البدايةالدليل الاقتصادي للشركات  |  دليل مواقع الويبالاتصال بنا
 
 
 
المقالات الاكثر قراءة
 
تصفح باقي الإدراجات
أحدث المقالات

الموجة الثورية الثانية تصحح أخطاء الأولى

كاتب المقال محمد هنيد - تونس   
 المشاهدات: 1756



لا يمكن أن ننكر اليوم أمام ما يحدث في العراق ولبنان والجزائر وقبله في السودان أننا أمام الموجة الثورية الثانية للربيع العربي الذي انطلق في تونس. هذا الإقرار يعني أنّ حركة الثورات لا تزال متواصلة وأنّ زخمها آخذ في الارتفاع وأن رقعتها الجغرافية بصدد التمدد بعد أن بلغت مناطق لم تبلغها خلال الموجة الأولى.

لم تنجح المشاريع الانقلابية التي قادتها الثورات المضادة وأذرع الدولة العميقة في كسر شوكة الشارع وفي ترميم جدار الخوف الذي أسقطته الجماهير خلال الموجة الأولى. فالشعوب لم تعد تخاف القتل والقنص وأجهزة المخابرات واستوى عندها الموت والحياة بل نراها تواجه بصدور عارية جحافل القناصة والمليشيات وفرق الموت التي تحرس النظام الاستبدادي الإقليمي.

هذا الوضع الجديد الذي يقوم على أنقاض نتائج الموجة الأولى يحمل جملة من العناصر والمكونات والفواعل التي تستوجب القراءة والتأمل لأنها لا تكتفي بصناعة مرحلة جديدة بل إنها تصحّح وتقوّم المرحلة السابقة المتمثلة في الموجة الثورية الأولى.

الفواعل والخصائص

لا تكاد الموجة الجديدة تختلف في بنائها وشكلها عن الموجة السابقة فالفاعل الرئيسي على الأرض هي جماهير الشعوب الغاضبة بسبب تردي أوضاعها السياسية والاجتماعية والمعيشية بشكل عام. مطلبها الأساسي هو محاربة الفساد والحدّ من سطوة العصابات التي باعت البلد وثرواته واستولت على كل المرافق الحيوية بشكل انتشرت معه البطالة وانهارت القدرة الشرائية وعجزت الدولة عن توفير المرافق الأساسية من ماء وكهرباء في دول غنية بالموارد الطبيعية مثل الجزائر والعراق والسودان.

أما الخاصية الثانية فهي الشعارات المرفوعة في هذا الحراك والتي تصدّرها شعار الربيع الأساسي " الشعب يريد إسقاط النظام " وهي بذلك تربط الموجة الثورية الثانية بالموجة الأولى من حيث طبيعة المطالب التي تعتبر الفاعل السياسي أو السلطة الحاكمة مصدر الأزمة التي تعيشها المجتمعات.

لم تكن الموجة الشعبية الجديدة موجة عنيفة أو مسلحة بل كانت كسابقاتها موجة سلمية شارك فيها الملايين من المدنيين وهم يؤكدون من خلال شعاراتهم على الطابع السلمي لمطالبهم. لكن رغم ذلك لم تتردد الأنظمة في قمع المظاهرات السلمية بنفس الطريقة التي قمعت بها الموجة الأولى حيث اعتلى القناصة أسطح المنازل وأخذوا في قتل المدنيين العزّل بدم بارد مثلما حدث في السودان على يد قوات الدعم السريع أو ما يحدث اليوم في العراق.

حافظت الموجة الأولى على طابعها الشعبي ولم تكن تحركها الأحزاب أو النخب أو الزعامات السياسية أو الدينية بل إنها كانت تحركات قاعدية بامتياز بشكل يجعل من احتوائها أو شيطنتها أمرا صعبا. كما تميزت الموجة الثانية بتراجع حضور الجماعات الإسلامية التي سيطرت على المشهد الثوري خلال الموجة الأولى بل إن جموع المتظاهرين حرصت على أن تكون تحركاتهم مطلبيّة وسياسية دون خلفية أيديولوجية مهما كان لونها.

خاصية أخرى تميّز الموجة الجديدة خاصة في بلدين مثل العراق ولبنان حيث تمثل المعضلة الطائفية حاجزا أساسيا أمام كل تغيير سياسي جدي لكنّ شعارات الموجة الثانية كانت شعارات فوق طائفية بامتياز. هذه الخاصية الجديدة تعتبر نُقلة نوعية في الوعي السياسي الجمعي بهذه الدول أولا وبكامل المنطقة ثانيا لأن النجاح في تجاوز العقدة الطائفية يمثّل قفزة نوعية وتحولا جوهريا قادرا على إعادة صياغة بنية هذه المجتمعات وبنية ممارسة السلطة داخلها. هذا التحوّل سيمنع كل أشكال الانزلاق الطائفي التي سقطت فيها من قبل سواء بعد الاحتلال الأمريكي الإيراني لبغداد أو خلال الحرب الأهلية اللبنانية.

المآلات والمخارج

لكن السؤال الذي يُطرح في هذا السياق الجديد إنما يتعلق بمخارج الموجة الجديدة ومآلاتها ؟ فهل ستستطيع الموجة الثورية الثانية تجنّب المطبات التي سقطت فيها الموجة الأولى ؟ هل ستسمح الدولة العميقة وقوى الثورة المضادة في المنطقة وخارجها بنجاح الموجة الشعبية ؟ ما هو هامش الحركة الذي لازالت تتمتع به الدولة العميقة لكسر شوكة الموجة الجديدة ؟

إن أول ما يلاحظ في المظاهرات الجديدة هو قدرتها على تصحيح الموجة الأولى من خلال رفضها المطلق لتسييس الحراك الشعبي مهما كان مصدره وهو ما يُحصّنها ضد أي شكل من أشكال القرصنة أو التوجيه أو المزايدة.

هذا الوعي الجديد لن يترك المنافذ مفتوحة لسيطرة المجموعات المحسوبة زورا على التيارات الإسلامية أو الجهادية أو غيرها من القوى التي تعمل على اختراق الحراك الثوري وتحويره عن مساره الحقيقي. وهو الأمر الذي لن يمكّن قوى الثورات المضادة من جعل هذه الجماعات شماعة لمحاربة الثورات وتبرير الانقلاب عليها مثلما حدث في مصر وليبيا وسوريا.

هذا الأمر يُضيّق من هامش المناورة لدى قوى الثورة المضادة التي لن تستطيع إعادة تسويق قائمة الذرائع التي اختلقتها خلال الموجة الأولى ونجحت عبرها في تحويل الثورات إلى ساحات للعنف والفوضى والاقتتال. لم تحقق كل الأموال التي صُرفت من أجل إجهاض الثورات ومنع تجددها الهدف المرجوّ منها كما أنّ العنف الذي سُلّط على جموع المتظاهرين والمدنيين خلال السنوات الماضية لم يُثن شعوبا أخرى عن الخروج مجددا للتنديد بالقمع والفساد ونهب الثروات.

من جهة أخرى مثّل نجاح الثورة التونسية وقدرتها على رسم مسارها الانتقالي بشكل ديمقراطي حرّ دليلا جديدا على أن الديمقراطية العربية أمر ممكن وأنّ القول السائد بأن الشعوب العربية عاجزة عن تحقيق حكم ديمقراطي ليس إلا أكذوبة كبيرة.

لئن كان من الصعب اليوم التكهن بالمخارج الممكنة للموجة الثورية الثانية فإن الثابت الأكيد هو قدرتها على تصحيح مسارات الموجة الأولى من ناحية ومحافظتها على نفس ثوابت الحركة. الثابت أيضا هو أنّ حركة التغيير العربية لن تتوقف حتى تنجز الشروط التي من أجلها انطلقت ولو كلّفها ذلك أكثر من موجة واحدة لأنها في الحقيقة حركة تاريخية وهي ككل حركة تاريخية لابدّ أن تحقق أهدافها التي اندلعت من أجلها.

نقف اليوم على أبواب مرحلة جديدة من تاريخ الاستقلال الحقيقي الذي تبحث فيه شعوب الأمة عن التحرر من قبضة المستعمر الداخلي الذي فاقت جرائمه كل جرائم المستعمر الخارجي. إنها المرحلة التي تسبق مرحلة التحرر من أغلال الداخل والخارج معا وهي المرحلة التي تحقق فيها الأمة أولى شروط النهضة المتمثل في امتلاك قرارها السيادي وممارسة حقها في تقرير مصيرها.


 اضغط على الكلمات المفتاحية التالية، للإطلاع على المقالات الأخرى المتعلقة:

تونس، الجزائر، العراق، لبنان، السودان، الثورات العربية،

 





تاريخ نشر المقال بموقع بوابتي 9-11-2019   المصدر: عربي 21

تقاسم المقال مع اصدقائك، أو ضعه على موقعك
لوضع رابط لهذا المقال على موقعك أو بمنتدى، قم بنسخ محتوى الحقل الذي بالأسفل، ثم ألصقه
رابط المقال

 
لإعلام أحدهم بهذا المقال، قم بإدخال بريده الإلكتروني و اسمك، ثم اضغط للإرسال
البريد الإلكتروني
اسمك

شارك برأيك
لوحة مفاتيح عربية بوابتي
     
*    الإسم
لن يقع إظهاره للعموم
     البريد الإلكتروني
  عنوان المداخلة
*

   المداخلة

*    حقول واجبة الإدخال
 
كم يبلغ مجموع العددين؟
العدد الثاني
العدد الأول
 * أدخل مجموع العددين
 
 
 
أكثر الكتّاب نشرا بموقع بوابتي
اضغط على اسم الكاتب للإطلاع على مقالاته
خالد الجاف ، فهمي شراب، المولدي الفرجاني، صباح الموسوي ، إياد محمود حسين ، د - محمد بن موسى الشريف ، سامح لطف الله، رمضان حينوني، أنس الشابي، د. ضرغام عبد الله الدباغ، د. مصطفى يوسف اللداوي، د. خالد الطراولي ، سليمان أحمد أبو ستة، محمود فاروق سيد شعبان، العادل السمعلي، صفاء العراقي، د - صالح المازقي، سعود السبعاني، د - ‏أحمد إبراهيم خضر‏ ، أ.د. مصطفى رجب، فتحـي قاره بيبـان، د - المنجي الكعبي، محمد العيادي، كريم السليتي، عواطف منصور، د- هاني ابوالفتوح، الناصر الرقيق، ياسين أحمد، أحمد النعيمي، فتحي العابد، رضا الدبّابي، أحمد بوادي، د.محمد فتحي عبد العال، محمود طرشوبي، د - مصطفى فهمي، أبو سمية، أ.د أحمد محمّد الدَّغَشِي ، صفاء العربي، رافد العزاوي، سفيان عبد الكافي، علي الكاش، محمد عمر غرس الله، فتحي الزغل، سلام الشماع، الهادي المثلوثي، إسراء أبو رمان، د. أحمد بشير، كريم فارق، رحاب اسعد بيوض التميمي، د. أحمد محمد سليمان، عمر غازي، أحمد بن عبد المحسن العساف ، محمد يحي، د. عادل محمد عايش الأسطل، صلاح الحريري، د- جابر قميحة، سامر أبو رمان ، مصطفى منيغ، عمار غيلوفي، خبَّاب بن مروان الحمد، د - عادل رضا، يزيد بن الحسين، مجدى داود، عبد الغني مزوز، أحمد ملحم، محمد أحمد عزوز، تونسي، عبد الله الفقير، فوزي مسعود ، ضحى عبد الرحمن، محمود سلطان، أحمد الحباسي، عزيز العرباوي، رشيد السيد أحمد، د - شاكر الحوكي ، عبد الله زيدان، عبد الرزاق قيراط ، د. كاظم عبد الحسين عباس ، حسن الطرابلسي، محمد الطرابلسي، محمد شمام ، د - محمد بنيعيش، أشرف إبراهيم حجاج، محرر "بوابتي"، حميدة الطيلوش، حسن عثمان، علي عبد العال، محمد اسعد بيوض التميمي، مصطفي زهران، محمد الياسين، منجي باكير، جاسم الرصيف، ماهر عدنان قنديل، سلوى المغربي، حسني إبراهيم عبد العظيم، سيد السباعي، نادية سعد، د- محمد رحال، مراد قميزة، د. عبد الآله المالكي، د. طارق عبد الحليم، الهيثم زعفان، صالح النعامي ، إيمى الأشقر، طلال قسومي، حاتم الصولي، د - الضاوي خوالدية، رافع القارصي، صلاح المختار، د. صلاح عودة الله ، د- محمود علي عريقات، يحيي البوليني، وائل بنجدو، عراق المطيري،
أحدث الردود
مسألة الوعي الشقي ،اي الاحساس بالالم دون خلق شروط تجاوزه ،مسالة تم الإشارة إليها منذ غرامشي وتحليل الوعي الجماعي او الماهوي ،وتم الوصول الى أن الضابط ...>>

حتى اذكر ان بوش قال سندعم قنوات عربيه لتمرير رسالتنا بدل التوجه لهم بقنوات امريكيه مفضوحه كالحره مثلا...>>

هذا الكلام وهذه المفاهيم أي الحكم الشرعي وقرار ولي الأمر والمفتي، كله كلام سائب لا معنى له لأن إطاره المؤسس غير موجود
يجب إثبات أننا بتونس دول...>>


مقال ممتاز...>>

تاكيدا لمحتوى المقال الذي حذر من عمليات اسقاط مخابراتي، فقد اكد عبدالكريم العبيدي المسؤول الامني السابق اليوم في لقاء تلفزي مع قناة الزيتونة انه وقع ا...>>

بسم الله الرحمن الرحيم
كلنا من ادم وادم من تراب
عندما نزل نوح عليه السلام منالسفينه كان معه ثمانون شخصا سكنو قريه اسمها اليوم هشتا بالك...>>


استعملت العفو والتسامح في سياق انهما فعلان، والحال كما هو واضح انهما مصدران، والمقصود هو المتضمن اي الفعلين: عفا وتسامح...>>

بغرض التصدي للانقلاب، لنبحث في اتجاه اخر غير اتجاه المنقلب، ولنبدا بمسلمة وهي ان من تخلى عن مجد لم يستطع المحافظة عليه كالرجال، ليس له الحق ان يعامل ك...>>

مقال ممتاز...>>

برجاء السماح بإمكانية تحميل الكتب والمراجع...>>

جل الزعماء العرب صعدوا ،بطرق مختلفة ،تصب لصالح المخطط الانتربلوجي العسكري التوسعي الاستعماري،ساهموا في تبسيط هدم حضارة جيرانهم العربية او الاسلامية عم...>>

مقال ممتاز
لكن الاصح ان الوجود الفرنسي بتونس لم يكن استعمارا وانما احتلال، فرنسا هي التي روجت ان وجودها ببلداننا كان بهدف الاعمار والاخراج من ح...>>


الاولى : قبل تحديد مشكلة البحث، وذلك لتحديد مسار البحث المستقل عن البحوث الاخرى قبل البدء فيه .
الثانية : بعد تحديد مشكلة البحث وذلك لمعرفة الا...>>


بارك الله فيكم...>>

جانبك اصواب في ما قلت عن السيد أحمد البدوي .

اعلم أن اصوفية لا ينشدون الدنيا و ليس لهم فيها مطمع فلا تتبع المنكرين المنافقين من الوها...>>


تم ذكر ان المدخل الروحي ظهر في بداياته على يد شارلوت تويل عام ١٩٦٥ في امريكا
فضلا وتكرما احتاج تزويدي ب...>>


الدين في خدمة السياسة عوض ان يكون الامر العكس، السياسة في خدمة الدين...>>

يرجى التثبت في الأخطاء اللغوية وتصحيحها لكي لاينقص ذلك من قيمة المقال

مثل: نكتب: ليسوا أحرارا وليس: ليسوا أحرار
وغيرها ......>>


كبر في عيني مرشد الاخوان و صغر في عيني العسكر
اسال الله ان يهديك الى طريق الصواب
المنافقون في الدرك الاسفل من النار...>>


It is important that issues are addressed in a clear and open manner, because it is necessary to understand the necessary information and to properly ...>>

وقع تصميم الموقع وتطويره من قبل ف.م. سوفت تونس

المقالات التي تنشر في هذا الباب لا تعبر بالضرورة عن رأي صاحب موقع بوابتي, باستثناء تلك الممضاة من طرفه أومن طرف "بوابتي"

الكاتب المؤشر عليه بأنه من كتاب موقع بوابتي، هو كل من بعث إلينا مقاله مباشرة