثة على تراكمات الماضي؟
أعتقد أن سؤال "كيف يمكن بناء الحداثة على تراكمات الماضي؟"(ص 94) أهم سؤال طرحه الكاتب لأنه سؤال ملح وحقيقي وبالتالي فهو يحتاج إلى إجابة؟
وهنا لا أريد ان اتعرض إلى الجهود التي بذلها المفكرون العرب منذ الطهطاوي والأفغاني وعبده وفرح انطوان مرورا برشيد رضا وشكيب أرسلان وحسن البنا ثم الكواكبي والعقاد وطه حسين وغيرهم ووصولا إلى أركون والجابري ومحمد الغزالي والقرضاوي والغنوشي رغم انتمائهم إلى مدارس فكرية مختلفة بل أريد التركيز فقط على رأي الكاتب الذي لا يتركنا ننتظر كثيرا فيأكد انتماءه إلى مشروع أركون النقدي. ومن المعروف ان أركون أسس لمشروع جدي في تعامله مع التراث، والكاتب، وهو مترجم أركون إلى اللغة العربية.
للإجابة على السؤال المطروح ينطلق صالح مما أطلق عليه "المواجهة المفتوحة "التي قادها الفكر الغربي والفرنسي على الخصوص منه ضد الباباوات لكي يصل في نهاية المطاف إلى تنوير العقل الأروبي والوصول به إلى الحداثة. ثم ينتقل إلى الواقع العربي ويعتبر أنه لكي يحدث تنوير عربي لا بد أن تقام هذه "المواجة المفتوحة" مع تراثنا ومع "رجال الدين" عندنا.
لا شك أن اعتماد المنهج النقدي مهم جدا ولكنه لا يسمح لنا بأن نضع كل "رجال الدين" في سلة واحدة. فمن بركات الربيع لعربي أنه أبرز لنا أن هناك عددا لا يستهان به من "العلماء" اتضح أنهم من الفلول، هذا من ناحية. ومن ناحية أخرى فإن المواجهة بين التراث والحداثة كما كانت في فرنسا لا يمكن أن تنطبق حرفيا على الواقع العربي الإسلامي لأن "رجال الدين" العرب كانوا، قبل الربيع العربي، مغيبين فلم تكن هناك مؤسسة تمثلهم ، والأزهر والزيتونة على الخصوص تم تحييدهما. فالأزهر الشريف تم تدجينه، وقد رأينا بأم أعيننا نتائج هذا التدجين في موقف شيخ الأزهر عند تزكيته للإنقلاب العسكري. وأما الزيتونة فقد تم حلها مبكرا أي منذ أن استلم بورقيبة زمام الأمور في تونس سنة 1957. وأما جامعة أم القرى فإنها تأسست حديثا واختارت الإنحياز المذهبي كمنهج فارتبطت بالمذهب السلفي في نسخته الوهابية فلم تنجح في الإشعاع على العالم الإسلامي رغم الموارد التي ضخت فيها والكتب والنشريات المجانية التي وزعتها وجهدها في تكوين الدعاة ومنحها لجوائز مادية مغرية .
وهكذا نتقدم بتؤدة وبعقل منفتح ومرن يحمل معه معاول البناء والتجديد ليقوم فعلا بعملية تفكيك حقيقية وليس كما فعل الكاتب الذي اتخذ من الفلسفة حمارا قصيرا ركبه وراح يكيل الإتهامات هنا وهناك دون تحديد دقيق للمفاهيم.
فهو يعتبر أن العدو الحقيقي للربيع العربي يتمثل في "القوى السلفية والإخوانية والظلامية" (ص125 ) وهذه مجموعة من المصطلحات العامة وغير الدقيقة والتي كان أولى بالكاتب أن يقوم بتفكيكها ولا يجمعها هذا الجمع العمومي والشعبوي ولذلك فإن هذا الخطأ المنهجي قاده إلى نتائج خاطئة تبنى خلالها موقف المازري الحداد بل وزاد عليه (ص129) كما أوصله إلى السقوط في توصيفات غير دقيقة مثل تأكيده على أن "دولة ثيوقراطية منذ ألف سنة" (ص101 ) تتحكم فينا وبالتالي فإن "الشرعية في العالم العربي لا تزال دينية لاهوتية وليست علمانية فلسفية" (ص125 ) وبناء عليه فإنه يدعو إلى أن تحل الفلسفة محل العلوم الدينية. (ص 141)
إن الدولة في العالم العربي مستبدة وليست ثيوقراطية والشرعية في تصورنا لا يجب ان تكون لاهوتية أو علمانية وإنما يجب أن تنبع من الشعب صاحب الهوية الإسلامية وهو الذي سيتصدي للدولة المستبدة وللدولة اللاهوتية وبالتالي يمكن أن تكون الشرعية دينية/إسلامية أو فلسفية حضارية. وهذا يعني أن الفلسفة يجب لا بد أن يكون لها مكانها المهم إلى جانب العلوم الدينية مثل علم الأصول والفقه والتفسير وغيرها وهو ما كان عليه الحال في تاريخنا الفكري وخاصة منذ المشروع الرشدي الذي اعتبر ان الفلسفة والشريعة أختان توأمتان تختلفان في المنهج ولكنهما تصىلان إلى نفس النتيجة
غير أن قطاعا مهما من العلمانيين العرب، والذين ينتمي إليهم الكاتب، اتخذوا من العلمانية أساسا ومذهبا تجاوزت المعتقد لتصبح اقرب إلى "الطوطم" الذي يحرم الإقتراب منه أو مساسه، وأرادوا قولبة العالم على هذا النموذج.
الديمقراطية والتعددية كخيار
فاجأت نتائج الإنتخابات في كل من تونس ومصر كثيرا من العلمانيين العرب بما لم يكونوا يحتسبوا، فأطلوا علينا بنظريات جديدة حول الديمقراطية والتحول الديمقراطي بعد أن كانوا قبلها بقليل يعتبرون أن صندوق الإقتراع هو الفيصل بين الفرقاء السياسيين فصبوا جام غضبهم على الشعوب العربية متهمينها بالجهل وبعدم القدرة على الإختيار ولم يختلف موقف السيد صالح هاشم عن زملائه بل سار في نفس هذا الركب وأصبح يُنظّر لنا عن عدم نضج التونسيين والمصريين وغيرهم لتقبل الديمقراطية وأنه تم استلابهم بالخطاب الديني فنجده يدعوا إلى تعليم الشعوب العربية ثم المرور بها إلى المرحلة الديمقراطية ونسي أو تناسى ان نفس هذه النظرية هي التي حكمت الشعوب العربية منذ "الإستقلال الأول" وهي نفس تعلة بن علي ومبارك الذين ساندتهما النخب العلمانية المتطرفة والتي رفعت شعار تحقيق التنمية ثم توفير الديمقراطية ولقيت في ذلك سندا من الغرب. ولكننا اليوم دخلنا مرحلة النضال من أجل "الإستقلال الثاني" كما يسميه الدكتور المنصف المرزوقي حيث يجب أن تسود الحريات العامة والشورى والديمقراطية.
ملاحظات نقدية ختامية
أولا: الكتاب مشحون بالمفردات العنيفة والتي تمنحنا انطباعا مفاده أن الكاتب يقوم بعملية تحريض ضد الديمقراطيات الناشئة في المنطقة العربية وخاصة في مصر من مثل "المقارعة الكبرى" (ص 54 ) التي سيتم من خلالها "عملية تكنيس وتعزيل" (ص 100) في "معركة كسر عظام حقيقية" (ص 108) وأن "المعركة بين الأصوليين والمثقفين المستنيرين اندلعت"(ص 108) وأن التيارات "السلفية والإخوانية" "ينبغي تعزيلها وتكنيسها" (ص139 )
لكي يبرر عملية هذا التحريض على الديمقراطيات الناشئة في الوطن العربي فإنه يسقط شواهد تاريخية متعسفة وغريبة مثل استشهاده بنابليون الذي يعتبر أهم إنجازاته أنه "قضى على شباب فرنسا" (ص 51) حتى ترتفع مبادئ العقل فيها.
وهنا لنا أن نسأل هل هذا كل ما أنجزه نابليون؟ وهل أن انفتاحنا على الآخر المختلف والذي ندعو إليه يجعلنا نستجلب فقط مثل هذا النموذج التنموي؟ أليس هذا بالظبط ما نراه اليوم في سوريا وفي مصر بعد الإنقلاب؟ أيريد الكاتب حتى ينتصر الحداثيون العلمانيون في مصر وتونس أن يخسر هذين البلدين شبابهما؟ وبناء على ذلك أيهما أفضل أذا لتونس ومصر الحداثيون الدمويون الذين يقودون "معركة يشيب لهولها الولدان" (ص 103) أم الإسلاميون الذين يدعون إلى عملية تحول ديمقراطي على أساس التوافق والحوار يشركون فيه الطاقات الشبابية.
ويبدو ان الكاتب يتفطن إلى أن ما يكتبه يخرج عن دائرة البحث العلمي والنقدي الذي يحرص على إثبات أنه ينتمي إليه فيحاول التخفيف من حدة عباراته بالتذكير بأنه يقبل نتائج الإنتخابات وما افرزه الصندوق " (ص 54) لتكون هذه الملاحظة جملة عابرة لا معنى لها
ثانيا: الكتاب مليء بالتكرار سواء في بعض مفرداته وجمله أو في أفكاره فنجد جملة "الإناء ينضح بما فيه" قد تكررت كثيرا وكذلك فإنه مليء بالهوامش المتطولة والتي تكرر نفس الفكرة بحيث أنه كان يمكن اختصار الكتاب إلى أكثر من نصف حجمه
ثالثا: يعرض الكاتب لنا فلسفة تاريخ مشوهة قائمة على تأويل متعسف لكل من هيجل ونيتشة فنجده مثلا يعرض نيتشة بطريقة تبسيطية مهزلية سخيفة.(ص 60ـ61) لا ترتقي إلى الغوص الحقيقي في الجهد النقدي الذي قام به هذا الفيلسوف الجهبذ.
رابعا: الخطاب الشعبوي وغير العلمي طغى على الكتاب فنجد الكاتب مثلا "يعتبر نفسه سنيا وشيعيا وإباضيا ومعتزليا" (ص 94) ومعلوم أن من أراد أن يجمع كل شيئ فإنه يضيّع كل شيئ. وأما قراره بأن يذهب إلى الجامع بداية من العام القادم أي 2014 ومقاطعته للموسيقى فهو الدليل القاطع على فقدان الكاتب لملكة الفهم في تحليله وعلى نوع من الوعي الطفولي الكامن حيث يلجأ أحيانا إلى التهديد (ص115 ). ولكننا لو أردنا، من خلال هذا الكتاب، أن نسلط الضوء على هوية الكاتب لقلنا إنه سوري عربي علماني علوي شيعي ولكنه حزين وغير راض بهذا الهوية لأنه يعبر دائما عن ألمه وأسفه عن الوقت الذي قضاه برعاية والده في تعلم القرآن أثناء طفولته.
وهكذا نرى الكاتب يمثل النموذج العلماني التقليدي المستلب حضاريا والذي يتغنى بإنجازات الحضارة الغربية ويمجد الديمقراطية ولكنه يسقط في أول امتحان ديمقراطي ليشكك في المقولات التي تغنى بها لفترة طويلة ويحاول إثبات عدم جدارة الشعوب العربية بالديمقراطية ويدعو إلى التمرد عليها (ص 152 وما بعدها ) والعودة بالتالي إلى نقطة الصفر إي إلى ما قبل الربيع العربي.
------------------
(*) قراءة في كتاب "الإنتفاضات العربية على ضوء فلسفة التاريخ" لهاشم صالح
اضغط على الكلمات المفتاحية التالية، للإطلاع على المقالات الأخرى المتعلقة: