(82) التدخل الحتمى للولايات المتحدة والناتو فى ليبيا :
قراءة فى الرسالة الأولى لـ"فيدل كاسترو" عن تطورات الأحداث فى ليبيا
د - أحمد إبراهيم خضر
من كتـــــّاب موقع بوّابــتي المشاهدات: 8131
يسمح بالنقل، بشرط ذكر موقع "بوابتي" مصدر المقال، ويفضّل أن يكون ذلك في شكل رابط
يقول " فيدل كاسترو " زعيم الثورة الكوبية متحدثا عن صمود وكفاح بلاده ضد الولايات المتحدة :" كنا فى لحظة من اللحظات سبعة رجال فقط، نحمل سبع بنادق فقط. ما كنا نستطيع الدفاع عن ثورتنا أمام قوة بحجم الولايات المتحدة... وخلال عامين فقط استطعنا أن نقهر جيشا قوامه من سبعين إلى ثمانين ألف مقاتل.
لم ندافع عن بلادنا باستخدام أسلحة نووية أو طائرات، أو أسطول بحرى، بل دافعنا عن الثورة بفضل ملايين الرجال والنساء الذين كانوا مستعدين للموت...
نحن بلد محاصر ومغلق ويتعرض للاعتداءات، لذلك من حقنا أن نستخدم جميع الوسائل للدفاع والحفاظ على الثورة، ليس فقط على الصعيد الاقتصادي، وإنما أيضًا على الصعيد السياسي والفكري، نحن نخوض معركة فكرية كبرى ضد الولايات المتحدة الأمريكية وضد الغرب.
إن ما نحن فيه الآن نتاج نضال دام أكثر من أربعين عامًا ضد عدو هو أقوى دولة في العالم، وقد اجتزنا كافة الاختبارات بنجاح، فواجهنا المخططات الإرهابية، وغزو المحاربين المرتزقة، وخطر الحرب، وخطر الهجمات المباشرة على مدى سنوات طويلة. صمدنا أمام حصار دام أكثر من أربعين عامًا، ونحن الآن نواجه حصارا جديدا مزدوجا بدأ منذ عشر سنوات.
إن الدول الصغيرة عندما تقرر أن تناضل، فإنه بإمكانها أن تقهر أي قوة عظمى والأمثلة على ذلك كثيرة، عندما يتبنى أي شعب قضية ما ويدافع عنها حتى النهاية، فإنه لا يمكن قهره.
إن كوبا قاومت حتى نالت الاستقلال، وتحولت إلى أكثر بلدان العالم حرية، ذلك لأنها لا تعتمد على صندوق النقد الدولي، ولا على البنك الدولي، ولا تعتمد بأي شكل من الأشكال على الولايات المتحدة. نحن نستمتع باستقلال تام، وهذا لا يستمتع به أي شعب آخر في العالم ". ( كوبا بين الثورة والدولة، لقاء أجراه غسان بن جدو مع فيدل كاسترو، قناة الجزيرة )
www.aljazeera.net/.../F50EDB17-1DC1-4006-9172-10590F9BF2BE.htm
تابع "فيدل كاسترو" تطورات الأحداث فى ليبيا، وانتهى فى رسالته الأولى عن هذه الأحداث إلى وضع تصور خاص له كان على النحو التالى :
أولا : انه على النقيض مما يحدث فى مصر وتونس، تحتل ليبيا المكانة الأولى فى مؤشر التنمية الإنسانية فى أفريقيا. فأعلى متوسطات العمر المتوقع فى القارة يوجد فى ليبيا، وأعلى المستويات الثقافية يوجد فى ليبيا، ويحظى التعليم والصحة برعاية خاصة من الدولة. إن مشكلات ليبيا ذات نمط مختلف. لا يفتقد السكان إلى الطعام ولا إلى الخدمات الاجتماعية. وتحتاج ليبيا الى عمالة أجنبية وفيرة لكى تنفذ خطواتها الطموحة للانتاج والتنمية الاجتماعية. ولهذا السبب فإنها تتيح فرص العمل لمئات الآلاف من العمال من مصر وتونس والصين والعديد من البلاد الأخرى. ان لدى ليبيا دخولا واحتياطيات عديدة مودعة بعملات قابلة للتحويل فى البلاد الغنية التى تسد منها ما تحتاجه من البضائع الاستهلاكية وحتى الاسلحة المعقدة، وهى ذات الدول التىى تسعى إلى غزوها الآن باسم حقوق الانسان.
ثانيا : هناك القليل من شركات البث الجادة والمحترمة التى ترسل تقاريرا وصورا عن الأحداث فى ليبيا، وتغطى فيها أخبار الطرفين المتنازعين. وكذلك الحال مع الدبلوماسيين والرسميين الأمناء الذين يخاطرون بحياتهم لكى ينقلون الأخبار الواقعية ليل نهار. أما وسائل الإعلام الأمريكية وحليفتها الغربية، فإنها تستخدم أعلى مستويات التكنولوجيا الإعلامية، لتكشف عن جزء صغير من الحقيقة فقط.
إن وسائل الإعلام الأمريكية والغربية تطلق حملة ضخمة من الأخبار الكاذبة التى تؤدى إلى اضطراب عظيم فى الرأى العام العالمى. وأن الناس تحتاج إلى بعض الوقت حتى تتعرف على ما يجرى حقيقة فى ليبيا. وأن تعيد بناء ما تعرفه من أخبار حتى تميز الحقيقى منها من الكاذب.
ثالثا : إن الولايات المتحدة ودول حلف الناتو مهتمة بشدة بهذه الموجة من الاضطرابات التى انطلقت من عقالها فى العالم العربى، ذلك العالم الذى ينتج أكبر قدر من النفط الذى من شأنه أن يحافظ على الاقتصاد الاستهلاكى للدول المتطورة والغنية. إن هذه الدول لا تستفيد فقط من هذه الاضطرابات التى تحدث فى ليبيا، ولكن هذه الاضطرابات تحفزها على التدخل العسكرى، ومن هنا يمكن وضع التصريحات الأولية التى صدرت من الولايات المتحدة عن أحداث ليبيا فى ضوء هذا الإطار.
رابعا : ليس هناك من شك فى أن الشباب الصغير الذى كان يتظاهر فى بنغازى رجالا ونساء، وسواء أكانت الفتيات المتظاهرات من اللاتى يرتدين الحجاب أو لا يرتدينه، فإنهم جميعا كانوا يعبرون عن حالة من السخط الشديد.
خامسا : هناك صعوبات كثيرة تواجه " أوباما "داخل الكونجرس الأمريكى، قد تؤثر على احتمالات إعادة انتخابه، ومن ثم تدفع به إلى التفكير فى القيام بعماية عسكرية كغزو ليبيا ، ليعدل بها موقفه الداخلى الحرج.
سادسا: على الرغم من هذه الموجة العارمة من تدفق الكذب والفوضى الصادرة من الغرب فإن الولايات المتحدة، لم تستطع سحب الصين وروسيا للموافقة على أن يتخذ مجلس الأمن قرارا بالتدخل العسكرى فى ليبيا،. لكنها نجحت فى الحصول على الموافقة على الأهداف التى كانت تبحث عنها من مجلس حقوق الإنسان.
سابعا : الحقيقة الواقعة هى أن ليبيا الآن دخلت فى حرب أهلية كما هو متوقع، ولا تستطيع الامم المتحدة أن تفعل شيئا لإيقاف هذه الحرب أكثر من أن يقوم مجلس أمنها الخاص بصب الزيت على النار بجرعة محسوبة .
ثامنا : المشكلة هى أن الفاعلين لم يكونوا يتخيلون أن قادة الثوار الليبيين يرفضون كل التدخلات العسكرية الأجنبية. فقد جاءت الأخبار تفيد بأن المتحدث باسم لجنة الثورة قرر فى 28 فبراير أن " ما تبقى من مناطق لم تحرر فى ليبيا، يجب أن تحرر بواسطة الشعب الليبى " وقال المتحدث فى خبر إعلانه عن تشكيل المجلس القومى الممثل لمدن البلاد التى تحت أيدى الثوار ".. نحن نعتمد على الجيش لتحرير طرابلس..... الذى نريده هو مجرد معلومات استخباراتية "
تاسعا : تقول استاذة فى العلوم السياسية فى جامعة بنغازى " هناك مشاعر وطنية قوية فى ليبيا... إن ما حدث فى العراق أمر يخيف العالم العربى. كان من المفروض أن يأتى غزو العراق فى عام 2003 بالديموقراطية إلى هذا البلد ثم تنتقل عدواه إلى المنطقة ككل، لكن هذا كان مجرد افتراض أثبتت الحقائق على الأرض عدم صحته، وكان مخيبا للآمال... نحن نعرف ما حدث فى العراق، انه بلد غير مستقر تماما، ونحن حقيقة لا نريد ان نسلك نفس الطريق، ولهذا نحن لا نريد الأمريكيين ان يأتوا إلى ليبيا ليصرخوا فى وجه القذافى...إرحل...... إن المشاعر السائدة الآن هى أن هذه الثورة ثورتنا ونحن الذين صنعناها ".
عاشرا : أسرعت صحيفتا " النيويورك تايمز، والواشنطن بوست " بتقديم تصور جديد تقولان فيه : "أن هناك تقاريرا تقول أن المعارضة الليبية قد تطلب من الغرب القيام بضربة جوية ضد القوات الموالية للقذافى، وأن مجلس الثورة الليبى قد ناقش الأمر ". علقت " النيويورك تايمز " على الخبر قائلة : " هذه المناقشات تكشف عن الاحباط النامى لقادة التمرد عن امكانية ازاحة القذافى....ان المجلس يرى أن قيام الولايات المتحدة بتنفيذ هذه العملية لا يعتبر تدخلا دوليا ". واقتبست "الواشنطن بوست " قول الثوار: " أنه بدون الحماية الغربية فان الحرب مع قوات القذافى قد تستغرق وقتا طويلا، ويموت فيها العديد من الضحايا ". وكل هذا مقدمات لتدخل عسكرى وشيك.
حادى عشر : لا يستطيع أحد أن يخفى شكوكه من أن هناك تدخلا عسكريا وشيكا سوف يحدث فى ليبيا. وقد نقل عن بعض وكالات الأنباء المطلعة أن أحد الدبلوماسيين قال : " أن حلف الناتو يرسم خطة طوارئ يقتدى فيها بنموذج الحظر الجوى الذى فرض على منطقة البلقان فى التسعينيات، وذلك فى حالة ما إذا قرر المجتمع الدولى ان يفرض حظرا جويا فوق ليبيا ".
ثانى عشر: يقول "كاسترو" :" بماذا نشبه الحرب القادمة فى ليبيا قياسا على الحروب الاستعمارية السابقة ؟ هل نشبهها بما حدث فى أسبانيا فى عام 1936 ؟ أو نشبهها بحرب موسولينى ضد الحبشة فى عام 1935؟ أو بحرب بوش ضد العراق فى عام 2003؟ أو بعشرات الحروب التىى قادتها الولايات المتحدة ضد الشعوب الأمريكية بدءا من غزو المكسيك فى عام 1846 ، أم نشبهها بغزو بريطانيا لجزر الفوكلاند فى 1982. أم بغزو المرتزقة لخليج الخنازير، أم بالحروب القذرة وحصار بلادنا لمدة خمسين سنة، أم بكل هذه الحروب مثل حرب فيتنام وغيرها التى راح ضحيتها ملايين القتلى، وكانت تعطى فيها التبريرات الباعثة على السخرية ".
خلاصة ما يريد أن يقوله " كاسترو" أنه يؤكد أن احتلال الولايات المتحدة وحلفائها للأراضى الليبية أمر قادم وحتمى.
وإذا كان " كاسترو" نفسه، وهو صاحب فكر باطل وعقيدة فاسدة، استطاع أن يصمد أربعين سنة أمام أقوى دولة فى العالم، فما بال أصحاب الفكر الصحيح والعقيدة الصحيحة.
على الليبيين أن يكون شعارهم وثورتهم ليس وطنيا، ولا قوميا، وإنما هو شعار إسلامى بحت لا اختلاط فيه بديموقراطية، أو باشتراكية، أو بقومية، أوغير ذلك، وأن يكون سبيلهم فى مواجهة الغزو المحتمل هو الجهاد فى سبيل الله. وهذا ما يخشاه الغرب، فقد ذاق ومازالوا يذوق ويلاته من سنة العراق وأفغانستان، فليذقه هذه المرة من أهل السنة فى ليبيا، أبناء وأحفاد عمر المختار. وعلى الليبيين ألا يهولهم قوة العدو، فهذه القوة ضالة وإن كانت ضخمة وعاتية، وأنه بضلال هذه القوة عن مصدرها الأول - قوة الله - تفقد قوتها الحقيقية كما تفقد الغذاء الدائم الذي يحفظ لها طاقتها. وذلك كما ينفصل جرم ضخم من نجم ملتهب، فما يلبث أن ينطفئ ويبرد ويفقد ناره ونوره، مهما كانت كتلته من الضخامة.
وإذا كان " كاسترو الذى يعتبر نفسه ملحدا، ولم يمارس الطقوس الدينية المسيحية منذ نعومة أظافره، وكانت البابوية فى الفاتيكان قد أقصته عن المذهب الكاثوليكي في 3 يناير 1962 لارتداده عن الكاثوليكية (فيدل كاسترو ar.wikipedia.org/wiki )، لا يستطيع أن يتخيل، ولا يذكر أنه كان في التاريخ مقاومة مثل مقاومة الشعب الكوبي الذى يرى أنه يتمتع بروح وطنية ووعي ثورى، وأنه يزداد قوة، وأن معسكر أعدائه قد أظهر نوعا من التشاؤم أمام وضع اقتصادي اجتماعي صعب في العالم، وانتهت موجة الفرح التي عمت أرجائه فى حقبة معينة، فما بال شعب مسلم مُوَحِّد يرى أن مصدر قوته هو اتصاله بالله وجهاده فى سبيله مهما بلغت محدودية أو قلة هذه القوة. فإن أية ذرة متصلة بمصدرها المشع تبقى لها قوتها وحرارتها ونورها. يقول تعالى: ﴿ كَمْ مِنْ فِئَةٍ قَلِيلَةٍ غَلَبَتْ فِئَةً كَثِيرَةً بِإِذْنِ اللَّهِ ﴾ [البقرة : 249]. غلبتها باتصالها بمصدر القوة الأول , وباستمدادها من النبع الواحد للقوة وللعزة جميعا، كما يقول المفكرون الإسلاميون.
Fidel Castro Ruz,NATO’s Inevitable War: The Flood of Lies regarding Libya,www.globalresearch.ca/
نقلا عن مجلة المجتمع الكويتية www.magmj.com
اضغط على الكلمات المفتاحية التالية، للإطلاع على المقالات الأخرى المتعلقة: