يكشف المفكر الأمريكي نعوم شومسكي النقاب عن حقائق جديدة تفضح الحضارة الغربية وآلاتها الإعلامية الضخمة ويؤكد اعتماد الإعلام الغربي على تطويع الحقائق والأحداث وابتداع مصطلحات جديدة وتسويقها بين الشعوب لتتفق مع الرؤية الغربية ومصالح دولها الخاصة ولو على حساب الحق والحقيقة، ما يؤكد خواء قيم تلك الحضارة المزعومة وافتقادها لأبسط القيم والمبادئ الأخلاقية حيث أصبح الكذب علما وفنا يدرس ويتعلم منهم.
الصحف يتمّ شراؤها - مثل الـ"وول ستريت جورنال" في الولايات المتحدة، والـ"إيكو" في فرنسا - من قبل رجالٍ أثرياء تعوّدوا أن يطوّعوا الحقيقة حسب مصالحهم؛ والإعلام يستخدم بشكلٍ سافر لإبراز السيّد نيكولا ساركوزي؛ والأخبار تبتلعها أنباء الرياضة، والطقس والأحداث المتفرّقة؛ وكلّ هذا ضمن إفراطٍ من الإعلانات: هكذا أضحى "التواصل" هو وسيلة الحكم في الأنظمة الديمقراطيّة. وهو لها ما للـ"بروباجاندا" لدى الديكتاتوريّات.
ويحلّل المفكّر الأمريكي في مقابلةٍ له مع الصحفي دانيال ميرمي من فرانس أنتي، آليات السيطرة هذه ويضعها في سياقها التاريخي. فهو يذكّر مثلاً أنّ الأنظمة الشمولية قد اعتمدت على ما أتى به الإعلان التواصلي الذي تطوّر في الولايات المتحدة عشيّة الحرب العالميّة الأولى. أبعد من ذلك، فهو يشير إلى آفاق التحوّلات الاجتماعية في عالمنا الحالي، وإلى ممارسة أنظمة الحكم الغربية لسياسات لا تتفق مع الرأي العام في بلادها لا فرق بينها وبين الأنظمة الديكتاتورية.
نص الحوار:
**لنبدأ بمسألة وسائل الإعلام. في الاستفتاء الذي أُجري في فرنسا في مايو عام 2005 حول معاهدة الدستور الأوروبي، كانت أغلب الصحف مؤيّدة للتصويت بـ"نعم"، ومع ذلك فإن 55 في المائة من الفرنسيين قد صوّتوا بـ"لا". يبدو إذاً أن قدرة وسائل الإعلام على المناورة ليست مطلقة. فهل تعتبر نتيجة التصويت هذه من جانب المواطنين بمثابة "رفضٍ" لوسائل الإعلام؟
* شومسكي: ما قمنا به، إدوار هرمان وأنا، من دراسات عن التلاعب الإعلامي أو عن صنع الموافقة، لم يتناول تأثيرات وسائل الإعلام على الجمهور. هذا موضوعٌ معقّد، غير أن بعض الأبحاث المعمّقة التي أجريت حول الموضوع قد أوحت بأن تأثير وسائل الإعلام هو في الواقع أكبر على شريحة الجمهور التي هي أكثر تعلّماً. أما الحيز الأكبر من الرأي العام، فهو يبدو من جهته أقلّ تبعيةً لطروحات وسائل الإعلام.
لنأخذ مثالاً هو احتمال الحرب على إيران. 75 في المائة من الأميركيين يرون أن على الولايات المتحدة أن تضع حدّاً لتهديداتها العسكرية، وتعطي الأفضلية للسعي للوصول إلى اتفاق بالطرق الدبلوماسية. وقد تبيّن من بعض استقصاءات الرأي التي أجرتها مؤسسات غربية أن الرأي العام الإيراني والرأي العام في الولايات المتحدة يتوافقان على بعض وجوه المسألة النووية. فالأغلبية الساحقة من شعبي البلدين ترى أن المنطقة الممتدة من إسرائيل إلى إيران يجب أن تجرّد كلياً من الأسلحة النووية، حتى تلك التي تملكها قوّات الولايات المتحدة في تلك المنطقة. والحال أنّه يجب التفتيش طويلاً للعثور على هذا النوع من المعلومات في وسائل الإعلام. أما فيما يتعلّق بالأحزاب الرئيسة في البلدين، فإنّ أياً منها لا يدافع عن وجهة النظر هذه. فلو كانت الولايات المتحدة وإيران تتمتّعان بنظامٍ ديمقراطيّ حقيقيّ وفيهما تقرّر الأغلبية فعلاً السياسات العامة، لكان النزاع الحالي حول المسألة النووية قد حلّ على الأرجح منذ زمنٍ بعيد.
وهناك حالات أخرى من هذا النوع. وفيما يتعلّق مثلاً بالموازنة الاتحادية في الولايات المتحدة، يرغب معظم الأميركيين في خفض الإنفاقات العسكرية لتزيد في المقابل الإنفاقات الاجتماعية والاعتمادات المقدّمة للأمم المتحدة والمساعدات الاقتصادية والإنسانية الدولية، وأخيراً إلغاء خفض الضرائب الذي قرّره الرئيس جورج دبليو بوش لمصلحة من هم أكثر ثراءً بين الأميركيين. في جميع هذه المواضيع، تأتي سياسات البيت الأبيض معاكسة كلياً لمطالب الرأي العام.
غير أن استطلاعات الرأي، التي تكشف هذه المعارضة العامّة القويّة، نادراً ما تُنشَر في وسائل الإعلام، إلى درجة أن المواطنين لا يُستَبعَدون عن مراكز القرار السياسي فحسب، بل يُتركون في حالة جهلٍ عن الوضع الفعلي لهذا الرأي العام نفسه.
وينتاب المجتمع الدولي قلقٌ متعلّقٌ بالـ"عجز المزدوج" العميق في الولايات المتحدّة: فهناك العجز التجاري والعجز في الموازنة. لكن هاتين الثغرتين ما كانتا لتحدثا لولا ثغرة ثالثة، هي الثغرة في الديمقراطية التي لا تزال تتعمّق، ليس فقط في الولايات المتحدة، بل في مجمل العالم الغربي عموماً.
** - كلّما سئل أحد نجوم الصحافة أو أحد مقدّمي نشرات الأخبار المتلفزة عمّا إذا كان يتعرّض للرقابة، يجيب بأنه حرٌّ كلّياً، وأنه يعبّر عن قناعاته الخاصة. فكيف تجري الرقابة على الفكر في المجتمع الديمقراطي؟ في حين نحن نعرف كيف يجري ذلك في الأنظمة الديكتاتورية .
* شومسكي: عندما يتعرّض الصحافيون للمساءلة، سرعان ما يجيبون في الواقع: "لا أحد يضغط عليّ، أنا أكتب ما أشاء". وهذا صحيح. لكن إذا ما اتخذوا مواقف مناقضة للمعايير السائدة، فلن يتسنى لهم كتابة افتتاحياتهم. بالتأكيد، هذه القاعدة ليست مطلقة؛ حتى أنّ بعض كتاباتي أنا قد تُنشر في الصحافة الأميركية. ثمّ إن الولايات المتحدة ليست دولة شموليّة. لكن من لا يحقق الحدّ الأدنى من بعض الشروط، لا يمكن له أن يأمل في الترقي إلى صفّ المعلّقين الذين يتمتعون بالشهرة.
وعلى كلّ، هذا هو أحد الفروق الكبرى بين نظام الدعاية والبروباجاندا في الأنظمة الشمولية وطريقة العمل في المجتمعات الديمقراطية. فإذا ما بالغنا بعض الشيء، يمكننا القول بأن الدولة في الدول الشمولية تقرر الخطّ المتّبع، ثم يجب على كل فردٍ أن يمتثل له. أما المجتمعات الديمقراطية، فهي تعمل بطريقة مختلفة. فالـ"خطّ" لا يُعلَنُ أبداً بوضوحٍ بل يبقى ضمنيّاً مُقدّراً. إذ يجري العمل نوعاً ما على "غسل الأدمغة في أجواء الحريّة". وحتى النقاشات "الحماسية" في وسائل الإعلام الكبرى، فهي تندرج في إطار الثوابت الضمنيّة المتفق عليها، والتي تستبعد عدداً من وجهات النظر المعاكسة.
ونظام الرقابة في المجتمعات الديمقراطية فعّالٌ جدّاً، فهو يبثّ الخط التوجيهي وكأنّه الهواء الذي يُستنشَق. ولا يُلاحَظ ذلك قط. وقد نتوهّم أحياناً أنّنا إزاء نقاشٍ يتميّز بحدّته. لكنّه في العمق، يبقى أكثر فعالية مما يجري في الأنظمة الشموليّة. لنأخذ مثلاً حالة ألمانيا في مطلع ثلاثينيات القرن الماضي. فنحن نتناسى أنّها كانت وقتها أكثر الدول تقدماً في أوروبا، وأرقاها في مجال الفنّ والعلوم والتقنيات والآداب والفلسفة. ثم، وخلال فترةٍ وجيزة، طرأ تراجعٌ شامل، وأصبحت ألمانيا أكثر الدول إجراماً وبربرية في تاريخ البشرية.
تمّ إنجاز كل ذلك عبر نشر الخوف: الخوف من البلاشفة، ومن اليهود والأميركيين والغجر؛ باختصار من جميع أولئك الذين كانوا، في نظر النازيين، يهدّدون قلب الحضارة الأوروبية، أي "الورثة المباشرين للحضارة الإغريقية". وفي مطلق الأحوال، هذا ما كتبه الفيلسوف مارتن هايدجر في العام 1935. والحال أن معظم وسائل الإعلام الألمانية قد أمطرت الشعب بهذا النوع من الرسائل مستعيدةً تقنيات التسويق التي تمّ تطويرها ... على يد بعض الدعائيين الأميركيين.
ولا ننسي كيف تفرض إيديولوجيةٍ ما نفسها. فالعنف وحده لا يكفي لتحقيق الهيمنة، بل المطلوب هو تبريرٌ من نوعٍ آخر. فعندما يمارس شخصٌ ما، سواء أكان ديكتاتوراً أم مستعمراً أم بيروقراطياً أم زوجاً أم ربّ عمل، سلطته على شخصٍ آخر، فإنه يحتاج إلى إيديولوجية تبريرية، تبقى هي نفسها دائماً: أنّ هذه الهيمنة قائمة "لخير" المهيمَن عليه. وبعبارة أخرى، تقدّم السلطة نفسها دائماً على أنها محبّة للغير، نزيهة وسمحة.
في ثلاثينيات القرن الماضي، قامت قواعد الدعاية النازية مثلاً على اختيار كلماتٍ بسيطة، وعلى تكرارها باستمرار، وعلى ربطها بعواطفٍ وأحاسيسٍ ومخاوف. فعندما اجتاح هتلر (جبال) السوديت (عام 1938)، قام بذلك بعد الحديث عن أكثر الأهداف نبلاً وخيراً، مثل ضرورة "التدخّل الإنساني" لوقف "التطهير الإثني" بحقّ الناطقين باللغة الألمانية، ولتوفير فرصة العيش للجميع "في كنف الحماية" الألمانية، وبمؤازرة أكثر القوى تقدّماً في العالم في ميدان الفنون والثقافة.
في مجال البروباجاندا، وإن لم يتغيّر شيء منذ أيام دولة أثينا، فقد أصبح هناك الكثير من الإتقان. إذ تبلورت الأدوات كثيراً، وخصوصاً، ويا للمفارقة، في الدولتين اللتين هما أكثر حريةً في العالم: بريطانيا والولايات المتحدة. ففي هاتين الدولتين، وليس في مكانٍ آخر، نشأت في عشرينيات القرن الماضي الصناعة الحديثة للعلاقات العامة، أي فبركة الرأي العام والبروباجاندا.
وفي الواقع، حققت هاتان الدولتان تقدّماً في مجال الحقوق الديمقراطية (مشاركة المرأة في الانتخابات، حرّية التعبير، الخ.) إلى درجةٍ لم يعد بالإمكان معها ضبط التطلّع إلى الحرية عبر عنف الدولة فحسب. إذاً، جرى التحوّل إلى تكنولوجيات "صنع الموافقة". فمصانع العلاقات العامة تنتِج، وبالمعنى الحقيقي للكلمة، الموافقة والقبول والخضوع. وهي تراقب الآراء والأفكار والأذهان. وهذا ما يعتبر تطوّراً كبيراً بالنسبة إلى الأنظمة الشموليّة. فمن المريح أكثر أن يتلقّى المرء الدعاية بدلاً من أن يجد نفسه في غرفة التعذيب.
وفي الولايات المتحدة، تحظى حرّية التعبير بالحماية إلى درجةٍ غير مشهودة في أي دولةٍ أخرى في العالم على ما أعتقد. تمّ هذا مؤخراً. فمنذ ستينيات القرن الماضي، رفعت المحكمة العليا السقف عالياً في مجال احترام حرية الكلام، وهو ما يعكس في رأيي مبدأً جوهرياً أرسته في القرن الثامن عشر قيم عصر الأنوار. وجاء موقف المحكمة العليا على دعم حرية الرأي، مع قيدٍ وحيدٍ هو عدم المشاركة في عملٍ إجرامي. مثلاّ، عندما أقتحم مخزناً لسلبه وأحد شركائي يحمل سلاحاً، وأقول له: "أطلق النار!" فهذا الكلام لا يحميه الدستور. أما في كل ما تبقى، فإن الدافع يجب أن يكون خطيراً بامتياز لكي يعاد النظر في حرية التعبير. حتّى أن المحكمة العليا قد أعادت التأكيد على هذا المبدأ لصالح أعضاءٍ من جماعة الـ"كو كلوكس كلان"
. إن حرية التعبير في فرنسا وفي بريطانيا وفي سائر أوروبا هي، على ما يبدو لي، محدّدة بطريقة مقيِّدة جداً. والسؤال الأساسي في نظري هو التالي: هل يحقّ للدولة تحديد ماهية الحقيقة التاريخية؟ وهل لها الحقّ في معاقبة من يتخلّى عنها؟ إن الاعتقاد بذلك يعني تحديداً التآلف مع سياسة طبيعتها ستالينية.
والحال أن بعض المثقفين الفرنسيين يجدون صعوبةً في الإقرار بأنّ خضوعهم يكمُن في هذه الناحية. علماً بأن رفض مقاربة من هذا النوع يجب ألا تشوبه استثناءات. فالمفروض ألاّ يكون للدولة أي وسيلةٍ لمعاقبة من يدّعي مثلاً إن الشمس تدور حول الأرض. إنّ في مبدأ حرية التعبير شيئاً ما بسيطاً جداً: فإما أن ندافع عنها في حالات ظهور آراء ننفر منها، أو ألاّ ندافع عنها بكلّ أشكالها. فحتى هتلر وستالين أقرّا بحرية التعبير لهؤلاء الذين شاركوهم وجهات نظرهم...
وأضيفُ أن هناك شيئاً من الألم وحتى من الفضيحة بسبب الاضطرار إلى البحث في هذه المسائل بعد قرنين من فولتير الذي صرّح كما نعلم قائلاً: "أكره آراءكم، لكنني مستعدٌّ للتضحية بنفسي لكي تتمكنوا من التعبير عنها".
** - أنت تعلّق في أحد كتبك على عبارة ميلتون فريدمان: "تحقيق الأرباح هو الجوهر الحقيقي للديمقراطية "...
* شومسكي: حقيقة القول إن الأمرين متناقضان إلى درجة أنه ليس ثمّة تعليقٌ ممكن... فهدف الديمقراطية هو أن يتمكّن الناس من تقرير حياتهم الخاصة والخيارات السياسية التي تخصّهم. وتحقيق الأرباح هو أحد أمراض مجتمعاتنا، وهو يستند إلى بنى خاصة. ففي مجتمع محترم أخلاقيا يصبح هذا الهمّ هامشياً. لنأخذ القسم الجامعي الذي أعمل فيه (في معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا)، ففيه بعض العلماء الذي يعملون دائبين لكي يكسبوا الكثير من المال، لكنهم يُعتبرون نوعاً ما هامشيين ، بل أناساً مضطربين، حالات مرَضية إلى حدٍّ ما. أما الروح التي تحرّك الجماعة الأكاديمية، فهي بالأحرى محاولة تحقيق الاكتشافات للفائدة الذهنية ولخير الجميع في آنٍ معاً. ......
وفي الواقع، فإن سياسة الولايات المتحدة تثير معارضةً كثيفةً على المستوى العالمي. ففي أميركا اللاتينية، طردت الأرجنتين وفنزويلا صندوق النقد الدولي. وقد اضطرّت الولايات المتحدة إلى أن تتخلى عن ما كان معياراً منذ عشرين أو ثلاثين عاماً: وهو الانقلابات العسكرية في أميركا اللاتينية. لقد بات البرنامج الاقتصادي النيوليبرالي الذي فُرِضَ بالقوّة في مجمل أميركا اللاتينية في ثمانينيات وتسعينيات القرن الماضي مرفوضاً اليوم في مجمل القارة. كما نجد هذه المعارضة نفسها ضدّ نظام العولمة الاقتصادية على المستوى العالمي.
وفي الحقيقة، فإن الحركة الشاملة من أجل العدالة التي تجري تحت الأضواء الإعلامية الساطعة في كلّ مؤتمرٍ اجتماعيّ دولي، تعمل على مدار السنة. إنها ظاهرةٌ جديدةٌ جداً في مسار التاريخ، وربما تعدّ بداية حالة "دولية" حقيقية. والحال أن الحصان الرئيسي في معركتها يتعلّق بإمكانية وجود بديل. فبالمناسبة، أيّ مثال أفضل عن العولمة المغايرة من "المنتدى الاجتماعي الدولي"؟ فوسائل الإعلام المعادية تسمّي أولئك الذين يعارضون العولمة النيوليبرالية بـ"مناهضي العولمة"، في حين أنّهم يناضلون من أجل عولمة مختلفة، هي عولمة الشعوب.
ويمكن مشاهدة التناقض بين هؤلاء وأولئك، لأنّه ينعقد في الوقت نفسه، في دافوس، المؤتمر الاقتصادي العالمي الذي يعمل على التكامل الاقتصادي العالمي، لكن فقط لمصلحة رجال المال والمصارف و"صناديق التقاعد"؛ وهذه قوى عظمى تسيطر أيضاً على وسائل الإعلام. هذا هو مفهومهم للتكامل العالمي، لكن في خدمة المستثمرين. وتعتبر وسائل الإعلام المسيطرة أن هذا التكامل هو وحده الجدير، بشكلٍ ما، أنّ يسمّى رسميّاً "العولمة".
وهذا مثالٌ جيّد على طريقة عمل البروباجاندا الإيديولوجية في المجتمعات الديمقراطية. فهي فعّالةٌ حتى إلى درجة أن بعض المشاركين في المنتدى الاجتماعي قد قبلوا أحياناً صفة "مناهضي العولمة" الخبيثة. وفي بورتو ألّيجريه، قمت بمداخلة في إطار المؤتمر، وشاركت في مؤتمر المزارعين العالمي الذين هم وحدهم يكوّنون أغلب شعوب الكرة الأرضية...
** - يصنّفونك في فئة الفوضويين أو الاشتراكيين الفوضويين. فبمفهومك عن الديمقراطية، ما هو موقع الدولة؟
شومسكي: نحن نعيش في هذا العالم لا في كونٍ خيالي. والحال أنه في هذا العالم توجد مؤسسات استبدادية هي الشركات الكبرى؛ وهي الأقرب إلى المؤسسات الشموليّة. ولنقل أنّه ليس عليها حسابات تقدّمها إلى الجمهور وإلى المجتمع، وهي تتصرّف على طريقة الحيوانات المفترسة لتوقِع شركات أخرى ضحيّةً لها. وليس أمام الشعوب، لتدافع عن نفسها منها سوى وسيلة واحدة: وهي الدولة. لكن هذه ليست درعاً فعالاً جداً لأنها مرتبطة عموماً بشكلٍ وثيق بهؤلاء المفترسين؛ مع فارقٍ بسيط لا يجوز إهماله: ففي حين أنّه ليس على شركة "جنرال إلكتريك" مثلاً أي محاسبة تؤديها، فقد تضطر الدولة أحياناً إلى إيضاح موقفها للشعب. وعندما تتوسّع الديمقراطية إلى درجة يتمكن فيها المواطنون من الإشراف على وسائل الإنتاج والتبادل، ويشاركون في صنع الإطار العام الذي يعيشون فيه، وفي إدارته، عندها يمكن أن تزول الدولة شيئاً فشيئاً، وتحلّ مكانها جمعيات متطوّعة تكون حاضرة في أماكن العمل وحيث يعيش الناس.......
نعوم شومسكي: أستاذ علوم اللغويّات في معهد ماساتشوسيتس للتكنولوجيا ، بوسطن، الولايات المتحدة.
28-09-2007
http://www.islamicnews.net
Warning: mysql_fetch_array(): supplied argument is not a valid MySQL result resource in /htdocs/public/www/actualites-news-web-2-0.php on line 785