البدايةالدليل الاقتصادي للشركات  |  دليل مواقع الويبالاتصال بنا
 
 
 
المقالات الاكثر قراءة
 
تصفح باقي الإدراجات
أحدث المقالات

روح الفتوّة

كاتب المقال فتح الله قولن - تركيا / أمريكا   
 المشاهدات: 2834



عندما نذكر الفتوة يتبادر إلى الذهن صور أبطال من الشباب مفعمين حيوية من مفرق رأسهم إلى أخمص قدميهم، أمثال علي بن أبي طالب رضي الله عنه، وحمزة بن عبد المطلب رضي الله عنه، وألب أرسلان(1)، ومحمد الفاتح، وأولو باطلي حسن(2)... ومهما تعدد مفهوم الفتوة عبر تاريخها، فإن أخص معانيها هو الإيمان بالله وحده لا شريك له، والنظر بعين الاعتبار إلى التضحية بكافة أنواعها في سبيل المعاني الإيمانية والأفكار الدينية والحياة القلبية، والنضال ضد جميع المعتقدات والمفاهيم والتصرفات الباطلة، والارتباط بالحق في كل زمان ومكان، والإفصاح عنه بكل قوة.

إن روح الفتوة بهذا المعنى، يَسمو أصحابُها بإراداتهم، ويُحكِمون السيطرة على أهوائهم، ويجددون محاسبة أنفسهم مرات كل يوم، يعيدون النظر في تصرفاتهم ويقبضون على زمامها، ويَحيون في عالم القلب حتى يصلوا إلى الحياة الحقيقية. إن مشاعرهم لتنتفض دائمًا بأسمى الأحاسيس الروحية فيما وراء هذا العالم؛ إنهم يمثلون أنقى وأطهر دم يتدفق في شعيرات المجتمع الذي يعيشون فيه وشرايينه.

وما دامت المجتمعات تملك أمثال هؤلاء الذين يمثلون عصارة الحياة وقوامها، فستبقى سعيدة. أما إذا فَقَدَتْهُم، فالسير محتوم في طريق الموت والاضمحلال إذ صاروا كمن قُطِعتْ شرايينه وبدأ الدم ينزف منها قطرة قطرة.

إن روح الفتوة من أقوى ضمانات المجتمع وجودًا وبقاء، وإن الأبطال الذين يمثلون هذه الروح، كالرايات يرفرفون فوق حصونها، وكالعيون يسهرون في ثغورها، وكالآذان يرهفون الأسماع لكل أصوات العداء والخصومة وأنفاسها. يرون ويسمعون ويتهيأون لكل طارئ غير مترددين في اقتحام الأهوال وساحات الردى.

تتلاحق في أذهانهم أمواج الألم، وتهب على أرواحهم أنسام الحزن، وتتجزأ حياتهم -التي تتجاوز حركة عقارب الساعة- حسب هذه الأنسام، إلى أن تنعكس أنغامها المملوءة أسىً أو فرحًا من أوتار قلوبهم على مَن حولهم.

إن روح الفتوة يَسمو أصحابُها بإراداتهم، ويُحكِمون السيطرة على أهوائهم، ويجددون محاسبة أنفسهم مرات كل يوم، يعيدون النظر في تصرفاتهم ويقبضون على زمامها، ويَحيون في عالم القلب حتى يصلوا إلى الحياة الحقيقية.


أجل! هؤلاء يعلنون عن كل شفق يلوح في آفاقهم بصوت جهوريّ وكأنه ابتهالات تضرع، وينشرونه حواليهم حتى يدندن العالم بأصواتهم. فإن أبصروا في جبهاتهم ثغرة أو خللاً، أو تراءت لهم أعلام آمالهم ترفرف حزنًا وأسىً، تأوهوا ألمًا وكأنما في حلوقهم غصة.

لا تستطيع الدول الكبرى قوة، ولا تفوُّق الخصم تقنية، أن يلقي الرعب في قلوبهم أو أن يدفع بهم إلى أتون اليأس والاستسلام. الشيء الوحيد الذي يقلقهم ويتلوون منه ألمًا هو اضطراب جبهتهم أو بروز المشكلات في ثغورهم، أو ظهور تصرف سلبي أو غير حكيم في صفوفهم. أما إن كانت الصفوف متراصة قوية، والثغور حصينة أبية، والقلوب تنبض بنبض واحد، فهم مُوقنون بأنهم يستطيعون تجاوز كل الصعاب وتخطي كل العقبات.

هؤلاء الأبطال في سبيل عقيدتهم المقدسة، مستعدون دائمًا لاقتحام خطوط النار، والكفاح ضد أكبر البلايا، والنضال ضد أشرس الأعداء، ليكملوا الأعمال التي بدأوها، ويحققوا الوعود التي قطعوها لأمتهم. وهم في اجتيازهم لطريقهم الصعب المحفوف بالمهالك هذا، لا ينشغلون بمدح الناس لهم وثناء الجماهير عليهم، ولا بالمخاطر التي تنتظرهم عند كل منعطف من منعطفات طريقهم. لا التصفيق يحفزهم ولا النقد يثبطهم؛ يواصلون طريقهم لا يلوون على شيء حتى يبلغوا أهدافهم السامية.

ترى صلابتهم ضد أهوائهم أشد ما تكون، وترى لينهم وتسامحهم إزاء أخطاء الأصدقاء وهفواتهم في القمة، لا ينتقدون أحدًا، ولا يعبأون بأي نقد، يعملون بصمت ودون أي مظاهر كاذبة، يراعون عدم إثارة الغيرة لدى الأصدقاء والأعداء على حد سواء.

يندمجون في المجتمع الذي يعيشون فيه، لينيروا طريقه ويرفعوه إلى المستوى الإنساني اللائق... يشاطرونه آلامه وأفراحه، ويبحثون دومًا عن طرق شتى لشحن قلبه بما في أرواحهم من إلهام ، حتى تكاد أنفسهم في سبيل البحث عن تلك الطرق تذهب مكابدة وأنينًا.

والخلاصة أن أبطالنا هؤلاء -في الأمس واليوم وغدًا- يدركون تمامًا ماهية نضالهم ويثابرون عليه، يبحثون بكل عزم عن منابع ماء الحياة. لديهم من ثبات العقيدة وقوتها ما يحول بين تغيير منهجهم أو الانحراف عن طريقهم مهما جاءت الدنيا لهم بزينتها وزخرفها.

(*) الترجمة عن التركية: هيئة حراء للترجمة. نشر هذا مقال في مجلة سيزنتي التركية، عدد:90، سنة 1986.

-------
الهوامش

(1) ألب أرسلان: من أكبر حكام الدولة السلجوقية، ولد عام (1029). قام بتوحيد الدولة السلجوقية، وحارب الإمبراطورية البيزنطية. وفي عام (1071م) انتصر على البيزنطيين في معركة "ملاذكرد" التي تشتت الجيش البيزنطي إثرها. اشتهر إلى جانب انتصاراته العسكرية، باهتمامه بالعلم والثقافة والتعليم؛ فبنى مدارس عديدة، وأكرم العلماء، وخدم الإسلام خدمات كبيرة. (المترجم)

(2) أولو باطلي حسن (؟-1453): جندي من جنود السلطان محمد الفاتح، اشترك في فتح اسطنبول (1453م)، وكان أول جندي تسلق أسوار إسطنبول، ونصب العلَم العثماني عليها قبل أن يستشهد بنبال الأعداء، فأصبح رمزًا للبطولة في التاريخ العثماني. (المترجم)


 اضغط على الكلمات المفتاحية التالية، للإطلاع على المقالات الأخرى المتعلقة:

تأملات، أراء، القوة، الثورة، الخمود، التغيير، تركيا،

 





تاريخ نشر المقال بموقع بوابتي 13-09-2016   مجلة حراء- تتبع المجموعة الإعلامية لفتح الله قولن

تقاسم المقال مع اصدقائك، أو ضعه على موقعك
لوضع رابط لهذا المقال على موقعك أو بمنتدى، قم بنسخ محتوى الحقل الذي بالأسفل، ثم ألصقه
رابط المقال

 
لإعلام أحدهم بهذا المقال، قم بإدخال بريده الإلكتروني و اسمك، ثم اضغط للإرسال
البريد الإلكتروني
اسمك

شارك برأيك
لوحة مفاتيح عربية بوابتي
     
*    الإسم
لن يقع إظهاره للعموم
     البريد الإلكتروني
  عنوان المداخلة
*

   المداخلة

*    حقول واجبة الإدخال
 
كم يبلغ مجموع العددين؟
العدد الثاني
العدد الأول
 * أدخل مجموع العددين
 
 
 
أكثر الكتّاب نشرا بموقع بوابتي
اضغط على اسم الكاتب للإطلاع على مقالاته
د. عادل محمد عايش الأسطل، د - محمد بنيعيش، صالح النعامي ، د - شاكر الحوكي ، علي الكاش، أحمد بن عبد المحسن العساف ، عبد الله زيدان، ضحى عبد الرحمن، أحمد بوادي، فتحي العابد، رافد العزاوي، أ.د. مصطفى رجب، عبد الرزاق قيراط ، أحمد الحباسي، رحاب اسعد بيوض التميمي، سليمان أحمد أبو ستة، العادل السمعلي، مصطفى منيغ، د. خالد الطراولي ، سفيان عبد الكافي، محمد الياسين، د. صلاح عودة الله ، جاسم الرصيف، سلوى المغربي، سامح لطف الله، محمد عمر غرس الله، حسني إبراهيم عبد العظيم، رشيد السيد أحمد، أ.د أحمد محمّد الدَّغَشِي ، إيمى الأشقر، الهادي المثلوثي، مجدى داود، د- هاني ابوالفتوح، حسن عثمان، فوزي مسعود ، رمضان حينوني، أشرف إبراهيم حجاج، عزيز العرباوي، حميدة الطيلوش، عمار غيلوفي، د. ضرغام عبد الله الدباغ، مراد قميزة، صباح الموسوي ، أبو سمية، كريم فارق، طلال قسومي، أحمد النعيمي، د. مصطفى يوسف اللداوي، سامر أبو رمان ، ياسين أحمد، محمد أحمد عزوز، كريم السليتي، منجي باكير، سيد السباعي، محمد شمام ، د- محمود علي عريقات، محمد يحي، د. أحمد بشير، علي عبد العال، مصطفي زهران، حسن الطرابلسي، فهمي شراب، أنس الشابي، د - الضاوي خوالدية، صلاح الحريري، يحيي البوليني، د. كاظم عبد الحسين عباس ، فتحي الزغل، الناصر الرقيق، فتحـي قاره بيبـان، محرر "بوابتي"، محمود سلطان، عبد الغني مزوز، د - ‏أحمد إبراهيم خضر‏ ، رضا الدبّابي، د- جابر قميحة، خبَّاب بن مروان الحمد، أحمد ملحم، محمود طرشوبي، محمد الطرابلسي، سلام الشماع، د - عادل رضا، د. أحمد محمد سليمان، خالد الجاف ، د. طارق عبد الحليم، د- محمد رحال، د - محمد بن موسى الشريف ، حاتم الصولي، د. عبد الآله المالكي، سعود السبعاني، رافع القارصي، وائل بنجدو، د - صالح المازقي، د - مصطفى فهمي، عبد الله الفقير، محمود فاروق سيد شعبان، إياد محمود حسين ، عراق المطيري، محمد اسعد بيوض التميمي، ماهر عدنان قنديل، د - المنجي الكعبي، صفاء العربي، عواطف منصور، د.محمد فتحي عبد العال، يزيد بن الحسين، إسراء أبو رمان، صفاء العراقي، محمد العيادي، المولدي الفرجاني، صلاح المختار، الهيثم زعفان، عمر غازي، نادية سعد، تونسي،
أحدث الردود
مسألة الوعي الشقي ،اي الاحساس بالالم دون خلق شروط تجاوزه ،مسالة تم الإشارة إليها منذ غرامشي وتحليل الوعي الجماعي او الماهوي ،وتم الوصول الى أن الضابط ...>>

حتى اذكر ان بوش قال سندعم قنوات عربيه لتمرير رسالتنا بدل التوجه لهم بقنوات امريكيه مفضوحه كالحره مثلا...>>

هذا الكلام وهذه المفاهيم أي الحكم الشرعي وقرار ولي الأمر والمفتي، كله كلام سائب لا معنى له لأن إطاره المؤسس غير موجود
يجب إثبات أننا بتونس دول...>>


مقال ممتاز...>>

تاكيدا لمحتوى المقال الذي حذر من عمليات اسقاط مخابراتي، فقد اكد عبدالكريم العبيدي المسؤول الامني السابق اليوم في لقاء تلفزي مع قناة الزيتونة انه وقع ا...>>

بسم الله الرحمن الرحيم
كلنا من ادم وادم من تراب
عندما نزل نوح عليه السلام منالسفينه كان معه ثمانون شخصا سكنو قريه اسمها اليوم هشتا بالك...>>


استعملت العفو والتسامح في سياق انهما فعلان، والحال كما هو واضح انهما مصدران، والمقصود هو المتضمن اي الفعلين: عفا وتسامح...>>

بغرض التصدي للانقلاب، لنبحث في اتجاه اخر غير اتجاه المنقلب، ولنبدا بمسلمة وهي ان من تخلى عن مجد لم يستطع المحافظة عليه كالرجال، ليس له الحق ان يعامل ك...>>

مقال ممتاز...>>

برجاء السماح بإمكانية تحميل الكتب والمراجع...>>

جل الزعماء العرب صعدوا ،بطرق مختلفة ،تصب لصالح المخطط الانتربلوجي العسكري التوسعي الاستعماري،ساهموا في تبسيط هدم حضارة جيرانهم العربية او الاسلامية عم...>>

مقال ممتاز
لكن الاصح ان الوجود الفرنسي بتونس لم يكن استعمارا وانما احتلال، فرنسا هي التي روجت ان وجودها ببلداننا كان بهدف الاعمار والاخراج من ح...>>


الاولى : قبل تحديد مشكلة البحث، وذلك لتحديد مسار البحث المستقل عن البحوث الاخرى قبل البدء فيه .
الثانية : بعد تحديد مشكلة البحث وذلك لمعرفة الا...>>


بارك الله فيكم...>>

جانبك اصواب في ما قلت عن السيد أحمد البدوي .

اعلم أن اصوفية لا ينشدون الدنيا و ليس لهم فيها مطمع فلا تتبع المنكرين المنافقين من الوها...>>


تم ذكر ان المدخل الروحي ظهر في بداياته على يد شارلوت تويل عام ١٩٦٥ في امريكا
فضلا وتكرما احتاج تزويدي ب...>>


الدين في خدمة السياسة عوض ان يكون الامر العكس، السياسة في خدمة الدين...>>

يرجى التثبت في الأخطاء اللغوية وتصحيحها لكي لاينقص ذلك من قيمة المقال

مثل: نكتب: ليسوا أحرارا وليس: ليسوا أحرار
وغيرها ......>>


كبر في عيني مرشد الاخوان و صغر في عيني العسكر
اسال الله ان يهديك الى طريق الصواب
المنافقون في الدرك الاسفل من النار...>>


It is important that issues are addressed in a clear and open manner, because it is necessary to understand the necessary information and to properly ...>>

وقع تصميم الموقع وتطويره من قبل ف.م. سوفت تونس

المقالات التي تنشر في هذا الباب لا تعبر بالضرورة عن رأي صاحب موقع بوابتي, باستثناء تلك الممضاة من طرفه أومن طرف "بوابتي"

الكاتب المؤشر عليه بأنه من كتاب موقع بوابتي، هو كل من بعث إلينا مقاله مباشرة