البدايةالدليل الاقتصادي للشركات  |  دليل مواقع الويبالاتصال بنا
 
 
 
المقالات الاكثر قراءة
 
تصفح باقي الإدراجات
أحدث المقالات

تونس: أعداء الديمقراطية خربوا التجربة من داخلها

كاتب المقال نور الدين العلوي - تونس   
 المشاهدات: 1007



هل آمنت النُّخَب العربية بالديمقراطية فعلًا؟ إن انقلاب قيس سعيّد في تونس، ووقوف طيف واسع من النُّخَب في صفّه، يعيد إلى السطح هذا السؤال الحارق، والذي سبق لنا طرحه بعد انقلاب العسكر المصري.

كتبنا حينها أن سرعة الردة على العام الديمقراطي اليتيم في تاريخ مصر، مردّه إلى قوة العسكر وإلى قصر المدة وضعف أداء مَنْ حكمَ، رغم أن الحُكم على نتائج سنة واحدة كان حكمًا تعسُّفيًّا.

لكن بعد 10 سنوات و4 انتخابات ديمقراطية في تونس، وجدنا المرتدّين أنفسهم، كأن لا فرق بين تجربة 10 سنوات وتجربة سنة، ما يشي أن هناك فئات ترفض الديمقراطية في العمق وتتربّص بها وتتحيّن زمنًا مناسبًا للعودة إلى حكم الرجل الواحد، بما يعنيه من تناقض مع الديمقراطية.

كانت هناك مؤشِّرات لم نقرأها بدقة
وإذ نعيد ترتيب عناصر الصورة، نجد أن الذين وقفوا داعمين لانقلاب قيس سعيّد، هم أنفسهم الذين باركوا ويباركون عمل السيسي في مصر، وهم طابور حفتر المرتدّ في ليبيا، وشبيحة بشار الدموي في سوريا.. ونذهبُ بعيدًا فنجدهم أنصارًا لبن علي قبل الثورة، وكان بعضهم عصاته الغليظة التي ضربَ بها الإسلاميين لمدة رُبع قرن.

إنهم خطّ سياسي واحد يتلوّن ولكنه يحافظ على مواقعه، وينتج الممارسات السياسية نفسها: رفض التعايش السياسي داخل الديمقراطية، بما يعنيه من القبول بالمختلف والتعامل معه كمكوِّن وطني.. هذ الخط هو خط القوميين العرب بكل فصائلهم ومسمّياتهم، وخط اليسار العربي بكل زعاماته.

لقد شاركوا في الانتخابات ودخلوا البرلمان ومارسوا كل شكليات الديمقراطية التعددية، لكنهم في أول فرصة قفزوا من مركب الديمقراطية وثقبوه لصالح حكم الفرد، وليس لهذا من توصيف إلا أنهم كانوا ينافقون المرحلة، ويخدعون الناس في فكرهم وجوهر ممارستهم المعادية للشعوب التي يريدون حكمها.

نجاة الإسلاميين أخلاقيًّا وديمقراطيًّا
جيلي المُشرِف على العقد السادس، عاشَ يسمع جملة حوّلها أصحابها إلى قاعدة تحليل وعمل سياسي، وهي أن الإسلاميين ليسوا ديمقراطيين، وأنهم يتظاهرون بالإيمان بالصندوق الانتخابي، وهم يزمعون الانقلاب عليه بمجرد وصولهم للسلطة.

التجربة التونسية تكشف العكس تمامًا، لقد أيقنّا أن الإسلاميين هم الأشد إيمانًا بالصندوق والتداول على السلطة، بخضوعهم التام للإرادة الشعبية، بينما تبيّن لنا أن من كان يتّهمهم بذلك كان يُسقط عليهم من فكره السرّي، ومن تخطيطه الإجرامي، وانقلاب قيس سعيّد دليل إضافي بين يدَي التحليل.

لقد كشف قيس سعيّد دون علمه حقائق مهمة، وهي أن أعداء الديمقراطية كانوا بيننا ولم نرَهم، وكان يجب أن ينقلبوا لنسمّيهم ونصنّفهم.

وقد قدّموا دون علمهم شهادةَ براءة للإسلاميين، سيسجّلها التاريخ وسينكرونها كما أنكروا غدرهم بالديمقراطية باسم التصحيح.. والسؤال الذي يفرض نفسه هنا: لماذا يغدر هؤلاء بالديمقراطية؟

تيارات فاشية في الجوهر
يحمل القوميون العرب على أكتافهم وزر الفشل الذريع لـ 5 أنظمة قومية، حكمت بلدانها طيلة نصف القرن الماضي، وأجرمت في حق شعوبها ودمرت معيشتهم، وورطت بلدانها في حروب عبثية، حتى إن بعضها ناصر جيش الرب الأوغندي.

أفقر البلدان العربية الآن وأسوأها معيشة هي البلدان الخمسة التي حكمها القوميون العرب، وكان حكمهم في عداء صريح مع شعوبهم ومع جيرانهم.

هذه الجرائم مكتوبة في ذاكرة الناس على طول الخريطة العربية، لذلك إن ظهور قومي واحد في مشهد سياسي، يذكّر الناس سريعًا بذلك الإرث البغيض، وهذا سبب رئيسي كي لا يقبل القومي العربي المرور بصناديق الاقتراع.. إنها تفضح فاشيته.

خصوصًا أن المواطن العربي يمكنه أن يكون عروبيًّا ويدافع عن قضايا أمته، ومنها فلسطين المحتلة، دون أن يمرَّ بحزب أو تنظيم قومي زعمَ احتكار القضية.

لقد تفطّن الناس منذ زمن أن العروبة ليست القومية، بل أن الأنظمة القومية هي سارقة العروبة من أهلها، والجميع يعرف أن هذه الأنظمة لم تحرِّرْ شبرًا واحدًا من الأرض المحتلة.

وحدها الديمقراطية تسمح لنا بقول هذا لقومي عربي، ولأنه لا يريد سماع هذه الحقيقة البسيطة، فإنه يقطع طريق الصندوق الذي هو نفسه طريق الحرية.

ولأن القومي العربي يقفُ الآن مع الانقلاب، فإننا نخشى على حريتنا، حيث لم يمنعنا الإسلاميون من حريتنا ولكنَّ القوميين في طريق مفتوح لقمعنا، متخفّين وراء التصحيح كما تخفّوا دومًا وراء ثورات الإنقاذ العربية، التي حوّلت بلدانها إلى أنقاض.

والقوميون واليسار واحد في فاشيتهم، فهم يعادون الصندوق ويقفون مع كل دكتاتور حكمَ بلده، إلا قليلًا استنكفَ وتميّزَ فنبذَهُ اليسار نفسه.

الديمقراطية لم تكن هدفًا جماعيًّا
يمكننا أن نعيد قراءة تاريخنا القريب، لنفهم كيف حكم بن علي ومبارك والقذافي، فما كل من تكلّمَ باسم الديمقراطية كان يؤمن بها فعلًا، فقد تكلّمَ هؤلاء الطغاة باسم الديمقراطية، ووجدوا نُخَبًا تصفّقُ لهم، وهذه النُّخَب نفسها تقفُ مع كل انقلاب.

لم تكن هذه الفصائل مؤمنة بالديمقراطية، ولذلك أفشلت الثورات من داخلها بأن تسرّبت لها وشوّهت مطالبها وحرّفت اهتمامات الجمهور الواسع، الذي كان دومًا أقرب إلى الفطرة السليمة منه إلى الكيد الأيديولوجي.

الحالة التونسية شاهد ملك على كيف خرّبت النقابةُ الثورةَ، وقيادة النقابة الأغلبية هي القوميون واليسار، وها هم يسلّمون البلد لحاكمٍ فردٍ لا نرى له من مكرمة، فقد كمنَ للديمقراطية على طريقة اليسار والشبّيحة، حتى تمكّن من رقبتها فخنقها.

ما زال لدينا حتى اللحظة هامش طرح السؤال عن مصيرنا، لكن المؤشرات التي نجمعها تشير إلى أن هذه آخر أيام الحرية، وقد يكون مقالنا الأخير في زمن التشبيح التونسي هي وصية لأصدقائنا، يطّلعون عليها بعد الخروج من سجوننا، وقد صرنا أشباحًا.

هل كان هناك طريق آخر؟ الأجيال القادمة ستكتبُ أنَّ الربيع العربي لم يعرف أعداءه بدقّة، ولم يسمّهم بأسمائهم فغدروا به.



 اضغط على الكلمات المفتاحية التالية، للإطلاع على المقالات الأخرى المتعلقة:

إنقلاب قيس سعيد، تونس، الإنقلاب في تونس،

 





تاريخ نشر المقال بموقع بوابتي 29-08-2021   المصدر: نون بوست

تقاسم المقال مع اصدقائك، أو ضعه على موقعك
لوضع رابط لهذا المقال على موقعك أو بمنتدى، قم بنسخ محتوى الحقل الذي بالأسفل، ثم ألصقه
رابط المقال

 
لإعلام أحدهم بهذا المقال، قم بإدخال بريده الإلكتروني و اسمك، ثم اضغط للإرسال
البريد الإلكتروني
اسمك

شارك برأيك
لوحة مفاتيح عربية بوابتي
     
*    الإسم
لن يقع إظهاره للعموم
     البريد الإلكتروني
  عنوان المداخلة
*

   المداخلة

*    حقول واجبة الإدخال
 
كم يبلغ مجموع العددين؟
العدد الثاني
العدد الأول
 * أدخل مجموع العددين
 
 
 
أكثر الكتّاب نشرا بموقع بوابتي
اضغط على اسم الكاتب للإطلاع على مقالاته
المولدي الفرجاني، فتحـي قاره بيبـان، د - المنجي الكعبي، صلاح الحريري، سلام الشماع، فهمي شراب، د - محمد بن موسى الشريف ، د. عادل محمد عايش الأسطل، عبد الله زيدان، د. أحمد محمد سليمان، ضحى عبد الرحمن، إسراء أبو رمان، أشرف إبراهيم حجاج، يحيي البوليني، عمر غازي، د- جابر قميحة، د. ضرغام عبد الله الدباغ، خالد الجاف ، د- هاني ابوالفتوح، سيد السباعي، د - عادل رضا، رمضان حينوني، سليمان أحمد أبو ستة، حميدة الطيلوش، حسن الطرابلسي، سعود السبعاني، حاتم الصولي، د- محمد رحال، الهادي المثلوثي، د - صالح المازقي، محمود طرشوبي، د. عبد الآله المالكي، عمار غيلوفي، كريم السليتي، عراق المطيري، أحمد الحباسي، حسن عثمان، طلال قسومي، د. أحمد بشير، أحمد بن عبد المحسن العساف ، عبد الرزاق قيراط ، د.محمد فتحي عبد العال، محمد الطرابلسي، أنس الشابي، عزيز العرباوي، خبَّاب بن مروان الحمد، عواطف منصور، محمود سلطان، صالح النعامي ، مراد قميزة، د. كاظم عبد الحسين عباس ، محمد شمام ، أ.د أحمد محمّد الدَّغَشِي ، عبد الله الفقير، د - محمد بنيعيش، محمد اسعد بيوض التميمي، د. طارق عبد الحليم، صلاح المختار، د - ‏أحمد إبراهيم خضر‏ ، عبد الغني مزوز، محمد أحمد عزوز، إياد محمود حسين ، فوزي مسعود ، أبو سمية، د. صلاح عودة الله ، رضا الدبّابي، الناصر الرقيق، محمد عمر غرس الله، الهيثم زعفان، فتحي الزغل، رافد العزاوي، العادل السمعلي، محمد العيادي، د - مصطفى فهمي، رافع القارصي، جاسم الرصيف، حسني إبراهيم عبد العظيم، نادية سعد، محمد يحي، أحمد ملحم، محمود فاروق سيد شعبان، فتحي العابد، وائل بنجدو، إيمى الأشقر، علي الكاش، مصطفي زهران، مصطفى منيغ، د. خالد الطراولي ، ماهر عدنان قنديل، منجي باكير، سلوى المغربي، سفيان عبد الكافي، أ.د. مصطفى رجب، صفاء العراقي، د- محمود علي عريقات، محرر "بوابتي"، صفاء العربي، سامح لطف الله، علي عبد العال، محمد الياسين، صباح الموسوي ، أحمد بوادي، رحاب اسعد بيوض التميمي، رشيد السيد أحمد، أحمد النعيمي، تونسي، مجدى داود، يزيد بن الحسين، د - الضاوي خوالدية، ياسين أحمد، سامر أبو رمان ، د - شاكر الحوكي ، د. مصطفى يوسف اللداوي، كريم فارق،
أحدث الردود
مسألة الوعي الشقي ،اي الاحساس بالالم دون خلق شروط تجاوزه ،مسالة تم الإشارة إليها منذ غرامشي وتحليل الوعي الجماعي او الماهوي ،وتم الوصول الى أن الضابط ...>>

حتى اذكر ان بوش قال سندعم قنوات عربيه لتمرير رسالتنا بدل التوجه لهم بقنوات امريكيه مفضوحه كالحره مثلا...>>

هذا الكلام وهذه المفاهيم أي الحكم الشرعي وقرار ولي الأمر والمفتي، كله كلام سائب لا معنى له لأن إطاره المؤسس غير موجود
يجب إثبات أننا بتونس دول...>>


مقال ممتاز...>>

تاكيدا لمحتوى المقال الذي حذر من عمليات اسقاط مخابراتي، فقد اكد عبدالكريم العبيدي المسؤول الامني السابق اليوم في لقاء تلفزي مع قناة الزيتونة انه وقع ا...>>

بسم الله الرحمن الرحيم
كلنا من ادم وادم من تراب
عندما نزل نوح عليه السلام منالسفينه كان معه ثمانون شخصا سكنو قريه اسمها اليوم هشتا بالك...>>


استعملت العفو والتسامح في سياق انهما فعلان، والحال كما هو واضح انهما مصدران، والمقصود هو المتضمن اي الفعلين: عفا وتسامح...>>

بغرض التصدي للانقلاب، لنبحث في اتجاه اخر غير اتجاه المنقلب، ولنبدا بمسلمة وهي ان من تخلى عن مجد لم يستطع المحافظة عليه كالرجال، ليس له الحق ان يعامل ك...>>

مقال ممتاز...>>

برجاء السماح بإمكانية تحميل الكتب والمراجع...>>

جل الزعماء العرب صعدوا ،بطرق مختلفة ،تصب لصالح المخطط الانتربلوجي العسكري التوسعي الاستعماري،ساهموا في تبسيط هدم حضارة جيرانهم العربية او الاسلامية عم...>>

مقال ممتاز
لكن الاصح ان الوجود الفرنسي بتونس لم يكن استعمارا وانما احتلال، فرنسا هي التي روجت ان وجودها ببلداننا كان بهدف الاعمار والاخراج من ح...>>


الاولى : قبل تحديد مشكلة البحث، وذلك لتحديد مسار البحث المستقل عن البحوث الاخرى قبل البدء فيه .
الثانية : بعد تحديد مشكلة البحث وذلك لمعرفة الا...>>


بارك الله فيكم...>>

جانبك اصواب في ما قلت عن السيد أحمد البدوي .

اعلم أن اصوفية لا ينشدون الدنيا و ليس لهم فيها مطمع فلا تتبع المنكرين المنافقين من الوها...>>


تم ذكر ان المدخل الروحي ظهر في بداياته على يد شارلوت تويل عام ١٩٦٥ في امريكا
فضلا وتكرما احتاج تزويدي ب...>>


الدين في خدمة السياسة عوض ان يكون الامر العكس، السياسة في خدمة الدين...>>

يرجى التثبت في الأخطاء اللغوية وتصحيحها لكي لاينقص ذلك من قيمة المقال

مثل: نكتب: ليسوا أحرارا وليس: ليسوا أحرار
وغيرها ......>>


كبر في عيني مرشد الاخوان و صغر في عيني العسكر
اسال الله ان يهديك الى طريق الصواب
المنافقون في الدرك الاسفل من النار...>>


It is important that issues are addressed in a clear and open manner, because it is necessary to understand the necessary information and to properly ...>>

وقع تصميم الموقع وتطويره من قبل ف.م. سوفت تونس

المقالات التي تنشر في هذا الباب لا تعبر بالضرورة عن رأي صاحب موقع بوابتي, باستثناء تلك الممضاة من طرفه أومن طرف "بوابتي"

الكاتب المؤشر عليه بأنه من كتاب موقع بوابتي، هو كل من بعث إلينا مقاله مباشرة