فتحي الزغل - تونس
من كتـــــّاب موقع بوّابــتي المشاهدات: 4456
يسمح بالنقل، بشرط ذكر موقع "بوابتي" مصدر المقال، ويفضّل أن يكون ذلك في شكل رابط
بدأ رمضان يقترب من نهايته، و صرنا أقرب للعيد منه إلى بدايته، و بدأت نفحات العتق من النار تبعث فينا الأمل في أيّامه العشر الأخيرة. إلاّ أنّ رمضان هذا العام ذكّرني في أمرين أنسانيهما الشّيــــــــــطان لا محالة، و الانغـماس في شؤون الحياة و أبوابها التي لا تنتهي سوى بالقبور.
فأوّل ما استحضرتُه، بفعل الحرارة المرتفعة هذا العام و ما رافقها من دعاء لله بتلطيفها، ما كان أسلافنا يتكبّدون من مشقّة الصّيام منذ أوّل تكليف به إلى السّنوات القليلة الأخــيرة، متى وُجدت المكيّفات و الحضارة و الأجهزة التي تقلّل من الوهج و الحرّ، بل وتقلب الحرارة بردا و سلاما. و خاصّة منهم أولئك الذين سكـنوا و يسكنون الصّحراء، و ما شدّة لفح الحرّ في الصّحراء. بل استحضرتُ كذلك الانجازات الإسلاميّة التي وقعت في رمضان من التي تستوجب مجهودا بدنيّا في قدراته القصوى، كالغزوات، و الفتوحات، و التّجارة، و بناء الدّولة... فأن يشتكي المرء من حرّ يوم صيامٍ هذه الأيّام و هو في عمله أو في منزله، فهو لعمري أمرٌ يبعث على الاستحياء من الله إذا ما قارن نفسه بمن قاتل في يوم حرّ أشدّ من حرّنا، في صحراء قاحلة ليس دونها سوى الشّمس الحارقة و قتال يُلزم صاحبه استحضار كل قوّته البدنيّة. إن لم يفعل يكن في عداد من مضى فيهم السّيف.
أمّا ثاني الأمرين الذين استحضرتهما بفعل حرارة رمضاننا المبارك هذا العام، فهو ما يُعتبر مقصدا من مقاصد صوم رمضان. إذ يمنعنا أمر الله من الماء الأجاج، و تحُولُ طاعتنا له بيننا و بين ما لذّ و طاب في مطابخنا و برّاداتنا التي تعجّ بالأكل و الشّرب و السّرف، و يُثنينا الامتثال لديننا الحنيف عن ما يطلبه كل جسد عطشان جائعٍ في يوم حرّ... إلاّ أنّنا نُســقى ممّا مُنعنا إذا أذّن المغرب ، و نُطعَم ممّا رُدِعنا إذا جنّ اللّـــــــيل، و ينقلب هنالك الحال من عطش إلى ارتواء، و من جوع إلى شبع...
فكيف بذلك المسكين الفقير الذي لا يجد كلّ يوم حرٍّ ما يرتوي به، و لا يجمع كلّ يومٍ ما يقوتُه. فيكون رمضانُه عامُه، و عامُه صيامه، فيبقى حياتَه تحت وطأة الجوع و العطش مثلنا في نهارنا مع اختلاف بيننا و هو أنّنا نرنو في النّهار المغربَ، و لا يرنوه هو مثلنا، للشّبه بباقي فترات اليوم جوعا... و نرنو في رمضـــــان عيدًا، و لا يرنوه هو مثلنا، لأن كلّ أيامه رمضان إذا ما حسبنا الشهر شهر إحساس بجوع و عطش.
فسبحانك ربنا تُدني منّا مَعالم لا نُدركُها إلاّ بالامتثال لأمرٍ من أوامرك.
اضغط على الكلمات المفتاحية التالية، للإطلاع على المقالات الأخرى المتعلقة: