يسمح بالنقل، بشرط ذكر موقع "بوابتي" مصدر المقال، ويفضّل أن يكون ذلك في شكل رابط
يشرع موقع "بوابتي" اليوم بإذن الله في النشر على حلقات لكتاب مهم وخطير نسبيا، حول تعاون جهات إسلامية وبعض من يقدم على أنهم دعاة ملئوا الدنيا ووسائل الإعلام، مع مراكز بحثية غربية تتبنى المنهج الاستشراقي ومحاربة الإسلام، وفيهم من يتلقى الأجر على مجهوداته تلك.
ويقول المؤلف الدكتور أحمد عبد الحميد غراب: " هذا الكتاب المهم بمعايير السياسة، والفقه، كان من قبل مقالات متفرقة رفضت العديد من المجلات والصحف العربية التي توصف بـ [الإسلامية] نشرها، فما كان من المؤلف والمتحمسين للأفكاره، والمؤيدين لها، إلا أن جمعوها في كتاب واحد، لكي يبقى مرجعاً [تاريخياً] ودليل إدانة لاولئك الذين رفضوا مجرد نشره، وكذا لتعرية أولئك الذين يخدمون المستشرقين كعملاء أجراء"
وقام موقع "بوابتي"، بتغيير عنوان الدراسة، حيث كانت بعنوان: "الاستشراق وآل سعود، دراسات وثائقية عن الاستشراق عن الدول الإسلامية اليوم"، ولكننا نرى أن التواطؤ ليس فقط من آل سعود كنظام سياسي، وإنما الأخطر منه هو ذلك الذي يقع من اطراف عديدة ترتزق من زعم وظاهر العمل للإسلام، وهي الأطراف التي يروج لها إعلاميا وتعمل هي بالمقابل على تفصيل الإسلام على حسب المصالح الغربية بدرجة أولى، ولذلك ارتأينا وضع عنوان: أطراف إسلامية في خدمة الإستشراق: جهل أم تواطؤ
والكتاب نشرته دار القصيم للطباعة والنشر، ونحن ننشر عن نسخته الالكترونية
مشرف موقع "بوابتي"
*********
الفصل الأول من صورة الموالاة الثقافية:
التعاون مع المستشرقين
إن من يتتبع تاريخ الإستشراق منذ بدايته في القرون الوسطى في أوروبا، وإستمراريته حتى اليوم بتأثير الروح الصليبية الموالية لليهود، والمعادية للإسلام في الغرب ـ يتبين له بكل وضوح أن المستشرقين هم طائفة من اليهود والنصارى كرَّسوا حياتهم لدراسة الإسلام والمسلمين في مؤسسات ذات مسحة أكاديمية تابعة غالباً للجامعات الغربية وذلك بهدف تشويه الإسلام بكل جوانبه: قرآناً وسنة، عقيدة وشريعة، حضارة وثقافة.
وقد أثبت كثير من العلماء الغربيين أنفسهم من المهتدين إلى الإسلام تعصب المستشرقين وحقدهم على الإسلام، مما ينفي عنهم صفة الموضوعية والأمانة العلمية ويجردهم من أهلية البحث العلمي في مجال الدراسات الأسلامية.
وعلى رأس هؤلاء العلماء العالم المهتدي «محمد أسد» في كتابه القيم: الإسلام على مفترق الطرق، في فصل بعنوان: شبح الحروب الصليبية، أكد فيه أن «أبرز المستشرقين الأوروبيين جعلوا من أنفسهم فريسة للتحزب غير العلمي في كتاباتهم عن الإسلام» ولذلك يظهر الإسلام في تلك الكتابات ليس على أنه موضوع بحث علمي، بل على أنه «متهم يقف أمام قضاته» يتلمسون الأدلة الباطلة لادانته. وقد يمثل بعضهم دور المحامي المقتنع بإدانة المتهم، ولكنه يلتمس له الرأفة بأعتبار الظروف المخففة!.
وطريقة المستشرقين في محاكمة الإسلام ـ كما يبين الأستاذ محمد أسد ـ تشبه طريقة محاكم التفتيش في أوروبا في القرون الوسطى (وهي المحاكم المسيحية التي أدانت الأبرياء، وأرتكبت أبشع الجرائم ضد المسلمين وضد العلماء).
حيث «كانت في كل دعوى تبدأ بإستنتاج متفوق عليه من قبل، قد أملاه عليها تعصباً لرأيها، ويختار المستشرقون شهودهم حسب الإستنتاج الذي يقصدون إليه مبدئياً». وإذا تعذر عليهم الإختيار عمدوا إلى كتمان الشهادة، أو تحريفها، أو تأويلها.
ويمضي الأستاذ محمد أسد فيقول: «وليست نتيجة هذه المحاكمة سوى صورة مشوهة للإسلام وللأُمور الإسلامية، تواجهنا في جميع ما كتبه مستشرقوا أوروبا، وليس ذلك مقصوراً على بلد دون آخر: إنك تجده في إنجلترا وألمانيا، وفي روسيا وفرنسا، وفي بريطانيا وهولندا، وبكلمة واحدة: في صُقع يتجه المستشرقون فيه بأبصارهم نحو الإسلام(1).
ومن الواضح أن هذا التشويه الشامل والمتعمد للإسلام في دراسات المستشرقين إنما يهدفون به بوجه عام إلى صد الناس جميعاً عن الإسلام، وبوجه خاص إلى تشكيك المسلمين في دينهم، وتنفيرهم منه، ومحاولة ردتهم عنه، كما قال الحق تبارك وتعالى:
(وَدَّ كَثيرٌ مِّنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَوْ يَرُدُّنَكُم مِّنْ بَعْدِ إِيَمانِكُمْ كُفَّاراَ حَسَداً مِّنْ عِندِ أَنْفُسِهِمْ مِّنْ بَعْدِ مَا تَبْيَنَ لَهُمُ الْحَقُّ) البقرة «109».
وكذلك فإن منْ يتتبع تاريخ الإستشراق في العصر الحديث يتبين له بكل وضوح أن دراسات المستشرقين للإسلام والمسلمين ذات إرتباط وثيق بخدمة الإستعمار، وخدمة التنصير، وخدمة الحكومات والإستخبارات الغربية، في تحقيق مخططاتها المعروفة بالعداوة للإسلام، والعدوان على المسلمين.
ودراسات المستشرقين تُقام ـ كما أشرنا ـ في مؤسسات لها مسحة «أكاديمية» وقد أنتشرت هذه المؤسسات في صورة مراكز إستشراقية تابعة لجامعات أوروبية وأمريكية كثيرة، وأصبحت هذه المراكز تتستر الآن خلف أسماء وعناوين إسلامية لخداع المسلمين وتضليلهم مثل مركز الدراسات الإسلامية ـ التابع لكلية الصليب بأكسفورد، وهو يشبه المراكز الأمريكية التي وصفها شاهد عيان من الباحثين المسلمين فقال:
«الصليبية» في عداوتها للإسلام حليفة لليهودية، فكثيراً ما تصب اللعنات على العرب والمسلمين جهاراً في الكنائس النصرانية، كما تشوه التعاليم الإسلامية في كل المنشورات المسيحية. وأكبر المراكز للتهجم على الإسلام هي كليات (أو مراكز أو معاهد أوأقسام) الدراسات الإسلامية في الجامعات الأمريكية، خاصة في برنستون وهارفارد، اللتين حصلتا على إعانات مادية من بعض الأوساط العربية المسلمة مع الأسف الشديد»(2).
وهناك مراكز عديدة في الجامعات الأوروبية تنهج نفس النهج الأمريكي في الدراسات الإسلامية، وبخاصة في: أكسفورد وكامبردچ وبرمنجهام والسوربون وليدن وقرطبة وغيرها…، وبعض هذه المراكز يديرها منصّرون معروفون، كما هو الحال في مركز برمنجهام (كلية سيلي أوك)، وبعضها يتبع كليات تسمى كليات الصليب أو الصليب المقدس، كما هو الحال في أكسفورد (كما سبق) ونيويورك وورسستر على سبيل المثال(3).
وأكثر هذه المراكز تتلقى الدعم المادي والمالي والسياسي من دول عربية «إسلامية»، وبخاصة من المملكة العربية (السعودية) التي تمول مركز اكسفورد للدراسات «الإسلامية» وتدعم كل مشروعاته المعادية للإسلام، ومنها ـ على سبيل المثال ـ إشراك بعض «العلماء والدعاة المسلمين المفتونين» (علماء السلاطين) من عملاء (السعودية) في عضوية المركز، وذلك لأضفاء المصداقية على نشاطات المستشرقين النصارى واليهود في ذلك المركز، ومحاولة إضفاء المشروعية ـ بوجه خاص ـ على علاقة التعاون معهم وتلقي الإسلام عنهم.
ومن الذين أنضموا رسمياً إلى المركز كأمناء وأعضاء: د . عبدالله نصيف الأمين العام لرابطة العالم الإسلامي…. د . عبدالله تركي مدير جامعة الإمام بالرياض …. د. يوسف القرضاوي(4) عميد كلية الشريعة بجامعة قطر سابقاً … د. جعفر شيخ إدريس بجامعة الإمام بالرياض، وغيرهم ممن أشتروا بآيات الله ثمناً قليلاً.
وتظهر أسماء هؤلاء «العلماء» جنباً إلى جنب أسماء المستشرقين النصارى واليهود (أمثال: د. ريپ عميد كلية الصليب. د. آلبرت حوراني، د. مادلونج، د. آنا ماري شميل، د. زيمرمان… الخ). في قوائم «هيئة كبار العلماء» الجديدة التي تضم الشيخ والقسيس والحاخام في كلية الصليب المقدس!!
ويقيم «علماء السلاطين» في بلاد نائية تبعد آلاف الأميال عن أكسفورد، ومن ثم لا يمكنهم أن يتابعوا ما يجري هناك، ولا يستطيعون ـ حتى لو أرادوا ـ أن يمارسوا أي تأثير في إتخاذ القرارات الحاسمة التي توجه «الدراسات الإسلامية» في الواقع.
إن المهمة الحقيقية التي يقوم بها «علماء السلاطين» وتقوم بها أسماؤهم هي مهمة «الواجهات الإسلامية» لمؤسسات صليبية يهودية، بينما يقوم المستشرقون بالنشاطات الفعلية، وبإتخاذ القرارات الحاسمة التي توجه الدراسات الإسلامية» الوجهة التي يريدونها، أي تشويه الإسلام، والكيد للمسلمين، وبخاصة عن طريق الإستخبارات وبنوك المعلومات! ومصادر التمويل لكل هذه المشروعات «العلمية» هي أموال المسلمين أنفسهم!!
وقد أصدر مركز أكسفورد دورية سنوية «للدراسات الإسلامية journal of islamic stydies ومعظم المشرفين على تحريرها هم المستشرقين وتلاميذهم وعملائهم غير المؤهلين في الإسلام ولا في لغة القرآن ( ومنهم مدير المركز نفسه). وقد صدر العدد الأول منها في يناير 1990 ويحتوي على عدة مقالات كتبها المستشرقون وأذنابهم، يمجدون فيها ـ بصورة مباشرة أو غير مباشرة ـ الدراسات الإستشراقية للإسلام والفكر الإسلامي(5) . ويمجد بعضهم النشاطات التنصيرية والتغريبية لنقل الحضارة الغربية إلى العرب والمسلمين (أو بالأحرى نقل العرب والمسلمين إلى هذه الحضارة!!) كما يتضح هذا بوجه خاص في مقال ألبرت حوراني بعنوان: دائرة معارف البستاني، وفيها يمجد بطرس البستاني ونشاطاته التنصيرية والتغريبية في المجالات الثقافية والتعليم والنشر. ومن المعروف أن بطرس البستاني كان منصّراً من أخطر المنصّرين في لبنان في أواخر القرن الماض. وقد عملم مع الإرسالية الأمريكية البروتستانتينية في بيروت: مدرساً في مدراسهم، ومترجماً لمطبوعاتهم، وقد تحول على أيديهم من المارونية إلى البروتستانتينية (والكفر ملة واحدة)، كما عمل لعدة سنوات مساعداً لهؤلاء المنصرين في ترجمة الكتاب المقدس إلى اللغة العربية، وشجع التيار الوطني المسيحي في لبنان عن طريق التعليم، فأنشأ مدرسة سماها المدرسة الوطنية، وقد ساعده الخديوي إسماعيل مالياً ومعنوياً في إصدار موسوعته، وذلك لأنها تؤيد جهود إسماعيل المحمومة لفرض التبعية الثقافية والحضارية للغرب على مصر، وجعلها جزءً من أوروبا. ( وهو نفس الإتجاه الذي نادى به طه حسين في كتابه: مستقبل الثقافة في مصر، ومجّده، كذلك ألبرت حوراني في كتابه: الفكر العربي في عصر التحرر).
ويصرح بطرس البستاني في مقدمة موسوعته أنه يقدم فيها ما يعتقد أن العرب والمسلمين في حاجة إليه، ولاسيما تاريخ أوروبا وحضارتها، وتاريخ العرب وآدابهم ( من وجهة نظر أوروبية).
ومن ثم يركز في موسوعته تركيزاً واضحاً على أصول الثقافة الغربية، فيخصص مقالات عديدة لتاريخ الإغريق وآدابهم وأساطيرهم كما نراه يؤكد في مقاله عن أوروبا أن الحضارة الأوروبية هي أهم الحضارات في التاريخ، وأن الهدف الأساسي لموسوعته هو نقل تلك الحضارة إلى اللغة العربية وإلى العرب (المسلمين)، أو بالأحرى ـ كما يقرر هو ـ نقل العرب والمسلمين إلى العالم الجديد الذي خلقته أوروبا وحضارتها. ويتناول تاريخ العرب والإسلام ليس على أنه تاريخ متميز، بل على أنه تاريخ يدرس على ضوء الحضارة الأوروبية وبمقاييسها.
تلك أمثلة قليلة من تلك الدورية التي يصدرها المستشرقون بإسم «الدرسات الإسلامية» وخلف واجهات «علماء السلاطين» وبأموال العرب والمسلمين(6).
**********
إحالات:
1- محمد أسد: الإسلام على مفترق الطرق (ترجمة عمر فروخ دار الاعتصام القاهرة د. ت) ص52 ـ 54.
2- د . علي المنتصر الكتاني:
المسلمون في أوروبا وأمريكا (دار إدريس الرباط 1396 هـ – 1976م) 2/68.
3- د. أحمد ابراهيم خضر.
الإسلام والكونجرس سلسلة مقالات مجلة المجتمع وبخاصة عدد 938 (24/3/141 هـ) ص31.
4- كثير من آراء وتأويلات د. يوسف القرضاوي محل انتقاد العلماء راجع على سبيل المثال:
1 ـ الإعلام بنقد كتاب الحلال والحرام ـ تأليف د . صالح فوزان.
2 ـ أهمية الجهاد في نشر الدعوة الإسلامية ـ تأليف د. علي بن نفيع الغلياني ص 381.
5- راجع على سبيل المثال: محسن مهدي:
1 ـ الاستشراق ودراسة الفلسفة الإسلامية ص73 ـ 79 .
2 ـ والمراجعات والإعلانات عن كتب المستشرقين عن الإسلام في صفحات كثيرة بين 150 ـ 191.
6- وقد صدر العدد الثاني من هذه الدورية في يناير 1991 ويسير في نفس الاتجاه وينهج نفس المنهاج وبصورة أسوأ راجع على سبيل المثال مقال مارتن لنجز حول كتاب المستشرق وليام تشيتيك عن محي الدين بن عربي 92 ـ 97.
وفيه تعظيم مضلل للمستشرق وللصوفي معاً.
اضغط على الكلمات المفتاحية التالية، للإطلاع على المقالات الأخرى المتعلقة: