بعد الاعتداء على الرّئيسين ... هل راح ثلثا هيبة الدولة و بقي الثلث؟
فتحي الزغل - فتحي
من كتـــــّاب موقع بوّابــتي المشاهدات: 4907
يسمح بالنقل، بشرط ذكر موقع "بوابتي" مصدر المقال، ويفضّل أن يكون ذلك في شكل رابط
لا أنكر الصّدمة التي انتابتني عندما شاهدتُ حادثة اعتداء مضيّفي الرّئيس على ضيفهم منذ أسبوع. و أقصد رشق مجموعة من الشّباب - أحسبهم مؤطَّرين و مُدرَّبين جيّدا لتلك الفعلة - لمنصّة الاحتفال بذكرى اندلاع الثّورة يوم 17 ديسمبر 2010 بمدينة سيدي بوزيد. و التي يعتلـــيها ساعتَها رئيس الجمهوريّة و رئيس المجلس التّأسيسي و مرافقيهم من الوزراء و المسؤولين الوطنييّن و الجهويّين. صدمةٌ أضنّها لن تمّحي من ذاكرتي و من ذاكرة كلّ مشارك في الثّورة أيّام الجمر، من الذين كانوا يتمنّون لو أتيحت فرصةٌ سانحةٌ مماثلة وقتها لرشق المخلوع الدّيكتاتور بالحجارة قبل هروبه، و من الذين لا يتخيّلون أبدا أن يُرشَق بالحجارة الرّئيس الذي تولّى منصبه بانتخابات بعد إسقاط ذلك الطّاغية، و أين؟ في مهد الثّورة... الجهة التي انطلقت منها شرارتها.
لكنّ تلك الحادثة أثبتت فيما أثبتت أنّ الدّولة لم يعد لها هيبتها اللّازمة لعملها، إذ لم يكن يتجاسر من رشق رئيس الجمهوريّة و رئيس المجلس الوطني التّأسيسي في تلك الحادثة بحجارةٍ، أن يرشق عمدة أم معتمدا عيّنَهُ الطّاغية أيّام الدّيكتاتورية بكلمةٍ حتّى...و ذلك ما أقصده بهيبة الدولة.
فالدّولة بكلّ مفاصل مكوّناتها السّياسية و الإدارية و الاجتماعية و التّرتيبية لا يكون عملها العام ناجعا بغياب قدرٍ من الهيبة تُلزِم كلّ تلك المكوّنات على احترام المكوّنات الأخرى. وأصلُ ذاك الإلزام إنّما هو سلُوكٌ نتيجة اتّقاء عقوبة أو ضياع مصلحة فرديّة بالأساس، و هو ما يُعبَّرُ عنه بعنف الدّولة الشّرعيِّ. لأنّ التّاريخ و الطّبيعة البشريّة أعلمتنا بأنّ هناك في كلّ مجتمعٍ أشخاص مستعدّون للتّضحية بالجماعة في سبيل أنانيّتهم و جهلهم.
و لأنّ السّلطة القائمة بتونس منذ انتخابات 23 أكتوبر 2011 هي تحالف ثلاثيٌّ بين ثلاثة أحزاب ممثّلة في الرّؤساء الثّلاثة. و أقصد رئيس الجمهوريّة و رئيس الحكومة و رئيس المجلس التأسيسي، فإنّ الاعتداء على اثنين من هؤلاء الرّؤساء الثلاثة، هو بمثابة قضم لثلثي الهيبة التي لم تكن موجودة أساسًا كما يجب أن تكون. و لعلّ غياب رئيس الحكومة عن موكب الاحتفال هو رحمةٌ من ربّي للإبقاء على ثلث الهيبة التي أظنّها في الميزان هي الأخرى.
إلاّ أنّي و أمام هذه الصورة القاتمة في بلدي، سأتشبّه بالطبيب الذي يُوصي بحبّةٍ تُرمَى في البطن لعلاج صداع في الرّأس. حيث أنّي أرى و عبّرتُ عن ذلك مرارا أنّ انحسار هيبة الدّولةِ مردُّه عدم تطهير الإعلام - و أقصدُ تماما ما تعنيه كلمة تطهيرٍ التي أصبح يتحاشاها العديد ممّن كان يستعملُها في الأيّام الأولى للثّورة - و انبطاح هؤلاء المسؤولين الشّرعيين أمام قضايا الفساد و الإفساد الإعلامي الذي يَعلمه القاصي و الدّاني في بلدنا، و لم يتحلّوا عند بداية عملهم بالشّجاعة الكافية لمحاربتهم... فكَان أن كوَاهم تخاذُلهم... و رشَقَهم تساهُلهم... بالتي كانت هي الدّاءُ.
اضغط على الكلمات المفتاحية التالية، للإطلاع على المقالات الأخرى المتعلقة: