(139) قراءة فى الخطة الأمريكية لزرع الديموقراطية فى العالمين العربى والإسلامى
د. أحمد إبراهيم خضر - مصر
من كتـــــّاب موقع بوّابــتي المشاهدات: 7294
يسمح بالنقل، بشرط ذكر موقع "بوابتي" مصدر المقال، ويفضّل أن يكون ذلك في شكل رابط
تقول الكاتبة اليهودية "روث كنج " المشرفة على موقع " الربيع العربى " فى تعليقها على الثورات العربية وعلاقتها بالديموقراطية :
" إن الإسلام هو المحور المركزى الذى يربط كل الشعوب العربية على اختلاف بلدانها. وأن على الباحثين المتابعين لأحوال المنطقة العربية أن يقوموا بتحليل مايجرى فى ضوء أن طبيعة الإسلام ثابتة وغير مهتزة و "غير ديموقراطية"، وأن شعوب هذه المنطقة كما أنها تواقة إلى الحرية، فهى تميل أيضا إلى الإسلام بشدة.
وتعتقد "روث كينج" أنه من الخطأ محاولة إقامة جسر بين ماتسميه بالاستبداد والديموقراطية، وأن الصحيح هو إقامة هذا الجسر بين الإسلام فى عموميته وما تسميه بالإصلاح الإسلامى، وأن ذلك لو تم فإن فهم الديموقراطية بالمعنى الأمريكى سيكون ممكنا.
تقول " كينج " :" إذا كان الإسلام فى شكله المعاصر هو الذى يوحد الشعوب والقبائل العربية، فلن يكون هناك مكان للديموقراطية، فهما عنصران لا يلتقيان، لكننا إذا نجحنا فى زرع ديموقراطية علمانية فى مصر، وتونس، وليبيا، وسوريا، وحتى فى السعودية، فهنا نستطيع أن نحتفل ببزوغ فجر جديد يمهد لمرحلة جديدة من السلام والرفاهية العالمية. أما إذا انتصر الإسلام فى هذه الثورات فإنه سيكون كالداء الذى يفسد وينسف أنسجة النباتات والحيوانات، وعلينا بعدها أن ندفن تحت الثرى كل مفاهيمنا القديمة عن الأنظمة السياسية العالمية وعن التنافس بينها..... علينا أن نعرف أنه لو انتصر الإسلام فإن مرحلة جديدة من الصراع الدولى القائم على الدين سوف تنشأ، وقد يكون هذا التصور خياليا، لكنه لو حدث فإننا سوف نفتقد كل مكتسباتنا الفكرية ونلقى بها وراء ظهورنا. لو أن الشعوب العربية احتضنت الإسلام، وتحركت به نحو إقامة دولة الخلافة الإسلامية، فإن على علماء السياسة أن يعودوا إلى المدارس مرة أخرى لإعادة دراسة التاريخ والسياسة، وعليهم أن يقضوا كل أوقاتهم للدراسة فى أقسام اللاهوت ".
تدعم هذه الفقرة لـ "روث كنج" الخطة الأمريكية لزرع الديموقراطية فى العالم العربى التى بدأ تسريبها والإعلان عنها فى عام 2002.
والواقع هو أن هذه الخطة جاءت فى خطاب "ريتشارد هاس" مدير تخطيط السياسات بوزارة الخارجية الأمريكية.
وكانت بداية هذه الخطة وأهم ملامحها على النحوالتالى :
أولا : ينطلق مشروع هذه الخطة من قاعدة أساسية مؤداها : " أن الولايات المتحدة تريد أن تكون " قوة محررة" تكرس نفسها لإحلال الديموقراطية ومسيرة الحرية فى العالم الإسلامى، كما أشارت إلى ذلك مستشارة الرئيس الأمريكي لشؤون الأمن القومي السابقة "كوندوليزا رايس "في سبتمبر 2002 وما أضافته في تصريحات لها لصحيفة "فايننشال تايمز" البريطانية قائلة :" أن المبادئ الجيواستراتيجية لما بعد الحرب الباردة تحتم على واشنطن النضال من أجل ما وصفته بالقيم الليبرالية الأمريكية الذي يجب "ألا تتوقف عند حدود الإسلام". وقالت أيضا : "إن هناك عناصر إصلاحية في العالم الإسلامي نريد دعمها".
ثانيا : بدأت دراسة موضوع "دمقرطة العالم العربى والإسلامى " في أواخر أكتوبر 2002، وتم الكشف عن البرنامج المقترح لذلك بشكل أكثر وضوحا في أول نوفمبر عام 2002. نشرت تفاصيل البرنامج أولا فى صحف أمريكية، ثم نقلته تفصيلا صحيفة "البيان" الإماراتية يوم 3 نوفمبر 2002، في أعقاب تصريحات للرئيس بوش ومستشارة الأمن القومي " رايس " تدور حول ما يسمى بـ " تعليم المسلمين الديمقراطية ".
ثالثا : ترجم هذا المشروع إلى برنامج سرى لتشجيع الديموقراطية فى العالم العربى والإسلامى، يهدف إلى الحفاظ على المصالح الأمريكية فى المنطقة خشية وقوع انفجار ما فيها يضر بهذه المصالح. وحتى لا تكون المنطقة أرضا خصبة لظهور ما يسمونهم بالارهابيين والمتطرفين الذين يستهدفون الولايات المتحدة بسبب دعمها للأنظمة التى يعيشون فى ظلها.
رابعا : يقوم البرنامج على افتراض :-
1- أن جانبا كبيرا من مشاعر العرب والمسلمين ضد الولايات المتحدة يعود إلى غياب الديموقرطية فى البلدان العربية وانتشار الفقر، مما يترتب عليه انتشار العنف الذى يوجه ضد هذه النظم، وضد الولايات المتحدة التى تتهمها شعوب هذه الحكومات بأنها تتغاضى عن انتهاك هذه الحريات فى هذه الدول ورزوخها تحت الفقر، وأن السكوت الأمريكى يعنى الموافقة الضمنية على ما تقوم به هذه الحكومات ضد شعوبها.
2- أن وجود هوة بين الحكومات العربية والإسلامية وشعوبها قد يعطل قدرة هذه الأنظمة على التعاون مع الولايات المتحدة حول قضايا ذات أهمية حيوية بالنسبة للأخيرة. كما أن الضغوط الداخلية التى تتعرض لها هذه الأنظمة قد تحد كثيرا من قدرتها على توفير العون للولايات المتحدة أو الموافقة على الجهود الأمريكية الرامية إلى ما يسمى بمكافحة الإرهاب أو التعامل مع انتشار أسلحة الدمار الشامل.
خامسا : ترتكز حيثيات هذا البرنامج على العناصر التالية :-
1- أن الديموقراطية لن تفرض على المسلمين بشكل ثورى وإنما ستكون بالتدريج وفق ظروف كل بلد على حدة. وأنه وإن كانت تلقى تشجيعا من الخارج فمن الأفضل بناؤها من الداخل لأن فرضها سيكون غير إيجابى وغير قابل للاستمرار.
2- ستلتزم الولايات المتحدة التزاما صارما بالمشاركة فى نشاط أكبر فى دعم الاتجاهات الديموقراطية مما يعنى تدخلها فى الشئون الداخلية لبلدان المنطقة.
3- ترى الولايات المتحدة أن الاقتصاد فقط هو المدخل للديموقراطية، ولهذا فهى تسعى إلى إنشاء البنية التحتية للديموقراطية وذلك بالدعم المالى الذى ستقدمه واشنطن للحكومات الذى يساعد توسيع دائرة النمو الاقتصادى.
4- يعمل هذا البرنامج على تشجيع التطوير فى مجالات التعليم والاقتصاد والإصلاح السياسى بصفتها مجالات حيوية هامة وخاصة فى البلاد التى يعانى سكانها من الاحباط وعدم الانتماء بسبب الجمود الاقتصادى والكثرة السكانية ولا تتوافر فيها ظروف العمل. كما تدعو الحكومات الإسلامية إلى سماع شكوى شعوبها وإلى محاربة الفساد واحترام حقوق الإنسان، وتطبيق حكم القانون، والعناية بالصحة والتعليم واتباع سياسات اقتصادية مسئولة. سعيا وراء سد الهوة المتزايدة بين العديد من الأنظمة السياسية ومواطنيها.
5- يقوم البرنامج على قاعدة أن النساء عنصر حيوى فى بناء الديموقراطية فى العالم العربى والإسلامى، وأن تعليم المسلمين الديموقراطية سيبدأ بالنساء المسلمات. ولهذا فإن "إليزابيث تشينى " ابنة نائب الرئيس السابق "بوش" التى كانت تشرف على برنامج تعليم النساء العربيات وكانت تعلمهن أسلوب الحملات الانتخابية وتمويلها، وشجعتهن على عدم الخوف من أى شيئ، وعلى تشكيل جماعات الضغط النسائى، والإسهام فى بناء المجتمع المدنى.
سادسا: الموقف الأمريكى من احتمال أن تتسبب الديموقراطية فى نجاح التيارات الإسلامية ووصولها إلى الحكم مما يتعارض مع مصالح الولايات المتحدة.
يقوم التصور الأمريكى فى هذه القضية على ما يلى :
1- أن نجاح التيارات الإسلامية ووصولها إلى الحكم، ليس أمرا مطلقا، وليس لأنها تتمتع بثقة الشعب المطلقة، ولكن لأنها المعارضة الوحيدة المنظمة.
2- أن الولايات المتحدة وصلت إلى قناعة مؤداها :" أن التعامل المباشر مع الإسلاميين الأكثر شعبية قد يكون أفضل من التعامل مع حكومات لا تعبر عن الشارع العربي بشكل حقيقي، وقد يكون ضررها أكبر ".
3- أن التجربة التركية قد حققت للولايات المتحدة ما تريده فى عالم الواقع. ومصداق ذلك ما جاء على لسان رئيس وزراء تركيا " عبد الله غول" الذى يقول فيه :" نريد أن تثبت أن الهوية الاسلامية يمكن أن تكون ديموقراطية، ويمكن أن تكون شفافة، ويمكن أن تتماشى مع العالم المعاصر، والأمريكيون على ثقة بأن الشعب التركى قادر على إثبات كل هذا ونريد أن نساعدهم فى ذلك". أثبت هذا التصريح للولايات المتحدة أن التجربة التركية أوضحت أن الإسلاميين ليسوا كما تصورهم التقارير كلهم بن لادن أو الملا عمر، خصوصا أن الإسلاميين الذين فازوا في أربع دول عربية وإسلامية مؤخرا تحدثوا بشكل أكثر اعتدالا عن الرغبة في التعاون مع أمريكا، وعدم عدائهم للشعب الأمريكي، وقصر خلافهم على سياسات الإدارة الأمريكية نحو قضايا العرب والمسلمين وانحيازها لإسرائيل.
( انظر :مصر بعد مبارك : محاولة دفع مصر إلى إسلام على الطراز التركى )
سابعا: أخطر ما في هذا البرنامج هو اللعب بورقة الأقليات أو تفتيت بعض الدول، وفصل أجزاء منها بزعم أن هذا سيكون لصالح الاستقرار، والنموذجان المطروحان هنا في التقرير - الذي جرى تسربه للإعلام لجس النبض- هما مصر والسعودية؛ حيث المطروح بالنسبة لمصر طرح فكرة دويلة قبطية في صعيد مصر؛ حيث يزعم التقرير أن "الدمقرطة" الكاملة والتطور السياسي الأمثل في مصر سيتحقق من خلال إقامة كيان قبطي في مصر حفاظاً على حقوق وحريات الأقباط، لأنه لا يمكن أن يكون للأقباط حقوقهم الديمقراطية وتمثيلهم العادل في ظل تلك الأكثرية من المسلمين، وفي ظل نظام الحكم الذي يراعي أوضاعًا كثيرة في هذه المسألة، ويتجاهل عن عمد كل طلبات وشكاوى الأقباط. "
( انظر :الإسلاميون ومستقبل الأقباط فى مصر بعد سقوط نظام مبارك )
أما في السعودية فالمطروح هو أن تكون هناك دويلة خاصة في المنطقة الشرقية، على أن يتولى إدارة هذه المنطقة شركة أرامكو، وأن تكون هذه المنطقة بمثابة المركز السياسي للإدارة السياسية الأمريكية في المنطقة!". ( انظر : الخطة الأمريكية للديموقراطية فى العالم العربى والإسلامى، إسلام أون لاين نت ( بتصرف ).
اضغط على الكلمات المفتاحية التالية، للإطلاع على المقالات الأخرى المتعلقة: