د- هاني ابوالفتوح - مصر / الكويت
من كتـــــّاب موقع بوّابــتي المشاهدات: 5725
يسمح بالنقل، بشرط ذكر موقع "بوابتي" مصدر المقال، ويفضّل أن يكون ذلك في شكل رابط
الدستور هو الوثيقة التي تجمع بين أبناء الوطن الواحد ويلتفون جميعا حولها وربما لا يتفقون على جميع موادها لكنها الرابط بين الوطن و المواطن وهي عنوان الهوية التي تحتضنه وتنظم سائر حياته وتحدد ما له من حقوق وما عليه من واجبات ولكن الدستور في النهاية هو إجتهاد من عمل البشر وكل أعمال البشر مردود عليها , فهي ليست قرآنا يتلى آلاء الليل وأطراف النهار ولا هي منزهة عن كل عيب و نقص أو خطأ أو نسيان , وحين يجتمع مجموعة من البشر بأفكار متفاوتة وأهواء مختلفة حول مائدة واحدة ليكتبوا جميعا دستور وطن يحكم أمة بقامة وقيمة مصر الحضارة فلا بد أن يكون هناك تفاوت في الرؤى والآراء ولا بد أن يأخذ النقاش حقه الواجب والأهم أن يكون إختيار هذه المجموعة الوطنية منزه عن كل هوى وعن كل إنتماء حزبي أو طائفي حتى نؤسس لعوامل التوافق بدلا من أن نبني عوامل الفرقة والإختلاف كما يجب أن يوكل الأمر لأهله من أهل القانون وأساتذته من شهد لهم المجتمع بأسره بالمصداقية والأمانة والبعد عن التحزب والتلون لتكون لهم الكلمة الأخيرة في بناء هذا العمل الذي يحدد الطريق ويؤسس الخطى لأمة ناهضة ,
هكذا كان يجب أن يكون الطريق وهكذا كانت بداية الأخطاء حين تم تشكيل الجمعية التأسيسية للدستور بعد الطعن على الجمعية الأولى في المحكمة الدستورية فكانت سقطة المجلس العسكري الكبرى بدعوى سرعة بناء لبنة أساسية في المجتمع فتم إقرار تشكيل اللجنة على أساس المحاصصة والنسبة والتناسب والمغالبة يإرضاء الأغلبية وإقصاء الكثير من أهل الرأي والخبرة لمجرد أن حزب الأغلبية لابد أن يحصل ومن يؤيده على نسبة لا تقل عن 50 % من أعضاء اللجنة التأسيسية, فما علاقة حزب الأغلبية وكفاءات أعضائه وخبراتهم الحياتية كي يكون وضع دستور مصر بأغلبيتهم حقا مكتسبا لهم دون غيرهم ,
هكذا البدايات الخاطئة تصنع الأزمات كما أن تحديد وقت زمني لدستور دائم لوطن هو أمر غريب وكأنهم لا بد أن يزرعوا ويحصدوا الدستور في هذا التاريخ فماذا لو إحتاج لتأن ودراسة ووقت أطول لصناعة دستور دائم وسرنا خلال الفترة الإنتقالية بدستور مؤقت نتوافق عليه , ولكن هكذا فعلوا حتى رأينا هذا المشهد المقيت يوم التصويت على مسودة الدستور التي إمتدت حتى صباح اليوم التالي ليتم تسليمه للرئاسة قبل الثاني من ديسمبر , هكذا دارت العجلة ولما كانت الكتل التي تم تشكيل الجمعية التاسيسية منها غير متوافقة وغير متآلفة وتم إقصاء فئات عديدة وقامات فكرية وقانونية غير متحزبة في المجتمع المصري كانت الجمعية ستشرف بتواجدها وتثري العمل وتحرص على الوطن لكنها الغلبة والعصبية وضعف المسؤول عن الحكم في هذه المرحلة الإنتقالية فتراضوا على السكوت مؤقتا والعمل معا و كل طرف يضمر للآخر ما لا يبني وطن ولا يحرص عليه , ولا أعفي أحدا دون الآخر فلا الأغلبية من أبناء التيار الإسلامي حرصت علي الوحدة والإتفاق ولا جماعات التيار المدني وضعت يدها في يد الأغلبية ليخرجوا لنا بدستور متوافق عليه ,
لقد قرأت مسودة الدستور كاملة عدة مرات حتى لا أكون جاهلا بما فيها لأنها مقترح لدستور وطن بأسره ووجدتني أقف طويلا أمام بعض المواد كالمادة 35 المتعلقة بالحريات وفي الواقع على الأرض كل ما يحدث يخالف كل حرف في المادة , ثم مرة أخرى تعاد المواد الخاصة بإنتخابات مجلس الشعب كالمادة 231 لتكون الثلثين بالقائمة والثلث الباقي للمستقلين والأحزاب وهو نفس السبب الذي تم حل مجلس الشعب بسببه لمخالفته حقوق المستقلين ومزاحمتهم في النسبة المقررة لهم علما بأن نسبة المستقلين من جموع الشعب أكثر من نسبة المنضمين لأحزاب وما كانت هذه المادة وإعادتها إلا لضمان عودة الأغلبية مرة أخرى حرصا على المقاعد والمناصب والتشريع وهو أمر غريب عجيب مريب يوضح السبب الرئيسي للحرب المعلنة مع القضاء والأقلية لضمان إستمرار الأغلبية بكل الطرق وبدلا من أن كانت محل نزاع قضائي أقر بطلانها تصبح الآن دستورا محصنا ,
كما تم توريث مجلس النواب المنحل لمجلس الشورى المحصن خوفا من حله في سابقة لم تحدث في جميع دول العالم ليظل العناد هو سيد القرار دون النظر لمصلحة وطن عليا قياسا بالحرص على مصالح حزب وجماعة والمادة التي تم إقرار عدم دستوريتها الخاصة بقانون العزل أعيدت كما هي مرة أخرى في المادة رقم 232 لنستمر في قسمة الوطن وأبنائه بتوسيع الدائرة وليس بحصرها على القيادات العليا للحزب البائد ومن أفسدوا الحياة السياسية فيه بموجب أحكام قضائية والتعميم يضر لا يفيد والتخصيص يؤسس للحريات ويحفظها ولكن من يسمع ومن يجيب وقد سبق السيف العزل وتم سلق المادة دون فهم لمصلحة وطن ودون تعلم من سنة نبي العفو والمرحمة حتى يؤلف قلوب الأمة , وأخيرا المادة 234 التي حصنت دستوريا كل أعمال وقرارات الرئيس لأنها منزهه عن كل نقص وعيب , ولو قرأنا بتمعن مسودة الدستور حتى نكون منطقيين في أحكامنا ولا نمشي مع الركب دون عقل أو بينة لوجدنا أن المواد التي أتت فيها تتراوح بين مواد عامة لا يختلف عليها بعد ديباجة عادية ومواد الباب الأول الدولة والمجتمع ثم الباب الثاني المتعلق بالحقوق والحريات وبه بعض المواد التي يختلف ويتفق عليها ثم الباب الثالث الخاص بالسلطات العامة وبه العديد من النقاط التي يدور حولها الكثير من علامات الإستفهام خاصة بسلطات الرئيس وتعيينه للجهات الرقابية المختلفة في الدولة التي جاءت في الباب الرابع وجميعها تتكرس في يد سلطة الرئيس المطلقة ثم الباب الأخير الخاص بالأحكام الختامية والإنتقالية وهو الطامة الكبرى فبه كثير من المواد التي قيل أنها كلمات حق ولكن أريد بها ألف باطل فبها مواد أتت فقط لتكريس إستمرار الأغلبية الحالية في الحكم إلى أن يشاء الله ,
و هكذا جاءت مواد الدستور المختلفة بين عامة مقبولة ومنطقية و ربما رائعة أو عادية وغير مقبولة بالمرة وإنتهازية دون وسطية , بين كل هذا هناك تجاهل للكثير من الأمور الهامة الحياتية لم يتطرق لها مشروع الدستور نهائيا كالخاصة بالتعليم والبحث العلمي والحقوق الصحية والسياحة و الإقتصاد والتنمية و حقوق المرأة والرياضة ودورها في المجتمع وحقوق الشباب وهم وقود الثورة وأصحابها الحقيقيين ,
الحقيقة الواضحة دون مواراة أن هناك ما لا يقل عن سبعون بالمائة من المواد عامة تم قبولها والتوافق حولها دون أي إعتراض قبل إنسحاب التيار المدني وهناك عشرون بالمائة كان من الممكن بالهدوء وحسن النوايا أن يتوافق جميع أعضاء التأسيسية حولها ولكن عشرة بالمائة من المواد لا يمكن قبولها سُخرت كاملة لصالح الاغلبية الحاكمة حاليا لإطلاق يدها في السلطة التنفيذية والتشريعية وكافة مؤسسات الدولة وهذه المواد تم إقرارها بعد إنسحاب التيار المدني وكان من الضروري جدا تحصين الجمعية التأسيسية حتى يتم إقرار هذه المواد بمنتهى العجلة والتسارع والعجيب هو الترويج لفكرة أن من يقف مع الدستور فهو يقف مع الشريعة والدين ومن يخالفه أو يعترض عليه أو حتى من يحاول أن يناقش هو خارج عن الملة والشرعية ويجب الحجر عليه وهذا كفر بوار بالرأي والرأي الآخر وبحق الجميع في القراءة والتبين قبل أن نتخذ قرارا يبني وطن للجميع حتى يكون حكمنا أمينا على مسودة الدستور التي تم الدعوة للإستفتاء عليها على عجل دون أن يأخذ الشعب حقه من التوعية والتعريف بما يستفتى عليه فإنقسم الشعب لفرقاء مختلفين فيما بينهم , فهناك أبناء التيار الإسلامي من جماعة الإخوان والسلف يروجون جميعا أنه الدستور الأعظم والأتقى والأنقى في تاريخ البشرية وكأنه قد أتانا من رب السماء , والعجب العجاب أنهم يؤيدون دون معرفة بالمنتج نفسه ودون قراءة ودون إستيعاب وحينما أنزل الله كتابه الكريم على نبيه بدأه بكلمة هي ميثاق كل حكمة وعقل ... إقرأ , إقرأ أولا قبل أن تحكم إقرأ لتفهم إقرأ لتعي إقرأ لتعرف إقرأ لتتيقن ثم تكون عقيدة واضحة ثابته كالجبال ولكن من يقرأ الآن ومن يدرس بل هو التأييد الأعمى والعصبية الجاهلية التي هدمها الدين وقض أركانها تعود إلينا في زمن كنا أولى الناس فيه بالتوحد والإجتماع , بل أكثر من هذا هناك تيار ديني آخر متشدد يرى أن مشروع الدستور قد فرط في أمور كثيرة في صلب العقيدة و الدين , فريق آخر معارض على طول الخط يعارض دون أن يوضح يعارض حتى لا يلتقي و يعارض ليؤخر ويفسد أكثر من أن يصلح ويشارك ويبني ,
ثم أخيرا نظام حكم لم يعدل بين المؤيد والمعارض ولم يحاول أن يرأب الصدع بل مال لطرف دون الآخر وتجاهل عن عمد كل مخالف في الرأي , يقول شيئا ويفعل عكسه تماما , على عجلة من أمره لأن الوطن أصبح تحت رحمة المصالح و من أين تؤكل الكتف ومن يسبق قبل الآخر ومن يكسب الجولة وبات التشكيك في القضاء وهيئاته شماعة كبرى لترويج الأفكار وتسويق المخططات وحصد النتائج وتأليب الناس , والحكمة الغائبة تقول ليس الحكيم من يعتقد بحسن ما يصنع حاليا إستقواءا بمن حوله وإرضاءا لمؤيديه ولكن الحكيم من يستطيع أن يحتوي معارضيه أولا حرصا على وطن بأكمله , و من العار أن نستعرض عضلاتنا لنظهر مدى قوتنا لنتنازع وطن فأي كرامة تلك حين ينتزع غيرك بعضا من هذا الوطن بدلا من أن نضع أيدينا معا لنجمع شتاته , بينما قسمة الشعب والوطن هي المحصلة الكبرى لكل هذا العبث في غيبة من العقل والحكمة لجميع الأطراف وحرص كل طرف على الإعتداد برأيه وأخذ الوطن لآخر مدى من الشقاق والفرقة والنزاع حتى بتنا نستقوى على بعضنا البعض ونتفاخر بأعداد مؤيدينا و قوة حشودنا وكأن كل فريق لا يرى إلا نفسه وتناسوا جميعا أننا أعضاء لجسد واحد قلبه وعقله لن يحتمل كل هذا الشقاق ولن نحصد جميعا إلا الندم فسبحان من له الدوام الذي قال في محكم آياته " وتلك الأيام نداولها بين الناس " و لن يستطيع فريق بمفرده أن يستولى على وطن وإن إستطاع فلن يستمر مدى الحياة و في النهاية سيعلم الذين ظلموا أي منقلب ينقلبون .
اضغط على الكلمات المفتاحية التالية، للإطلاع على المقالات الأخرى المتعلقة: