"بوكا حرام" أي التعليم الغربي حرام: رفض للتنصير وللإلحاق الثقافي عن طريق التعليم
رضا عبد الودود - مصر المشاهدات: 8291
المحاكمة على النوايا والإفراط في استخدام القوة ضد جماعة مدنية (بوكي حرام) قضى منهم قرابة 600 وتشريد ما يقارب ألف شخص ليصبح عدد المشردين عن مدينة مايدوغوري نحو الخمسة آلاف، دون تحرك من أي من الأطراف المحلية أو الإقليمية أو الدولية جريمة مكتملة الأركان مهما كان الحديث عن الأخطاء التي ارتكبتها الجماعة المحلية الناشطة بشمال نيجيريا "بوكا حرام"، والتي لا يمكن أن يتساوى خطرها مع مجرد إقدام قوات الجيش على قصف بيت قائدها محمد يوسف بالمدفعية الثقيلة في مدينة مايدوغوري وقتله بأحد مقرات الشرطة رغم طلبه الرحمة والعفو أثناء محاولة هروبه دون محاكمة كأحد مقررات حقوق الإنسان التي يقرها العالم، ما دعا منظمة "هيومان رايتس ووتش" المعنية بحقوق الإنسان بالمطالبة بالتحقيق في ملابسات مقتل قائد جماعة بوكو حرام محمد يوسف وتشويه جثته بمئات الأعيرة النارية بصورة فجة أساءت استياء متابعي شاشات التلفزة العالمية مساء الجمعة 30/7/2009م.
بدايات المواجهات:
بدأت الاشتباكات الأحد 26/7/2009 في ولاية بوتشي بين الشرطة وجماعة بوكا حرام عندما ألقت الشرطة القبض على أعضاء في الجماعة بولاية بوتشي للاشتباه في تخطيطهم لهجوم على مركز للشرطة، ورد أنصار يوسف المسلحين بمناجل ومدى وبنادق صيد محلية الصنع وقنابل حارقة بشن هجمات على مراكز شرطة وسجون ومبانٍ حكومية وكنائس في عدة ولايات بشمال نيجيريا (يوبي، وكانو، وبورنو) التي تعد أكبر دولة إسلامية في إفريقيا من حيث عدد السكان. ونفذت الشرطة حملة اعتقالات لأعضاء في الجماعة، بتهمة الدعوى لتطبيق الشريعة الإسلامية في عموم نيجيريا.
وتؤكد الحكومة النيجيرية أن الهجمات أعد لها منذ شهور، فقد نفذت الشرطة مداهمات وعثر على متفجرات وأسلحة. وقد توعد الرئيس عمر موسى يارادوا بـ "سحق" الجماعة، وذلك مساء الثلاثاء الماضي قبل أن يسافر إلى البرازيل قائلا : "هذا ليس صراعا دينيا، وطالبان ليست من بادر بمهاجمة قوات الأمن، بل يتعلق الأمر بعملية جاءت بناء على معلومات أمنية جمعناها عن نواياهم لنشن هجوما كبيرا..".
وتركز القتال في معاقل الجماعة التي ظهرت في 2002 في مايدوغوري عاصمة ولاية بورنو، ويطلق عليها أحيانا المسؤولون اسم طالبان ويقولون إنها تريد فرض الشريعة في عموم نيجيريا، رغم نفي مسئولو الجماعة الذين يدعون السلطات لفرض الالتزام بتطبيق الشريعة الإسلامية في الولايات ال12 التي تطبق الشريعة الإسلامية وفق اتفاقات وتوافقات برلمانية وسياسية.
ولعل المؤسف في الأمر استخدام قوات الجيش النيجيري والقوات الإضافية التي جلبت إلى مناطق القتال ويردد البعض أن معظمهم من قوات الجيش المنتشرة بجنوب البلاد وأغلبهم من المسيحيين –المؤسف- القوة المفرطة ضد عناصر الحركة والمدنيين الذين راحوا ضحايا المواجهات، حيث أكد أحد الصحفيين النيجيريين الذين التقتهم "قناة الجزيرة" في موقع المواجهات قال : إن غالبية القتلى الذين بدت جثثهم ملقاة على الأرض مرضى كانوا يراجعون مستشفى محمد يوسف، مشيرا إلى الأدوية والمستلزمات الطبية التي أتت نيران قوات الشرطة عليها وعلى أصحابها.... حيث كانت الشرطة تطلق النار على من يرفض أوامرها..
من هي بوكو حرام؟
جماعة إسلامية نيجيرية تعني بلهجة قبائل الهوسا "التعليم الغربي حرام" تنشط في شمال نيجيريا وتسعى لتطبيق الشريعة الإسلامية وهي حركة محظورة رسميا.
تأسست الجماعة عام 2002 في ولاية بورنو بشمال نيجيريا بزعامة المدرس ورجل الدين محمد يوسف، لكن الوجود الفعلي للحركة بدأ خلال عام 2004 بعد أن انتقلت إلى ولاية يوبي على الحدود مع النيجر حيث بدأت عملياتها ضد المؤسسات الأمنية والمدنية النيجيرية.
وتسعى الحركة إلى منع التعليم الغربي والثقافة الغربية عموما التي ترى أنها "إفساد للمعتقدات الإسلامية"، وإلى تطبيق الشريعة الإسلامية بمجمل الأراضي النيجيرية بما فيها ولايات الجنوب ذات الأغلبية المسيحية.
وتتكون الحركة أساسا من الطلبة الذين غادروا مقاعد الدراسة بسبب رفضهم المناهج التربوية الغربية، إضافة إلى بعض الناشطين من خارج البلاد على غرار بعض المنتسبين التشاديين، ورغم إطلاق الكثير من النيجيريين على الحركة "طالبان نيجيريا" لم يعثر على أي دليل قد يؤكد وجود صلة بين بوكو حرام وحركة طالبان الأفغانية.
موقف القوى المحلية:
أعلنت منظمات إسلامية كبرى تبرؤها من هذه الحركة بعد الهجمات التي شنتها مؤخرا، حيث قال الأمين العام للمجلس الأعلى للشئون الإسلامية في نيجيريا عبد اللطيف إديجبيت: أعضاء (بوكو حرام) لا يمثلون الإسلام، وبعيدون عن المسلمين الحقيقيين.
كما شجب مؤتمر المنظمات الإسلامية الذي يجمع تحت مظلته جميع المنظمات الإسلامية في نيجيريا ممارسات الحركة، ونددت جمعية نصر الإسلام في نيجيريا بها بشدة، مشيرة إلى أن أعمالها "لم تكن بدافع نية صادقة" لنشر الإسلام.
ولعل إصرار الحركة على الابتعاد عن المجتمع النيجيري والانزواء في الغابات كان عامل خصم من جدوى دعواها في المجتمع النيجيري...
توتير الشمال:
وتعود أسباب التوتر الدائر بشمال نيجيريا إلى عدد من الأسباب التي ينذر استمرارها بمزيد من الاضطرابات إن لم تعالج.
فشعور الشماليين بصفة عامة من المسلمين بالمظلومية السياسية والاقتصادية مقارنة بأهالي المناطق الجنوبية الذين يتمتعون بالعمل والوظائف المرموقة في القطاعات النفطية والتجارية يظل عامل تأجيج وصراعات مستقبلية في ضوء تصاعد العوز والفقر في أوساط المسلمين.
- تصاعد المد التنصيري في ربوع نيجيريا دون مراعاة لعقائد المسلمين وقيمهم واستغلال المنصرين لتردي الأوضاع المعيشية للمناطق التي يقطنها المسلمون تثير حفيظة المسلمين الذين يعانون تراجع مستوى الخدمات الصحية والتعليمية.
- تزايد العلمنة واختزال المعاني والقيم الإسلامية في مناهج المدارس والتعليم العام بالبلاد يزعج كثير من المسلمين الذين يرون أن إسلامهم وعقيدتهم مستهدفين من جماعات النفوذ المحلية المرتبطين بالغرب.
-الضغوط السياسية التي يمارسها رجال الاقتصاد والأعمال من المسيحيين على الرئيس المسلم مثلت عامل ضغط شديد على مؤسسة الحكم عبرت عنها حالة التشدد والتصعيد غير المبرر في أحيان كثيرة إزاء مطالب المسلمين، كي يبدو أنه أكثر علمانية وحتى يكون مصدر لثقة الغرب وأمريكا الذين تتمدد مساحات نفوذهم الاقتصادي والسياسي عبر المشروعات والشركات عابرة القارات خاصة في القطاعات النفطية والمعادن.
الفهم الخاطئ لبعض معاني وتعاليم الإسلام لدى بعض الشباب النيجيريين وتراجع دور المؤسسات الثقافية المحلية والتضييق على حركة البعوث الإسلامية بالقارة الأفريقية عموما أدى لكثير من الاختلالات الفكرية التي ينبغي مواجهتها بأسرع وقت وإلا فالأزمات ستتكاثر على الصعيد النيجيري.
مازالت نيجيريا تعايش انعكاسات أجواء أحداث 11 سبتمبر ، حيث تصر السلطات الأمنية على معالجة بعض الأفكار غير المقبولة على الصعيد المحلي بالحلول الأمنية ما يفاقم المشكلات.
كثير من التوترات العرقية وتفجر أحداث العنف في دلتا النيجر وحوادث تفجيرات أنابيب النفط زاد من حالة الاستنفار الأمني ما أدى لسوء تقدير الحالة الأمنية لجماعة بوكا حرام ما زاد من وتيرة العنف والتصعيد العسكري ضد بوكا حرام...
رؤية مستقبلية:
لا يمكننا تجاوز التاريخ الاستعماري الطويل لنيجيريا ونحن نقرأ التوجهات المستقبلية لأحداث العنف المتفجر بشمال نيجيريا، إذ يؤكد التاريخ الحديث لنيجيريا التمدد الكبير للاستعمار البريطاني الذي استخدم سلاح التنصير والغزو الثقافي على صعيد واسع، فأرسل الاستعمار البريطاني عيونه إلى هذه المنطقة في عهد محمد بللو في حين كان الحكم الإسلامي في قوته، لذلك لم يروا فيها منفذا فعادوا خائبين ثم رجعوا مرة أخرى بعد سنوات عديدة واستولوا حينذاك على الجنوب، وقد ساعدهم على ذلك أن سكان هذه المناطق كانوا وثنيين واشتغل فيهم المنصرون وأسسوا لهم مدارس، وكان من سياسة المستعمرين أن الذي يعمل في مكاتبهم أو الذي يريد أن يكون له نفوذ في الناس لابد أن يدرس في المدارس العصرية التي أسسها المنصرون، مسلما كان أو مسيحيا أو وثنيا ! وقد تنصر كثير من أبناء المسلمين عن طريق هذه المدارس وإن رجع بعضهم إلى الإسلام فيما بعد، وهذا المخطط الاستعماري ـ التنصيري قد نجح في جعل المسلمين في مؤخرة القافلة فيما يتعلق بإدارة أمور البلاد.
ولعل تلك الإشكالية تمثل البارود المشتعل في عموم البلاد والتي ينبغي استدراكها ومحاولة حلحلتها لضمان الاستقرار بالبلاد.
-إن أكبر خطر يهدد عودة المسلمين إلى دينهم في نيجيريا هو الجهل ثم التنصير الذي نرى بوادر نجاحه في قبيلة "فلاني" وهي قبيلة الشيخ عثمان بن فودي، حيث استهدفها المنصرون لظروف التنقل فيهم ورعاية مواشيهم، والتنصير في نيجيريا يركز على جوانب عدة من أهمها التعليم كما سبق الذكر فهم يؤسسون المدارس في كل أنحاء البلد برعاية المستعمرين قبل الاستقلال (في 1960م) وبعده بحجة حرية ممارسة الدين في كل أنحاء البلاد، ويؤسسون هذه المدارس في القرى ويقتحمون غابات وعرة للوصول إلى الوثنيين أو المسلمين الذين تركهم بقية المسلمين ويقدمون لهم كل ما يحتاجون إليه من ملابس وطعام وتسهيلات أخرى، وهذا ليس بغريب إذا عرفنا أنه توجد ملايين من الدولارات المخصصة لتنصير قرى نيجيريا.
ومن الوسائل التي يستخدمونها توزيع المنشورات وترجمات الكتاب المقدس باللغات المحلية وقد تم ترجمة العهد الجديد إلى أهم لغات البلد قبل هذا القرن، بيد أن ترجمة معاني القرآن الكريم لم تصدر إلا في بداية الثمانينيات من هذا القرن.
ومن الوسائل المؤثرة جدا في النفوس لدى المنصرين استغلال ضعف الإنسان عن طريق قضية العلاج للفقير ومواشيه، فالمنصرون يؤسسون المستشفيات للناس وللحيوانات في أنحاء البلد وخاصة في القرى النائية.
الإعلام والتعليم:
ويهتم المنصرون في نيجيريا بتعليم الإسلام في الجامعات لتحريفه ولتشويه صورته في مواعظهم العامة، كما يقومون أيضا ـ أي نصارى البلد ـ وهم يسيطرون على وسائل الإعلام ـ بالهجوم على الإسلام وعلى الحكومة كلما رأوا فيها شيئا له أدنى صلة بالإسلام وإن كان الإسلام بريئا منه.
ولعل تشويه معالم الإسلام في المدارس والجامعات كانت سبب أزمة يوسف وجماعة بوكا حرام الأساسية.. حيث انقطع عن الدراسة في المرحلة الثانوية لما عاناه من مناهج غربية "كافرة" من وجهة نظره وانكب على قراءة الكتب الإسلامية...الأمر الذي رفضه المجتمع النيجيري الذي يعايش أجواء توتير قبلي وطائفي في أحيان كثيرة.
-أزمة بوكا حرام فتحت الباب واسعا لمراجعة العمل الإسلامي بنيجيريا التي يوجد بها نحو "1001" منظمة إسلامية، ولكن مع الأسف تأثيرها في سياسة البلد ومقاومة أعداء الإسلام معدوم أو شبه معدوم، لا يتكلم المسلمون بصوت واحد ولا تجمعهم كلمة واحدة.
ومن ثم فالرهان على هذه المنظمات التي يقودها علماء وشباب من خريجي الجامعات الإسلامية في الأزهر الشريف وفي المدينة المنورة وفي إسلام أباد وجامعات أخرى داخل البلاد بات كبيرا لجمع شمل المسلمين وتوضيح الإسلام في صورته الحقيقية، كي يتفرغوا لمواجهة مخططات المنصرين والمنظمات النصرانية القوية داخل البلد من أمثال (CAN) جمعية النصارى في نيجيريا والتي تخطط للقضاء على الإسلام بل يهددون الحكومة أحيانا بتصريحاتهم.
وفي النهاية فإنَّ واجب المسلمين عالميا تجاه المسلمين في نيجيريا، وضع المسلمين في نيجيريا اليوم يقتضي من المسلمين من كل أنحاء العالم أن يتضامنوا ويؤيدوا إخوانهم المسلمين بالزيارات والمعونات والخبرات حتى يقووا على مواصلة العمل ومواجهة التحديات.
*********
وقع التصرف في العنوان الأصلي للمقال
مشرف موقع بوابتي
اضغط على الكلمات المفتاحية التالية، للإطلاع على المقالات الأخرى المتعلقة: