البدايةالدليل الاقتصادي للشركات  |  دليل مواقع الويبمقالات رأي وبحوثالاتصال بنا
 
 
   
 
 
 
 
تصفح باقي إدراجات محرر بوابتي
مقالات محرر بوابتي

آباء ولكنهم أذلاء: قدماء "الطحانة" وخطر فائض الانكسار

كاتب المقال فوزي مسعود - تونس    من كتـــــّاب موقع بوّابــتي
 المشاهدات: 7129


 يسمح بالنقل، بشرط ذكر موقع "بوابتي" مصدر المقال، ويفضّل أن يكون ذلك في شكل رابط


ما هو متوفر حول عملية الانتخابات الرئاسية لا يبشر بخير كبير. تقول المعطيات المتوفرة لحد الآن أن جل المقترعين هم ممن فوق الخمسين، وفيهم من هو في السبعين وتجده مبكرا أمام مكتب الاقتراع يسابق غيره، لكأنه يساق للجنة.

لم يعرف عن هؤلاء المبكرين اليوم للانتخابات، نشاط داعم للثورة، ولم يعرف عنهم حماس للحراك الثوري الذي امتد على طول الأشهر.

كان الناس يتصورون أن غياب هؤلاء الكهول والشيوخ عن أحداث الثورة وتأخرهم في دعمها، إنما يرجع لتقدمهم في العمر، ولكنهم أثبتوا أن الأمر غير ما فهمناه.

تقول الإحصائيات أن أكثر من صوّت للثورة المضادة في الانتخابات التشريعية هم فئة الكهول والشيوخ هؤلاء.

كما إن المعطيات المستقاة من الواقع من خلال بعض ملاحظاتي، تقول إن هذه الشريحة تفضل مرشح بقايا المنظومة القديمة وهو السبسي.

وقد رأيت من قبل، صورا لبعض الاجتماعات تظهر شيخا وهو يندفع لتقبيل أيدي السبسي، كما أظهرت أخرى شيوخا يصفقون للمنذر الزنايدي الذي ساهم في قتل التونسيين.

وإذا أردنا أن نفهم أسباب هذه الظاهرة غير الطبيعية، لنحاول أن نمضي في الزمن لنرى أحداثا أخرى، تظهر سقطات هؤلاء الآباء والأجداد وتعين على تفسيرها:

أذكر في التسعينات إبان الصراع الذي قاده خيرة أبناء هذه البلاد ضد الطاغية بن علي وشرذمة اليسار المتحلقين حوله، ممن قاد محرقة ضد هوية البلاد، أذكر ساعتها أن أحد الإخوة كان مطلوبا من أجهزة الطاغية، وكان ساعتها طالبا بالجامعة، فرجع لمنطقته واختبأ بها، وتمت ملاحقته، فاختبأ في مكان مهجور ظنه عصيا عن عيون الوشاة، ولكن الأخ المسكين، لم يكن يدر بخلده أبدا أن أباه هو من سيشي به للعسس والجلاوزة حينما جاءت للبحث عنه.

كان الأب حين فعله ما فعل، يحركه فائض الذل الذي تشبع به طيلة عقود ما بعد الاستقلال كعامة أبناء ذلك الجيل إلا القليل ممن وقع تغييبه من خلال أدوات سيئ الذكر.

كان الأب لشدة فعل أدوات غسيل المخ التي كان ضحيتها، يتصور نفسه يحسن صنعا، كان لا يتصور الخطأ على الحاكم، لكأنه ينزهه أكثر من نفسه ومن ابنه.

كان يرضى الدنيّة في ابنه ولا يرضاها في الحاكم، ولذلك سلمه لكي يعذب، ولا يهمه ذلك مادام الحاكم راض عنه.
كان يرى استحالة الثورة ضد السلطة، وإن وقعت فإنها عمل غير شرعي وخطيئة يجوز معها تسليم فلذة الكبد لكي يقطع في المعتقلات.

تلك هي إحدى تمظهرات ثقافة إنتاج العبيد، حينما يتحول السلطان المتحكم لكائن مساوي لمكانة الخالق، الثقافة المتأتية كنتاج لعمليات القصف الذهني التي صاغها سيئ الذكر من خلال أدوات تشكيل الأذهان من تعليم وثقافة وإعلام.

ثاني النماذج: أحد الإخوة الكرام ممن قضى سنوات طوال في سجون الطاغية خلال التسعينات، وخرج بعدها يتلمس طريقه للملمة شظايا حياته المبعثرة، حدثني انه حينما رجع لقريتهم الريفية حيث أهله، وجد منهم ومن أبيه خاصة قسوة ومقتا يتراوح بين اللوم و التشفي وتحميله مسؤولية ما آل بحاله، قال الأخ الكريم لي أنه قضى تقريبا سنة في قريته تلك بعد خروجه من السجن، ذاق فيها من الألم والأسى النفسي ما لم يذقه في السجن رغم أهواله.

كان الأب يتصرف بفعل فائض الذل والانكسار النفسي الذي تشبع به كعامة أبناء جيله، كان يرى أن الابن حينما تمرد على الحاكم لكأنه تمرد على الرب الأعلى وهو إذن جدير ان يمقت ويهجر.

أمثال هؤلاء هم من يسابق الريح اليوم للتصويت للمنظومة القديمة ويعمل على إرجاعها، من بعد أن عملوا على تكريسها طيلة عقود من خلال عدم مقاومتها.

إذن يجب أن نعرف أن عموم جيل الشيوخ والكهول هؤلاء هو بعض أسباب تعطل الثورة، هؤلاء الذين تربوا على الذل والسكينة ورضعوا الانكسار حد تصوره أمرا طبيعيا، لا يرتضون تغيير الواقع، لأن في تغيره هدم لمكونات أنفسهم وشخصياتهم ذاتها، ولذلك فإن دفاعهم عن الواقع دفاع عن أنفسهم، وتصديهم للثورة هو حماية لبعض أجزاء شخصياتهم.


 اضغط على الكلمات المفتاحية التالية، للإطلاع على المقالات الأخرى المتعلقة:

تونس، الثورة التونسية، الإنتخابات التونسية، الإنتخابات الرئاسية،

 





تاريخ نشر المقال بموقع بوابتي 23-11-2014  

تقاسم المقال مع اصدقائك، أو ضعه على موقعك
لوضع رابط لهذا المقال على موقعك أو بمنتدى، قم بنسخ محتوى الحقل الذي بالأسفل، ثم ألصقه
رابط المقال

 
لإعلام أحدهم بهذا المقال، قم بإدخال بريده الإلكتروني و اسمك، ثم اضغط للإرسال
البريد الإلكتروني
اسمك
شارك برأيك
لوحة مفاتيح عربية بوابتي
     
*    الإسم
لن يقع إظهاره للعموم
     البريد الإلكتروني
  عنوان المداخلة
*

   المداخلة

*    حقول واجبة الإدخال
 
كم يبلغ مجموع العددين؟
العدد الثاني
العدد الأول
 * أدخل مجموع العددين
 
 
 
أكثر الكتّاب نشرا بموقع بوابتي
اضغط على اسم الكاتب للإطلاع على مقالاته
مصطفى منيغ، أبو سمية، د - شاكر الحوكي ، أ.د أحمد محمّد الدَّغَشِي ، فتحي الزغل، عواطف منصور، المولدي الفرجاني، د. عبد الآله المالكي، أحمد النعيمي، د - محمد بنيعيش، صلاح الحريري، د - عادل رضا، سلام الشماع، حسن الطرابلسي، علي عبد العال، سعود السبعاني، د - صالح المازقي، فتحـي قاره بيبـان، سيد السباعي، صباح الموسوي ، عبد الله الفقير، أحمد بن عبد المحسن العساف ، الناصر الرقيق، عزيز العرباوي، حاتم الصولي، عبد الغني مزوز، صفاء العربي، د. صلاح عودة الله ، إسراء أبو رمان، عمر غازي، د. خالد الطراولي ، د - المنجي الكعبي، علي الكاش، سفيان عبد الكافي، د. عادل محمد عايش الأسطل، خالد الجاف ، إيمى الأشقر، محمود فاروق سيد شعبان، أحمد الحباسي، محمد اسعد بيوض التميمي، د.محمد فتحي عبد العال، حميدة الطيلوش، أنس الشابي، سليمان أحمد أبو ستة، سامر أبو رمان ، د- جابر قميحة، د. أحمد بشير، عبد الله زيدان، فوزي مسعود ، د. ضرغام عبد الله الدباغ، يحيي البوليني، فتحي العابد، أ.د. مصطفى رجب، محمد يحي، حسن عثمان، كريم فارق، د - مصطفى فهمي، صفاء العراقي، رضا الدبّابي، العادل السمعلي، ماهر عدنان قنديل، نادية سعد، مجدى داود، رافد العزاوي، طلال قسومي، عبد الرزاق قيراط ، رمضان حينوني، رشيد السيد أحمد، كريم السليتي، د. أحمد محمد سليمان، رافع القارصي، محمود طرشوبي، ياسين أحمد، محمد الطرابلسي، سامح لطف الله، أحمد بوادي، د - ‏أحمد إبراهيم خضر‏ ، مراد قميزة، ضحى عبد الرحمن، محمد شمام ، حسني إبراهيم عبد العظيم، فهمي شراب، د- محمد رحال، أحمد ملحم، أشرف إبراهيم حجاج، إياد محمود حسين ، محمد عمر غرس الله، مصطفي زهران، محرر "بوابتي"، د- هاني ابوالفتوح، خبَّاب بن مروان الحمد، محمود سلطان، يزيد بن الحسين، د. كاظم عبد الحسين عباس ، د- محمود علي عريقات، رحاب اسعد بيوض التميمي، د - محمد بن موسى الشريف ، د - الضاوي خوالدية، تونسي، منجي باكير، محمد الياسين، الهيثم زعفان، د. طارق عبد الحليم، محمد أحمد عزوز، د. مصطفى يوسف اللداوي، صلاح المختار، عمار غيلوفي، سلوى المغربي، وائل بنجدو، عراق المطيري، محمد العيادي، جاسم الرصيف، صالح النعامي ، الهادي المثلوثي،
أحدث الردود
مسألة الوعي الشقي ،اي الاحساس بالالم دون خلق شروط تجاوزه ،مسالة تم الإشارة إليها منذ غرامشي وتحليل الوعي الجماعي او الماهوي ،وتم الوصول الى أن الضابط ...>>

حتى اذكر ان بوش قال سندعم قنوات عربيه لتمرير رسالتنا بدل التوجه لهم بقنوات امريكيه مفضوحه كالحره مثلا...>>

هذا الكلام وهذه المفاهيم أي الحكم الشرعي وقرار ولي الأمر والمفتي، كله كلام سائب لا معنى له لأن إطاره المؤسس غير موجود
يجب إثبات أننا بتونس دول...>>


مقال ممتاز...>>

تاكيدا لمحتوى المقال الذي حذر من عمليات اسقاط مخابراتي، فقد اكد عبدالكريم العبيدي المسؤول الامني السابق اليوم في لقاء تلفزي مع قناة الزيتونة انه وقع ا...>>

بسم الله الرحمن الرحيم
كلنا من ادم وادم من تراب
عندما نزل نوح عليه السلام منالسفينه كان معه ثمانون شخصا سكنو قريه اسمها اليوم هشتا بالك...>>


استعملت العفو والتسامح في سياق انهما فعلان، والحال كما هو واضح انهما مصدران، والمقصود هو المتضمن اي الفعلين: عفا وتسامح...>>

بغرض التصدي للانقلاب، لنبحث في اتجاه اخر غير اتجاه المنقلب، ولنبدا بمسلمة وهي ان من تخلى عن مجد لم يستطع المحافظة عليه كالرجال، ليس له الحق ان يعامل ك...>>

مقال ممتاز...>>

برجاء السماح بإمكانية تحميل الكتب والمراجع...>>

جل الزعماء العرب صعدوا ،بطرق مختلفة ،تصب لصالح المخطط الانتربلوجي العسكري التوسعي الاستعماري،ساهموا في تبسيط هدم حضارة جيرانهم العربية او الاسلامية عم...>>

مقال ممتاز
لكن الاصح ان الوجود الفرنسي بتونس لم يكن استعمارا وانما احتلال، فرنسا هي التي روجت ان وجودها ببلداننا كان بهدف الاعمار والاخراج من ح...>>


الاولى : قبل تحديد مشكلة البحث، وذلك لتحديد مسار البحث المستقل عن البحوث الاخرى قبل البدء فيه .
الثانية : بعد تحديد مشكلة البحث وذلك لمعرفة الا...>>


بارك الله فيكم...>>

جانبك اصواب في ما قلت عن السيد أحمد البدوي .

اعلم أن اصوفية لا ينشدون الدنيا و ليس لهم فيها مطمع فلا تتبع المنكرين المنافقين من الوها...>>


تم ذكر ان المدخل الروحي ظهر في بداياته على يد شارلوت تويل عام ١٩٦٥ في امريكا
فضلا وتكرما احتاج تزويدي ب...>>


الدين في خدمة السياسة عوض ان يكون الامر العكس، السياسة في خدمة الدين...>>

يرجى التثبت في الأخطاء اللغوية وتصحيحها لكي لاينقص ذلك من قيمة المقال

مثل: نكتب: ليسوا أحرارا وليس: ليسوا أحرار
وغيرها ......>>


كبر في عيني مرشد الاخوان و صغر في عيني العسكر
اسال الله ان يهديك الى طريق الصواب
المنافقون في الدرك الاسفل من النار...>>


It is important that issues are addressed in a clear and open manner, because it is necessary to understand the necessary information and to properly ...>>

وقع تصميم الموقع وتطويره من قبل ف.م. سوفت تونس

المقالات التي تنشر في هذا الباب لا تعبر بالضرورة عن رأي صاحب موقع بوابتي, باستثناء تلك الممضات من طرفه أومن طرف "بوابتي"

كل من له ملاحظة حول مقالة, بإمكانه الإتصال بنا, ونحن ندرس كل الأراء