البدايةالدليل الاقتصادي للشركات  |  دليل مواقع الويبالاتصال بنا
 
 
 
المقالات الاكثر قراءة
 
تصفح باقي الإدراجات
أحدث المقالات

تونس: الدكتاتور الشعبوي الذي حول نوبات غضبه لدستور

كاتب المقال ياسر أبو هلالة    من كتـــــّاب موقع بوّابــتي
 المشاهدات: 1030



لعب الدكتاتور الشعبوي، قيس سعيّد، على غرائز التونسيين وأدخلهم في شقاقٍ طويل، دفعوا ثمنه من ديمقراطيتهم التي ميّزتهم عالميا، ومن اقتصادهم ولقمة عيشهم. وكرّس التصويت الذي قاطعه 75% من التونسيين عزلة الدكتاتور بعد عام من الشقاق والشقاء. مع أنّ الأرقام تظلّ محل تشكيك، في ظلّ استحواذه على هيئة الانتخابات المستقلة، وضمّها إلى مقتنيات قصر قرطاج وغياب الرقابتين، الدولية والمحلية.

نجح قيس سعيّد في شق المجتمع التونسي وتحريضه على بعضه من خلال خطاب شقاق واستقطاب وتقسيم، نحن وهم، وأوقد نيران الغضب والحقد والضغينة والشيطنة من خلال تخوين خصومه، ورميهم بتهم العمالة والفساد، وهجاء سنوات التحوّل الديمقراطي، متناسياً أن تلك السنوات هي من جاءت به رئيسا، وأن من يهجوهم بفاحش القول هم من انتخبوه. ولولا الثوار ممن قاوموا بن علي، كرئيس حركة النهضة، راشد الغنوشي، ورئيس حزب العمال، حمّة الهمامي، لبقي في جامعته مدرسا يخطب في طلابه، ويشارك الدكتاتور في تفصيل القوانين والدساتير.

نجح في تحويل مراسيمه التي يحكم بها إلى "دستور" فريد على مستوى العالم، لا على مستوى تونس فحسب، فهو الدستور الذي كتبه فردٌ بلا شريك، فتحوّلت نوبات غضبه الهيستيرية إلى سخرية سوداء، وهذيانه المسترسل صار دستورا مكتوبا مصوّتا عليه. وخلال عام من الانقلاب، دمّر كل المؤسسات الديمقراطية، من مجلس النواب إلى القضاء والرقابة الدستورية إلى هيئة الانتخابات، وتفرّد في ملكوته لا يشاركه فيه غير من يسبّحون بحمده. وذلك كله لا يعني غير قلّة في تونس، وفي العالم، مشغولة بالتحوّل الديمقراطي؛ الأكثرية معنية بلقمة العيش، وفي لحظةٍ توهمت الأكثرية أن سعيّد سيؤمنها بعد أن تفرّد بالحكم وتخلص من الفاسدين، المفارقة أنه حرمها مما تبقى لها من القليل.

نجح في أن يتربّع على عرش قرطاج بصلاحياتٍ تتعدّى ما منحه الدكتاتور المخلوع بن علي لنفسه. لا مجلس نواب ولا مجتمع مدنيا ولا إعلام محصّنا بلا محاسبة. مسلحا بحنجرةٍ لا تتوقف (ألقى خطابا حتى في فترة الصمت الانتخابي) وخزينة فارغة. لن تتوقف اجتماعاته ولا خطاباته، وإن بقيت قلة تصدّقها، فإن صندوق النقد الدولي لا يسمعها ولا يفهمها ولا يصدقها. حتى الصادق بلعيد الذي كلفه بكتابة الدستور وصف ما جرى بقوله "إتها كوميديا حقيقية" .

نجح في تحويل الوفاق الذي صنعه الشيخان، راشد الغنوشي والباجي قايد السيسي، إلى شقاق بين المكونات السياسية والفكرية. ولكن ما لم ينجح فيه، ولن ينجح، هو الاقتصاد وتأمين لقمة العيش للتونسيين. لقد نجح في رفع الديون التونسية إلى مستوىً غير مسبوق، حيث ارتفع ‏الدين العام 114.14 مليار دينار (40 مليار $) بنهاية عام 2022، أي بزيادة نسبتها 81% عن سنة 2021 بحسب صندوق النقد الدولي، مع ديون تصل إلى 87% من الناتج المحلي الإجمالي، وتحتلّ تونس المرتبة الثالثة في تصنيف بلومبيرغ للدول الأكثر عرضةً للتخلف عن السداد، بعد السلفادور وغانا.

قبل الاستفتاء، حذّر مسؤولو البنك المركزي من أن الحرب الأوكرانية تسبّب اضطراباتٍ أكبر من الوباء، حيث بلغ التضخم أعلى مستوياته منذ 2018، ودعوا إلى فرض قيودٍ على الواردات لحماية الاحتياطيات الأجنبية وضمان قدرة البلاد على شراء الحبوب الأساسية والوقود والأدوية. فوق ذلك البطالة 16% والتضخم 8.1%. وقال البنك المركزي في مايو/ أيار إن العجز المالي سيصل إلى 9.7% هذا العام بدلا من 6.7% كما كان متوقعا في السابق.

هذه الأرقام لا يستطيع قيس سعيّد تزويرها، مع أنه أقال مسؤول جهاز الإحصاء، الرواتب سيأكلها التضخم ودائرة الغضب والسخط ستتسع، ولن يجد من يحمّله المسؤولية ولا من يشاركه فيها. وسواء قبل بشروط صندوق النقد الدولي أم رفضها فهو خاسر على الجهتين. تأمل الحكومة في الحصول على قرض بقيمة أربعة مليارات دولار من الصندوق، لكن اتحاد الشغل يعارض التخفيضات في الأجور العامة التي قد تأتي معها. استعرض الاتحاد عضلاته في يونيو/ حزيران بإضرابٍ يوما واحدا أدى إلى إغلاق الشركات التي تديرها الدولة ووسائل النقل العام وحتى المطارات.

عنونت "واشنطن بوست" تقريرها عن الاستفتاء "أستاذ القانون الذي شرع في تفكيك الديمقراطية التونسية". والواقع أنه فكك الدولة والمجتمع. وعلى خلاف الديكتاتور بن علي الذي سبقه، فقد نجح في توحيد المجتمع على مطلب الديمقراطية، وترك دولة واقتصادا يعملان.
من السهل على التونسيين إسقاط الديكتاتور، لكن مهمتهم باتت أصعب في بناء الدولة والاقتصاد وتوحيد المجتمع والخروج من الشقاق الذي أوقعهم فيه بعد عقد من الوفاق

-----------
وقع تغيير العنوان الأصلي للمقال
محرر بوابتي


 اضغط على الكلمات المفتاحية التالية، للإطلاع على المقالات الأخرى المتعلقة:

إنقلاب قيس سعيد، تونس، الانقلاب في تونس،

 





تاريخ نشر المقال بموقع بوابتي 28-07-2022   العربي الجديد

تقاسم المقال مع اصدقائك، أو ضعه على موقعك
لوضع رابط لهذا المقال على موقعك أو بمنتدى، قم بنسخ محتوى الحقل الذي بالأسفل، ثم ألصقه
رابط المقال

 
لإعلام أحدهم بهذا المقال، قم بإدخال بريده الإلكتروني و اسمك، ثم اضغط للإرسال
البريد الإلكتروني
اسمك

شارك برأيك
لوحة مفاتيح عربية بوابتي
     
*    الإسم
لن يقع إظهاره للعموم
     البريد الإلكتروني
  عنوان المداخلة
*

   المداخلة

*    حقول واجبة الإدخال
 
كم يبلغ مجموع العددين؟
العدد الثاني
العدد الأول
 * أدخل مجموع العددين
 
 
 
أكثر الكتّاب نشرا بموقع بوابتي
اضغط على اسم الكاتب للإطلاع على مقالاته
الناصر الرقيق، د. كاظم عبد الحسين عباس ، طارق خفاجي، د - المنجي الكعبي، محمود سلطان، أحمد الحباسي، فتحـي قاره بيبـان، د - ‏أحمد إبراهيم خضر‏ ، سلوى المغربي، محمد يحي، فهمي شراب، حميدة الطيلوش، خبَّاب بن مروان الحمد، حسني إبراهيم عبد العظيم، د. مصطفى يوسف اللداوي، سعود السبعاني، محمود طرشوبي، فتحي الزغل، محرر "بوابتي"، عبد الغني مزوز، إسراء أبو رمان، سيد السباعي، إيمى الأشقر، جاسم الرصيف، يزيد بن الحسين، عبد العزيز كحيل، محمد اسعد بيوض التميمي، كريم فارق، د.محمد فتحي عبد العال، محمد الطرابلسي، المولدي اليوسفي، سليمان أحمد أبو ستة، أحمد النعيمي، أحمد بن عبد المحسن العساف ، صباح الموسوي ، د- محمود علي عريقات، كريم السليتي، بيلسان قيصر، د - محمد بن موسى الشريف ، مجدى داود، أ.د أحمد محمّد الدَّغَشِي ، صفاء العربي، د. أحمد محمد سليمان، د- هاني ابوالفتوح، سفيان عبد الكافي، صالح النعامي ، محمد عمر غرس الله، يحيي البوليني، الهيثم زعفان، أ.د. مصطفى رجب، المولدي الفرجاني، محمد الياسين، حسن عثمان، د - محمد بنيعيش، عبد الله الفقير، رشيد السيد أحمد، عبد الله زيدان، عمر غازي، د - عادل رضا، صلاح الحريري، محمد أحمد عزوز، منجي باكير، سلام الشماع، د- جابر قميحة، طلال قسومي، رافع القارصي، رافد العزاوي، عراق المطيري، رضا الدبّابي، علي الكاش، أبو سمية، فتحي العابد، مصطفى منيغ، د. طارق عبد الحليم، د. صلاح عودة الله ، سامح لطف الله، محمود فاروق سيد شعبان، عواطف منصور، د. خالد الطراولي ، د- محمد رحال، تونسي، أنس الشابي، أشرف إبراهيم حجاج، وائل بنجدو، عزيز العرباوي، أحمد بوادي، الهادي المثلوثي، محمد علي العقربي، ضحى عبد الرحمن، د. عادل محمد عايش الأسطل، محمد شمام ، د - صالح المازقي، د. ضرغام عبد الله الدباغ، د - شاكر الحوكي ، مراد قميزة، رمضان حينوني، عمار غيلوفي، عبد الرزاق قيراط ، حاتم الصولي، أحمد ملحم، د - الضاوي خوالدية، العادل السمعلي، خالد الجاف ، صفاء العراقي، سامر أبو رمان ، علي عبد العال، ماهر عدنان قنديل، نادية سعد، مصطفي زهران، فوزي مسعود ، حسن الطرابلسي، محمد العيادي، د. أحمد بشير، إياد محمود حسين ، رحاب اسعد بيوض التميمي، د. عبد الآله المالكي، صلاح المختار، د - مصطفى فهمي، ياسين أحمد،
أحدث الردود
ما سأقوله ليس مداخلة، إنّما هو مجرّد ملاحظة قصيرة:
جميع لغات العالم لها وظيفة واحدة هي تأمين التواصل بين مجموعة بشريّة معيّنة، إلّا اللّغة الفر...>>


مسألة الوعي الشقي ،اي الاحساس بالالم دون خلق شروط تجاوزه ،مسالة تم الإشارة إليها منذ غرامشي وتحليل الوعي الجماعي او الماهوي ،وتم الوصول الى أن الضابط ...>>

حتى اذكر ان بوش قال سندعم قنوات عربيه لتمرير رسالتنا بدل التوجه لهم بقنوات امريكيه مفضوحه كالحره مثلا...>>

هذا الكلام وهذه المفاهيم أي الحكم الشرعي وقرار ولي الأمر والمفتي، كله كلام سائب لا معنى له لأن إطاره المؤسس غير موجود
يجب إثبات أننا بتونس دول...>>


مقال ممتاز...>>

تاكيدا لمحتوى المقال الذي حذر من عمليات اسقاط مخابراتي، فقد اكد عبدالكريم العبيدي المسؤول الامني السابق اليوم في لقاء تلفزي مع قناة الزيتونة انه وقع ا...>>

بسم الله الرحمن الرحيم
كلنا من ادم وادم من تراب
عندما نزل نوح عليه السلام منالسفينه كان معه ثمانون شخصا سكنو قريه اسمها اليوم هشتا بالك...>>


استعملت العفو والتسامح في سياق انهما فعلان، والحال كما هو واضح انهما مصدران، والمقصود هو المتضمن اي الفعلين: عفا وتسامح...>>

بغرض التصدي للانقلاب، لنبحث في اتجاه اخر غير اتجاه المنقلب، ولنبدا بمسلمة وهي ان من تخلى عن مجد لم يستطع المحافظة عليه كالرجال، ليس له الحق ان يعامل ك...>>

مقال ممتاز...>>

برجاء السماح بإمكانية تحميل الكتب والمراجع...>>

جل الزعماء العرب صعدوا ،بطرق مختلفة ،تصب لصالح المخطط الانتربلوجي العسكري التوسعي الاستعماري،ساهموا في تبسيط هدم حضارة جيرانهم العربية او الاسلامية عم...>>

مقال ممتاز
لكن الاصح ان الوجود الفرنسي بتونس لم يكن استعمارا وانما احتلال، فرنسا هي التي روجت ان وجودها ببلداننا كان بهدف الاعمار والاخراج من ح...>>


الاولى : قبل تحديد مشكلة البحث، وذلك لتحديد مسار البحث المستقل عن البحوث الاخرى قبل البدء فيه .
الثانية : بعد تحديد مشكلة البحث وذلك لمعرفة الا...>>


بارك الله فيكم...>>

جانبك اصواب في ما قلت عن السيد أحمد البدوي .

اعلم أن اصوفية لا ينشدون الدنيا و ليس لهم فيها مطمع فلا تتبع المنكرين المنافقين من الوها...>>


تم ذكر ان المدخل الروحي ظهر في بداياته على يد شارلوت تويل عام ١٩٦٥ في امريكا
فضلا وتكرما احتاج تزويدي ب...>>


الدين في خدمة السياسة عوض ان يكون الامر العكس، السياسة في خدمة الدين...>>

يرجى التثبت في الأخطاء اللغوية وتصحيحها لكي لاينقص ذلك من قيمة المقال

مثل: نكتب: ليسوا أحرارا وليس: ليسوا أحرار
وغيرها ......>>


كبر في عيني مرشد الاخوان و صغر في عيني العسكر
اسال الله ان يهديك الى طريق الصواب
المنافقون في الدرك الاسفل من النار...>>


وقع تصميم الموقع وتطويره من قبل ف.م. سوفت تونس

المقالات التي تنشر في هذا الباب لا تعبر بالضرورة عن رأي صاحب موقع بوابتي, باستثناء تلك الممضاة من طرفه أومن طرف "بوابتي"

الكاتب المؤشر عليه بأنه من كتاب موقع بوابتي، هو كل من بعث إلينا مقاله مباشرة