هل العلمانية تتناقض مع الإسلام؟ هل من الممكن التوافق بين العلمانية والإسلام؟.
لو ذهبنا إلى أي فيلسوف من فلاسفة الغرب وقلنا له: هل من الممكن أن تتفق العلمانية التي تقتصر مرجعيتها على العقل وخبراته مع الإسلام الذي يجعل مرجعيته تبعاً للنصوص المقدسة لله والرسول؟
ترى ماذا سيكون رأيه فينا؟
ألا يكون السؤال بالنسبة له مشابهاً عن مدى اتفاق الليل والنهار، والعسل والسم، والشيوعية والرأسمالية، والمسيحية واليهودية، وأفلاطون وأرسطو، وابن تيمية وابن عربي، ومن في الداخل ومن في الخارج، والشرق والغرب، والشمال والجنوب، والموجب والسالب، والجمع والطرح، وكل ما هو متناقض في هذا العالم.
وماذا لو كررنا عليه السؤال؟ ألا يشك حينذاك في قوانا العقلية؟
وهل يوجد مفكر غربي واحد يزعم أن الإسلام يتفق مع العلمانية؟
أم أن أعاظم مفكري الغرب من أمثال هنتجتون، وفوكوياما، وبرنارد لويس يتفقون جميعاً على أن مشكلة الإسلام الأساسية مع الغرب هي في تناقضه مع العلمانية.
وإذا كانت المسألة واضحة كل تلك الوضوح بالنسبة لهم فكيف من الممكن أن تحتاج إلى فقه، أو اجتهاد، أو إفتاء بالنسبة لنا؟ أليس الأمر أشبه ما يكون بأن الواحد والواحد مجموعهما اثنان، وأن النقيضين لا يجتمعان، فالعلمانية بأي معنى من المعاني التي توردها المعاجم الغربية مثل معجم أكسفورد (الذي يورد من بين تعريفاتها: ينتمي إلى هذا العالم الآني والمرئي، أو يهتم بهذا العالم فحسب) أليس فحواها الذي لا يختلف عليه أحد أنها تجعل من العقل وخبراته مرجعيتها الوحيدة.
فهل من الممكن أن تتفق مع الإسلام الذي يقرر بما لا يقبل الجدل أن مرجعيته الأساسية هي في "قال الله وقال الرسول"، أليس تناقض هذا مع ذاك بديهة من البديهييات، لكن هذه المعاني الواضحة التي يتم طرحها بكل صراحة في الغرب يتم الالتفاف حولها بكل الأشكال والصور في الشرق، حتى إنه يمكن القول: أن الجانب الأساسي من تاريخ الحياة الفكرية في عالمنا الإسلامي في القرنين الأخيرين هو في الحقيقة يمثل تاريخ الاحتيال الفكري في ادعاء عدم التناقض بين العلمانية والإسلام، وكل الحوارات المفتعلة بين المسميات المختلفة مثل التراث والتجديد، أو الأصالة والمعاصرة، أو الإسلام والحداثة؛ ما هي في حقيقتها سوى تخريجات احتيالية لتمييع الحدود الفارقة بين الإسلام والعلمانية، وهي تستهدف في الأساس تفكيك الإسلام من ثوابته ومقوماته وقواعده الأساسية، وإحالته لمجرد تراكم كمي من الأحكام يخضع للحذف والتعديل، والتأويل والتشكيل المتجدد بحسب المتغيرات العلمانية.
يا سادة إما أن يكون هناك منطق مشترك بين عقول الناس عليه يتفاهمون، أو لا يكون، فإذا كان هذا المنطق موجوداً وهو البديهة فإنه يقول أن الأساس دين شمولي لا يقبل التجزؤ أو التبعض على الإطلاق، وأي محاولة لفعل ذلك هي بمثابة الخروج منه تماماً، وذلك بحكم الآيات: ((وما كان لمؤمن ولا مؤمنة إذا قضى الله ورسوله أمراً أن يكون لهم الخيرة من أمرهم))، ((فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم ثم لا يجدوا في أنفسهم حرجاً مما قضيت ويسلموا تسليماً))، ((أفتؤمنون ببعض الكتاب وتكفرون ببعض فما جزاء من يفعل ذلك منكم إلا خزي في الحياة الدنيا ويوم القيامة يردون إلى أشد العذاب وما الله بغافل عما تفعلون))، ((إن الذين يكفرون بالله ورسله ويريدون أن يفرقوا بين الله ورسله ويقولون نؤمن ببعض ونكفر ببعض ويريدون أن يتخذوا بين ذلك سبيلاً * أولئك هم الكافرون حقاً واعتدنا للكافرين عذاباً مهيناً)).
أي أن العلمانية التي يطرحها أهلها الآن سواء بمعنى فصل الدين عن الدنيا، أو حتى فصل الدين عن الدولة؛ هي بمثابة دعوة لتجزيء الإسلام أو تبعيضه، ومن ثم فهي خروج عن الإسلام تماماً، وهذا ما حدا بالمفكر الإسلامي الراحل محمد البهي إلى أن يكتب كتاباً عن العلمانية عنوانه (العلمانية وتطبيقها في الإسلام: إيمان ببعض الكتاب، وكفر بالبعض الأخر).
وللدكتور محمد البهي على وجه الخصوص أهمية حاسمة في هذا الموضوع (موضوع موقف الإسلام من العلمانية) لأن الرجل يجمع بين الصفات المثلى لما قد تتطلبه جوانبه المختلفة (هذا على الفرض الوهمي الذي يفرضه البعض أن الموضوع يتطلبها، وإن كنا من جهتنا نرى أن الموضوع أقرب إلى البديهة التي لا تحتاج إلى أدنى تفكير) فالدكتور محمد البهي من الجانب الفلسفي حاصل على الدكتوراه من ألمانيا التي تمثل قمة الفلسفة الغربية في القرون الأخيرة، ومن الجانب الإسلامي هو عالم من علماء الأزهر الذين تدرجوا في مناصبه العليا حتى عين وزيراً للأوقاف في عهد عبد الناصر، وهو من هذه الناحية أيضاً أحد رجال المؤسسة الرسمية الذين لا يمكن اتهامهم بالتطرف، ويضاف إلى ذلك أيضاً ما عرف عنه أيضاً من صلاح وحزم، ومن ثم فلا يمكن اتهامه بالموالاة لأحد، وأخطر صفاته التي تتعلق بالحديث الذي نحن بصدده أنه كان أحد أبناء مدرسة محمد عبده الفكرية التي يعول عليها العلمانيون كثيراً في تمييع العلاقة بين العلمانية والإسلام.
يقول الدكتور محمد البهي في كتابه هذا بعد أن عرض لشمولية الإسلام في جميع جوانب الحياة، وعدم قابليته للتجزؤ أو التبعض: "وبما عرضناه هنا من مبادىء الإسلام كما تذكرها آيات القرآن الكريم نجد أن الإسلام نظام شامل لحياة الإنسان، ومترابط في مبادئه، وفي تطبيقه، لا يقبل التجزئة بحال، وقصر التطبيق على جانب مثلاً في حياة الإنسان، أو على جانبين فأكثر من جوانب هذه الحياة دون باقي الجوانب الأخرى، معناه إفساح مكان لهوى الإنسان بجانب ما يطبق من مبادىء القرآن"، وشتان بين هوى الإنسان ووحي الله، "إن إخلاء مكان لهوى الإنسان في حكم الإنسان المسلم في مجتمع الإسلامي بجانب تطبيقه مجموعة من مبادىء القران في جانب أو في عدة جوانب من حياة الإنسان هو كفر ببعض الكتاب وهو القرآن، فيما أفسح فيه المجال للهوى...، وإيمان ببعضه الآخر فيما يطبق فيه القرآن.
فلو قصر تطبيق القرآن على أداء العبادات أو كما يقال على حياة المسجد، وأبعد عن مجالات الشئون السياسية والاقتصادية والاجتماعية مثلاً كان إبعاد القرآن عن مجالات الشئون السياسية والاقتصادية والاجتماعية كفر بمبادىء القرآن في هذه المجالات.
وكان حكم الإنسان المسلم في المجتمع الإسلامي يخضع للهوى أو للشيطان في المجالات التي يبعد فيها عن القرآن"(ص 19: 20).
ويقول الدكتور عدنان النحوي في كتابه "الشورى لا الديمقراطية": "العلمانية فصلٌ للدين عن الدولة: كفر صريح"
ويقول الدكتور يحيى هاشم فرغل (رئيس قسم العقيدة والفلسفة بكلية أصول الدين بالأزهر سابقاً) في كتابه (حقيقة العلمانية بين التخريب الخرافة): "إن العلمانية بمفهومها (المتسامح) والذي يكتفي بالفصل بين الدين والحياة قد لا تعنى الإلحاد في العقيدة المسيحية، ولكنها تتطابق معه فيما يتصل بالعقيدة الإسلامية سواء أخذناها بمفهومها المتسامح أو بمفهومها المتشدد - الذي يصر على القضاء على الدين -، غاية ما في الأمر أننا لا نحكم به - الإلحاد - على معتنق العلمانية مطلقاً، ولكننا نحكم به على أولئك الذين يصرون عليها بعد تعريفهم بهذا التطابق.
وهذا أيضاً ما صرحت به رئاسة إدارات البحوث العلمية والإفتاء والدعوة والإرشاد بالمملكة العربية السعودية، حيث جاء في بيان لها عن نواقض الإيمان في فقرة خاصة موجهة إلى العلمانيين:
من اعتقد أن هدي غير النبي - صلى الله عليه وسلم - أكمل من هديه، أو إن حكم غيره عنده أحسن من حكمه كالذين يفضلون حكم الطواغيت على حكمه فهو كافر ومن ذلك:
* اعتقاد أن الأنظمة والقوانين التي يسنها الناس أفضل من شريعة الله.
* أو أن نظام الإسلام لا يصلح تطبيقه في القرن العشرين.
* أو أنه يحصر في علاقة المرء بربه دون أن يتدخل في شئون الحياة الأخرى.
* القول بأن إنفاذ حكم الله في قطع يد السارق أو رجم الزاني المحصن لا يناسب العصر الحاضر.
* اعتقاد أنه يجوز الحكم بغير ما أنزل الله في المعاملات الشرعية أو الحدود أو غيرها، وإن لم يعتقد أن ذلك أفضل من حكم الشريعة لأنه بذلك يكون قد استباح ما حرم الله إجماعاً، وكل من استباح ما حرم الله مما هو معلوم من الدين بالضرورة كالزنا والخمور، والربا والحكم بغير شريعة الله؛ فهو كافر بإجماع المسلمين.
ويقول الدكتور محمد بن سعيد بن سالم القحطاني في كتابه (القصيبي والمشروع العلماني):
لا شك أن الإسلام يعتبر العلمانية كفراً وشركاً بالله - سبحانه وتعالى -، والسبب في ذلك هو كما يلي:
1- إن الإسلام هو دين التوحيد بكل ما تعنيه هذه الكلمة من معنى، وهو يرفض الشرك في كل صورة من صوره، بل يرفض ذرائعه ووسائله ومن ثم فمبدأ العلمانية: "دع ما لقيصر لقيصر وما لله لله" مرفوض في الإسلام الذي ركنه الأساسي "لا إله إلا الله".
2- أن مفهوم العبادة في الدين الإسلامي أنها كل قول وعمل ظاهر أو باطن يتقرب به إلى الله - سبحانه وتعالى - كما قال - سبحانه -: ((قل إن صلاتي ونسكي ومحياي ومماتي لله رب العالمين)).
فالعبادة تشمل النشاط الإنساني بكل ما فيه، فلا يخلو شيء منه عن الأحكام الخمسة، حتى المباح يمكن أن يصبح قربة مأجور عليها بالنية الصالحة، أما العلمانية فتجعل أكثر شئون الحياة مما لا علاقة للدين به.
3- يجعل الإسلام العلمانية شركاً في الطاعة والاتباع، حيث أنها تعلن التمرد الكامل على تحكيم الشرع في شئون الحياة بعضها أو كلها، وهذا مفرق الطريق بينها وبين الإسلام قال - تعالى-: ((أفحكم الجاهلية يبغون))، وقال سبحانه: ((أم لهم شركاء شرعوا لهم من الدين ما لم يأذن به الله)).
4- يقول - سبحانه -: ((اتبعوا ما أنزل إليكم من ربكم ولا تتبعوا من دونه أولياء)) فاتخاذ الأولياء شرك بالله - سبحانه وتعالى -.
ومع كل ما سبق فإنهم يبتدعون دائماً شبهات جديدة تثار حول الموضوع قد نناقش بعضها في مقالات قادمة.
اضغط على الكلمات المفتاحية التالية، للإطلاع على المقالات الأخرى المتعلقة: