البدايةالدليل الاقتصادي للشركات  |  دليل مواقع الويبالاتصال بنا
 
 
 
المقالات الاكثر قراءة
 
تصفح باقي الإدراجات
أحدث المقالات

تونس: لا أمل في صلح قومي إسلامي

كاتب المقال نور الدين العلوي - تونس   
 المشاهدات: 1481



تونس تسلم أمرها لوباء كورونا والضعفاء يستدعون حلول السماء والحكومة تدعوهم إلى التعايش والصبر، ونجاح السيطرة على المرحلة الأولى صار وراءهم ذكرى طيبة يربطها البعض بشخص وزير الصحة المقال في قلب المعركة، بينما يبرر آخرون أننا على طريق جيراننا سائرون.

رغم ذلك فالورقة التي يكتبها جاهل بالطب تهتم بوباء آخر، وباء سياسي نكتب عنه استباقًا لإصابة محتملة بالوباء الطبيعي، أتحدث عن المعركة بين التيار القومي والتيار الإسلامي على ضوء المواقف التي انتهى إليها ممثلا التيارين في تونس بعد سقوط حكومة إلياس الفخفاخ.

فرحة ما تمت
عندما اشتركت حركة الشعب (حزب قومي) وحركة النهضة (حزب إسلامي) في حكومة واحدة، أملنا خيرًا في رؤية نهاية للصراع بين الحزبين اللذين يمثلان تيارين فكريين وسياسيين يخترقان العرب طولًا وعرضًا، فقد كان الأمل أن العمل الحكومي سيصرف منتسبي التيارين/الحزبين عن الصراع إلى البناء ويشغلهم عن المناكفات فيكتشفون أن صراعهم القديم لم يكن قائمًا على أسس حقيقية، على الأقل في الحالة التونسية التي استوردت الصراع من الشرق ولم تسهم في خلقه.

لكن هذا الأمل لم يعمر طويلًا، فقد سقطت حكومة الفخفاخ ليس بسبب هذا الخلاف بل لسبب مختلف (لم يتسرب من داخل هذه الحكومة أي نبأ يفيد أن وزراء الحزبين وجدا صعوبة في العمل الحكومي المشترك)، لكن سقوطها فرق بين الحزبين فعادا إلى حالة العداء التي أصفها بالوباء بل أجدها أخطر، ولم يظهر أنهما قرءا فوائد التعايش فاستسهلا العداء القديم.

بدرت عن حركة الشعب تصريحات استئصالية مفادها أن لا تعايش في المستقبل مع النهضة مع نبرة انتصارية واهية أقرب إلى التعزية الذاتية، فيما اكتفت حركة النهضة بالمصادقة على حكومة المشيشي التي لا تمثل الأحزاب.

ونجد أن الخلاف بشأن الحكومة يستند إلى ذلك الصراع وليس لاختلاف بشأن برنامج حكم اقترح ورفضته حركة الشعب (الحقيقة أن كل الأحزاب تقدم برنامجًا واحدًا بتفاصيل ثانوية لإظهار اختلاف).

كلفة الخلاف تونسيًا وعربيًا
النبش في جذور الخلاف يذهب بنا بعيدًا، لكنه هنا والآن يعطل كل الاحتمالات الديمقراطية خاصة بعد الربيع العربي الذي شارك فيه الجميع بمقادير وأملت منه الأمة خيرًا كثيرًا، وكان التوجه إلى انتخابات برلمانية في مصر وتونس هو الحامل لاحتمالات المصالحة، إذ إن ممثلي التيارين في البلدين عاشا زمنًا طويلًا في معارضة نظاميهما القائمين (مبارك/الحزب الوطني وبن علي/حزب التجمع)، لكن نتائج الانتخابات قدمت الإسلاميين ووضعت القوميين في مؤخرة ترتيب القوى السياسة الفاعلة على الساحة، فعاد الخلاف إلى السطح وصار الربيع العربي ربيعًا عبريًا عند القوى القومية.

ومن الساحة السورية انتقلت الحرب إلى مصر وتونس، ونحن نعيشها كأننا على إحدى الجبهات السورية، وكل ذلك اللغو الكثيف بشأن عمالة الإسلاميين لقطر وتركيا وعمالة القوميين لإيران ليس إلا مبررات ومهارب متنوعة لعدم تحمل كلفة حوار في تونس أو في مصر يقدم نجاح الديمقراطية الداخلية (في قطر من الأقطار)، واجتناب نقل المعارك من قطر آخر لم تتهيأ فيه ظروف التعايش الديمقراطي.

السؤال الذي لا نظن الفريقين يطرحانه هو: كم كلفة هذا الخلاف على الديمقراطية (السؤال قابل للتوسيع ليشمل كل من يرفض العمل السياسي مع الإسلاميين ويقصيهم)؟ كم كانت فرضية التعايش ستجر من فائدة لا على التيارين فحسب بل على شعوبهما قبل ذلك؟

لننظر في بعض النتائج، لقد ساند قوميو مصر انقلاب السيسي فخسر تيار الإخوان خسارة مدمرة، لكن ماذا ربح القوميون من السيسي؟ عقلاؤهم يدفعون ثمنًا باهظًا للعودة عن موقف مناصرة نظام يخون قضية العرب ويدفع إلى الخيانة بكل قوته، وقد حرمهم السيسي حتى حق الكلام.

وبالعصبية نفسها ساند قوميو تونس الانقلاب وهم الآن في ورطة أخلاقية كبيرة، فوريث عبد الناصر كشف عن خائن قومي ومطبع وعدو للمقاومة، لقد كان العداء للإخوان غمامة مظلمة أودت بالقوميين العرب والأسوأ في كل المشهد أنهم يجدون الآن أنفسهم في نفس الخندق مع الأنظمة المهرولة إلى التطبيع، إذ يشتركان في أمر واحد بل وحيد وهو العداء لتيار الإخوان، ربما يختلفان في الأسباب والمبررات لكن النتيجة واحدة.

لا نرى عاقلًا من هؤلاء يقول خسارتنا من هذه الحرب أكبر من منافعنا لنتوقف هنا ونعالج جذور المشكل، ردة فعل حركة الشعب القومية بعد سقوط حكومة الفخفاخ تكشف أن هذا العاقل لم ينطق بعد وقد لا يكون له وجود أبدًا.

وباء وليس أقل من ذلك
عندما أصف هذا الصراع بالوباء المدمر فأنا أستند إلى تاريخ هذا الصراع، فمنذ ثلاثة أرباع قرن يعادي القوميون الإسلاميين ويحاربونهم، لقد ملك القوميون السلطة في بلدان كثيرة ولم يكن خطر الإسلاميين عليهم حقيقة بل اصطناع سياسي بنيت عليه السياسيات المعادية للديمقراطية لتمحق الإسلاميين وغيرهم، ولم يحظ الإسلاميون بفرص مماثلة لتكون مقارنة علمية، لكن في العقود الأخيرة كان القوميون والإسلاميون في خندق ضحايا الأنظمة غير الديمقراطية وكان المنتظر أن يتفقا على الديمقراطية لكنهما اتخذا الديمقراطية نفسها وسيلة لمواصلة الحرب.

وهو ما يدفعنا إلى استنتاج محبط أن هذه الحرب لن تنتهي إلا بفناء أحد طرفيها، وسيكون ذلك بوسيلة الديمقراطية نفسها، ونعتقد أن من يستثمر الديمقراطية لإقصاء شركائه فيها وبناء الحواجز داخلها سيكشف عجزًا ديمقراطيًا أصيلًا فيه وأن حديث الديمقراطية عنده فاقد للمصداقية ولا ينفذ إلى الناس مثلما لم ينفذ حديث زعماء بلغاء جدًا إلى أرواح شعوبهم فاندثرت أنظمتهم بمجرد اختفاء وجوههم من وسائل الإعلام التي حكموا بها الناس.

سنواجه كورونا وحدنا في تونس، فربما يسمح لنا الوباء بوقت إضافي لنشهد نهاية أفكار كثيرة وتيارات كثيرة فعلت فينا فعل الأوبئة ولكن لم تقتلنا بعد.



 اضغط على الكلمات المفتاحية التالية، للإطلاع على المقالات الأخرى المتعلقة:

تونس، اليسار، القوميون،

 





تاريخ نشر المقال بموقع بوابتي 20-09-2020   المصدر: نون بوست

تقاسم المقال مع اصدقائك، أو ضعه على موقعك
لوضع رابط لهذا المقال على موقعك أو بمنتدى، قم بنسخ محتوى الحقل الذي بالأسفل، ثم ألصقه
رابط المقال

 
لإعلام أحدهم بهذا المقال، قم بإدخال بريده الإلكتروني و اسمك، ثم اضغط للإرسال
البريد الإلكتروني
اسمك

شارك برأيك
لوحة مفاتيح عربية بوابتي
     
*    الإسم
لن يقع إظهاره للعموم
     البريد الإلكتروني
  عنوان المداخلة
*

   المداخلة

*    حقول واجبة الإدخال
 
كم يبلغ مجموع العددين؟
العدد الثاني
العدد الأول
 * أدخل مجموع العددين
 
 
 
أكثر الكتّاب نشرا بموقع بوابتي
اضغط على اسم الكاتب للإطلاع على مقالاته
سليمان أحمد أبو ستة، صلاح الحريري، صالح النعامي ، عبد الغني مزوز، د. طارق عبد الحليم، مصطفى منيغ، عزيز العرباوي، علي الكاش، طلال قسومي، وائل بنجدو، أ.د. مصطفى رجب، د. خالد الطراولي ، د. صلاح عودة الله ، محمد عمر غرس الله، عمر غازي، أبو سمية، د. أحمد بشير، محمد العيادي، محمد أحمد عزوز، محمود طرشوبي، سفيان عبد الكافي، محمد الياسين، د - الضاوي خوالدية، نادية سعد، د. عبد الآله المالكي، د - مصطفى فهمي، خالد الجاف ، عراق المطيري، د- جابر قميحة، رمضان حينوني، أحمد بوادي، الهادي المثلوثي، فتحـي قاره بيبـان، الهيثم زعفان، د - صالح المازقي، أحمد ملحم، رشيد السيد أحمد، صباح الموسوي ، د. عادل محمد عايش الأسطل، كريم فارق، فهمي شراب، حسن الطرابلسي، أشرف إبراهيم حجاج، رافد العزاوي، د- هاني ابوالفتوح، محمود سلطان، د - ‏أحمد إبراهيم خضر‏ ، أنس الشابي، سلوى المغربي، د. مصطفى يوسف اللداوي، د. أحمد محمد سليمان، حسني إبراهيم عبد العظيم، أحمد بن عبد المحسن العساف ، عبد الله زيدان، د - شاكر الحوكي ، رافع القارصي، رحاب اسعد بيوض التميمي، إيمى الأشقر، أحمد الحباسي، سامر أبو رمان ، د.محمد فتحي عبد العال، ياسين أحمد، د. ضرغام عبد الله الدباغ، سلام الشماع، صلاح المختار، عبد الرزاق قيراط ، حميدة الطيلوش، صفاء العربي، تونسي، الناصر الرقيق، سعود السبعاني، يحيي البوليني، أ.د أحمد محمّد الدَّغَشِي ، علي عبد العال، سيد السباعي، عواطف منصور، فتحي العابد، د. كاظم عبد الحسين عباس ، إياد محمود حسين ، محرر "بوابتي"، حاتم الصولي، رضا الدبّابي، عمار غيلوفي، عبد الله الفقير، فوزي مسعود ، كريم السليتي، محمود فاروق سيد شعبان، ضحى عبد الرحمن، ماهر عدنان قنديل، فتحي الزغل، مراد قميزة، د - عادل رضا، د - محمد بن موسى الشريف ، د - محمد بنيعيش، محمد اسعد بيوض التميمي، محمد الطرابلسي، أحمد النعيمي، د- محمود علي عريقات، سامح لطف الله، العادل السمعلي، المولدي الفرجاني، حسن عثمان، يزيد بن الحسين، صفاء العراقي، منجي باكير، مصطفي زهران، مجدى داود، د- محمد رحال، محمد شمام ، د - المنجي الكعبي، إسراء أبو رمان، محمد يحي، جاسم الرصيف، خبَّاب بن مروان الحمد،
أحدث الردود
مسألة الوعي الشقي ،اي الاحساس بالالم دون خلق شروط تجاوزه ،مسالة تم الإشارة إليها منذ غرامشي وتحليل الوعي الجماعي او الماهوي ،وتم الوصول الى أن الضابط ...>>

حتى اذكر ان بوش قال سندعم قنوات عربيه لتمرير رسالتنا بدل التوجه لهم بقنوات امريكيه مفضوحه كالحره مثلا...>>

هذا الكلام وهذه المفاهيم أي الحكم الشرعي وقرار ولي الأمر والمفتي، كله كلام سائب لا معنى له لأن إطاره المؤسس غير موجود
يجب إثبات أننا بتونس دول...>>


مقال ممتاز...>>

تاكيدا لمحتوى المقال الذي حذر من عمليات اسقاط مخابراتي، فقد اكد عبدالكريم العبيدي المسؤول الامني السابق اليوم في لقاء تلفزي مع قناة الزيتونة انه وقع ا...>>

بسم الله الرحمن الرحيم
كلنا من ادم وادم من تراب
عندما نزل نوح عليه السلام منالسفينه كان معه ثمانون شخصا سكنو قريه اسمها اليوم هشتا بالك...>>


استعملت العفو والتسامح في سياق انهما فعلان، والحال كما هو واضح انهما مصدران، والمقصود هو المتضمن اي الفعلين: عفا وتسامح...>>

بغرض التصدي للانقلاب، لنبحث في اتجاه اخر غير اتجاه المنقلب، ولنبدا بمسلمة وهي ان من تخلى عن مجد لم يستطع المحافظة عليه كالرجال، ليس له الحق ان يعامل ك...>>

مقال ممتاز...>>

برجاء السماح بإمكانية تحميل الكتب والمراجع...>>

جل الزعماء العرب صعدوا ،بطرق مختلفة ،تصب لصالح المخطط الانتربلوجي العسكري التوسعي الاستعماري،ساهموا في تبسيط هدم حضارة جيرانهم العربية او الاسلامية عم...>>

مقال ممتاز
لكن الاصح ان الوجود الفرنسي بتونس لم يكن استعمارا وانما احتلال، فرنسا هي التي روجت ان وجودها ببلداننا كان بهدف الاعمار والاخراج من ح...>>


الاولى : قبل تحديد مشكلة البحث، وذلك لتحديد مسار البحث المستقل عن البحوث الاخرى قبل البدء فيه .
الثانية : بعد تحديد مشكلة البحث وذلك لمعرفة الا...>>


بارك الله فيكم...>>

جانبك اصواب في ما قلت عن السيد أحمد البدوي .

اعلم أن اصوفية لا ينشدون الدنيا و ليس لهم فيها مطمع فلا تتبع المنكرين المنافقين من الوها...>>


تم ذكر ان المدخل الروحي ظهر في بداياته على يد شارلوت تويل عام ١٩٦٥ في امريكا
فضلا وتكرما احتاج تزويدي ب...>>


الدين في خدمة السياسة عوض ان يكون الامر العكس، السياسة في خدمة الدين...>>

يرجى التثبت في الأخطاء اللغوية وتصحيحها لكي لاينقص ذلك من قيمة المقال

مثل: نكتب: ليسوا أحرارا وليس: ليسوا أحرار
وغيرها ......>>


كبر في عيني مرشد الاخوان و صغر في عيني العسكر
اسال الله ان يهديك الى طريق الصواب
المنافقون في الدرك الاسفل من النار...>>


It is important that issues are addressed in a clear and open manner, because it is necessary to understand the necessary information and to properly ...>>

وقع تصميم الموقع وتطويره من قبل ف.م. سوفت تونس

المقالات التي تنشر في هذا الباب لا تعبر بالضرورة عن رأي صاحب موقع بوابتي, باستثناء تلك الممضاة من طرفه أومن طرف "بوابتي"

الكاتب المؤشر عليه بأنه من كتاب موقع بوابتي، هو كل من بعث إلينا مقاله مباشرة