البدايةالدليل الاقتصادي للشركات  |  دليل مواقع الويبالاتصال بنا
 
 
 
المقالات الاكثر قراءة
 
تصفح باقي الإدراجات
أحدث المقالات

صراع الشكلانية القانونية والتفكير العملي في خلفية المسألة التونسية الراهنة

كاتب المقال نور الدين العلوي - تونس   
 المشاهدات: 1346



أكاد أجزم أن الأشقاء العرب المتابعين للمعركة السياسية الجارية في تونس ملوا من متابعة التفاصيل السخيفة التي تظهر على وسائل الإعلام والسوشيال ميديا المفتوحة بكل حرية، وإذا كان العرب قد ملوا فالتونسيون وصولوا قبلهم إلى مرحلة القرف وضاقت صدورهم مما يجري.

فعلى الأرض مشاكل لا حصر لها وتنادي من يحلها ويربح التونسيون وقتًا ثمينًا قبل حلول كارثة اقتصادية واجتماعية (تونس تعد الألف الثامنة لموتى كوفيد 19)، لكن الصراع الدائر في رأس السلطة يستحوذ على الوقت والاهتمام ويدفع التونسيين إلى حالة من الجنون المنذرة بانفجار في وجه الجميع.

الرئيس لم يجب عن سؤال الإعلامي الألمعي محمد كريشان في القدس العربي: ماذا يريد الرئيس؟ ونحن هنا قبل السؤال وبعده لم نعد نعرف ماذا يريد الرئيس بل هل للرئيس إرادة غير أن يكون في مقدمة المشهد دون خطة ولا فكرة ولا حلول؟ نعرف فقط أن الرئيس يخلق المشاكل وقد انتخبه الناس ليحلها.

انتظرنا حلولًا من مناورات يوم الأربعاء وأصبحنا صباح الخميس في نفس الوضع الذي بتنا فيه ليلة الثلاثاء، فرأسا السلطة التنفيذية متمسكان بموقفهما لا يتزحزحان وعملية عض الأصابع متواصلة ولا يبدو أن أحدهما سيصرخ.

مناورات يوم الأربعاء 10 من فبراير/شباط
دعا رئيس الحكومة لفيفًا من أستاذة القانون الدستوري ليستعين بهم في حل الإشكال الدستوري المختلق عن شرعية التعديل الوزاري، ودعا الرئيس لفيفًا من النواب من كتل مختلفة ليعرض عليهم موقفه ويشرح أسباب رفضه للتعديل، وكنا نظن أن الحل سيأتي من إحدى الجهتين لكننا بتنا بلا حل، فالمناورات لم تؤت حلولًا.

تهرب أساتذة القانون من مسؤولية الحسم، فلم يقبلوا دور التحكيم ولو بنصيحة واضحة ورددوا الجملة التي يرددها الشارع قبل اجتماعهم بأن المسألة سياسية لا قانونية، لقد عرض عليهم أن يشرحوا الموقف القانوني، حيث صادق البرلمان بأغلبية معززة (أكثر من الثلثين) على التعديل والفصل الدستوري ينص صراحة على مسؤولية الحكومة أمام البرلمان وليس أمام الرئيس الذي عليه تنظيم حفل القسم لتمر الحكومة إلى أعمالها، موقفان أحدهما خاطئ، لكن فقهاء القانون عوموا موقفهم ولم يسعفوا رئيس الحكومة بحل ربما كان يود سماعه ليحسم له أو عليه.

لقد كشفوا في الأثناء حالة عجز النخب وجبنها أمام الحل القانوني ذي الكلفة السياسية بلا شك، فهم لم يرغبوا في إظهار خلافهم مع زميلهم القديم رغم أنه في جلسة موازية كان ينعتهم بالمشعوذين في القانون الدستوري (منافسة قديمة في قاعة أساتذة كلية الحقوق على تملك الأستاذية في القانون الدستوري خرجت عفونتها في وجوهنا بعد عقود)، فهم ما زالوا هناك لا ينقصهم إلا إعادة صراعاتهم الصغيرة بشأن جدول الأوقات أيام التدريس.

في الأثناء عقد الرئيس جلسته مع نواب فرزهم على هواه، فغيب كتلًا ودعا أخرى ولم يوازن بين حجم المدعوين (4 من الكتلة الديمقراطية و2 من النهضة دون مراعاة الحجم في البرلمان).

وكعادته منذ خرج للمشهد قرأ خطابًا خشبيًا بلغة تشبه حك الحديد على الحديد ليردد موقفًا ثابتًا لا يكشف أي رغبة في حل، وبعد أن كان يتحدث عن أربعة وزراء فاسدين (دون أدلة) صار يتكلم عن شوائب في تشكيل الحكومة دون توضيح، وجعل من غياب المرأة عن التشكيل الوزاري سببًا إضافيًا لرفض القسم.

وخرج النواب يبررون له موقفه في الإعلام، ففهمنا سبب فرز هؤلاء دون غيرهم، لقد حاول نقل المشكل داخل البرلمان وأفلح فمزق الكتل النيابية المعارضة لموقفه وفي مقدمتها كتلة النهضة.

حضور المرأة في الحكومة ليس شرطًا دستوريًا، فالمناصفة شرط في القانون الانتخابي وليس في الدستور، لكن الرئيس الذي يحتكر حماية الدستور جعلها قضية مركزية دون وجه حق، فأكد مسألة كانت واضحة للناس الرجل لا يبحث عن حل بل يبحث عن مشكل.

ووصلنا صباح الخميس بنفس الوضع الذي كنا فيه صباح الثلاثاء وندخل يومًا آخر من المماحكة وتعقيد حياة الناس، ولو علم من في الحكم كم أن حياة الناس اليومية معقدة دون هذه الإضافات من قبلهم، لكن كيف لهؤلاء المعزولين في أبراجهم والغارقين في نصوصهم الجافة أن يعلموا ما يصيب الناس من تكلسهم حول النص.

تحويل الدستور إلى عقبة
يمجد المفكر عزمي بشارة الدستور التونسي فيقول عنه إنه من أفضل الدساتير في العالم وليس فقط عند العرب ويرى فيه محاسن كثيرة، لكن الدستور التونسي يتحول على يد أبناء البلد إلى عقبة في طريق من وضعه ومن وصل به إلى الرئاسة، فقد تم توثين النص رغم ما فيه من فجوات اجتهادية.

العقل القانوني التونسي كما نفهمه من متابعة النقاش يخرج النص الدستوري من التفاوض الاجتماعي (السياسي) ليحوله إلى إله معبود لا يمكن النظر في وجهه بل الانكسار أمامه بصفته نصًا مقدسًا، والرئيس يظهر بمثابة الشامان الهندي القديم الذي يملك وحده الحق والقدرة على الاتصال بروح الرب الدستوري ليشرحه للقبيلة المخدرة بقدسية الأرواح غير المنظورة، إنه السادن والقائم بالرفادة والسقاية ووحده من يتكفل بحجيج الدستور في كعبته.

هذا عقل متكلس مبني على حتميات رياضية ربما عدنا بها إلى وضعية أوجست كونت وإلى كل قائل بالحتميات الرياضية في الاجتماع الإنساني، إنه عقل فرنسي معاد لكل براغماتية التفكير البشري التي تطورت خارج حقل العلوم الإنسانية الفرنسي. مرآة نكتشفها مرة أخرى لنمط التعليم الفرنسي المهيمن على الجامعة التونسية الذي صنع خريجيها من النخب الكافرة بالحوار والتفاوض وتقاسم المسافات.

شكلانية قانونية تعقد المشاكل ولا تقدم الحلول فلا تقدم بالإدارة ولا بالسياسة، لذلك لم يفت فقهاء القانون الذي استعان بهم رئيس الحكومة خشية أن ينعتوا بتجاوز النص، فقد وضعوا إيمانهم بشكل النص قبل إيمانهم بالوطن وبحاجة الناس، لذلك لم يتجرأ النواب أيضًا على سؤال الرئيس عن فحوى اتهامه للوزراء الأربع بالفساد، فخرجوا من عنده دون معرفة المتهمين وحجج الاتهام، فقد كان النواب أنفسهم رجال قانون لا علماء اجتماع أو علماء نفس.

لنكتب جملة متفائلة نختم بها نصًا حزينًا، هذه الأزمة أسقطت فقهاء القانون وعلمت من يريد أن يتعلم أن تقديس النصوص عقبة في طريق السياسة إنه درس من دروس الثورة، لقد سقطت كليات الحقوق وسقط خريجوها صناع التعقيد لا صناع الحلول، وسيفتح الطريق لنمط آخر من التفكير غير الشكلاني لإدارة الدولة، فالحلول العملية لا تأتي من شكل النص بل من جوهر الحياة العملية.

وهنا غاب الرئيس والنواب وفقهاء القانون وكتبوا نهايتهم بعجزهم العملي المستكين إلى روح موهومة في النصوص، ولتونس روح عملية ستخرج منتصرة على شكل النص وعلى سدنته المزيفين.


 اضغط على الكلمات المفتاحية التالية، للإطلاع على المقالات الأخرى المتعلقة:

تونس، قيس سعيد، المشيشي، اللجان الشعبية، تنسقيات قيس،

 





تاريخ نشر المقال بموقع بوابتي 12-02-2021   المصدر: نون بوست

تقاسم المقال مع اصدقائك، أو ضعه على موقعك
لوضع رابط لهذا المقال على موقعك أو بمنتدى، قم بنسخ محتوى الحقل الذي بالأسفل، ثم ألصقه
رابط المقال

 
لإعلام أحدهم بهذا المقال، قم بإدخال بريده الإلكتروني و اسمك، ثم اضغط للإرسال
البريد الإلكتروني
اسمك

شارك برأيك
لوحة مفاتيح عربية بوابتي
     
*    الإسم
لن يقع إظهاره للعموم
     البريد الإلكتروني
  عنوان المداخلة
*

   المداخلة

*    حقول واجبة الإدخال
 
كم يبلغ مجموع العددين؟
العدد الثاني
العدد الأول
 * أدخل مجموع العددين
 
 
 
أكثر الكتّاب نشرا بموقع بوابتي
اضغط على اسم الكاتب للإطلاع على مقالاته
صالح النعامي ، د - الضاوي خوالدية، محمد عمر غرس الله، محمد اسعد بيوض التميمي، مراد قميزة، عزيز العرباوي، طلال قسومي، المولدي الفرجاني، أنس الشابي، العادل السمعلي، عمار غيلوفي، محمد شمام ، إسراء أبو رمان، فوزي مسعود ، أ.د أحمد محمّد الدَّغَشِي ، صفاء العربي، رحاب اسعد بيوض التميمي، الهادي المثلوثي، د. صلاح عودة الله ، إيمى الأشقر، د. كاظم عبد الحسين عباس ، منجي باكير، سلوى المغربي، علي الكاش، سليمان أحمد أبو ستة، د- محمد رحال، أشرف إبراهيم حجاج، نادية سعد، د- جابر قميحة، تونسي، سيد السباعي، مصطفى منيغ، أبو سمية، محرر "بوابتي"، إياد محمود حسين ، سامح لطف الله، وائل بنجدو، كريم السليتي، د - ‏أحمد إبراهيم خضر‏ ، د - عادل رضا، صلاح الحريري، رشيد السيد أحمد، خالد الجاف ، د. أحمد محمد سليمان، محمد العيادي، أحمد بوادي، ضحى عبد الرحمن، د. أحمد بشير، مجدى داود، د - محمد بن موسى الشريف ، مصطفي زهران، د - شاكر الحوكي ، الناصر الرقيق، عبد الله الفقير، عراق المطيري، عبد الرزاق قيراط ، صلاح المختار، الهيثم زعفان، عواطف منصور، عبد الله زيدان، سلام الشماع، رافع القارصي، عبد الغني مزوز، محمود طرشوبي، د - محمد بنيعيش، أحمد الحباسي، د- محمود علي عريقات، د. طارق عبد الحليم، علي عبد العال، د - مصطفى فهمي، محمد يحي، رضا الدبّابي، كريم فارق، أحمد النعيمي، صفاء العراقي، محمد الطرابلسي، حاتم الصولي، خبَّاب بن مروان الحمد، فتحي الزغل، د - صالح المازقي، محمد أحمد عزوز، د- هاني ابوالفتوح، د. مصطفى يوسف اللداوي، يزيد بن الحسين، حسني إبراهيم عبد العظيم، عمر غازي، رمضان حينوني، د. خالد الطراولي ، سفيان عبد الكافي، جاسم الرصيف، صباح الموسوي ، محمد الياسين، أحمد بن عبد المحسن العساف ، د. عادل محمد عايش الأسطل، فتحـي قاره بيبـان، حميدة الطيلوش، محمود سلطان، فهمي شراب، د. ضرغام عبد الله الدباغ، د. عبد الآله المالكي، سامر أبو رمان ، أ.د. مصطفى رجب، رافد العزاوي، أحمد ملحم، ماهر عدنان قنديل، حسن الطرابلسي، سعود السبعاني، ياسين أحمد، د - المنجي الكعبي، حسن عثمان، محمود فاروق سيد شعبان، يحيي البوليني، فتحي العابد، د.محمد فتحي عبد العال،
أحدث الردود
مسألة الوعي الشقي ،اي الاحساس بالالم دون خلق شروط تجاوزه ،مسالة تم الإشارة إليها منذ غرامشي وتحليل الوعي الجماعي او الماهوي ،وتم الوصول الى أن الضابط ...>>

حتى اذكر ان بوش قال سندعم قنوات عربيه لتمرير رسالتنا بدل التوجه لهم بقنوات امريكيه مفضوحه كالحره مثلا...>>

هذا الكلام وهذه المفاهيم أي الحكم الشرعي وقرار ولي الأمر والمفتي، كله كلام سائب لا معنى له لأن إطاره المؤسس غير موجود
يجب إثبات أننا بتونس دول...>>


مقال ممتاز...>>

تاكيدا لمحتوى المقال الذي حذر من عمليات اسقاط مخابراتي، فقد اكد عبدالكريم العبيدي المسؤول الامني السابق اليوم في لقاء تلفزي مع قناة الزيتونة انه وقع ا...>>

بسم الله الرحمن الرحيم
كلنا من ادم وادم من تراب
عندما نزل نوح عليه السلام منالسفينه كان معه ثمانون شخصا سكنو قريه اسمها اليوم هشتا بالك...>>


استعملت العفو والتسامح في سياق انهما فعلان، والحال كما هو واضح انهما مصدران، والمقصود هو المتضمن اي الفعلين: عفا وتسامح...>>

بغرض التصدي للانقلاب، لنبحث في اتجاه اخر غير اتجاه المنقلب، ولنبدا بمسلمة وهي ان من تخلى عن مجد لم يستطع المحافظة عليه كالرجال، ليس له الحق ان يعامل ك...>>

مقال ممتاز...>>

برجاء السماح بإمكانية تحميل الكتب والمراجع...>>

جل الزعماء العرب صعدوا ،بطرق مختلفة ،تصب لصالح المخطط الانتربلوجي العسكري التوسعي الاستعماري،ساهموا في تبسيط هدم حضارة جيرانهم العربية او الاسلامية عم...>>

مقال ممتاز
لكن الاصح ان الوجود الفرنسي بتونس لم يكن استعمارا وانما احتلال، فرنسا هي التي روجت ان وجودها ببلداننا كان بهدف الاعمار والاخراج من ح...>>


الاولى : قبل تحديد مشكلة البحث، وذلك لتحديد مسار البحث المستقل عن البحوث الاخرى قبل البدء فيه .
الثانية : بعد تحديد مشكلة البحث وذلك لمعرفة الا...>>


بارك الله فيكم...>>

جانبك اصواب في ما قلت عن السيد أحمد البدوي .

اعلم أن اصوفية لا ينشدون الدنيا و ليس لهم فيها مطمع فلا تتبع المنكرين المنافقين من الوها...>>


تم ذكر ان المدخل الروحي ظهر في بداياته على يد شارلوت تويل عام ١٩٦٥ في امريكا
فضلا وتكرما احتاج تزويدي ب...>>


الدين في خدمة السياسة عوض ان يكون الامر العكس، السياسة في خدمة الدين...>>

يرجى التثبت في الأخطاء اللغوية وتصحيحها لكي لاينقص ذلك من قيمة المقال

مثل: نكتب: ليسوا أحرارا وليس: ليسوا أحرار
وغيرها ......>>


كبر في عيني مرشد الاخوان و صغر في عيني العسكر
اسال الله ان يهديك الى طريق الصواب
المنافقون في الدرك الاسفل من النار...>>


It is important that issues are addressed in a clear and open manner, because it is necessary to understand the necessary information and to properly ...>>

وقع تصميم الموقع وتطويره من قبل ف.م. سوفت تونس

المقالات التي تنشر في هذا الباب لا تعبر بالضرورة عن رأي صاحب موقع بوابتي, باستثناء تلك الممضاة من طرفه أومن طرف "بوابتي"

الكاتب المؤشر عليه بأنه من كتاب موقع بوابتي، هو كل من بعث إلينا مقاله مباشرة