مصطفي زهران - مصر
من كتـــــّاب موقع بوّابــتي المشاهدات: 5743 Gabarty_2000@hotmail.com
يسمح بالنقل، بشرط ذكر موقع "بوابتي" مصدر المقال، ويفضّل أن يكون ذلك في شكل رابط
لم يكن يوم الثاني عشر من يونيو 2009م في حياة الإيرانيين يوما عاديا، بل كان الشعب الإيراني مع موعد مخاض عسير وجديد لشكل إيران الجديدة أو "ايران مابعد الثورة الثانية"، الثورة الخضراء التي قادتها المعارضة متمثلة في الإصلاحيين ضد ولاية الفقيه، إذ لم يكن الحدث عاديا، ولم تمر نتائجه علي الشعب الإيراني في الداخل والخارج مرور الكرام، وانقلب السحر علي الساحر وتبدلت الخريطة الجيوسياسية لإيران .. فاز نجاد وتم تأخير تنصيبه بسبب عواصف الاحتجاجات التي قادتها ثورة الإصلاحيين الخضراء، بقياده المرشحين الخاسرين في الانتخابات الأخيرة يونيو 2009، خاصة موسوي الذي لم يكف عن تجييش أنصاره للتصدي امام هذه النتائج الذي وصفها بالمزورة، كل ذلك يدفعنا للنظر الي هذا الشكل الجديد التي أضحت إيران عليه الآن خاصة بعد تولي أحمدي نجاد للحكم لفترة ولاية أخري
كشفت الانتخابات الإيرانية الأخيرة النقاب عن شرخ ثقافي في شكل ومضمون نظرية ولاية الفقيه، التي يمتزج فيها الشكل السياسي والديني ويلتحمان ليكونا مذهبا اعتقاديا ونظرية سياسية تدار بها البلاد وتتحكم في العباد (1)
بدا الشرخ واضحا في حجم المعارضة الشرسة لهذا النظام الذي لم يستطع ان يقدم توازنا بين كتلتي المحافظين المتمسكة بالنظرية الإسلامية بثوريتها الأصولية، وبين الكتلة الإصلاحية الواسعة الانفتاح علي الأخر، الليبرالية في بعض الأحيان .
كان من الطبيعي بعد مرور ثلاثون عاما علي ميلاد هذه النظرية ان تؤتي ثمارها وتستوعبها الأجيال الإيرانية جيل بعد جيل ولكنه الآن يعلن العصيان عليها ويجدها _من وجهة نظر الإصلاحيين _قاصرة علي إرضاء حاجياتهم، وإشباع طموحاتهم بالرغم كون الحوزة الدينية في إيران علي وجه الخصوص، والمناخ الإيراني علي وجه العموم هو الذي انشأ هذا المعتقد المذهبي والسياسي المعروف ب"ولايه الفقية".
دولة إيرانية...أم دولة الحرس الثوري الإيراني:
المراقب للداخل الإيراني الآن يجد أن البلاد تحكم من قبل الحرس الثوري الإيراني الذراع اليمني لأحمدي نجاد والمرشد الأعلي والداعم الرئيس لجمهور المحافظين، ومن أدار البوصلة لصالحهم في الانتخابات الأخيرة...والذي أعده المحللون انقلابا ضد الشعب الإيراني (2)
يدفعنا الفضول لمعرفة المهام الإضافية التي أسندت للحرس الثوري الإيراني وعززت من تواجده بصوره اكبر مما كان عليها طوال الثلاثين عاما الماضية ووجهت دفته إلي الداخل الإيراني، فنجد أن بوصول أحمدي نجاد إلي السلطة تولي الحرس الثوري الإيراني كافة مراكز السلطة الهامه في ايران (3)، وتقلد رجال الحرس الثوري مناصب رفيعة، حيث صار منهم رؤساء للأقاليم الإيرانية، ومابين 75 و80 بالمائة من الوزراء من الحرس الثوري.
هذه الدوله الضخمة الجديدة الأشبه بالبوليسية التي انشائها أحمدي نجاد تحت قيادته "دولة الحرس الثوري الإيراني"هي الداعم الرئيس لأحمدي نجاد ، والعقيدة المذهبية والسياسية المتمثلة في ولاية الفقيه، وهي أدواته الرئيسة في تدعيم فترة ولايته الجديدة، والتأكيد علي مواصلته للحٌلم الإيراني بامتلاك السلاح النووي بالرغم من العقبات التي تحول دون تحقيقه .
أصبح الجمهور الإيراني ينظر لهذا التواجد الكثيف، والجديد للحرس الثوري علي كونه إحتلالآ مقنعا، وقمعا وديكتاتورية أخري تشبه رجال الشاه في الماضي قبيل الثورة، خاصة المعارضة الجديدة التي لم تعرف إيران منذ 30 عاما مثلها،حيث يقف رافسنجاني بجوار خاتمي وموسوي ويصطف كروبي مع الآلاف من الطلبة، والجامعيين والأساتذة والمراجع الحوزوية قدم بجوار قدم أمام دولة الحرس الثوري الإيراني، لا تبالي ببطشهم فالشعب الآن الذي ينشد التغير يندفع بقوة نحوهم وباتجاه أفكارهم وأطروحاتهم .
خامنئي... المرشد الأعلي ... الذي كان:
لن تكون الجمهورية الإسلامية اليوم تلك الجمهورية التي كانت قبل الانتخابات (4)...فأكبر رأس في النظام إن لم يكن يجسد النظام نفسه، المرشد الأعلى للثورة الإسلامية "آيه الله علي خامنئي" تعرض لأكبر هجوم عٌرف منذ قيام الثورة، ليس في شخصه فحسب بل كان موجها مباشرة ضد مكانته الدينية والروحية، التي لها شأن كبير في نفوس وقلوب العامة والخاصة، ليس في إيران فحسب بل بين شيعة العالم اجمع ..نتج عنه اهتزاز صورته التي كانت لها قدسية في الأمامية قبل الانتخابات.
وصف خامنئي بأنه كذاب وديكتاتور، وتعالت الصيحات من الشعب بموته، كل ذلك يمهد لسحب السلطتين الروحية والتنفيذية من تحت يديه تدريجيا، ولو بالنذر اليسير..فلم يعد خامنئي الحاكم بأمر الله الآن ..في نظر الشعب الإيراني الرافض لمجئ المحافظين وعلي رأسهم نجادي، الذين أتوا إلي السلطة بدعم المرشد، والإصلاحيون الذي ينخرون في نعش المحافظين ودولة ولاية الفقية...نتيجة لذلك يعيش النظام الإيراني الآن في ارتباك شديد ...يحاول كتم الأفواه بالداخل، ويفض الإشتباك بينها وبين الخارج.
نجاد وتحولات في السياسة الداخلية:
تفهم نجاد طبيعة المرحلة القادمة جيدا، ووجدها هي الأصعب من سالفتها، فاندفع لوضع مفهوما جديدا غير تقليديا للحكومة المتعارف عليها في ايران (5)، من خلال ابتداعه واختلاقه الكثير من العناوين الجديدة من اختيار المحافظين والوزراء، والمقربين والاستشاريين، وحجم الخبرات السابقة، وشكل الولاء والأجندة التي يتبعها في سياسته القادمة صوب الداخل والخارج، وكيفية احتواء المعارضة او القضاء عليها وإيداعها داخل السجون والمعتقلات، والهدف من كون الا تكون العاصمة هي المقر الأوحد للحكومة هي ان علي الشعب الإيراني لابد وان يعايش الحراك الحكومي الجديد،محاولة منه بدفع الوقود في الداخل الإيراني ليري الشعب شكلا مغايرا يترقب الجميع... انعكاساته والجديد الذي يقدمه ومايربوا اليه نجاد من هذه الفكره الجديده.
الإصلاحيون...وضبابية الموقف:
بالرغم من التأييد القوي والجارف من قبل العالمين العربي والغربي للإصلاحيين، إلا ان مواقف الإصلاحيين حتي الأن والأجندة التي يطرحونها ونظرته لشكل العلاقة بين إيران والخارج لاتزال ضبابية ،وتشوبها نوعا من الريبة في مايقدمونه من طرح في التعامل مع الخارج، وخاصة العلاقه مع العرب وهو مايعنينا هنا. يمكننا وصف الحركة الإصلاحيه (6)بأنها حركه منفتحة ليس علي الغرب فحسب، وانما علي العالم بأكمله بما فيهم إسرائيل ،وهو الأمر الذي جعل المحافظون ينظرون إليهم علي كونهم عملاء وخونه ضد النظام الإسلامي.
الإصلاحيون في حملتهم التي شنوها علي أحمدي نجاد (7) بدءآ من الأيام الأول من الانتخابات الأخيرة إلي إعلان النتائج، نري ان الأسباب في نقدهم له هو سياساته الاقتصادية وتعامله مع الغرب ،بصورة أسهمت في عزلة إيران ....خصوصا حين فتح ملف "المحرقة"بغير مبرركما يقولون،وكون نجاد كان أكثر لينا مع العرب، فلقد أٌخذ عليه _من قبل الإصلاحيين _زيارتة لإيران كأول رئيس إيراني يزور الإمارات العربية المتحدة ،وحضورة إجتماع مجلس التعاون الخليجي في الدوحة (8).
ثم يتضح الموقف الغريب من الصراع العربي الإسرائيلي لدي الإصلاحيين حيث انهم لايرون داع من الدخول في مواجهة عسكرية أو سياسية مع الدولة العبرية ، ويرون ان ايران لم تجني شئ من دعم حماس وحزب الله ضد اسرائيل فهم لايرونهاعدوا بل صديقا... بل انهم يتشدقون بأنه لاتوجد دول متقدمه وقوميه ولها مستقبل في المنطقه سوي إيران وإسرائيل ...لذلك يتعين توثيق العلاقات بينهما لكي يصبحا قاطرة التقدم التي تٌخرج المنطقه من حالة التخلف.
بالطبع ليس هذا رأي كل الإصلاحيين، ولكن رأي الأغلبية مما يدفعنا الي إعادةالنظر إلي هؤلاء الإصلاحيين ،علي كونهم الأجدر بقيادة إيران ،والأصلح للتعامل مع الأخروخاصة العرب، يدفعنا هذا إلي القول بوجود إشكالية كبري ليس علي مستوي المحافظين ودولة الحرس الثوري الايراني فحسب، جراء سياسة احمدي نجادي الصعبة، بل علي مستوي الإصلاحيين أيضاالذين تشوب برامجهم الغير معلنة حتي الأن بشكل واضح نوع من الغموض يكتنفهم ويدفعنا نحن العرب إلي ان نتوخي الحذر حينما نقف وراء مظاهراتهم وإحتجاجاتهم ضد نجاد والمحافظين....
------------- مصطفي زهران
كاتب واعلامي بوكالة الأخبار العربية
0020106988149
--------
المصادر:
1:أد/محمد السعيد عبد المؤمن أستاذ الدراسات الإيرانية بجامعة عين شمس"ولاية الفقية والتحديات القادمة"
2: عباس ميلاني مدير الدراسات الايرانيه في جامعه ستانفورد"الولايات المتحده الأمريكية"
3: عباس ميلاني مدير الدراسات الايرانيه في جامعه ستانفورد"الولايات المتحده الأمريكية" الانتخابات الايرانية؟
4" عباس ميلاني مدير الدراسات الايرانيه في جامعه ستانفورد"الولايات المتحده الأمريكية""الانتخابات الايرانية؟
5: أد/محمد السعيد عبد المؤمن أستاذ الدراسات الإيرانية بجامعة عين شمس ولاية الفقية والتحديات القادمة"
6" أد/محمد السعيد عبد المؤمن أستاذ الدراسات الإيرانية بجامعة عين شمس ولاية الفقية والتحديات القادمة"
7"فهمي هويدي "إيران ّاذا اعتدلت"
8:فهمي هويدي "إيران ّاذا اعتدلت"
اضغط على الكلمات المفتاحية التالية، للإطلاع على المقالات الأخرى المتعلقة: