يسمح بالنقل، بشرط ذكر موقع "بوابتي" مصدر المقال، ويفضّل أن يكون ذلك في شكل رابط
حكم التعاون مع المستشرقين
إن واجب علماء المسلمين هو دعوة أهل الكتاب جميعاً (ومنهم المستشرقون) إلى الإسلام، كما قال تعالى:
(قل يأهل الكتاب تعالوا إلى كلمةٍ سوآء بيننا وبينكم ألانعبد إلا الله ولا نشرك به شيئاً ولا يتخذ بعضنا بعضاً أرباباً من دون الله فإن تولوا فقولوا اشهدوا بأنّا مسلمون). (آل عمران: 64).
أما التعاون معهم في تلك المؤسسات الإستشراقية فقد حرمه الله تعالى على المسلمين تحريماً قاطعاً، لأنه نوع واضح من موالاة اليهود والنصارى(1).
والموالاة هي التناصر بأية صورة من صور التناصر المعنوي أو المادي. ولاشك أن التعاون مع المستشرقين ينطوي على كثير من صور التناصر المعنوي والمادي، ومنها:
أولاً: ينطوي على الإشتراك معهم في نشاطاتهم، والإنتماء إلى مؤسساتهم، والخضوع لقوانينها وقراراتها، والمشاركة في تحقيق خططها وأهدافها الخفية والمعلنة، وتنفيذ سياسة الحكومات التابعة لها: وهي سياسة معروفة بأنها معادية للإسلام والمسلمين، مؤيدة للصهيونية وإسرائيل.
وكل هذا ـ لاشك ـ من التناصر، بل من أخطر صوره، لأنه تناصر على الأثم والعدوان.
ثانياً: ينطوي على تشجيع معنوي ومادي لهم، وذلك بالحضور معهم، وتكثير عددهم، وتمويلهم، مما يقتضي بالضرورة إعانتهم على المضي في الطعن في دين الله، وإتخاذ آياته ورسوله(ص) هزواً، والإستمرار في تشويه الإسلام، لتشكيك المسلمين فيه، وتنفيرهم منه، وفتنتهم عنه.
وكل هذا ـ لاشك ـ من التناصر، بل من أخطر صوره، لأنه تناصر على فتنة المسلمين في دينهم. (والفتنة أكبر من القتل)
ثالثاً: والتعاون معهم ينطوي كذلك على الإقرار لهم بالأهلية لتدريس الإسلام، وإضفاء الشريعة، بل الحجية على تلقي الإسلام منهم واخذه عنهم. وكل صور الموالاة لهم، والتلقي عنهم، قد حرمها الله تعالى على المسلمين بنصوص قطعية من الكتاب والسنة.
فما ورد في تحريم موالاتهم قوله تعالى:(* يأيّها الذين ءامنوا لا تتخذوا اليهود والنصارى أولياء بعضهم أولياء بعض ومن يتولهم منكم فإنه منهم) (المائدة: 51).
(يأيها الذين ءامنوا لا تتخذوا عدوي وعدوكم أولياء تلقون إليهم بالمودة وقد كفروا بما جآءكم من الحق) (الممتحنة: 1).
(بشر المنافقين بأنّ لهم عذاباً أليماً * الذين يتخذون الكافرين أولياء من دون المؤمنين أيبتغون عندهم العزة فإن العزة لله جميعاً * وقد نزَّل عليكم في الكتاب أن إذا سمعتم ايات الله يكفر بها ويُستهزأُ بها فلا تقعدوا معهم حتى يخوضوا في حديث غيره إنكم إذاً مثلهم) (النساء: (138 ـ 140).
(ود كثير من أهل الكتاب لو يردونكم من بعد إيمانكم كفاراً حسداً من عند أنفسهم من بعد ما تبين لهم الحق) (البقرة: 109).
وفي الآيات السابقة اشارات واضحة إلى اسباب تحريم موالاتهم. ومن تلك الأسباب:
1 ـ عداوتهم الشديدة للإسلام والمسلمين.
2 ـ إنهم يوالي بعضهم بعضاً في حرب الإسلام والمسلمين (كما هو الحال في فلسطين والخليج وأفغانستان والبوسنة والهرسك).
3 ـ إنهم يتخذون دين الله وآياته مادة للسخرية والإستهزاء. وللمستشرقين تاريخ طويل مخز في إتخاذ آيات الله وسيرة رسوله وسنته(ص) مادة للسخرية والإستهزاء. وأحدث مثال على ذلك رواية «آيات شيطانية» لسلمان رشدي الذي تلقى الإسلام على أيدي المستشرقين في جامعة كامبردج، وقد أستمد معظم مادتها من إفتراءاتهم على القرآن والرسول (ص)، وبخاصة إنكارهم أن القرآن وحي من عند الله، وزعمهم أنه قول بشر، أو قول شيطان(2).
4 ـ أن موالاتهم هي من علامات النفاق ومن أعمال المنافقين.
5 ـ أن موالاتهم فيها إبتغاء العزة عند الكافر، ولا يليق هذا بالمسلم، لأن العزة لله ورسوله والمؤمنين.
6 ـ أنهم يودون ردة المسلمين عن دينهم، حتى يفقدوا عزتهم بهذا الدين، وتميزهم به، ويصبحوا هم والكافرون سواء كما قال تعالى:
(ودوا لو تكفرون كما كفروا فتكونون سواءً) (النساء: 89).
ومما ورد في تحريم التلقي عنهم قوله تعالى:
(فأعرض عن من تولى عن ذكرنا ولم يرد إلا الحياة الدنيا * ذلك مبلغهم من العلم) (النجم: 29 ـ 30).
(ولن ترضى عنك اليهود ولا النصارى حتى تتبع ملتهم قل إن هدى الله هو الهدى ولئن أتبعت أهوآءهم من بعد الذي جآءك من العلم مالك من الله من ولي ولا نصيرٍ) (البقرة: 120)
وقول الرسول (ص):
«لا تسألوا أهل الكتاب عن شيء. فإنهم لن يهدوكم وقد ضلوا، وإنكم إما أن تصدقوا بباطل، وإما أن تكذبوا بحق، وأنه والله لو كان موسى حياً بين أظهركم ما حل له إلا أن يتبعني» (رواه الحافظ أبو يعلي).
وفي هذا الآيات والحديث إشارات واضحة كذلك أسباب تحريم التلقي عنهم:
إذا كيف يتلقى الإسلام من كافر به؟!
وكيف يتلقى ذكر الله ممن أعرض عنه؟!
وكيف يطلب العلم الحق عند المعلم الزائف؟! (والمعلم الزائف هو من كل همه الدنيا، وكل مبلغه من العلم أنه أولئك الذين (يعلمون ظاهراً من الحياة الدنيا وهم عن الآخرة هم غافلون) (الروم: 7).
وكيف يطلب هدى الله من غير مصدره؟! ومن غير أهله؟!.
وكيف يتحقق الإهداء على يد ضال؟!
والأدلة من القرآن والسنة على تحريم التعاون معهم، والتلقي عنهم كثيرة. ولهذا لم يرد في سنة الرسول (ص)، ولا في سيرة السلف الصالح، أي خبر صحيح عن تعاون من اليهود والنصارى في تلقي الإسلام، في أي جانب من جوانبه.
فإذا أتى بعد ذلك من يحاول تبرير التعاون معهم، أو التلقي عنهم، بحجة ليست في الكتاب والسنة، فهي حجة مردودة عليه. وتعاونه معهم (إلا في حالة الإكراه) هو كذلك عمل مردود عليه، يحمل وزره في الدنيا والآخرة.
وقد قال الرسول (ص): «كل عمل ليس عليه أمرنا فهو ردُّ» (رواه مسلم).
وقال الله تعالى (يأيها الذين ءامنوا لا تخونوا الله والرسول وتخونوا أماناتكم وأنتم تعلمون) (الأنفال: 27).
واي خيانة أشنع من خيانة العالم أو الداعية المسلم، المؤتمن على هذه الأمة، وعلى دينها، وعلى النصح لها، حين يتعاون ـ غير مكره ـ مع أعداء هذه الأمة، وأعداء دينها، ويشارك في نشاطاتهم ومؤسساتهم وفي تمويل هذه النشاطات والمؤسسات؟!.
وهو بهذا التعاون، وهذه المشاركة، وهذا التمويل ـ يقرهم، بل ويعينهم، على المضي في الطعن في دين الله، وإتخاد آيات الله، وسنة رسوله وسيرته (ص) هزواً، والإستمرار في الكيد للإسلام والمسلمين.
وهو بهذا التعاون وهذه المشاركة، وهذا التمويل ـ يضفي الشرعية على تلقي الاسلام منهم، وأخذه عنهم.
وهو بهذا يرتكب ما حرم الله ورسوله، بنصوص قطعية في الكتاب والسنة.
وهو يعلم حق العلم أنه لايحل له ـ في هذه القضية ـ الإجتهاد (حتى لو تحققت فيه شروطه): لانه لا إجتهاد مع النص.
وهو ـ بعد هذا كله ـ لا عذر له، لأنه على علم ووعي بأهداف المؤسسات الإستشراقية، وأنه لا يصدق عاقل أن يكون من بين أهداف مؤسسات كافرة خدمة الإسلام والمسلمين!.
وللأسف الشديد لم يعرف عن أحد من «هؤلاء العلماء والدعاة» أنه دعا المستشرقين إلى الإسلام، أو أنكر عليهم طعنهم في دين الله، أو نصح للمسلمين في أمر دينهم، أو حذرهم من أخطار المستشرقين بعامة، وأخطار تغلغلهم في الجامعات الإسلامية بخاصة… وهي أخطار تهدد الأمة الإسلامية في عقيدتها، وشريعتها، وثقافتها، أي تهددها في وجودها وكيانها، وحاضرها ومستقبل أجيالها…
وأما الإعتذار بمحاولة إرضاء أهل الكتاب، بدافع المجاملة أو السياسة، فقد أخبرنا الحق تبارك وتعالى أن اليهود والنصارى لن يرضيهم إلا شيء واحد وهو: ردَّة المسلمين عن دينهم، وإتباع ملتهم، ومنهاج حياتهم، فقال تعالى:
(ولن ترضى عنك اليهود ولا النصارى حتى تتبع ملتهم قل إنَّ هدى الله هو الهدى ولئن أتبعت أهوآءهم بعد الذي جآءك من العلم مالك من الله من ولي ولا نصيرٍ)
وفي تفسير قوله تعالى: (ولئن اتبعت أهوآهم) الآية، يقول إبن كثير: «فيه تهديد ووعيد شديد للأمة في اتباع طرائق اليهود والنصارى، بعدما علموا من القرآن والسنة ـ عياذاً بالله من ذلك ـ، فإن الخطاب مع الرسول، والأمر لأمته»(3). وإذا كان هذا التهديد والوعيد الشديد للأمة فما بالك بعلماء الأمة؟!.
الفرق بين الولاء والتسامح
وفي تفسير قوله تعالى: (يأيها الذين ءامنوا لا تتخذوا اليهود والنصارى أولياء بعضهم أولياء بعض ومن يتولهم منكم فإنه منهم).
يقول الشهيد سيد قطب رحمه الله(4): «إن المسلم مطالب بالسماحة مع أهل الكتاب، ولكنه منهي عن الولاء لهم، بمعنى التناصر والتحالف معهم. وإن طريقه لتمكين دينه، وتحقيق نظامه المتفرد لا يمكن أن يلتقي مع طريق أهل الكتاب. ومهما أبدى لهم من السماحة والمودة فإن هذا لن يبلغ أن يرضوا له البقاء على دينه وتحقيق نظامه، ولن يكفهم عن موالاة بعضهم لبعض في حربه والكيد له وسذاجة اية سذاجة وغفلة أية غفلة، أن نظن أن لنا وإياهم طريقاً واحداً نسلكه للتمكين للدين أمام الكفار والملحدين. فهم مع الكفار والملحدين إذا كانت المعركة مع المسلمين!».
ويصف الداعين إلى موالاة أهل الكتاب بأنهم ينسون تعليم القرآن كله، وتعليم التاريخ كله: «فأهل الكتاب» هؤلاء هم الذين كانوا يقولون للذين كفروا من المشركين: (هؤلآء أهدى من الذين ءامنوا سبيلاً) وأهل الكتاب هؤلاء هم الذين ألبوا المشركين على الجماعة المسلمة في المدينة، وكانوا لهم درعاً ورداءً، وأهل الكتاب هم الذين شنوا الحروب الصليبية خلال مائتي عام، وهم الذين ارتكبوا فظائع الاندلس، وهم الذين شردوا العرب المسلمين في فلسطين، وأحلوا اليهود محلهم، متعاونين في هذا كله مع الالحاد والمادية (أي الشيوعية)، وأهل الكتاب هؤلاء هم الذين يشردون المسلمين في كل مكان: في الحبشة والصومال وارتيريا والجزائر ويتعاونون في هذا التشريد مع الإلحاد والمادية والوثنية: في يوغسلافيا والصين والتركستان والهند (وأفغانستان) وفي كل مكان».
ويقول: «إن الذين يحاولون تمييع هذه المفاصلة الحاسمة باسم التسامح والتقريب بين أهل الأديان السماوية، يخطئون فهم معنى الأديان، كما يخطئون فهم معنى التسامح.
«فالدين هو الدين الأخير وحده عند الله. والتسامح يكون في المعاملات الشخصية، لا في التصور الاعتقادي، ولا في النظام الإجتماعي». وكذلك يكون التسامح في أن الإسلام لا يكرههم على ترك معتقداتهم واعتناق الإسلام لأنه لا إكراه في الدين»… ولكن الداعين إلى موالاة أهل الكتاب باسم التقريب بين الأديان» يحاولون تمييع الجازم في نفس المسلم بأن الله لا يقبل دينا إلا الإسلام. (إن الدين عند الله الإسلام) (آل عمران: 19). (ومن يبتغ غير الإسلام دينا فلن يقبل منه وهو في الإخرة من الخاسرين) (آل عمران: 85).
وهكذا يتبين الحق لمن يريد أن يراه: وماذا بعد الحق إلا الضلال؟!.
إحالات
1- هذه الولاء المحرم على المسلمين يختلف عن التسامح الواجب عليهم في معاملة أهل الكتاب بالحسنى، وبالقسط والبر، وأداء حقوقهم المنصوص عليها في القرآن والسنة، والمفصلة في كتب الفقه، وانظر الفرق بين الولاء والتسامح في آخر المقال
2- للتفاصيل راجع احمد عبدالحميد غراب: رؤية إسلامية للاستشراق (ط ثانية لندن 1411 هـ) ص14 وحديثاً بعنوان: رواية سلمان رشدي ترديد لا فتراءات المستشرقين (مجلة العرب لندن 8/9/1989 م) ص7
3- ابن كثير: مختصر التفسير (ط ثامنة دار القرآن بيروت ـ 1402 هـ /1981 م) 1/114.
4- في ظلال القرآن. ط12 دار الشروق 1406 هـ/1986م) 2/910، 912
اضغط على الكلمات المفتاحية التالية، للإطلاع على المقالات الأخرى المتعلقة: