البدايةالدليل الاقتصادي للشركات  |  دليل مواقع الويبمقالات رأي وبحوثالاتصال بنا
 
 
   
 
 
 
 
تصفح باقي إدراجات محرر بوابتي
مقالات محرر بوابتي

الرد على المغالطات في جدل احتفالات المولد النبوي

كاتب المقال فوزي مسعود - تونس    من كتـــــّاب موقع بوّابــتي
 المشاهدات: 7085


 يسمح بالنقل، بشرط ذكر موقع "بوابتي" مصدر المقال، ويفضّل أن يكون ذلك في شكل رابط


شهدت تونس الأيام الأخيرة نقاشا حول شرعية الاحتفالات بالمولد النبوي، وما أثار انتباهي ليس الاحتفال بذاته ومدى شرعيته، وإنما صياغة الحجج ومحتوياتها التي قدمها البعض في معرض إقناعه، ولما كانت هذه النقاشات في عمومها تنبني على مغالطات منطقية فجة كما سأوضح، رأيت انه من الهام توضيح هذه المسالة من حيث أنها نموذج متكرر في الجدال المستعمل في قضايا أخرى بتونس:

- الاحتفال بالمولد لا يعني كثيرا بذاته في ما أرى، ولكن أهميته تأتي في ما يستبطنه من درجة انحطاط المجتمع، بمعنى أن الذي يرى في مولد النبي صلى الله عليه وسلم مناسبة لإحضار أكلة معينة مثلا، لا يعد ارتكب محضورا دينيا وإنما أبان على درجة من الوعي الإيماني المتآكل، وليس التقييم على سلم الحلال والحرام كاف لفهم ذلك العمل في مستوى فاعليته الموضوعية، بمعنى أن الأكل في ذاته لا خطر فيه شرعيا، ولكنه في الواقع حينما يكون عاكسا لفهم معين فانه يمثل خطرا على واقع الفرد والمجتمع من دون أن يكون ذلك مدعاة للتثريب الشرعي، بمعنى آخر فان تقييم الأمور في الواقع لا يكفي في فهم فاعليتها الحلال والحرام، لان الأحكام الشرعية هي حدود أي مجالات التحرك القصوى، و أما مساحة تحرك الفرد وفاعليته فهي تقع داخل تلك الأطراف من دون أن تمسها بالضرورة، حيث يمكن أن ينتج مسارات كاملة وتغييرات اجتماعية من دون ان يصل الفرد بعمله لطرف الحكم الشرعي، ولو قصرنا حكمنا على الأمور الموضوعية على وصول الفعل للحلال أو الحرام لما استطعنا التفطن للتغيرات التي تقع في الأثناء، ولعل علماء الأصول الأوائل تفطنوا لهذه النقطة فصاغوا أحكاما شرعية أخرى هي المباح والمكروه وغيرها، تنبيها على هذه النقطة.

- الاحتفال بالمولد النبوي في ذاته، أمر مستحدث نشأ في ظروف تاريخية معينة واستشرى في ظروف أخرى، وهو بالتالي أمر يمثل نتيجة لعوامل وليس عاملا مستقلا بخاصته، وتناول الاحتفال كمعطى منفرد أصيل، تناول عقيم، لأنه محاولة لإيقاف تطور مسار، والحال انه يفترض للتحكم في النتيجة التحكم في العوامل والأسباب المنتجة لها، بمعنى ان تناول الاحتفال بذاته ليس إلا تناولا عبثيا.

- إذا كانت هذه النقطة مفهومة وواضحة، والتساؤل إنما يطرح حول شرعية الاحتفال، فان النقاش يجب أن يطرح بطريقة عقلية بحتة حين تقليب الأدلة الشرعية وليس الاتجاه لتكريس الواقع بظاهر من التدعيم الشرعي اعتمادا على المغالطات المنطقية كما وقع لدى المدافعين عن احتفالية المولد، و انا سارد على هذه المغالطات في شكلها المنطقي بقطع النظر عن قبول أو رفض لفكرة الاحتفال بذاتها، ما يهمني هو توضيح خطأ الدفاعات.

- البعض ومنهم شيخ فاضل بإذاعة "الزيتونة" تكلم ردا على رافضي الاحتفال المرتكزين على حديث من سن سنة سيئة، فقال إن هؤلاء مردود عليهم لان الحديث يتكلم عن السنة السيئة والاحتفال بالمولد النبوي ليس سنة سيئة كما قال، وشيخ إذاعة "الزيتونة" تصور انه اقنع بكلامه هذا، والحال انه لم يزد أن قام بعملية دوران حول الموضوع المطروح، أي انه انطلق من موضوع النقاش وهو هل أن الاحتفال أمر مقبول أو لا، فجعله بافتراض من عنده امرأ حسنا وسنة جيدة ليرد على أمر هو نفسه نفس السؤال، أي انه قام بعملية افتراض وتدوير السؤال المطروح لافتراض صحيح، وهذا يسمى مصادرة على المطلوب، وكما هو معروف فكل حجاج مبني على المصادرة على المطلوب نقاش فاسد، وعليه فان الشيخ لم يقم بالرد حين تكلم. بمعنى آخر فإن الرد يجب ان يكون بالبرهنة على ان الاحتفال هو سنة حسنة، وبعدها يصبح الاعتماد على الحديث داعما للاحتفال، واما من دون ذلك فإن الحديث لا يصح الاعتماد عليه.

- في موضوع مماثل وهو شبهة كون الأضرحة يمكن أن تكون مدعاة للشرك والأوثان، قال شيخ الجامع الأعظم الحسين العبيدي (جريدة الضمير عدد 58)، "أن مثل هذا الكلام تحليل ضعيف، والتحليل الضعيف لا يؤخذ به"، وواضح ان كلام شيخ الجامع الأعظم بيّن الفساد لأنه مبني على افتراض أن كلام مخالفيه تحليل ضعيف ومن ثم بنا عليه، وهذا أيضا دوران ومصادرة على المطلوب لأنه انطلق من النتيجة المرجوة المحتملة واعتمدها كمنطلق، وافترض انه كلام ضعيف، والحال انه يجب ان يبرهن انه ضعيف، وبعدها يصح الاعتماد على باقي الدليل وهو عدم الاعتداد بالكلام الضعيف، واما من دون وجود البرهنة فان كلام الشيخ يبقى مثله والعدم سواء.

- أما جماعات الإلحاق الثقافي من العلمانيين فقد دخلوا حلبة المزايدة مناصرين لفكرة الاحتفالات، ولعلهم يفعلون ذلك نكاية في الرافضين للاحتفال وهم عموما جماعات تنعت بالسلفية، وقد اعتمدوا في انتصارهم للاحتفالات كونها كانت معتمدة من شيوخ بجامع الزيتونة من قبل. وشبهة هؤلاء اعتمدها أيضا البعض المدافعون عن الموضوع ممن قدم على انه مختص في الدراسات الإسلامية ومنهم مدرسون بجامعة "الزيتونة"، حيث حاجج هؤلاء المختصون أن العديد من العلماء كانوا من قبل يعرفون بأمر هذه الاحتفالات ولم يعارضوها، واستخلصوا من ذلك جوازها. و هؤلاء لم يعتمدوا على الحجة العقلية والقوة الاقناعية لمبررات الفعل، وإنما اعتمدوا على الفعل باعتباره انجازا بشريا كحجة بذاته، وهذا كلام بيّن الفساد. ولفهم هذه النقطة، فإن المسالة كمن يبرهن لك أن اثنان حينما نطرح منها واحد تساوي واحد، مقابل الآخر حينما تطلب منه البرهنة على نفس العملية فيقول لك أن معلم الحساب قال ذلك وانه لا يفترض في معلمه الكذب. الأمر يجب أن ينظر إليه بشكل منطقي بقطع النظر عن الموضوع المناقش، فالصورتان مختلفتان، فالأولى وهي الصورة الصحيحة أن الحجة يجب ان ترتكز على مبرراتها الذاتية، والثانية وهي الاعتماد على فعل منجز كحجة. وفي حالة الاحتفالات فان هؤلاء لا يعتمدون على مبررات الدافع للإقناع، وإنما يرتكزون على منجزات واجتهادات شخصية كحجة، والرد منطقيا يثبت فساد هذا التمشي، ثم انه عقليا يمكن الرد كذلك بكون اجتهاد هؤلاء و اجتهاد من يعارضهم متساويان من حيث ترجيح الصوابية إذا ما نفينا العامل الذاتي، فبأي حق يقع اعتماد رأي دون الآخر، ووقوع ذلك يكون ترجيح من دون مرجح وهو امر لا يجوز منطقيا، والحل يكون إذن في الاحتكام لمبرر ما، مما يرجعنا لأصل الموضوع، وهو ما سيقود لنزع القوة عن حجة هؤلاء، ومن هناك ثبت فساد كلام المعتمدين على مواقف البعض كمصدر محاججة.


 اضغط على الكلمات المفتاحية التالية، للإطلاع على المقالات الأخرى المتعلقة:

تونس، إحتفالات المولد، الجدل الفكري،

 





تاريخ نشر المقال بموقع بوابتي 25-01-2013  

تقاسم المقال مع اصدقائك، أو ضعه على موقعك
لوضع رابط لهذا المقال على موقعك أو بمنتدى، قم بنسخ محتوى الحقل الذي بالأسفل، ثم ألصقه
رابط المقال

 
لإعلام أحدهم بهذا المقال، قم بإدخال بريده الإلكتروني و اسمك، ثم اضغط للإرسال
البريد الإلكتروني
اسمك
شارك برأيك
لوحة مفاتيح عربية بوابتي
     
*    الإسم
لن يقع إظهاره للعموم
     البريد الإلكتروني
  عنوان المداخلة
*

   المداخلة

*    حقول واجبة الإدخال
 
كم يبلغ مجموع العددين؟
العدد الثاني
العدد الأول
 * أدخل مجموع العددين
 
 
 
أكثر الكتّاب نشرا بموقع بوابتي
اضغط على اسم الكاتب للإطلاع على مقالاته
سلام الشماع، إسراء أبو رمان، أحمد ملحم، محمد عمر غرس الله، د - مصطفى فهمي، علي الكاش، د- هاني ابوالفتوح، سفيان عبد الكافي، رشيد السيد أحمد، د - صالح المازقي، رضا الدبّابي، عمار غيلوفي، فتحي الزغل، صباح الموسوي ، جاسم الرصيف، مجدى داود، أحمد الحباسي، د. عادل محمد عايش الأسطل، د. خالد الطراولي ، صلاح المختار، سامح لطف الله، د- جابر قميحة، أ.د. مصطفى رجب، أ.د أحمد محمّد الدَّغَشِي ، صالح النعامي ، د - محمد بنيعيش، محمود سلطان، ماهر عدنان قنديل، رافع القارصي، سعود السبعاني، الهادي المثلوثي، عبد الغني مزوز، أبو سمية، د. أحمد محمد سليمان، الهيثم زعفان، د - محمد بن موسى الشريف ، رحاب اسعد بيوض التميمي، محمد يحي، المولدي الفرجاني، حميدة الطيلوش، عبد الرزاق قيراط ، مراد قميزة، رافد العزاوي، كريم السليتي، د. كاظم عبد الحسين عباس ، حسن عثمان، علي عبد العال، د - عادل رضا، إيمى الأشقر، ياسين أحمد، وائل بنجدو، فتحي العابد، نادية سعد، محرر "بوابتي"، عبد الله الفقير، عراق المطيري، د- محمد رحال، د.محمد فتحي عبد العال، مصطفى منيغ، محمود فاروق سيد شعبان، فتحـي قاره بيبـان، أحمد بوادي، كريم فارق، محمد الياسين، د. مصطفى يوسف اللداوي، د - الضاوي خوالدية، محمد الطرابلسي، العادل السمعلي، يزيد بن الحسين، صلاح الحريري، سلوى المغربي، عزيز العرباوي، د - ‏أحمد إبراهيم خضر‏ ، طلال قسومي، محمد أحمد عزوز، الناصر الرقيق، أنس الشابي، د. أحمد بشير، أحمد النعيمي، أحمد بن عبد المحسن العساف ، د. عبد الآله المالكي، حسن الطرابلسي، خالد الجاف ، صفاء العراقي، صفاء العربي، ضحى عبد الرحمن، حاتم الصولي، مصطفي زهران، د - شاكر الحوكي ، أشرف إبراهيم حجاج، د. ضرغام عبد الله الدباغ، محمد شمام ، إياد محمود حسين ، تونسي، سليمان أحمد أبو ستة، فهمي شراب، سامر أبو رمان ، سيد السباعي، حسني إبراهيم عبد العظيم، رمضان حينوني، منجي باكير، محمد العيادي، د- محمود علي عريقات، د. صلاح عودة الله ، يحيي البوليني، عبد الله زيدان، عواطف منصور، فوزي مسعود ، محمود طرشوبي، د - المنجي الكعبي، محمد اسعد بيوض التميمي، خبَّاب بن مروان الحمد، عمر غازي، د. طارق عبد الحليم،
أحدث الردود
مسألة الوعي الشقي ،اي الاحساس بالالم دون خلق شروط تجاوزه ،مسالة تم الإشارة إليها منذ غرامشي وتحليل الوعي الجماعي او الماهوي ،وتم الوصول الى أن الضابط ...>>

حتى اذكر ان بوش قال سندعم قنوات عربيه لتمرير رسالتنا بدل التوجه لهم بقنوات امريكيه مفضوحه كالحره مثلا...>>

هذا الكلام وهذه المفاهيم أي الحكم الشرعي وقرار ولي الأمر والمفتي، كله كلام سائب لا معنى له لأن إطاره المؤسس غير موجود
يجب إثبات أننا بتونس دول...>>


مقال ممتاز...>>

تاكيدا لمحتوى المقال الذي حذر من عمليات اسقاط مخابراتي، فقد اكد عبدالكريم العبيدي المسؤول الامني السابق اليوم في لقاء تلفزي مع قناة الزيتونة انه وقع ا...>>

بسم الله الرحمن الرحيم
كلنا من ادم وادم من تراب
عندما نزل نوح عليه السلام منالسفينه كان معه ثمانون شخصا سكنو قريه اسمها اليوم هشتا بالك...>>


استعملت العفو والتسامح في سياق انهما فعلان، والحال كما هو واضح انهما مصدران، والمقصود هو المتضمن اي الفعلين: عفا وتسامح...>>

بغرض التصدي للانقلاب، لنبحث في اتجاه اخر غير اتجاه المنقلب، ولنبدا بمسلمة وهي ان من تخلى عن مجد لم يستطع المحافظة عليه كالرجال، ليس له الحق ان يعامل ك...>>

مقال ممتاز...>>

برجاء السماح بإمكانية تحميل الكتب والمراجع...>>

جل الزعماء العرب صعدوا ،بطرق مختلفة ،تصب لصالح المخطط الانتربلوجي العسكري التوسعي الاستعماري،ساهموا في تبسيط هدم حضارة جيرانهم العربية او الاسلامية عم...>>

مقال ممتاز
لكن الاصح ان الوجود الفرنسي بتونس لم يكن استعمارا وانما احتلال، فرنسا هي التي روجت ان وجودها ببلداننا كان بهدف الاعمار والاخراج من ح...>>


الاولى : قبل تحديد مشكلة البحث، وذلك لتحديد مسار البحث المستقل عن البحوث الاخرى قبل البدء فيه .
الثانية : بعد تحديد مشكلة البحث وذلك لمعرفة الا...>>


بارك الله فيكم...>>

جانبك اصواب في ما قلت عن السيد أحمد البدوي .

اعلم أن اصوفية لا ينشدون الدنيا و ليس لهم فيها مطمع فلا تتبع المنكرين المنافقين من الوها...>>


تم ذكر ان المدخل الروحي ظهر في بداياته على يد شارلوت تويل عام ١٩٦٥ في امريكا
فضلا وتكرما احتاج تزويدي ب...>>


الدين في خدمة السياسة عوض ان يكون الامر العكس، السياسة في خدمة الدين...>>

يرجى التثبت في الأخطاء اللغوية وتصحيحها لكي لاينقص ذلك من قيمة المقال

مثل: نكتب: ليسوا أحرارا وليس: ليسوا أحرار
وغيرها ......>>


كبر في عيني مرشد الاخوان و صغر في عيني العسكر
اسال الله ان يهديك الى طريق الصواب
المنافقون في الدرك الاسفل من النار...>>


It is important that issues are addressed in a clear and open manner, because it is necessary to understand the necessary information and to properly ...>>

وقع تصميم الموقع وتطويره من قبل ف.م. سوفت تونس

المقالات التي تنشر في هذا الباب لا تعبر بالضرورة عن رأي صاحب موقع بوابتي, باستثناء تلك الممضات من طرفه أومن طرف "بوابتي"

كل من له ملاحظة حول مقالة, بإمكانه الإتصال بنا, ونحن ندرس كل الأراء