البدايةالدليل الاقتصادي للشركات  |  دليل مواقع الويبالاتصال بنا
 
 
 
المقالات الاكثر قراءة
 
تصفح باقي الإدراجات
أحدث المقالات

إنقلاب تونس: انزلاق خطير

كاتب المقال محمد هنيد - تونس / فرنسا   
 المشاهدات: 1001



لا تزال الأحداث التي جدّت مؤخرا في مهد ثورات الربيع العربي تتفاعل بقوة بعد القرارات المفاجئة التي اتخذها رئيس الجمهورية بتجميد عمل مجلس نواب الشعب وإعفاء رئيس الحكومة وتعليق عمل الوزراء وهو الإجراء الذي اعتبره كثيرون انقلابا على الثورة وعلى المسار الديمقراطي في تونس.

المجتمع لا يزال تحت تأثير الصدمة فلم يكن كثيرون يتوقعون أن يُقدم الرئيس المنتخب بآليات ديمقراطية على الانقلاب على المسار الديمقراطي الذي أوصله إلى الرئاسة. أما الغوغاء الذين يصفقون لغلق البرلمان بالقوة المسلحة وخرق الدستور في نصّه الصريح فهم بين مُغيّب وبين من تجذبه الخطابات الشعبوية التي تدّعي امتلاكها أبواب النعيم فور الانفراد بالسلطة.

يقوم النظام السياسي في تونس بعد الثورة على ثلاثية تقاسم السلطة بين رؤساء ثلاثة: رئيس الجمهورية ورئيس البرلمان ورئيس الحكومة، وهو البناء الذي كان يهدف إلى منع انفراد جهة واحدة بسلطة القرار خوفا من العودة إلى النظام الرئاسي المطلق الذي حكم به بورقيبة وبن علي. ما حدث منذ أيام هو إلغاء رئيس الجمهورية لسلطة الحكومة والبرلمان والانفراد بالقرار التنفيذي لنفسه وهذا هو أخطر مزالق المرحلة التي تعيشها البلاد.

الفصل الثمانون من الدستور

دار حول هذا الفصل لغط كثير خلال الأيام الماضية لأنه الفصل الذي استند عليه رئيس الجمهورية في الإجراءات التي اتخذها، وينص هذا الفصل الإجرائي الذي لا يقبل التأويل على أن تكون البلاد معرّضة إلى خطر داهم دون أن يفصّل النص في طبيعة الخطر وهو ما يفتحه على كل التأويلات الممكنة. هذا الفصل يمنح رئيس الجمهورية الحق في اتخاذ تدابير استثنائية بعد استشارة رئيس الحكومة ورئيس مجلس نواب الشعب وهو الأمر الذي لم يحدث حيث لم يستشر رئيس الجمهورية أيا كان من باقي الرؤساء. كما يوجب الفصل على رئيس الجمهورية إعلام رئيس المحكمة الدستورية بهذه القرارات وهي المؤسسة التي رفض الرئيس تكوينها في أكثر من مناسبة.

بناء على هذه المعطيات الأولية تكون الإجراءات التي اتخذها رئيس الجمهورية خارقة لنص الدستور الصريح وتُعدّ انقلابا صريحا عليه. بل إن الدستور ينص على أن يظل مجلس نواب الشعب في حالة انعقاد دائم بدوام الحالة الاستثنائية وهو الأمر الذي لم يحترمه الرئيس الذي قام بتجميد البرلمان وإغلاقه بالقوة العسكرية ومنع النواب من دخوله وممارسة حقهم النيابي. كما أنّ الرئيس قد أعلن عن تنصيب نفسه رئيسا للنيابة العمومية وهو ما يجعله قد جمّع في يده السلطات الثلاث: التنفيذية والتشريعية والقضائية.

تأسيسا على هذا يكون الرئيس قد تجاوز صلاحياته الدستورية ودفع بالبلاد إلى منزلق خطير وخيم العواقب وأخطر ما فيه محاولة توريط المؤسستين الأمنية والعسكرية في هذه المغامرة السياسية. وهو الأمر الذي دفع بكثير من الملاحظين إلى وصف ما حدث بأنه انقلاب على آخر قلاع الديمقراطية في المنطقة العربية وتصفية نهائية لإرث ثورات الشعوب.

المغامرة والسياق

لا يمكن فصل ما يجري في تونس عن محيطها الإقليمي وخاصة عن غرف الانقلابات التي تدار من قبل نفس الأطراف التي أعلنت العداء للشعوب ولثرواتها السلمية منذ 2011. وهو ما يجعل منها ـ كما تعتقد ـ الأطراف الرابحة الوحيدة من المحاولة الانقلابية في تونس. قامت دول الانقلابات هذه بحملة افتراضية كبيرة استهدفت مواقع التواصل العربية والتونسية لإيهام الناس بأنّ للانقلاب قاعدة شعبية وهي نفس الدول التي موّلت حملات تعطيل أشغال البرلمان والحملات الإعلامية ضد الأطراف الثورية التي رفضت الانقلاب على المسار الديمقراطي.

تونسيا وباستثناء حزب حركة الشعب القومية التي أعلنت مباركتها للانقلاب منذ الوهلة الأولى فإن كل الأحزاب والشخصيات الوطنية بما فيها أساتذة القانون الدستوري قد أعلنوا معارضتهم لهذا الانزلاق الخطير واصفين إياه بأنه انقلاب على الدستور وعلى الثورة وعلى المسار الديمقراطي.

من جهة أخرى لا يمكن إنكار الوضع المتردي الذي وصلت إليه البلاد على كل المستويات الاقتصادية والاجتماعية والسياسية والصحية وهو الأمر الذي زادته الجائحة سوءا. لكنّ هذا الوضع الدقيق تكاد تستوي فيه كثير من الدول العربية والأجنبية بفعل الوضع الاقتصادي الذي خلقته جائحة كورونا ولا يقتصر ذلك على تونس.

لا يمكن بذلك تحميل مسؤولية الفشل إلى طرف دون آخر فكل الأطراف قد ساهمت في حالة التردي هذه بما فيها رئاسة الجمهورية التي عطّلت تكوين الحكومة وتنصيب الوزراء. كما أن رئيس الحكومة الذي يُتّهم بالفشل قد تم تعيينه واختياره من قبل رئيس الجمهورية نفسه كما هو الحال بالنسبة لرئيس الحكومة السابق المتهم في قضايا فساد وتضارب مصالح. لكن من جهة أخرى هل يمثل الانقلاب على الدستور حلا لهذه الأزمة أم تعميقا لها؟ ألا يتطلب الأمر الذهاب إلى حوار وطني جديد لتحميل المسؤوليات ثم المحاسبة؟ ثم إذا فشل المُنتخَبون بما فيهم أعضاء البرلمان ورئيس الجمهورية ألا يفترض ذلك إعادة الأمانة إلى الشعب والذهاب إلى انتخابات مبكّرة؟

أسئلة كثيرة تملأ الشارع التونسي اليوم وهو يتوجّس من أن تكون هذه الإجراءات مقدمة إلى عودة الدكتاتورية واستنساخ النموذج المصري. بعيدا عن التكهنات فإن الأيام القليلة القادمة وحدها كفيلة بتقديم الإجابة عن مآلات المسار التونسي الذي راكم من الخبرة ومن التفاعل ما يجعل عودته إلى مربّع الاستبداد أمرا مستبعدا بسبب غياب الحاضنة الشعبية والعسكرية والأمنية والسياسية لتغيير نظام الحكم بالقوّة القاهرة.

أخطر ما في المحاولة الانقلابية باستثناء سعيها إلى توريط المؤسسة العسكرية التي يُجمع شعب تونس على نزاهتها واستقلاليتها أنها ستغلق صفحة الاستثناء التونسي عربيا. هذا الأمر سيُلغي من القاموس العربي منطق الديمقراطية والانتخابات ومنطق التغيير بالطرق السلمية وسيفتح المنطقة على كل الاحتمالات الممكنة التي لن يربح منها أحد شيئا.

لا حلّ في تونس إلا بالحوار وتغليب الحكمة وإعادة المؤسسات الدستورية إلى العمل ورسم خارطة طريق تلتزم بها كل الأطراف للخروج من الأزمة ومواصلة ترسيخ المسار الديمقراطي. لن ينتصر فريق على فريق آخر فالنصر الوحيد الممكن هو الانتصار على الأزمة التي تعصف بالبلاد وترسيخ المسار من أجل جيل الغد ومن أجل أن تظل تونس واحة الديمقراطية في الصحراء العربية.




 اضغط على الكلمات المفتاحية التالية، للإطلاع على المقالات الأخرى المتعلقة:

إنقلاب قيس سعيد، تونس، الإنقلاب في تونس،

 





تاريخ نشر المقال بموقع بوابتي 1-08-2021   المصدر: عربي 21

تقاسم المقال مع اصدقائك، أو ضعه على موقعك
لوضع رابط لهذا المقال على موقعك أو بمنتدى، قم بنسخ محتوى الحقل الذي بالأسفل، ثم ألصقه
رابط المقال

 
لإعلام أحدهم بهذا المقال، قم بإدخال بريده الإلكتروني و اسمك، ثم اضغط للإرسال
البريد الإلكتروني
اسمك

شارك برأيك
لوحة مفاتيح عربية بوابتي
     
*    الإسم
لن يقع إظهاره للعموم
     البريد الإلكتروني
  عنوان المداخلة
*

   المداخلة

*    حقول واجبة الإدخال
 
كم يبلغ مجموع العددين؟
العدد الثاني
العدد الأول
 * أدخل مجموع العددين
 
 
 
أكثر الكتّاب نشرا بموقع بوابتي
اضغط على اسم الكاتب للإطلاع على مقالاته
محمد أحمد عزوز، د. صلاح عودة الله ، فتحي العابد، كريم السليتي، د. خالد الطراولي ، د. كاظم عبد الحسين عباس ، أ.د. مصطفى رجب، أبو سمية، رضا الدبّابي، صلاح المختار، طلال قسومي، فتحي الزغل، حسن الطرابلسي، إسراء أبو رمان، عمار غيلوفي، علي الكاش، إيمى الأشقر، تونسي، ياسين أحمد، صباح الموسوي ، عبد الغني مزوز، أنس الشابي، خالد الجاف ، محمد شمام ، محمد عمر غرس الله، رافع القارصي، مصطفي زهران، د - محمد بنيعيش، العادل السمعلي، منجي باكير، صالح النعامي ، فوزي مسعود ، د. عادل محمد عايش الأسطل، يحيي البوليني، نادية سعد، د - صالح المازقي، إياد محمود حسين ، عزيز العرباوي، سامر أبو رمان ، مصطفى منيغ، د. ضرغام عبد الله الدباغ، محمود فاروق سيد شعبان، عمر غازي، سفيان عبد الكافي، محمد اسعد بيوض التميمي، د - مصطفى فهمي، فتحـي قاره بيبـان، حسن عثمان، أحمد ملحم، محمود سلطان، وائل بنجدو، مراد قميزة، د. أحمد محمد سليمان، د. عبد الآله المالكي، صفاء العراقي، سلام الشماع، محمد الطرابلسي، سليمان أحمد أبو ستة، عبد الله زيدان، المولدي الفرجاني، د. مصطفى يوسف اللداوي، سيد السباعي، حسني إبراهيم عبد العظيم، د- هاني ابوالفتوح، يزيد بن الحسين، أشرف إبراهيم حجاج، عبد الرزاق قيراط ، محمد الياسين، صفاء العربي، سعود السبعاني، عراق المطيري، أحمد الحباسي، د- محمود علي عريقات، أحمد بن عبد المحسن العساف ، رمضان حينوني، محمد يحي، مجدى داود، د - عادل رضا، فهمي شراب، د.محمد فتحي عبد العال، خبَّاب بن مروان الحمد، الناصر الرقيق، حميدة الطيلوش، د- محمد رحال، رشيد السيد أحمد، جاسم الرصيف، د - الضاوي خوالدية، محمد العيادي، د- جابر قميحة، عبد الله الفقير، كريم فارق، ضحى عبد الرحمن، د - ‏أحمد إبراهيم خضر‏ ، أحمد النعيمي، د. طارق عبد الحليم، د - محمد بن موسى الشريف ، الهيثم زعفان، علي عبد العال، أحمد بوادي، صلاح الحريري، رافد العزاوي، ماهر عدنان قنديل، أ.د أحمد محمّد الدَّغَشِي ، سلوى المغربي، عواطف منصور، د. أحمد بشير، حاتم الصولي، محمود طرشوبي، د - شاكر الحوكي ، محرر "بوابتي"، د - المنجي الكعبي، سامح لطف الله، رحاب اسعد بيوض التميمي، الهادي المثلوثي،
أحدث الردود
مسألة الوعي الشقي ،اي الاحساس بالالم دون خلق شروط تجاوزه ،مسالة تم الإشارة إليها منذ غرامشي وتحليل الوعي الجماعي او الماهوي ،وتم الوصول الى أن الضابط ...>>

حتى اذكر ان بوش قال سندعم قنوات عربيه لتمرير رسالتنا بدل التوجه لهم بقنوات امريكيه مفضوحه كالحره مثلا...>>

هذا الكلام وهذه المفاهيم أي الحكم الشرعي وقرار ولي الأمر والمفتي، كله كلام سائب لا معنى له لأن إطاره المؤسس غير موجود
يجب إثبات أننا بتونس دول...>>


مقال ممتاز...>>

تاكيدا لمحتوى المقال الذي حذر من عمليات اسقاط مخابراتي، فقد اكد عبدالكريم العبيدي المسؤول الامني السابق اليوم في لقاء تلفزي مع قناة الزيتونة انه وقع ا...>>

بسم الله الرحمن الرحيم
كلنا من ادم وادم من تراب
عندما نزل نوح عليه السلام منالسفينه كان معه ثمانون شخصا سكنو قريه اسمها اليوم هشتا بالك...>>


استعملت العفو والتسامح في سياق انهما فعلان، والحال كما هو واضح انهما مصدران، والمقصود هو المتضمن اي الفعلين: عفا وتسامح...>>

بغرض التصدي للانقلاب، لنبحث في اتجاه اخر غير اتجاه المنقلب، ولنبدا بمسلمة وهي ان من تخلى عن مجد لم يستطع المحافظة عليه كالرجال، ليس له الحق ان يعامل ك...>>

مقال ممتاز...>>

برجاء السماح بإمكانية تحميل الكتب والمراجع...>>

جل الزعماء العرب صعدوا ،بطرق مختلفة ،تصب لصالح المخطط الانتربلوجي العسكري التوسعي الاستعماري،ساهموا في تبسيط هدم حضارة جيرانهم العربية او الاسلامية عم...>>

مقال ممتاز
لكن الاصح ان الوجود الفرنسي بتونس لم يكن استعمارا وانما احتلال، فرنسا هي التي روجت ان وجودها ببلداننا كان بهدف الاعمار والاخراج من ح...>>


الاولى : قبل تحديد مشكلة البحث، وذلك لتحديد مسار البحث المستقل عن البحوث الاخرى قبل البدء فيه .
الثانية : بعد تحديد مشكلة البحث وذلك لمعرفة الا...>>


بارك الله فيكم...>>

جانبك اصواب في ما قلت عن السيد أحمد البدوي .

اعلم أن اصوفية لا ينشدون الدنيا و ليس لهم فيها مطمع فلا تتبع المنكرين المنافقين من الوها...>>


تم ذكر ان المدخل الروحي ظهر في بداياته على يد شارلوت تويل عام ١٩٦٥ في امريكا
فضلا وتكرما احتاج تزويدي ب...>>


الدين في خدمة السياسة عوض ان يكون الامر العكس، السياسة في خدمة الدين...>>

يرجى التثبت في الأخطاء اللغوية وتصحيحها لكي لاينقص ذلك من قيمة المقال

مثل: نكتب: ليسوا أحرارا وليس: ليسوا أحرار
وغيرها ......>>


كبر في عيني مرشد الاخوان و صغر في عيني العسكر
اسال الله ان يهديك الى طريق الصواب
المنافقون في الدرك الاسفل من النار...>>


It is important that issues are addressed in a clear and open manner, because it is necessary to understand the necessary information and to properly ...>>

وقع تصميم الموقع وتطويره من قبل ف.م. سوفت تونس

المقالات التي تنشر في هذا الباب لا تعبر بالضرورة عن رأي صاحب موقع بوابتي, باستثناء تلك الممضاة من طرفه أومن طرف "بوابتي"

الكاتب المؤشر عليه بأنه من كتاب موقع بوابتي، هو كل من بعث إلينا مقاله مباشرة