البدايةالدليل الاقتصادي للشركات  |  دليل مواقع الويبالاتصال بنا
 
 
 
المقالات الاكثر قراءة
 
تصفح باقي الإدراجات
أحدث المقالات

في نقض الأوهام التونسية

كاتب المقال نور الدين العلوي - تونس   
 المشاهدات: 1069



حرّف الحقوقيون المهيمنون على الإدارة والأجهزة ومواقع القرار السياسي قبل الثورة النقاش الفكري بعد الثورة، فتكلم الناس فيما لا ينبغي أن يكون أو صرفوا عن النقاش الضروري، فتناسوا ما كان من أمر المجتمع، ونزعم أن هذا الملف المغلق قسرًا يقتضي الفتح والمعاجلة بنقاش واسع في صلب علوم الاجتماع بعيدًا عن شغل "ترزية" القانون المحترفين في صياغة نصوص معلقة بلا قاعدة، بل لعل جزءًا من النقاش يتجه حتمًا ضد هذه الهيمنة.

ونزعم أن هذا النقاش يبدأ من نقد عميق للمسلمات التي صيغت في دولة الاستقلال وتحولت مع الوقت إلى أيديولوجيا حاكمة تستعمل كل مفردات الخطاب التمامي أو الأصولي مانعة كل مساس بها وبالتالي بطبقة المستفيدين منها، كما نزعم أن هذا النقاش التونسي صالح وضروري في بقية الأقطار العربية خاصة التي مر منها المحتل الفرنسي منذ نابليون.

قائمة المسلمات/الأوثان التونسية
يمكن وضع قائمة لهذه الأوثان المقدسة والمحروسة بعناية من جهاز إعلامي فعال صنعته منظومة الحكم منذ الاستقلال وتوارثت أجياله مواقعها وأدوارها في الحراسة الأيديولوجية.

أولها أن بورقيبة زعيم فوق النقد ومنجزاته تبقى حتمًا خارج كل نقاش، بما يضعه في موقع نبي مؤسس لدعوة دينية لا سياسي اجتهد وأصاب وأخطأ، فإذا تم الاستسلام للثابت الأول فإن بقية المسلمات (الأوثان) تتسلسل منه، ومنها دون ترتيب دقيق:

أن النقابة جهاز مقدس وميراث ثوري لا يمكن الطعن في تاريخه ولا يمكن التعرض لمسؤوليه بالنقد ولا رفض تحركات يخوضها مهما كان المطلب المرفوع، وقد رأينا كثيرًا من التحركات يخوضها رجال التعليم مثلًا دون اقتناع بمطلبها ولا توقيتها، لكن بسبب رعب كبير يسكن كل فرد من تهمة كسر إضراب، فهو عار يظل يلاحق رافض الإضراب حتى الموت.

ومنها أن المرأة التونسية حصّلت مكاسب اجتماعية وسياسية فاقت كل نظيراتها العربيات، فهي الأولى في كل شيء (التعليم والوظيفة والإبداع، إلخ) وهذا دون إسناد بأرقام مقارنة أو دراسات كيفية معمقة.

ومنها أيضًا أن المدرسة التونسية مدرسة خلاقة وخريجوها يقتحمون العالم في كل تخصص ويثبتون قدرات خارقة ويُسند هذا دومًا بخطاب إعلامي دون دليل كمي أو نوعي.

ومنها أن الإدارة التونسية إدارة فعالة ومبنية على قواعد العلم والنجاعة، لذلك فإن المجتمع التونسي يدار بحكمة ويعيش بمنجاة من التخلف العربي السائد. وهناك أوثان أخرى يطول تعدادها على المقال.

النقابة/المرأة/المدرسة/الإدارة من منجزات الزعيم الذي لا يخطئ، لذلك لا يمكن التعرض لها بالنقد أو التقليل من نجاعتها وفعاليتها، وكل من تسول له نفسه نقد هذه الأوثان يتهم بالرجعية والتخلف ويصنف سياسيًا في "الخوانجية"، ويُدمغ بلا رحمة بمعاداة التقدم ويضاف إليه حسب الحالة تهم التخابر والخيانة الوطنية، رغم أن التيار الإسلامي (الخوانجية) وقع في نفس الوهم وردد نفس المقولات عن الأوثان البورقيبية وأعاد إنتاج نفس الخطاب تحت نفس الطرق الإعلامية جهلًا منه بما كان وخوفًا من تحمل كلفة النقد وطلب التغيير.

لقد صار إيثار السلامة أمام ماكينة الدعاية الأيديولوجية مقدمًا على محاولات النقد والتجريح والاقتراح، فتكرست الأوهام الجماعية التي كان كثيرون ينتظرون أن ترجها الثورة وتكسرها ليخرج الناس نحو مشروع جديد محكوم بإرادة جماعية لا بنبؤات شخص انتهى إلى فشل مدمر.

لو نستدعي قرامشي؟
كثيرون يستدعونه لكننا نكتشف أنهم يبررون به موقعهم المحافظ، من هم المثقفون العضويون ومنهم المثقفون المحافظون في تونس؟ لقد وجدنا أن كل من سارع إلى الحلول القانونية لمشاكل البلد بعد الثورة هو مثقف محافظ يتخذ منهج التغيير الفوقي بالنص القانوني، فينتهي عمله بتعديل الموجود دون تغييره، فينتج عن ذلك حفظ مواقع المستفيدين أو الطبقة المهيمنة، بينما انتهت كل دعوات التغير الجذري إلى الوصم بالفوضوية والطفولية وأحيانًا بالعمالة والخيانة، وأدوات الوصم هذه من صميم عمل المثقف المحافظ.

لقد كان لخطاب دعاة التغيير ووصفهم بالمثقفين العضويين بعض التأثير في سنوات الثورة الأولى، لذلك تم فرض مبدأ الميز الإيجابي في الدستور ووضع مبادئ لتفكيك المركزية السياسية عبر حكم محلي منتخب لا معين، لكنه فرض بأدوات محافظة (قانونية فوقية)، فلم يصمد أمام المحافظين الحقيقيين.

وقد تكفل الإعلاميون المحافظون (ولسخرية الأقدار ينتسبون إلى اليسار التونسي التقدمي المعادي للرجعيات الدينية المحافظة)، بترذيل فكرة الحكم المحلي وحولوا مشروع الميز الإيجابي إلى مسخرة، فعادت الطبقة المهيمنة إلى قواعدها ومكاسبها لم تخسر قطميرًا.

ونرى أن أكبر المدافعين عن مشروع إسقاط دستور 2014 (بالدعاية لمشروع الرئيس الحاليّ) هم أكثر الناس تمسكًا بالأوثان البورقيبية التي سردنا بعضها أعلاه، رغم أن المسار واضح أمامهم، فدستور الانقلاب في طريق مفتوحة لنسف المسلمات (الأوثان) وترذيل الزعيم النبي نفسه، إلا أن يكون هناك بنود سرية في مشروع الدستور الذي يخفيه الرئيس في مكتبه غيرة عليه من النقد قبل الاستفتاء عليه.

المحافظون تفطنوا إلى احتمالات التغير المحمولة بالثورة، فاستعملوا وسائل القانون فاستعادوا مكانتهم (دولتهم وزعيمهم وأوثانهم المقدسة)، التقدميون وهم ليسوا اليسار التونسي حتمًا (الشبيحة غير محسوبين في أي خريطة أرسمها) أخطأوا الوسيلة فوقعوا تحت أخطبوط المشرعين، فتاهوا عن مطالبهم بل تبنى كثير منهم أوهام الزعيم فلم يخرج من جلبابه.

ولا نحتاج أن نستدرك هنا لكننا نوضح ليس لهذه الأوثان من قوة إقناع فعلية، بل إن قوتها من قوة المستفيدين من الترويج لها واستعمالها ككل خطاب أيديولوجي مغالطي يبرر به المهيمنون وجودهم ويحفظون به مصالحهم ضد كل تغيير.

هل فشلت الثورة؟
السؤال موجع لكن اللحظة تحتاج طرحه لتجد عناصر الإجابة بلا قبل نعم، لقد منع حكم بورقيبة بن علي كل احتمال تشكل وعي نقدي ضد الأوثان المزعومة، بل إن معارضيهم (عبدوا هذه الأوثان أكثر منهما وزايدوا بها عليهما) وربما لذلك لم يفلحوا في إسقاطهما، لذلك أيضا جاءت الثورة من خارج تلك المعارضات (التي لم تكن إلا صيغًا أخرى من الحكم)، ولهذا السبب لم تظهر معارضة ذات مشروع نقدي يقدم اقتراحات تغيير، بل معارضة تمسح على شعر المنظومة وتسترضيها لتجد معها مكانًا داخل نفس الأوهام المؤسسة.

حتى الآن سمحت الثورة بمثل هذا المقال الذي يزعم النقد وهذا نجاح، لكن لنلاحظ بدقة تدخلات المنظومة المحافظة (وعصاها اليسارية الرجعية فعلًا وقولًا) لقصقصة أجنحة الحرية التي هي الترياق الوحيد لعلاج جسم أمرضته عبادة أوثان مزيفة.

سنقول إن الثورة ناجحة ما دمنا نملك حق الكتابة ضد المنظومة ونعمل على هدم أوثان البورقيبية التي كان صاحبها أول الكافرين بها، فهو الوحيد منذ وضع مجلة الأحوال الشخصية الذي طلق زوجته خارج المحكمة، نسيت أن أقول إن زوجته الماجدة عنوان تميز المرأة التونسية التقدمية كانت تتجسس عليه من غرفة نومه لصالح نظام القذافي، وقد أثبت مؤرخو الأوهام ذلك بعد زوال الخطر.


 اضغط على الكلمات المفتاحية التالية، للإطلاع على المقالات الأخرى المتعلقة:

إنقلاب قيس سعيد، تونس، الإنقلاب في تونس، اتحاد الشغل، فرنسا، اليسار،

 





تاريخ نشر المقال بموقع بوابتي 3-07-2022   المصدر: نون بوست

تقاسم المقال مع اصدقائك، أو ضعه على موقعك
لوضع رابط لهذا المقال على موقعك أو بمنتدى، قم بنسخ محتوى الحقل الذي بالأسفل، ثم ألصقه
رابط المقال

 
لإعلام أحدهم بهذا المقال، قم بإدخال بريده الإلكتروني و اسمك، ثم اضغط للإرسال
البريد الإلكتروني
اسمك

شارك برأيك
لوحة مفاتيح عربية بوابتي
     
*    الإسم
لن يقع إظهاره للعموم
     البريد الإلكتروني
  عنوان المداخلة
*

   المداخلة

*    حقول واجبة الإدخال
 
كم يبلغ مجموع العددين؟
العدد الثاني
العدد الأول
 * أدخل مجموع العددين
 
 
 
أكثر الكتّاب نشرا بموقع بوابتي
اضغط على اسم الكاتب للإطلاع على مقالاته
فهمي شراب، رشيد السيد أحمد، سلام الشماع، أ.د أحمد محمّد الدَّغَشِي ، عمار غيلوفي، محمد الياسين، عراق المطيري، محمود فاروق سيد شعبان، مصطفى منيغ، د - مصطفى فهمي، د - عادل رضا، محمد العيادي، سلوى المغربي، د - محمد بن موسى الشريف ، مجدى داود، عواطف منصور، خالد الجاف ، سامر أبو رمان ، د- محمود علي عريقات، رافد العزاوي، ماهر عدنان قنديل، د.محمد فتحي عبد العال، محمود طرشوبي، بيلسان قيصر، صلاح المختار، إسراء أبو رمان، الناصر الرقيق، د. عبد الآله المالكي، عبد الرزاق قيراط ، أحمد ملحم، يحيي البوليني، خبَّاب بن مروان الحمد، أشرف إبراهيم حجاج، محمد شمام ، محمد اسعد بيوض التميمي، كريم السليتي، د. صلاح عودة الله ، سليمان أحمد أبو ستة، عبد الغني مزوز، د. أحمد بشير، عبد الله زيدان، د. مصطفى يوسف اللداوي، طلال قسومي، حميدة الطيلوش، رافع القارصي، المولدي اليوسفي، د - محمد بنيعيش، جاسم الرصيف، د - المنجي الكعبي، د- هاني ابوالفتوح، عبد الله الفقير، أحمد بن عبد المحسن العساف ، أحمد بوادي، رضا الدبّابي، فتحي الزغل، د. كاظم عبد الحسين عباس ، محمد عمر غرس الله، صباح الموسوي ، مصطفي زهران، سعود السبعاني، صفاء العربي، د- جابر قميحة، د. خالد الطراولي ، أحمد النعيمي، المولدي الفرجاني، د. أحمد محمد سليمان، علي عبد العال، مراد قميزة، علي الكاش، حسن عثمان، تونسي، صالح النعامي ، ضحى عبد الرحمن، منجي باكير، محمد الطرابلسي، محرر "بوابتي"، د. عادل محمد عايش الأسطل، أبو سمية، د - صالح المازقي، محمود سلطان، د - الضاوي خوالدية، فتحي العابد، أحمد الحباسي، رحاب اسعد بيوض التميمي، إيمى الأشقر، د. طارق عبد الحليم، رمضان حينوني، حسن الطرابلسي، د. ضرغام عبد الله الدباغ، صلاح الحريري، العادل السمعلي، الهيثم زعفان، إياد محمود حسين ، أنس الشابي، عبد العزيز كحيل، سامح لطف الله، وائل بنجدو، فوزي مسعود ، نادية سعد، د- محمد رحال، د - ‏أحمد إبراهيم خضر‏ ، سيد السباعي، سفيان عبد الكافي، أ.د. مصطفى رجب، محمد أحمد عزوز، صفاء العراقي، طارق خفاجي، حسني إبراهيم عبد العظيم، حاتم الصولي، يزيد بن الحسين، عمر غازي، محمد يحي، محمد علي العقربي، كريم فارق، ياسين أحمد، عزيز العرباوي، فتحـي قاره بيبـان، الهادي المثلوثي، د - شاكر الحوكي ،
أحدث الردود
ما سأقوله ليس مداخلة، إنّما هو مجرّد ملاحظة قصيرة:
جميع لغات العالم لها وظيفة واحدة هي تأمين التواصل بين مجموعة بشريّة معيّنة، إلّا اللّغة الفر...>>


مسألة الوعي الشقي ،اي الاحساس بالالم دون خلق شروط تجاوزه ،مسالة تم الإشارة إليها منذ غرامشي وتحليل الوعي الجماعي او الماهوي ،وتم الوصول الى أن الضابط ...>>

حتى اذكر ان بوش قال سندعم قنوات عربيه لتمرير رسالتنا بدل التوجه لهم بقنوات امريكيه مفضوحه كالحره مثلا...>>

هذا الكلام وهذه المفاهيم أي الحكم الشرعي وقرار ولي الأمر والمفتي، كله كلام سائب لا معنى له لأن إطاره المؤسس غير موجود
يجب إثبات أننا بتونس دول...>>


مقال ممتاز...>>

تاكيدا لمحتوى المقال الذي حذر من عمليات اسقاط مخابراتي، فقد اكد عبدالكريم العبيدي المسؤول الامني السابق اليوم في لقاء تلفزي مع قناة الزيتونة انه وقع ا...>>

بسم الله الرحمن الرحيم
كلنا من ادم وادم من تراب
عندما نزل نوح عليه السلام منالسفينه كان معه ثمانون شخصا سكنو قريه اسمها اليوم هشتا بالك...>>


استعملت العفو والتسامح في سياق انهما فعلان، والحال كما هو واضح انهما مصدران، والمقصود هو المتضمن اي الفعلين: عفا وتسامح...>>

بغرض التصدي للانقلاب، لنبحث في اتجاه اخر غير اتجاه المنقلب، ولنبدا بمسلمة وهي ان من تخلى عن مجد لم يستطع المحافظة عليه كالرجال، ليس له الحق ان يعامل ك...>>

مقال ممتاز...>>

برجاء السماح بإمكانية تحميل الكتب والمراجع...>>

جل الزعماء العرب صعدوا ،بطرق مختلفة ،تصب لصالح المخطط الانتربلوجي العسكري التوسعي الاستعماري،ساهموا في تبسيط هدم حضارة جيرانهم العربية او الاسلامية عم...>>

مقال ممتاز
لكن الاصح ان الوجود الفرنسي بتونس لم يكن استعمارا وانما احتلال، فرنسا هي التي روجت ان وجودها ببلداننا كان بهدف الاعمار والاخراج من ح...>>


الاولى : قبل تحديد مشكلة البحث، وذلك لتحديد مسار البحث المستقل عن البحوث الاخرى قبل البدء فيه .
الثانية : بعد تحديد مشكلة البحث وذلك لمعرفة الا...>>


بارك الله فيكم...>>

جانبك اصواب في ما قلت عن السيد أحمد البدوي .

اعلم أن اصوفية لا ينشدون الدنيا و ليس لهم فيها مطمع فلا تتبع المنكرين المنافقين من الوها...>>


تم ذكر ان المدخل الروحي ظهر في بداياته على يد شارلوت تويل عام ١٩٦٥ في امريكا
فضلا وتكرما احتاج تزويدي ب...>>


الدين في خدمة السياسة عوض ان يكون الامر العكس، السياسة في خدمة الدين...>>

يرجى التثبت في الأخطاء اللغوية وتصحيحها لكي لاينقص ذلك من قيمة المقال

مثل: نكتب: ليسوا أحرارا وليس: ليسوا أحرار
وغيرها ......>>


كبر في عيني مرشد الاخوان و صغر في عيني العسكر
اسال الله ان يهديك الى طريق الصواب
المنافقون في الدرك الاسفل من النار...>>


وقع تصميم الموقع وتطويره من قبل ف.م. سوفت تونس

المقالات التي تنشر في هذا الباب لا تعبر بالضرورة عن رأي صاحب موقع بوابتي, باستثناء تلك الممضاة من طرفه أومن طرف "بوابتي"

الكاتب المؤشر عليه بأنه من كتاب موقع بوابتي، هو كل من بعث إلينا مقاله مباشرة