يسمح بالنقل، بشرط ذكر موقع "بوابتي" مصدر المقال، ويفضّل أن يكون ذلك في شكل رابط
الخروج من "الوظيفيّة" عملية صعبة، وتتطلب شجاعة سياسية لا تتوفّر إلا قليلا، لأنّها لو توفرت لحَمَتْ صاحبها من الوظيفيّة.
لكن مغادرة الوظيفيّة ليست مستحيلة. وتُصبح ضرورة، عند الوظيفي، عندما يشتدّ الفرز وينذر ببلوغ مداه (انقلاب/ديمقراطية) ويكون المرور إلى ابتداع العناوين والخلاصات السياسية المناسبة (جبهة خلاص مثلا..) المعبرة عن مراحل متقدمة من المواجهة.
والخطوة الأولى للخروج من الوظيفيّة غالبا ما تكون بالمزايدة على الجهد المبذول وخلاصاته السياسية بدل المراكمة عليه دعما ونقدا وتسديدا. فيكون المقترَح صورةً مطابقة للسائد من جهة السقف السياسي والهدف (إسقاط الانقلاب). وهي مطابقةٌ لا يحجبها التصرف في صفة الإطار السياسي (خلاص، وطنية، ديمقراطية).
لحظة المزايدة هي في حكم المنزلة بين المنزلتين بين الانقلاب والشارع الديمقراطي. وتكون هذا المنزلة أشدّ إحراجًا عندما يكون من هو فيها "داخل لسوق الزعامة بلا شروطها". والتزعّم طموح مشروع، ولكنه لا يتحقق خارج شروط موضوعية تكون الرغبة الفردية من بينها ولكنها لاتكفي وحدها لتحقيقه.
هذه المنزلة بين المنزلتين والعجز عن الخروج من الوظيفيّة رغم الالتحاق بمواجهة الانقلاب تغري بتسمية هؤلاء المترددين والمزايدين بـ"مخانيث الحراك المواطني والشارع الديمقراطي". وليس في التسمية منحى تهجينيا، بقدرما هي محاولة لرصد حالة تردّد ولحظة انتقال يجب ألاّ تصبح مستقرا وقاعدة تبنى عليها المواقف السياسية.
وكما أنّه لهؤلاء مطلق الحرية في اختيار السقوف التي يريدون، فإنّ من انخرط في مناهضة الانقلاب لا يمكن أن ينزل تحت سقف استكمال إسقاط الانقلاب وإعداد البديل الديمقراطي بمرجعيّة الدستور والديمقراطية، وإلاّ بقي تحت سقف 25 وإن توّهم مغادرته.
وإنّ من دعا إلى عنوان مدعوّ إلى المضيّ فيه، فمن شأن الممارسة أن تُفصح عن الهدف السياسي وترسم سقفه. وهذا معنى "إذا اختلفنا فلنمارس": جملة تصلح لسياسة الاختلاف داخل الجسم السياسي الواحد وبين الأجسام السياسية المختلفة. فالممارسة تُخرجنا من المزايدة اللفظية إلى الفعل. والمرجو "إضافة عمودية"، أمّا "الإضافة الأفقية" بما هي مجاورة بين المتطابقات فإنها لا ترتقي إلى أن تكون"خبرا".
وفي كلّ الأحوال فإنّ خصوصية المرحلة واتجاه الفرز إلى الجذريّة لن يسعفا حالة التردّد التي عليها البعض، فبين الانقلاب والشارع الديمقراطي مساحة سياسية في انحسار سريع ستختفي مع لحظة الحسم (في أيّ اتجاه كان هذا الحسم). فلْيَخْتر كلٌّ موقعه.
———
(*) قياسا على عبارة "مخانيث الخوارج" تسمية أسندت إلى أهل الاعتزال من قبل خصومهم فسمّوهم المعطّلة، والقدرية، والجهمية، والمثنوية، و"مخانيث الخوارج" (في اختلافهم عن الخوارج في موضوع مرتكب الكبيرة). بل إنّ عبارة "معتزلة" هي بدورها تسمية الخصوم، قبل أن تكتسب دلالة جديدة رسمها عطاؤهم الفكري والكلامي.
اضغط على الكلمات المفتاحية التالية، للإطلاع على المقالات الأخرى المتعلقة: