البدايةالدليل الاقتصادي للشركات  |  دليل مواقع الويبالاتصال بنا
 
 
 
المقالات الاكثر قراءة
 
تصفح باقي الإدراجات
أحدث المقالات

تونس: السفارات لا تقدم حلولا وطنية

كاتب المقال نور الدين العلوي - تونس   
 المشاهدات: 634



قالت العرب ما حكّ جلد الإنسان مثل ظفره، وقالت الديمقراطية لا يمكن بناء نظام سياسي ديمقراطي بالاستقواء بقوى خارجية؛ ونستذكر هذه القواعد البسيطة في أجواء من توهُّم معجزة سياسية، ينتظر كثيرون في تونس أن يحققها وفد البرلمان الأوروبي الذي زار تونس وتحدّثَ مع الفاعلين السياسيين.

لقد سبقت الزيارة أحاديث كثيرة عن تعاطف السفارات مع الشعب التونسي الذي تعرض لخديعة كبيرة بانتخابه قيس سعيّد، ونستذكر لنذكر أن انتظار فائدة من تدخل هذه القوى وهم كبير، لا يبني الديمقراطية ولا يحفظ سيادة الأوطان.

نذكر ولا نزايد لنبرز عنصرًا هامًّا في العمل السياسي المستقبلي، وهو البدء من الاعتماد على الذات مهما طالت الطريق، والتحلي بالشجاعة الكافية لإسقاط أوهام قديمة ساهمت في خداع الثورة وأنصارها، ومنها وهم النقابة حامية الفقراء.

إعادة ترتيب ورق اللعب
لم تكن السفارات بريئة من كارثة 25 يوليو/ تموز، كان هذا واضحًا قبل الكارثة وبعدها، فحركة السفراء بين مراكز القرار السياسي في الداخل كانت دؤوبة، وخاصة منها حركة السفير الفرنسي، غير أن إلقاء المسؤولية على السفارات هو هروب جبان من مواجهة حقائق بسيطة وباهرة في وضوحها، حيث أسباب الخراب كامنة في الداخل وما السفارات إلا محرّض يبتغي مصالح بلدانه.

لقد كشف لنا الانقلاب من يقف مع الديمقراطية ومن يقف ضدها، لذلك إن إعادة ترتيب الوضع تقتضي الانطلاق من نتائج هذا الفرز العميق، أي صفّ ديمقراطي واضح مهما قلّ عدده، ضد صفّ لم يؤمن يومًا بالعيش المشترك وظلَّ استئصاليًّا يتحيّن، وأية محاولة للقفز فوق هذه الحقيقة أو تمويهها بدعوى تقوية الصفوف حتى إسقاط الانقلاب، هي خديعة يمارسها الديمقراطيون على أنفسهم.

أظن أنه من المناسب الرضا بالعيش تحت دكتاتورية عارية، أفضل من توهُّم العيش تحت ديمقراطية مغشوشة بموافقات وطنية كاذبة، وهو ما جرى منذ الثورة باسم أخوة وطنية لم تقُم أبدًا.

لقد تركت سنوات الثورة العشر أثرًا عظيمًا في نفوس كثيرة، فالحرية روح نراها سرت في كثير ولا نظن أنه يمكن للناس أن تضحّي بها ثانية مهما كانت التهديدات، وعلى هذا يمكن البناء للمستقبل دون حاجة إلى الاستعانة بالسفراء.

قد تبدو هذه مثاليات نخبوية، فالناس تحتاج الخبز لا الحرية، والمرور بالسفارات قد يوفِّر هذا الخبز، نعم، ولكن المرور بالسفارات هو عملية رهن للحرية في الداخل والخارج بمقابل زهيد، وفي هذا الفرز وجب أن نبرز معطى مهمًّا وهو معطى بنائي.

الذين يتحدثون عن حاجة الفقراء للخبز ويظهرون الشفقة على المساكين، وفي مقدمتهم النقابة، هم من منعَ الفقراء من التمتُّع بنتائج الثورة، وهم من صنعَ الانقلاب، لذلك تصبح جملة الخبز مقدَّم على الحرية جملة كاذبة يبرر بها أعداء الديمقراطية مواقعهم ومواقفهم، وهؤلاء أولى بالحسم فلا يضع العاقل يده بأيديهم، حيث الفرز وضعَ البلد أمام نقطة تأسيس جديدة، لا يمكن ترميم ما خرّب الانقلاب إلا بالقطيعة الشجاعة مع مكوناته.

إعادة التأسيس أو التخلي
هناك ازدواجية لا تزال تشق مواقف الكثيرين من مناهضي الانقلاب، أهم وجوهها الخروج ضد الانقلاب والدفاع في الوقت ذاته عن أهم سند له، وأعني النقابة، حيث هذه الازدواجية في هذه اللحظة تكشف خللًا في التفكير والتخطيط.

كل المؤشرات التي تمرُّ أمام كل بصير، تدلّ على أن النقابة صنعت الانقلاب وحمته ومنحته الوقت الكافي ليستقرَّ، وهي تفرض نفسها الآن كشريك أساسي لقطف نتيجته في سلّتها.

شرط نجاح الترتيبات ما بعد الانقلاب هي الحسم مع النقابة، وعدم الإنصات لنصائح السفراء الذين يمرّون بالنقابة قبل الحديث مع الطيف الديمقراطي المعارض، حيث توجد كذبة كبيرة في تونس اسمها الاتحاد العام التونسي للشغل.

حديث الحوار الوطني وخاصة بشروط النقابة هو نقل عاهة السنوات العشر إلى المستقبل (ولن نملّ من تكرار هذه الحقيقة الصادمة)، فمستقبل الديمقراطية في تونس لا يمرّ بمكاتب النقابة، ومن لم يبنِ على هذه الحقيقة لن يذهب بعيدًا في إعادة التأسيس.

لا أتحدث هنا عن العمل النقابي كخطيئة، بل إني أراه حقًّا بل ضرورة، لكن العمل النقابي ليس ملكًا حصريًّا للنقابة القائمة الآن، هنا بوابة تأسيس تقتضي لحظة وعي عالية تُخرج كل الطيف الديمقراطي من كذبة تاريخ النقابة الشريفة.

بإسقاط وهم النقابة سيسقط أيضًا وهم ثورية اليسار التونسي، فهذه أيضًا كذبة تونسية فضحها الانقلاب، ولا نرى سياسيًّا عاقلًا يبني خطة أو يسير مسيرة مع هذا اليسار.

التأسيس الثاني يتمّ دون هؤلاء، ولو كانت الطريق نحو الديمقراطية طويلة ومضنية، وهي كذلك فعلًا، لكن العناء الذي تكبّده الديمقراطيون منذ الثورة نتيجة توهُّمهم أن النقابة ويسارها في صف الديمقراطية، أكبر من عناء تجاوزهما واعتبارهما بلا وزن حقيقي.

خطة السفراء ليست خطة وطنية
جاء نواب البرلمان الأوروبي، ونظنُّ يقينًا رغم التحفظ على المعلومات أنهم رسموا خارطة طريق بديلة لخارطة الرئيس، لكن دون إلغاء الرئيس، وستتضح الخطة بعد أن يشبع الفرقاء من اتهام بعضهم بالخيانة ويبدأون تبريرات تطبيق الخطة.

في هذه الخطة النقابة عنصر أساسي وطبقة رأس المال لا تضارّ في أرزاقها، بمعنى أن خطة مقاومة الفساد وُضعت على الرف، ومراجعة صفقات النفط التي عقدها الانقلاب مع فرنسا ليست في وارد المراجعة، مع جرعة حريات موزونة بالقسطاس.

لا بأس من مواصلة النقاشات الحرة حول حق الإسلاميين في الحياة، وهل هم بشر فعلًا، وهذه نقاشات يتقن اليسار إثارتها بمقابل، والنتيجة ألّا تصل نتائج فوضى تونس على الضفة الأخرى.

هل هذا هو المبتغى من الثورة ومن معارضة الانقلاب؟ كل الذين أملوا خيرًا من السفارات سيكتشفون الحقيقة التالية: السفارات تحمي بلدانها ولا تعمل على تأسيس ديمقراطية في بلد بلا وزن. هنا وجب أن يحكَّ المرء جلده بظفره.

بناء تجربة ديمقراطية لا يمكن أن يمرَّ بسفارات دول، بعضها لا يرى البلد إلا كمنتجع سياحي يوفّر الشمس والرمل والمتعة الجنسية.


 اضغط على الكلمات المفتاحية التالية، للإطلاع على المقالات الأخرى المتعلقة:

إنقلاب قيس سعيد، تونس، الإنقلاب في تونس، الثورة المضادة،

 





تاريخ نشر المقال بموقع بوابتي 15-04-2022   المصدر: نون بوست

تقاسم المقال مع اصدقائك، أو ضعه على موقعك
لوضع رابط لهذا المقال على موقعك أو بمنتدى، قم بنسخ محتوى الحقل الذي بالأسفل، ثم ألصقه
رابط المقال

 
لإعلام أحدهم بهذا المقال، قم بإدخال بريده الإلكتروني و اسمك، ثم اضغط للإرسال
البريد الإلكتروني
اسمك

شارك برأيك
لوحة مفاتيح عربية بوابتي
     
*    الإسم
لن يقع إظهاره للعموم
     البريد الإلكتروني
  عنوان المداخلة
*

   المداخلة

*    حقول واجبة الإدخال
 
كم يبلغ مجموع العددين؟
العدد الثاني
العدد الأول
 * أدخل مجموع العددين
 
 
 
أكثر الكتّاب نشرا بموقع بوابتي
اضغط على اسم الكاتب للإطلاع على مقالاته
د - مصطفى فهمي، سامر أبو رمان ، د - صالح المازقي، سليمان أحمد أبو ستة، أبو سمية، العادل السمعلي، د - شاكر الحوكي ، محمود طرشوبي، إيمى الأشقر، أحمد بوادي، أحمد ملحم، فهمي شراب، يزيد بن الحسين، سيد السباعي، صفاء العربي، صفاء العراقي، د. عبد الآله المالكي، فتحـي قاره بيبـان، د. كاظم عبد الحسين عباس ، رضا الدبّابي، الناصر الرقيق، أحمد الحباسي، أشرف إبراهيم حجاج، رافد العزاوي، سلام الشماع، أ.د. مصطفى رجب، كريم فارق، طلال قسومي، محمد اسعد بيوض التميمي، د. ضرغام عبد الله الدباغ، د - المنجي الكعبي، عمر غازي، يحيي البوليني، سامح لطف الله، حسني إبراهيم عبد العظيم، خالد الجاف ، د - محمد بن موسى الشريف ، ياسين أحمد، سفيان عبد الكافي، د- جابر قميحة، تونسي، عبد الله زيدان، وائل بنجدو، أ.د أحمد محمّد الدَّغَشِي ، عزيز العرباوي، د - محمد بنيعيش، محمد العيادي، محمود فاروق سيد شعبان، جاسم الرصيف، محمد أحمد عزوز، د. مصطفى يوسف اللداوي، أحمد النعيمي، محمد الياسين، كريم السليتي، حميدة الطيلوش، رشيد السيد أحمد، ماهر عدنان قنديل، د - ‏أحمد إبراهيم خضر‏ ، د. أحمد بشير، حسن عثمان، مصطفي زهران، عمار غيلوفي، صلاح الحريري، ضحى عبد الرحمن، محمود سلطان، مراد قميزة، إسراء أبو رمان، سعود السبعاني، د. خالد الطراولي ، حسن الطرابلسي، فتحي العابد، د. صلاح عودة الله ، د. أحمد محمد سليمان، د - الضاوي خوالدية، د- محمد رحال، عبد الغني مزوز، أحمد بن عبد المحسن العساف ، محرر "بوابتي"، المولدي الفرجاني، صباح الموسوي ، الهادي المثلوثي، رحاب اسعد بيوض التميمي، مجدى داود، فتحي الزغل، د.محمد فتحي عبد العال، صلاح المختار، أنس الشابي، رافع القارصي، د- محمود علي عريقات، عراق المطيري، د. عادل محمد عايش الأسطل، حاتم الصولي، محمد عمر غرس الله، د- هاني ابوالفتوح، إياد محمود حسين ، محمد شمام ، عبد الله الفقير، محمد يحي، علي عبد العال، الهيثم زعفان، نادية سعد، خبَّاب بن مروان الحمد، د - عادل رضا، منجي باكير، صالح النعامي ، مصطفى منيغ، عواطف منصور، علي الكاش، محمد الطرابلسي، فوزي مسعود ، د. طارق عبد الحليم، عبد الرزاق قيراط ، رمضان حينوني، سلوى المغربي،
أحدث الردود
مسألة الوعي الشقي ،اي الاحساس بالالم دون خلق شروط تجاوزه ،مسالة تم الإشارة إليها منذ غرامشي وتحليل الوعي الجماعي او الماهوي ،وتم الوصول الى أن الضابط ...>>

حتى اذكر ان بوش قال سندعم قنوات عربيه لتمرير رسالتنا بدل التوجه لهم بقنوات امريكيه مفضوحه كالحره مثلا...>>

هذا الكلام وهذه المفاهيم أي الحكم الشرعي وقرار ولي الأمر والمفتي، كله كلام سائب لا معنى له لأن إطاره المؤسس غير موجود
يجب إثبات أننا بتونس دول...>>


مقال ممتاز...>>

تاكيدا لمحتوى المقال الذي حذر من عمليات اسقاط مخابراتي، فقد اكد عبدالكريم العبيدي المسؤول الامني السابق اليوم في لقاء تلفزي مع قناة الزيتونة انه وقع ا...>>

بسم الله الرحمن الرحيم
كلنا من ادم وادم من تراب
عندما نزل نوح عليه السلام منالسفينه كان معه ثمانون شخصا سكنو قريه اسمها اليوم هشتا بالك...>>


استعملت العفو والتسامح في سياق انهما فعلان، والحال كما هو واضح انهما مصدران، والمقصود هو المتضمن اي الفعلين: عفا وتسامح...>>

بغرض التصدي للانقلاب، لنبحث في اتجاه اخر غير اتجاه المنقلب، ولنبدا بمسلمة وهي ان من تخلى عن مجد لم يستطع المحافظة عليه كالرجال، ليس له الحق ان يعامل ك...>>

مقال ممتاز...>>

برجاء السماح بإمكانية تحميل الكتب والمراجع...>>

جل الزعماء العرب صعدوا ،بطرق مختلفة ،تصب لصالح المخطط الانتربلوجي العسكري التوسعي الاستعماري،ساهموا في تبسيط هدم حضارة جيرانهم العربية او الاسلامية عم...>>

مقال ممتاز
لكن الاصح ان الوجود الفرنسي بتونس لم يكن استعمارا وانما احتلال، فرنسا هي التي روجت ان وجودها ببلداننا كان بهدف الاعمار والاخراج من ح...>>


الاولى : قبل تحديد مشكلة البحث، وذلك لتحديد مسار البحث المستقل عن البحوث الاخرى قبل البدء فيه .
الثانية : بعد تحديد مشكلة البحث وذلك لمعرفة الا...>>


بارك الله فيكم...>>

جانبك اصواب في ما قلت عن السيد أحمد البدوي .

اعلم أن اصوفية لا ينشدون الدنيا و ليس لهم فيها مطمع فلا تتبع المنكرين المنافقين من الوها...>>


تم ذكر ان المدخل الروحي ظهر في بداياته على يد شارلوت تويل عام ١٩٦٥ في امريكا
فضلا وتكرما احتاج تزويدي ب...>>


الدين في خدمة السياسة عوض ان يكون الامر العكس، السياسة في خدمة الدين...>>

يرجى التثبت في الأخطاء اللغوية وتصحيحها لكي لاينقص ذلك من قيمة المقال

مثل: نكتب: ليسوا أحرارا وليس: ليسوا أحرار
وغيرها ......>>


كبر في عيني مرشد الاخوان و صغر في عيني العسكر
اسال الله ان يهديك الى طريق الصواب
المنافقون في الدرك الاسفل من النار...>>


It is important that issues are addressed in a clear and open manner, because it is necessary to understand the necessary information and to properly ...>>

وقع تصميم الموقع وتطويره من قبل ف.م. سوفت تونس

المقالات التي تنشر في هذا الباب لا تعبر بالضرورة عن رأي صاحب موقع بوابتي, باستثناء تلك الممضاة من طرفه أومن طرف "بوابتي"

الكاتب المؤشر عليه بأنه من كتاب موقع بوابتي، هو كل من بعث إلينا مقاله مباشرة