د. ضرغام الدباغ - برلين
من كتـــــّاب موقع بوّابــتي المشاهدات: 5474
يسمح بالنقل، بشرط ذكر موقع "بوابتي" مصدر المقال، ويفضّل أن يكون ذلك في شكل رابط
منذ عشرة سنوات تقريباً كان يعتقد بعض المتفائلين وفي بعض التفاؤل المؤسس على الوهم سذاجة، وصدق البعض أن الولايات المتحدة ستقيم نظاماً ديمقراطياً يجد فيه جميع العراقيين الملاذ الآمن في حماه وفي ربوعه، العراقيين أي كانت انتماءاتهم الدينية والعرقية، صدقوا أن تأتي الولايات المتحدة بكل صخبها وقرقعتها اتقتل وتدمر، لتقيم في النهاية نظاماً لا علاقة له بالديمقراطية ولا بالديكتاتورية ولا بأي مصطلح من مصطلحات النظم السياسية.
وفي الواقع، أن الولايات المتحدة لم يكن هدفها إزالة نظام وإقامة نظام غيره، بل كان إزالة نظام وإحلال الفوضى محله، بإدخال حليفين لها في ترتيبات العراق وغير العراق هما إيران وإسرائيل، بأتفاق على فقرة واحدة من صلب استراتيجية الحلفاء الثلاثة، هو إنهاء العراق ككيان سياسي مؤثر في قضايا الشرق الأوسط، ومن مفردات تلك الخطة السوداء، إعداد المسرح السياسي العراقي بطريقة لا ولن يتفق أطرافه على شيئ حتى على حاصل ضرب خمسة في خمسة.
وما يطلق عليها عملية سياسية هي مأساة ملهاة، لها نتيجة واحدة فقط، تتمثل بإبقاء العراق محطماً وخارج الحسابات السياسية والاقتصادية والاستراتيجية. ومن ذلك تأسيس وسط سياسي يجمع أطراف عملية لا مصلحة مشتركة لديهم في العمل المشترك، بمعنى آخر: كل يسحب الحبل بأتجاه عربته، والنتيجة العلمية المنطقية هي أن العربة المشتركة ستراوح محلها، هذا ما لم تغطس في المزيد من الرمال، ولا ينظر سوى المزيد من التحطيم للعربة المحطمة، بل تزيدها تحطيماً على تحطيم.
ما يطلق عليهم (أطراف العملية السياسية) هم ليسوا بأطراف في الواقع القانوني والسياسي العلمي. وبادئ ذي بدء فإن الفكر السياسي علمياً لا يعتبر كل من تزعم جماعة من الناس قائداً سياسياً، وبالتالي فهي ليست بالعملية السياسية إلا بقدر الكلمات فقط، ذلك أن العملية السياسية ومواقف الكتل وقادة المجموعات متفاوتة للغاية في أهدافها السياسية والاقتصادية والاجتماعية، لدرجة يصعب وجود قاسم مشترك بينها، وهي بالتالي عملية لا يراد منها الوصول لنتيجة، فالعملية كما أسلفنا مصممة على أساس أن لا تلتقي هذه المجاميع أبداً، وإذا اتفقت يوماً، فما اتفاقها إلا لإلحاق المزيد من الضرر.
والكتل السياسية تتفاوض عادة، من أجل تشكيل حكومة، أما إذا كان الأمر خطير فتسمى حكومة إنقاذ، بوجود قاسم مشترك بين الكتل كما يتطلب الأمر قدراً معقولاً من التكافؤ في القيمة الاعتبارية، والقدرة على اتخاذ القرارات، ومن أولى شروط التفاوض هو قدرة وصلاحية المفاوض على اتخاذ القرار، بل وأن بروتكولات التفاوض تحتم أن يؤكد المتفاوضون على ما يثبت صلاحيتهم لإدارة المفاوضات والتوقيع على قرارات، وهذا شرط رئيسي لإدارة مفاوضات ناجحة تتوصل إلى نتائج، وهو ما لا يتوفر في كافة أطراف العملية السياسية، ففي نهاية المطاف ستعود الأطراف كل لاستلام التعليمات من الجهة التي ترتبط بها. وجهات الاحتلال الثلاث متفاهمة على أن لا يكون هناك حل جذري، ربما هناك تأجيل لاصطدام محتمل بوضع خطوط حمراء أو سوداء أو بنفسجية، ولكن ليس هناك ضوء أخضر لوضع الأسس في بناء دولة حديثة ديمقراطية، وإلا سيصح المثل في المحتلين: كأنك يا أبو زيد ما غزيت ..!
الامريكان يضعون خطوط حمر لرئيس الوزراء المالكي، وتضع إيران خطوط حمراء للسيد البرزاني، وخطوط أقل اشتداد في اللون للأطراف الأخرى على أساس أنها أطراف ثانوية، والتي تلعب دور المسهل أو المعرقل الشكلي، والأمر في نهاية المطاف لا يتقرر على طاولة مفاوضات أطراف العملية السياسية، بل في الكواليس وبين أطراف الاحتلال، وفي ذلك تتداخل خطوط وشخوط وخطط، الله يعلم أين تبدأ وأين تنتهي، ولكنها قطعاً ليست ضمن حدود العراق، وهكذا يتحول الوطن إلى ملعب مصالح ومندوبين لتلك المصالح، في بلد ينهشه الفساد يموت أبناؤه على حواجز الجيش الحكومي أو الشرطة الميليشاوية، أو عصابات تابعة لأطراف العملية السياسية، ثم يراد لعملية سياسية أن تنجز شيئاً لن يكون.
إذا كانت التنمية ملفاً يرفضه الجميع، والأمن شأن إيراني وإسرائيلي، والهاتف خط أحمر أمريكي، والكهرباء خط أحمر إيراني، وتوفير الماء الصالح لا يهتم به أحد، فماذا تبقى لقادة العملية السياسية ليتفاهموا عليه ..؟
نعم هناك حديث عن عراق جديد، وعن ديمقراطية، وعن أمن ولكننا كالمثل القائل: نسمع جعجعة ولا نرى طحين.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
هذه المقالة جزء من مقابلة تلفازية مع إحدى القنوات العربية بتاريخ 21 / نوفمبر / 2012
اضغط على الكلمات المفتاحية التالية، للإطلاع على المقالات الأخرى المتعلقة: