منذر عدودي - فرنسا
من كتـــــّاب موقع بوّابــتي المشاهدات: 8762
يسمح بالنقل، بشرط ذكر موقع "بوابتي" مصدر المقال، ويفضّل أن يكون ذلك في شكل رابط
في كل مرّة يفاجئنا الرئيس المؤقت فؤاد المبزّع بمرسوم لا نفهم و لا ندري مبرراته. قام في وقت سابق بترقية كوادر أمنية في وقت النّاس تطالب فيه بمحاسبة قتلة أبنائها، عيّن رشيد عمّار على رأس أركان الجيوش الثلاثة في وقت نريد فيه التخلّص من هيمنة و عقلية الرجل و الزعيم الواحد.
أنا شخصيا لست ضذّ ترقية رشيد عمّار أو غيره، و لكن السؤال المطروح : هل هذا هو التوقيت المناسب لمثل هكذا قرارات ؟ نحن نمّر بفترة انتقالية ليعلم هؤلاء، ولكنّ الرئيس المؤقت و الحكومة بصفة عامّة يتصرفّون بسياسة الأمر الواقع و يملون علينا ما يريدون. يخطئ من يقول أنّ الرئيس المؤقت لا علاقة له بالأمر الواقع و لا وزن له على الساحة السياسية، هذا إمّا استخفاف بالعقول أو قلّة فهم لدواليب السياسة.
كيف لحكومة ظلّ سمعنا عنها الكثير أن تعمل بدون ضوء أخضر من أعلى هرم في السلطة، الرئيس المؤقت من استشار لتعيين السبسي على رأس الحكومة، و لإصدار المراسيم، أنا شخصيّا لم تُتح ليَ فرصة رؤية فؤاد المبزّع في مجلس وزاري أو استشاري، سمّه كما شئت.
و مؤخرّا يخرج علينا بمرسوم إعلان حالة الطوارئ ؟ و على مستوى كامل الجمهورية و كأنّنا على وشك حرب، إذا كان الحال متعلق بالجنوب التونسي، فمكن أن نجد للأمر مبررا، استعدادا لما يمكن أن يصدر من كتائب القذافي، و لكن تعميمه على كامل التراب يفتح باب الشكّ و الريبة و عدم الثقّة الذي لم يُغلق أصلا.
هذا يجرنّا إلى الحديث عن أصل المشكل بين فئة لا يستهان بها من الشعب التونسي من جهة و بين صنّاع القرار في تونس من جهة أخرى. هناك أزمة ثقّة، صنّاع القرار في تونس يتصرفّون و كأنّ تونس ملك لهم، كأنّهم هم من قام بالثورة. يقررون أحيانا إن لم يكن غالبا دون الرجوع إلى الشعب و إذا عارض النّاس سلميا قُمعوا بوحشية و كأنّ بن علي لا يزال على رأس السلطة في تونس. و دليل هذا ما حدث و شاهدناه في القصبة 3، و لو أنّ لي مؤاخذاتي على هذا الإعتصام لأنّ المطالب و الأهداف لم ترتقي إلى ماهو مرموق في نظري و وددتُّ لو أنّ معتصمي القصبة 3 انضمّوا إلى إخوانهم معتصمي المصير لتكوين جبهة قويّة ضدّ الأيادي الخفيّة حسب السيّد السبسي و كما قال هذا الأخير في أحد مداخلاته : يد الله مع الجماعة و لأنّ مطالب المصير كانت أرقى و أعلى في نظري، البعض يقول مستحيل تحقيق هكذا مطالب و خاصّة تنحية المبزّع، أنا أقول اللذّي جاء به قادر عليه ؟
ذنب الشعب التونسي ممكن أنّه كان السبّاق في الثورات العربية، فالشعوب اللتّي ثارت بعدنا استفادت من نقائص ثورتنا، ففي مصر مثلا لو أنّ الثوّار رضوا بعمر سليمان لكانوا يُعانون مثلنا أو أكثر لأنّ هذا الأخير أقوى بكثير من فؤاد المبزّع. تسارعت الأحزاب للدخول في حوار مع سليمان و لكنّ المصريين في ميدان التحرير أصرّوا على أنّ الشعب يريد إسقاط النظام برمتّه، من رئاسة و وزراء و متنفذّين، الخ.
و هو ما لم حصل في تونس، رضينا بالأمر الواقع و كأنّ شيئا لم يكن و أصبح الحمل الوديع فؤاد المبزّع قائدا للثورة و حامي الحمى، يالها من مفارقات عجيبة أصبح الذئب راعيا للغنم. و هنا لا بدّ لي أن أُعرّج على دور الأحزاب كلّها دون استثناء اللتّي لم تتظلع و لم تتحمّل مسؤليتها التاريخية، لأنّ هذه الأحزاب هرمت في الممارسة السياسية، ولكنّها فشلت في توعية الشعب من خطورة بقاء المُسمّى فؤاد المبزّع على كرسي الرئاسة و لو مؤقتا. حتّى منظمات المجتمع المدني فقدت الكثير من الزخم في الأونة الأخيرة بالرغم أنّها كانت أوّل من ساند هذه الثورة المباركة، لا تنديد بما جرى في القصبة 3 و ما تلاها من أحداث في منزل بورقيبة و غيرها، لست أدري إن نددت بعض هذه المنظمات بما جرى في سينما أفريكا ؟ خوفي كلّ الخوف أن يكون هناك زواج عرفي بينها و بين ثلّة تريد ديمقراطيةً على هواها، ديمقراطية مزيّفة كما كانت في العهد البائد و ذلك بإطلاق العنان للأجهزة الأمنية بتعلّة ملاحقة الإسلاميين و التخويف منهم، نحن لا نريد تسييس منظمات المجتمع المدني و لكن نريد أن تظطلع بدورها الطبيعي و أن تنأى بنفسها عن كلّ المزايدات السياسيّة.ولمن يهمّه التاريخ، و بما أنّ التاريخ يُعيد نفسه في بعض الأحيان، فزّاعة التخويف من الإسلاميين هي الفزّاعة نفسها اللتّي استعملها بن علي ما قبل 1987 و بعدها، في انتخابات 1989 و غيرها من المناسبات. فالإنتباه كلّ الإنتباه لكي لا نُلدغ من نفس الجحر مرّتين، فمن حقّ المواطن العادي أن يشعر بالريبة و عدم الثقة لمّا تصدر مراسيم لا نفقه مبرراتها لقلّة أو عدم تنوير الرأي العام و تشريكه في أخذ القرار بشكل أو بأخر، فإعلان حالة الطوارئ بكلّ ما يعنيه من تضييق للحريّات و المحاكمات الإستثنائية و إطلاق العنان للأجهزة الأمنية و السلطات الواسعة لوزارة و وزير الداخلية، يطرح تساؤل و حيرة لدى عامّة النّاس و حتّى النُخبة و المثقفّين منهم ؟
أخيرا و ليس اخرا، في تقديري إمّا أن يُسقط باقي النظام و هو ليس بالأمر الهيّن، أو أن نرضى بسياسة الأمر الواقع التي فُرضت علينا و أن نكون أعيناً ساهرة على التحضير للانتخابات من التسجيل إلى الاقتراع. و ليعلم كلّ من تحدثّه نفسه بالتلاعب بهذه الانتخابات أو نتائجها أنّ هناك شعبا كنّا نظنّ بالأمس أنّه مات و لكن حذار فتحت الرمّاد اللهيبُ.
اضغط على الكلمات المفتاحية التالية، للإطلاع على المقالات الأخرى المتعلقة: