البدايةالدليل الاقتصادي للشركات  |  دليل مواقع الويبالاتصال بنا
 
 
 
المقالات الاكثر قراءة
 
تصفح باقي الإدراجات
أحدث المقالات

وباء كورونا والفرار من قدر الله إلى قدر الله

كاتب المقال د. علي عثمان شحاته - مصر    من كتـــــّاب موقع بوّابــتي
 المشاهدات: 1109


 يسمح بالنقل، بشرط ذكر موقع "بوابتي" مصدر المقال، ويفضّل أن يكون ذلك في شكل رابط


لم يكن وباء كوفيد - 19 (كورونا) هو الوباء الوحيد الذي أصاب البشرية؛ فقد ضرب الأرض على مدى تاريخها الطويل الكثير من الأوبئة؛ فقد تسبب الموت الأسود، في القرن الرابع عشر وتحديدا بين عامي 1347 و1351، بمقتل ما لا يقل عن 200 مليون شخص في مختلف أنحاء العالم، ويعتقد أنه نشأ في الصين أو بالقرب منها، ثم انتقل إلى إيطاليا وبعد ذلك إلى باقي أنحاء أوروبا، ثم إلى مختلف دول العالم، وفقا لصحيفة "ديلي ميل" البريطانية.

أما وباء الجدري، فقد تسبب بوفاة 56 مليون شخص عندما ظهر عام 1520، وتسببت الإنفلونزا الإسبانية التي ظهرت بعد الحرب العالمية الأولى (1918-1919)، بوفاة ما بين 40 و50 مليون إنسان في مختلف أنحاء العالم، في حين أودى طاعون جوستنيان، بين عامي 541 و542، بحياة من بين 30 و50 مليون شخص، وربما كان سببا في انهيار الإمبراطورية البيزنطية.

أما مرض نقص المناعة المكتسبة "الإيدز"، الذي ظهر عام 1981 ومازال منتشرا حتى وقتنا الحالي، فأودى بحياة ما بين 25 و35 مليون شخص. انظر موقع: سكاي نيوز عربي على الإنترنت https://www.skynewsarabia.com

وكأن هذه الأوبئة أصبحت لازمة من لوازم الوجود الإنساني، ومما يلفت الانتباه أن البشرية لم تستطع طوال تاريخها أن تتجنب هذه الأوبئة بشكل كامل، وكل ما استطاعت فعله هو الحد منها أو تقليل خسائرها، يقول (غراهام موني) مؤرخ الطب بجامعة جونز هوبكنز الأميركية: «هناك أمثلة كثيرة تدل على تجاهلنا دروس الماضي». وتابع «أحد الأمثلة يكمن في فشل الحكومات بالعديد من الأوقات في توقع الأمراض ودعم المواطنين خلال التأثيرات الاجتماعية والاقتصادية للأوبئة، من الحجر الصحي الإلزامي وقيود السفر إلى إغلاق المدارس وأماكن العمل والشركات المحلية». انظر موقع جريدة الشرق الأوسط على شبكة المعلومات الدولية: https://aawsat.com

ولا شك أن الأوبئة الفتاكة بقدر تأثيراتها الخطيرة في إزهاق الأرواح، إلا أن آثارها الاجتماعية والاقتصادية والنفسية لا تقل خطورة عن القتل والفتك وإزهاق الأرواح، وبالفعل فإن الاستعداد لمثل هذه الأوبئة ورصد الميزانيات لذلك يعتبر من أهم الواجبات الآن.

وما ألفت الانتباه إليه أن ترد على الذهن بعض الأسئلة فيما يتعلق بمواجهة المسلمين الأوائل لهذه الأوبئة، فكيف تعاملوا معها؟ مع العلم أن المنطقة العربية - التي هي مهد الإسلام - كانت مسرحا لكثير منها - فعلى سبيل المثال- طَاعُونُ عَمَوَاسَ سَنَةَ ثَمَانِيَ عَشْرَةَ من الهجرة، فقد َمَاتَ بِسَبَبِهِ جَمَاعَاتٌ مِنْ سَادَاتِ الصَّحَابَةِ، مِنْهُمْ مُعَاذُ بْنُ جَبَلٍ، وَأَبُو عُبَيْدَةَ، وَيَزِيدُ بْنُ أَبِي سُفْيَانَ، وَشُرَحْبِيلُ بْنُ حَسَنَةَ، وَأَبُو جَنْدَلٍ سَهْلُ بْنُ عُمَرَ وَأَبُوهُ، وَالْفَضْلُ بْنُ الْعَبَّاسِ بْنِ عَبْدِ الْمَطْلَبِ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ أَجْمَعِينَ" انظر: البداية والنهاية 6/ 202.

ومع حالات الوفاة بين خيار الصحابة بسبب هذا الطاعون نقول: هل استسلم الأوائل دون حراك منهم؟ أم حاولوا المواجهة في حدود ما أتيح لهم من إمكانات ووسائل للحد من انتشار الوباء، أو الطاعون كما كانوا يسمونه.

والجواب أنهم لم يستسلموا لذلك دون أخذ بالأسباب التي جعلها الله أسبابا، في حدود ما ملكت أيدهم، لأن المؤمن إلى جانب علمه ويقينه أن كل شيء بقدر الله، يعلم أيضا أن الصبر على المصيبة لا ينافي أخذ أسباب الحيطة والحذر من الوقوع فيها، وفي الحديث: "ما يُصِيبُ المُسْلِمَ، مِن نَصَبٍ ولا وصَبٍ، ولا هَمٍّ ولا حُزْنٍ ولا أذًى ولا غَمٍّ، حتّى الشَّوْكَةِ يُشاكُها، إلّا كَفَّرَ اللَّهُ بها مِن خَطاياه" أخرجه البخاري.

ومع ذلك فقد أُمِرنا أن نسلك سبيل السلامة، وألا نورد أنفسنا موارد التهلكة، قال تعالى: " وَلَا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ" البقرة من الآية:195. وفي الحديث: " فِرَّ من المجذومِ فِرارَك من الأسدِ" الباعث الحثيث ٢‏/٤٨٢- أحمد شاكر: حديث صحيح.

ومن هنا فإننا نسلم بقضاء الله، ثم نتوكل عليه بأخذ ما هدانا إليه من وسائل للنجاة بأنفسنا، وهذا ما فعله الأولون، أذكر هنا حكاية عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه حين قدم الشام وقبل دخولها علم بانتشار الطاعون فيها، فرجع ولم يدخل، وهذا ما حكاه عبد الرحمن بن عوف: أنَّ عُمَرَ خَرَجَ إلى الشَّأْمِ، فَلَمّا بَلَغَهُ أنَّ الوَباءَ قدْ وقَعَ بالشَّأْمِ لم يدخلها، حيث أخْبَرَهُ عبدُ الرَّحْمَنِ بنُ عَوْفٍ: أنَّ رَسولَ اللَّهِ ﷺ قالَ: "إذا سَمِعْتُمْ به بأَرْضٍ فلا تَقْدَمُوا عليه، وإذا وقَعَ بأَرْضٍ وأَنْتُمْ بها، فلا تَخْرُجُوا فِرارًا منه" صحيح البخاري ٥٧٣٠.

ولا شك أن هذا الأمر هو عين ما توصي به الجهات المعنية بالصحة في عصرنا، كمنظمة الصحة العالمية ووزارات الصحة في البلدان المختلفة؛ حيث يوصي الجميعُ بأن التباعد وارتداء ما يمنع من انتشار الوباء هو السبيل الأمثل في مقاومته، حتى يهيئ الله للبشرية دواءً يقاومه.

ومن الجدير بالذكر أن ما يتعلل به البعض من أننا تحت مشيئة الله تعالى وأن ما أصابنا أو يكاد هو قدر حتمي لا فرار منه، وأن الدعوة لاستخدام الوسائل لا يقدم أو يؤخر، كل ذلك هو عين ما راجع فيه أبو عبيدة بن الجراح عمرَ بن الخطاب رضي الله عنهما، مع علمه بحديث النبي صلى الله عليه وسلم، والذي رواه بنفسه، إلا أنه قال لعمر رضي الله عنهما: أتفر من قدر الله؟ قال: "نفر من قدر الله إلى قدر الله" أخرجه البخاري.

فلا مجال إذن للاستسلام للوباء، وعدم مقاومته باستخدام جميع الوسائل الممكنة للحد من انتشاره، ومن يستسهلون ذلك نقول لهم: الزموا بيوتكم يرحمكم الله، ولا تخرجوا إلا للضرورة، وإذا خرجتم فالتزموا سبل الوقاية، ولا تكونوا سبيلا لإيذاء أنفسكم، أو إيذاء غيركم، فالخطب عظيم والمخاطر حقيقية وكبيرة، وما نتابعه من إحصاءات لأعداد الوفيات على مستوى العالم ينذر بخطر كبير.

نسأل الله تعالى السلامة والعافية، والرحمة للموتى والشفاء العاجل المرضى
وصل اللهم وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين

---------------
د. علي عثمان شحاته
القاهرة - مصر



 اضغط على الكلمات المفتاحية التالية، للإطلاع على المقالات الأخرى المتعلقة:

كورونا، وباء، مرض، الوقاية، كوفيد - 19،

 





تاريخ نشر المقال بموقع بوابتي 29-04-2021  

تقاسم المقال مع اصدقائك، أو ضعه على موقعك
لوضع رابط لهذا المقال على موقعك أو بمنتدى، قم بنسخ محتوى الحقل الذي بالأسفل، ثم ألصقه
رابط المقال

 
لإعلام أحدهم بهذا المقال، قم بإدخال بريده الإلكتروني و اسمك، ثم اضغط للإرسال
البريد الإلكتروني
اسمك

شارك برأيك
لوحة مفاتيح عربية بوابتي
     
*    الإسم
لن يقع إظهاره للعموم
     البريد الإلكتروني
  عنوان المداخلة
*

   المداخلة

*    حقول واجبة الإدخال
 
كم يبلغ مجموع العددين؟
العدد الثاني
العدد الأول
 * أدخل مجموع العددين
 
 
 
أكثر الكتّاب نشرا بموقع بوابتي
اضغط على اسم الكاتب للإطلاع على مقالاته
يزيد بن الحسين، حسن عثمان، صباح الموسوي ، طلال قسومي، محمد العيادي، حسن الطرابلسي، أ.د أحمد محمّد الدَّغَشِي ، صفاء العربي، محمود فاروق سيد شعبان، سيد السباعي، عبد الله زيدان، خبَّاب بن مروان الحمد، أحمد ملحم، رحاب اسعد بيوض التميمي، عزيز العرباوي، منجي باكير، عبد الغني مزوز، ماهر عدنان قنديل، أ.د. مصطفى رجب، محمود سلطان، حاتم الصولي، د. مصطفى يوسف اللداوي، صفاء العراقي، إيمى الأشقر، صلاح الحريري، رافد العزاوي، رافع القارصي، د. أحمد محمد سليمان، صلاح المختار، سعود السبعاني، د- محمود علي عريقات، عراق المطيري، أحمد النعيمي، د - ‏أحمد إبراهيم خضر‏ ، الهادي المثلوثي، عبد الرزاق قيراط ، د - صالح المازقي، يحيي البوليني، نادية سعد، أشرف إبراهيم حجاج، فهمي شراب، حميدة الطيلوش، مراد قميزة، د. عبد الآله المالكي، صالح النعامي ، علي الكاش، مجدى داود، أنس الشابي، محمد اسعد بيوض التميمي، الناصر الرقيق، إياد محمود حسين ، العادل السمعلي، د. صلاح عودة الله ، الهيثم زعفان، محمود طرشوبي، المولدي الفرجاني، تونسي، رشيد السيد أحمد، د. طارق عبد الحليم، د. كاظم عبد الحسين عباس ، د - شاكر الحوكي ، أحمد بوادي، محمد الياسين، د - الضاوي خوالدية، كريم فارق، محرر "بوابتي"، فتحـي قاره بيبـان، فتحي العابد، محمد عمر غرس الله، د - محمد بن موسى الشريف ، سامح لطف الله، د- محمد رحال، سامر أبو رمان ، سليمان أحمد أبو ستة، د. أحمد بشير، محمد شمام ، مصطفي زهران، عواطف منصور، د. ضرغام عبد الله الدباغ، د - محمد بنيعيش، عمر غازي، سفيان عبد الكافي، فوزي مسعود ، كريم السليتي، د - مصطفى فهمي، محمد يحي، رضا الدبّابي، خالد الجاف ، أحمد بن عبد المحسن العساف ، عمار غيلوفي، حسني إبراهيم عبد العظيم، عبد الله الفقير، علي عبد العال، د - عادل رضا، د.محمد فتحي عبد العال، د- هاني ابوالفتوح، د. خالد الطراولي ، فتحي الزغل، سلوى المغربي، أحمد الحباسي، ياسين أحمد، د. عادل محمد عايش الأسطل، رمضان حينوني، د- جابر قميحة، محمد أحمد عزوز، جاسم الرصيف، د - المنجي الكعبي، وائل بنجدو، مصطفى منيغ، أبو سمية، سلام الشماع، محمد الطرابلسي، ضحى عبد الرحمن، إسراء أبو رمان،
أحدث الردود
مسألة الوعي الشقي ،اي الاحساس بالالم دون خلق شروط تجاوزه ،مسالة تم الإشارة إليها منذ غرامشي وتحليل الوعي الجماعي او الماهوي ،وتم الوصول الى أن الضابط ...>>

حتى اذكر ان بوش قال سندعم قنوات عربيه لتمرير رسالتنا بدل التوجه لهم بقنوات امريكيه مفضوحه كالحره مثلا...>>

هذا الكلام وهذه المفاهيم أي الحكم الشرعي وقرار ولي الأمر والمفتي، كله كلام سائب لا معنى له لأن إطاره المؤسس غير موجود
يجب إثبات أننا بتونس دول...>>


مقال ممتاز...>>

تاكيدا لمحتوى المقال الذي حذر من عمليات اسقاط مخابراتي، فقد اكد عبدالكريم العبيدي المسؤول الامني السابق اليوم في لقاء تلفزي مع قناة الزيتونة انه وقع ا...>>

بسم الله الرحمن الرحيم
كلنا من ادم وادم من تراب
عندما نزل نوح عليه السلام منالسفينه كان معه ثمانون شخصا سكنو قريه اسمها اليوم هشتا بالك...>>


استعملت العفو والتسامح في سياق انهما فعلان، والحال كما هو واضح انهما مصدران، والمقصود هو المتضمن اي الفعلين: عفا وتسامح...>>

بغرض التصدي للانقلاب، لنبحث في اتجاه اخر غير اتجاه المنقلب، ولنبدا بمسلمة وهي ان من تخلى عن مجد لم يستطع المحافظة عليه كالرجال، ليس له الحق ان يعامل ك...>>

مقال ممتاز...>>

برجاء السماح بإمكانية تحميل الكتب والمراجع...>>

جل الزعماء العرب صعدوا ،بطرق مختلفة ،تصب لصالح المخطط الانتربلوجي العسكري التوسعي الاستعماري،ساهموا في تبسيط هدم حضارة جيرانهم العربية او الاسلامية عم...>>

مقال ممتاز
لكن الاصح ان الوجود الفرنسي بتونس لم يكن استعمارا وانما احتلال، فرنسا هي التي روجت ان وجودها ببلداننا كان بهدف الاعمار والاخراج من ح...>>


الاولى : قبل تحديد مشكلة البحث، وذلك لتحديد مسار البحث المستقل عن البحوث الاخرى قبل البدء فيه .
الثانية : بعد تحديد مشكلة البحث وذلك لمعرفة الا...>>


بارك الله فيكم...>>

جانبك اصواب في ما قلت عن السيد أحمد البدوي .

اعلم أن اصوفية لا ينشدون الدنيا و ليس لهم فيها مطمع فلا تتبع المنكرين المنافقين من الوها...>>


تم ذكر ان المدخل الروحي ظهر في بداياته على يد شارلوت تويل عام ١٩٦٥ في امريكا
فضلا وتكرما احتاج تزويدي ب...>>


الدين في خدمة السياسة عوض ان يكون الامر العكس، السياسة في خدمة الدين...>>

يرجى التثبت في الأخطاء اللغوية وتصحيحها لكي لاينقص ذلك من قيمة المقال

مثل: نكتب: ليسوا أحرارا وليس: ليسوا أحرار
وغيرها ......>>


كبر في عيني مرشد الاخوان و صغر في عيني العسكر
اسال الله ان يهديك الى طريق الصواب
المنافقون في الدرك الاسفل من النار...>>


It is important that issues are addressed in a clear and open manner, because it is necessary to understand the necessary information and to properly ...>>

وقع تصميم الموقع وتطويره من قبل ف.م. سوفت تونس

المقالات التي تنشر في هذا الباب لا تعبر بالضرورة عن رأي صاحب موقع بوابتي, باستثناء تلك الممضاة من طرفه أومن طرف "بوابتي"

الكاتب المؤشر عليه بأنه من كتاب موقع بوابتي، هو كل من بعث إلينا مقاله مباشرة