البدايةالدليل الاقتصادي للشركات  |  دليل مواقع الويبمقالات رأي وبحوثالاتصال بنا
 
 
   
  الأكثر قراءة   المقالات الأقدم    
 
 
 
 
تصفح باقي إدراجات الثورة التونسية
مقالات الثورة التونسية

ثورة بلدي... قشّةٌ في بحر

كاتب المقال فتحي الزغل - تونس    من كتـــــّاب موقع بوّابــتي
 المشاهدات: 6941


 يسمح بالنقل، بشرط ذكر موقع "بوابتي" مصدر المقال، ويفضّل أن يكون ذلك في شكل رابط


عندما أفتح خريطة العالم على بلدي تونس، وأنظُرُ إلى أطرافها القريبة والبعيدة، يتبادر إلى ذهني حقيقة أعتبرها نعمة الله على هذا البلد، هي بُعدُها عن بؤرة منطقة الشرق الأوسط. كما يتبادر إلى ذهني كذلك حقيقة ثانية أو نعمة ثانية و هي عدم امتلاكها موارد طبيعية و جيولوجية في رقعتها الصغيرة، أكانت تلك الموارد نفطا أو غازا أو معدنا أو حتى ماءا. ويمكن لصاحب قراءة سطحيّةٍ أن يتحسّر على ذلك البُعدِ عن العرب العاربة، أو أن يتحسّر على ذلك الشّحّ الطّبيعي، إلّا أنّني أحمد الله كثيرا كلّما استّحضرتُ كلّ هاته النقائص، إذا جاز لي تسميتها كذلك، كما أنّي أشكُرُه عليها كثّيرا. فهي في نظري مَكرُمتين حبانا بهما دون غيرنا من البلدان و الشّعوب، ولعلّها سبب عدم نضوب وقود محرّك ثورتنا المُنهَك.

فنظرة واحدة بسيطةٌ على غير تونس من دولِ الربيع العربي و الثّورات الشّعبية على طواغيتها، تجعل ممّا سأبيِّنُه حقيقةً لا ريب فيها.... فحالُ تلك الدّول و تلكمُ الشعوبُ متراوحٌ في هذه الفترة من مخاضها بين منزلتين، أفضلُهما فوضى وعدم استقرارٍ، وأقبحُهما ارتدادُ ثورتهم إلى ما كان عليه الحال قبل خلع طواغيتهم. و بينهما المنزِلةُ التي تعيشُها الشقيقة سوريا التي أعتقد أن ثورة شعبِها ستخسر جولاتٍ و جولاتٍ إذا ما اعتمدت على خيارات التدويل.

ففي ليبيا، يصارع الشعبُ هناك منذ تخلّصَ من طاغيته لبسط شرعيّة الدّولة على أرضه. و في اليمن يُصارعُ الشعب لتحقيق الهدف الأوّل من ثورته، و هو إبعاد الدكتاتور و عائلته و بطانته من مركز القرار في بلدهم. أمّا في مصر الجريحة فقد رجعت السّاعةُ إلى ما قبل يوم 25 يناير، كما يُسمُّون يوم خلعهم طاغيتهم، بل تدلُّ كلّ الأحداث هناك على أنّها عادت إلى حالة أشدُّ رداءةً، و وضعيّة أكثر خنقا من تلك الحالة التي ثار عليها الشّعبُ في ذلك التاريخ. فقد استولت على السلّطة هناك قيادات جاهلةُ ، تلبَس جلابيب العسكر، فرح الصهاينةُ بها و لها كثيرا، و غضب الوطنيون منها و عليها أكثر، فافتكّوها باغتصاب واضحٍ من الذين اختارهم الشعب بانتخابات نزيهةٍ، لم تشهد نزاهتها منذ عهد الفراعنة، بتواطؤ فاضحٍ من الخاسرين فيها، مع فلول نظام مبارك، مع شيوخ دين البلاط، مع إعلاميّي العار لديهم.

و لعلّ حضور تلك النعمتين أو على الأقلّ إحداها في تلك الدّول، هو الذي أخّر ظهور بوادر نجاحٍ ملموسة إلى حدّ اليوم، بل يمكن أن يكون ذاك الحضور وراء طفح إرهاصات الثورة المضادة إلى سطح الأحداث فيها. الأمر الذي يمكن مقارنته بخطوات قد تُحسَبُ في خانة النجاح - رغم بطئها و ثقلها و هزلها- في الثورة التونسية و في مسار انتقالها الديمقراطي.

فمواقع تلك البلدان، أو ما تحمله في بطنها من موارد استراتيجية، عاملان جعلا من التدخل الأجنبي المُتنفّذِ فيها، أكثر صراحةً وأشدّ تأثيرا. فالدول الكبرى لها مطامعُ و مصالحُ لا يقارنها ساساتها بمثاليّات دعم قيمة الحرّيّة في هذا البلد مثلا، أو تشجيع اعتناق قيمة الديمقراطية في ذلك البلد. فهم أبعد ما يكون عن القيم الإنسانيّة أصلا في سياساتهم. وهم منذ نشأة دُوَلِهم، يُكرِّسون في ممارستهم السياسيّة الدّوليّة، مبادئ أخرى تبدأ بالجشع وتنتهي بالأنانية. وعليه و بحسب منطقهم الميكيافيلّي هذا و الذي أدعو البشريّة إلى خلعه من عقولها و التفكير في بديلٍ له، أعتقد جازما أنّه سيكون أقرب تموضعا من قيم الدين الإسلاميّ الواضحة، فإنّ وجودَ حاكمٍ مستبدٍّ في هذه البلدان، بعائلة ماجنةٍ، و أزلام فاسقين، يحكمُ شعبه بقبضة من حديد فيها، بتمرّدٍ واضح على تلك القيم، أفضل لتلك القوى الامبريالية الاستعماريّة المنافقة، من أن يتولّى الشعب فيها نفسه. إذا كان ذلك الحاكم يُحقّقُ شرطًا واحدا فقط ، هو أن يكون ذلك الحاكم عميلا لهم، بكلّ ما تحملُه الكلمة من أوجه نتاجات العمالة. عمالةٌ تبدأ بتركهم لهم يستبيحون خيرات و موارد بلاده الطبيعيّة و الإستراتيجيّة، و تنتهي بتنفيذ الإستراتيجيات بعيدة المدى لتلك القوى المتنفّذة، و هي أساسا، أو في مقدّمتها أمن الكيان الصّهيونيّ المزروع بأيديهم في قلب الخريطة العربية الإسلاميّة. خاصّة و أنّ كلّ ثورات شعوب هذه البلدان، قد أفرزت حقيقة لا زيف فيها، هي أنّها متديِّنة بفطرتها، قد اختارت كلّها و دون استثناء أيِّ شعبٍ منها، في أوّل فرصة انتخاباتٍ نزيهةٍ أُتيحت لها، الأطروحات السياسيّة ذات التّوجّه الإسلاميّ، و الذي أعتقدُ أنّه سينتهي بأيِّ مجتمعٍ يتحكّم فيه أهلُه، بصدامٍ أكيدٍ مع أُطروحات تلك القوى الإمبرياليّة.

وعندما أستقرئُ هذه الحقيقة الإستراتيجية، يمكنُ لي أن أستنتج سبب تعثُّرِ الثورات في دُول الثّورات. وذلك بإسقاط أحد العاملين الذين ذكرتُهما أو حضورهما معا، على مُجريَات و تطوّرات الأحداث فيها. ففي اليمن تترنّح الثورةُ هناك لموقعه المُطلِّ على مضيق يقسم الملاحة الدّوليّة إلى جهتين، والمجاور لدول الخليج السّلطانية الّتي لا تسمح تلك القُوى بأيّ حالٍ من الأحوال بأن تصل إليها ريح الثورة أبدا، بالنظر إلى أنّها مطمورة النفط في العالم، و قيام ثورة على هؤلاء السلاطين يعني جزمًا تفاهمات جديدة مع شعوب تلك الدّول إذا ما تولّت السلطة ستكون على أسُسٍ مختلفة على الموجودة حاليًّا. وفي ليبيا تتحسّسُ الثورة النجاح هناك، في طريق محفوف بالعراقيل، لامتداد أطرافها، ولامتلاكها مخزونًا نفطيًّا هامًّا تراه تلك القوى بعين الغنيمة التي تترصّدُها، وتُحِيكُ تعثُّرَها. أمّا في سوريا فتُراوِحُ الثورة هناك مكانها، لموقع البلاد الاستراتيجي المحاذي للصّهاينَةِ. الموقع الذي جعله كالرِّداء، يتخطّفُ المتدخلون الدّولِيُّون بلا رحمةٍ شعبا ينزف كلّ يومٍ شهداء منه فيهم النساء و الشيوخ و الأطفال، فيجذبُ كلّ طرفٍ منهم لناحيته، حتّى انتهى قاب قوسين أو أدنى من التّشرذم و التّقسيم إلى دويلاتٍ أو أقاليمَ. وفي مصر فشلت الثورة أو لِأقل ارتدّت، فزُجّ بالحريّة في السّجن، ودُرِّس العُهرُ في المنابر، لموقع البلد الهامِّ جدًّا، فهو يحاذي الصهاينة بأرض شاسعة هي شبه جزيرة سيناء، الأرضُ المصريّةُ التي يريدها الغرب حديقة خلفيّة للكيان الصّهيونيّ لا حديد فيها، و لا بأس خلالها. يُقَضُّون في نزلها ومنتجعاتها أيَّام عطلهم، فيتحقّق بذلك نصفَ أمنهم العامّ. كما أنّ موقع البلد يحاذي دول الخليج النفطيّة التي ذكرتُ، ويحاذي في نفس الوقت العمق الإفريقي الذي عملت تلك القوى في فترة سابقة من القرن الماضي، على دقّ إسفين الفُرقة فيه، ولا تريد أن ينقضّ الآن تحت أيّ مسمًّى من المسميات، ولو كان "ديمقراطيّة الشعوب" أو "حقّ تقرير المصير" أو "سيادة الدولة على مُقدّراتها".

أمّا تونس فهي الفقيرة إلى الله، الغنيّة به، و بما سخّر لها من شعبٍ بطبيعة إنتاجيّة على عمومها. و هي البعيدة عن تلك البُؤرة التي ذكرتُ. و لعلّها بفضل هاتين النعمتين... هي التي بين تلك الشعوب تنعم.


 اضغط على الكلمات المفتاحية التالية، للإطلاع على المقالات الأخرى المتعلقة:

تونس، الثورة التونسية، الثورة المضادة،

 





تاريخ نشر المقال بموقع بوابتي 9-10-2013  

تقاسم المقال مع اصدقائك، أو ضعه على موقعك
لوضع رابط لهذا المقال على موقعك أو بمنتدى، قم بنسخ محتوى الحقل الذي بالأسفل، ثم ألصقه
رابط المقال

 
لإعلام أحدهم بهذا المقال، قم بإدخال بريده الإلكتروني و اسمك، ثم اضغط للإرسال
البريد الإلكتروني
اسمك
شارك برأيك
لوحة مفاتيح عربية بوابتي
     
*    الإسم
لن يقع إظهاره للعموم
     البريد الإلكتروني
  عنوان المداخلة
*

   المداخلة

*    حقول واجبة الإدخال
 
كم يبلغ مجموع العددين؟
العدد الثاني
العدد الأول
 * أدخل مجموع العددين
 
 
أكثر الكتّاب نشرا بموقع بوابتي
اضغط على اسم الكاتب للإطلاع على مقالاته
كريم السليتي، منجي باكير، سفيان عبد الكافي، د. كاظم عبد الحسين عباس ، يحيي البوليني، د. أحمد بشير، صباح الموسوي ، المولدي الفرجاني، عبد الله زيدان، الناصر الرقيق، عزيز العرباوي، علي الكاش، صفاء العربي، جاسم الرصيف، رشيد السيد أحمد، د- هاني ابوالفتوح، محمود طرشوبي، عبد الرزاق قيراط ، د.محمد فتحي عبد العال، أ.د. مصطفى رجب، حاتم الصولي، عمار غيلوفي، مصطفي زهران، عبد الغني مزوز، د - شاكر الحوكي ، تونسي، كريم فارق، د - الضاوي خوالدية، إسراء أبو رمان، حسني إبراهيم عبد العظيم، عمر غازي، فهمي شراب، د - محمد بن موسى الشريف ، رافع القارصي، رضا الدبّابي، د. عادل محمد عايش الأسطل، د. صلاح عودة الله ، رمضان حينوني، أحمد الحباسي، فتحي العابد، حسن الطرابلسي، محمد الطرابلسي، الهادي المثلوثي، أحمد النعيمي، سامر أبو رمان ، ماهر عدنان قنديل، أحمد بوادي، عراق المطيري، محمد يحي، د - عادل رضا، د. عبد الآله المالكي، أشرف إبراهيم حجاج، علي عبد العال، فوزي مسعود ، ضحى عبد الرحمن، طلال قسومي، محمود فاروق سيد شعبان، د- جابر قميحة، د - محمد بنيعيش، د. أحمد محمد سليمان، أحمد بن عبد المحسن العساف ، سليمان أحمد أبو ستة، العادل السمعلي، يزيد بن الحسين، أنس الشابي، سيد السباعي، د - مصطفى فهمي، د - ‏أحمد إبراهيم خضر‏ ، د. طارق عبد الحليم، مجدى داود، صلاح المختار، سلوى المغربي، حميدة الطيلوش، د. مصطفى يوسف اللداوي، ياسين أحمد، د- محمد رحال، أحمد ملحم، د - صالح المازقي، صلاح الحريري، فتحـي قاره بيبـان، خبَّاب بن مروان الحمد، أ.د أحمد محمّد الدَّغَشِي ، محمد اسعد بيوض التميمي، سلام الشماع، رحاب اسعد بيوض التميمي، الهيثم زعفان، سامح لطف الله، عبد الله الفقير، محمود سلطان، محمد عمر غرس الله، رافد العزاوي، محرر "بوابتي"، مصطفى منيغ، د - المنجي الكعبي، صفاء العراقي، د. ضرغام عبد الله الدباغ، وائل بنجدو، محمد أحمد عزوز، إيمى الأشقر، صالح النعامي ، محمد الياسين، محمد العيادي، أبو سمية، مراد قميزة، فتحي الزغل، حسن عثمان، نادية سعد، د- محمود علي عريقات، سعود السبعاني، خالد الجاف ، عواطف منصور، محمد شمام ، إياد محمود حسين ، د. خالد الطراولي ،
أحدث الردود
مسألة الوعي الشقي ،اي الاحساس بالالم دون خلق شروط تجاوزه ،مسالة تم الإشارة إليها منذ غرامشي وتحليل الوعي الجماعي او الماهوي ،وتم الوصول الى أن الضابط ...>>

حتى اذكر ان بوش قال سندعم قنوات عربيه لتمرير رسالتنا بدل التوجه لهم بقنوات امريكيه مفضوحه كالحره مثلا...>>

هذا الكلام وهذه المفاهيم أي الحكم الشرعي وقرار ولي الأمر والمفتي، كله كلام سائب لا معنى له لأن إطاره المؤسس غير موجود
يجب إثبات أننا بتونس دول...>>


مقال ممتاز...>>

تاكيدا لمحتوى المقال الذي حذر من عمليات اسقاط مخابراتي، فقد اكد عبدالكريم العبيدي المسؤول الامني السابق اليوم في لقاء تلفزي مع قناة الزيتونة انه وقع ا...>>

بسم الله الرحمن الرحيم
كلنا من ادم وادم من تراب
عندما نزل نوح عليه السلام منالسفينه كان معه ثمانون شخصا سكنو قريه اسمها اليوم هشتا بالك...>>


استعملت العفو والتسامح في سياق انهما فعلان، والحال كما هو واضح انهما مصدران، والمقصود هو المتضمن اي الفعلين: عفا وتسامح...>>

بغرض التصدي للانقلاب، لنبحث في اتجاه اخر غير اتجاه المنقلب، ولنبدا بمسلمة وهي ان من تخلى عن مجد لم يستطع المحافظة عليه كالرجال، ليس له الحق ان يعامل ك...>>

مقال ممتاز...>>

برجاء السماح بإمكانية تحميل الكتب والمراجع...>>

جل الزعماء العرب صعدوا ،بطرق مختلفة ،تصب لصالح المخطط الانتربلوجي العسكري التوسعي الاستعماري،ساهموا في تبسيط هدم حضارة جيرانهم العربية او الاسلامية عم...>>

مقال ممتاز
لكن الاصح ان الوجود الفرنسي بتونس لم يكن استعمارا وانما احتلال، فرنسا هي التي روجت ان وجودها ببلداننا كان بهدف الاعمار والاخراج من ح...>>


الاولى : قبل تحديد مشكلة البحث، وذلك لتحديد مسار البحث المستقل عن البحوث الاخرى قبل البدء فيه .
الثانية : بعد تحديد مشكلة البحث وذلك لمعرفة الا...>>


بارك الله فيكم...>>

جانبك اصواب في ما قلت عن السيد أحمد البدوي .

اعلم أن اصوفية لا ينشدون الدنيا و ليس لهم فيها مطمع فلا تتبع المنكرين المنافقين من الوها...>>


تم ذكر ان المدخل الروحي ظهر في بداياته على يد شارلوت تويل عام ١٩٦٥ في امريكا
فضلا وتكرما احتاج تزويدي ب...>>


الدين في خدمة السياسة عوض ان يكون الامر العكس، السياسة في خدمة الدين...>>

يرجى التثبت في الأخطاء اللغوية وتصحيحها لكي لاينقص ذلك من قيمة المقال

مثل: نكتب: ليسوا أحرارا وليس: ليسوا أحرار
وغيرها ......>>


كبر في عيني مرشد الاخوان و صغر في عيني العسكر
اسال الله ان يهديك الى طريق الصواب
المنافقون في الدرك الاسفل من النار...>>


It is important that issues are addressed in a clear and open manner, because it is necessary to understand the necessary information and to properly ...>>

وقع تصميم الموقع وتطويره من قبل ف.م. سوفت تونس

المقالات التي تنشر في هذا الباب لا تعبر بالضرورة عن رأي صاحب موقع بوابتي, باستثناء تلك الممضات من طرفه أومن طرف "بوابتي"

كل من له ملاحظة حول مقالة, بإمكانه الإتصال بنا, ونحن ندرس كل الأراء