البدايةالدليل الاقتصادي للشركات  |  دليل مواقع الويبالاتصال بنا
 
 
 
المقالات الاكثر قراءة
 
تصفح باقي الإدراجات
أحدث المقالات

مصير السياسة في الثورة السورية

كاتب المقال د.محمد حاج بكري - تركيا / سوريا    من كتـــــّاب موقع بوّابــتي
 المشاهدات: 2936


 يسمح بالنقل، بشرط ذكر موقع "بوابتي" مصدر المقال، ويفضّل أن يكون ذلك في شكل رابط


ما نعيشه من واقع في سورية متمثل في ضعف الامة الاسلامية في الدفاع عن مصالحها القومية العليا يحز في النفس بعد ان كانت ملهمة الحضارات العريقة عبر التاريخ الانساني لينتهي بها الحال مسلوبة الارادة والقرار خاضعة للهيمنة الاجنبية وذلك بفعل العجز الاسلامي اولا وتآمر الانظمة المسهلة و المساهمة في اضعاف الامة الاسلامية متوهمة حماية عروشها التي اغتصبتها بعيدا عن ارادة الشعب المقهور. وبعد ان استفاق الشعب السوري وانتفض ضد نظام الاستبداد والفساد ليقول كلمته التي كان يجب ان يقولها منذ زمن بعيد بعد ان سرقت تضحياته وغرر به عبر النظام الرسمي وحماته الدوليين من اجل القضاء على ارادة الشعب صاحب الشرعية والسيادة من اجل اعادة الوطن الى سابق عهده ومكانته بين الامم واخذ دوره التاريخي كصاحب اعرق الحضارات.

امعنت الانظمة الفاسدة في حياكة التآمرات على الامة في كل اجزائها نراهم اليوم يتحركون على باقي المتبقي والذي ليس في ايديهم او تحت سيطرتهم بل هي تحت الاحتلال الايراني يتحركون تجاه القضية السورية ليس من باب الشعور او المصيرالمشترك مع امتهم الاسلامية بل لتصفية حسابات ودرء الاخطار القادمة من قم وطهران لحماية عروشهم وبلدانهم على حساب الشعب السوري ومقاومتة الباسلة المتمثلة في الفصائل الثورية المجاهدة في سبيل كرامة الانسان السوري المظلوم.

نراهم اليوم يقومون كما هو ديدنهم في التامر على قضايا الامة حتي وصل الدور الى ابناء سورية باثارة النعرات المذهبية المقيتة وتارة من خلال تجزئة الفصائل العاملة في الداخل واخرى اعطاء شرعية مزيفة لاشخاص يطرحون انفسهم ممثلين لشعب سورية دون ان يعوا بأن الشرعية لا توخذ من جهات خارجية بل ان الشرعية الحقيقة هي شرعية الشعب السوري .

ان مهمة المقاومة السورية التي تعمل على الساحة النضالية هي تحرير سورية ارضا وشعبا من قبضة المحتل.
يبدو هؤلاء الاشخاص توهموا ان يطلقوا الشرعية التي لايعرفون معناها الحقيقي ولا يعون ابعادها وتاثيراتها على الشارع السوري عندما تمنح من جهات خارجية لجهة سياسية معينة دون الرجوع الى صاحب القرار في ذلك و هو الشعب السوري .
يتم تمسك فصيل من الفصائل بذلك على روح الاقصاء والاستحواذ وينحو نحو الغاء الراى الاخر.

اولا: من يريد الشرعية اومن يبحث عنها عليه ان يحوز تلك الشرعية من الشعب اي ان يتم ذلك عبر انتخابات حره ونزية في وطن مستقل .
وان توافق الفصائل المقاومة السورية لايعني بالضرورة انها تكتسب شرعية التمثيل لشعب بل انه مشروع نضالي تحرري يسهل الفعل السوري المقاوم.
ثانيا: الفصائل الثورية هي وسائل نضال لاحقاق الحق السوري المغتصب وليس بديلا عن ارادة الشعب على ارض الوطن .

ثالثآ: ان مهمة اشقائنا واصدقائنا هي دعم والمساندة لنضالنا التحرري المشروع وذلك لما يربطنا بامتنا الاسلامية من مصالح ومصير مشترك وليس بديلا عنا.

و على الفصائل الثورية عدم المراهنة على المشروعات الخارجية والنزعات بل على ارادة الشعب السوري وتوافق قواها السياسية عبر برنامج الحد الادنى من اجل تحقيق ما يرنوا اليه الشعب في الحرية والاستقلال لا التبعية وخدمة اجهزة اقليمية على حساب ابناء الوطن.
إن الحياة لا تخلو من بديهيات جلية للعيان، على الرغم من كونها الميدان الأشد تعقيدا للحكم المنطقي المباشر. وهي مفارقة أكثر ما تبرز في مراحل الانتقال العاصفة والصراع الدامي. فهي المراحل التي اشد ما تحتاج بها الدولة والأمة إلى ‘قيادة ‘ تعصمها من الغرق في طوفان الغرائز وتأثير البنية التقليدية للوجود والوعي. لكنها في الوقت نفسه هي مرحلة الزمن العابر في محاولات المجتمع والدولة والأمة صنع تاريخ الثبات بوصفه طبقات وحلقات التراكم العقلاني للمؤسسات والفكر والإبداع الحر.

فالمرحلة الانتقالية هي مؤشر على وجود ‘خراب’. لكنه خراب متباين ومختلف. فخراب التخلف لا يشبه في شيء خراب التقدم. وذلك لان لكل منهما ديناميكيته الخاصة في الموقف من المستقبل. وهي القضية الجوهرية التي يمكن من خلالها رؤية الآفاق والبدائل. إذ لا بدائل في ‘ديناميكية’ خراب التخلف والانحطاط، لأنه مجرد اجترار للزمن. أما ‘خراب’ البدائل فهو ديناميكية التاريخ والإبداع الحر، أي المستقبل. من هنا مرارة المجهول فيه، وذلك لأنه جزء من صراع لم يحسم ولم تتحدد ملامحه بوضوح بعد. ومهمة العلم السياسي العلمي تقوم في تذوق حلاوة الانتصار ومرارة الهزيمة الكثيفتين في مرحلة الانتقال من اجل رؤية الآفاق الفعلية للعملية السياسية.

ولسورية مرحلتها الانتقالية الخاصة. وهي مرحلة الانتقال من زمن الخراب إلى تاريخ البدائل. من هنا عنفوانها الشديد وهمجيتها التي تبدو بلا حدود. وذلك بسبب طبيعة الصراع ضد قوى الخراب والانحطاط التي حكمت وجوده في غضون خمسة عقود من دكتاتورية هشمت بنيته المادية والروحية، وبين قوى أفسدها أو كسر عمودها الفقري زمن الانحطاط والغربة والاغتراب. وهي الحالة التي تبدو فيها مرحلة الانتقال السورية شبيهة بطوفان نوح. العصمة فيها لمن هو قادر على جمع ولملمة ما في سورية من وحدة للمتضادات. وهي العملية الأشد تعقيدا، بسبب تنافر قواه الاجتماعية والسياسية وتغلغل منظومة العداء الدفين في الروح والجسد السوري، وتحلل فكرة الدولة والسلطة والوطنية، وانحطاط المجتمع والثقافة والنخبة. وهي المقدمة التي جعلت من ‘التحرير’ احتلالا، ومن الاحتلال أسلوبا ‘للوحدة الوطنية’. وفي ظلها يمكن للقوى المتحاربة والمتصارعة والمتنافسة والمتحدة والمؤتلفة أن تتعايش وتحتكم وتحكم! وهي المفارقة الكبرى لمرحلة الانتقال السورية. لكنها مرحلتها الخاصة. ولا معنى للخوض الآن بتقييمها بمعايير القيم والأخلاق، لأنها لا تغير من الواقع شيئا، خصوصا إذا أخذنا بنظر الاعتبار أن الوقائع ليس حقائق، بل مجريات محكومة بمقدمات تاريخية ملموسة. ومن ثم فإن الخروج منها يفترض رؤية آفاقها انطلاقا مما فيها، بوصفه الأسلوب الوحيد للرؤية الإستراتيجية القادرة على انتشال سورية من أزمتها الشاملة.

بعبارة أخرى، عندما نستعيد السرقة الاسدية من الوالد الى الولد لبلدنا ونعمل ادراكنا بالاتجاه الصحيح وهو إدراك يعادل من حيث رمزيته مهمة اكتشاف زمن الانحطاط والبحث عن تاريخ بديل. وهي مهمة تفترض الرجوع إلى النفس والبحث عن وحدة المتضادات فيها من اجل بديل ينفيها بمعايير المستقبل. إذ لا يمكن للجبل الموهوم أيا كان شكله ومظهره واسمه أن يستعيض عن عروة النفس السورية ومرجعياتها الكبرى في وحدة الدولة والمجتمع والوطنية. بمعنى إن العروة الوحيدة التي تحتوي في أعماقها على وحدة الممكن والواقع هي منظومة المبادئ المرجعية العملية الجامعة للأفراد والجماعات والدولة. فهي العقدة الكبرى للمرحلة الانتقالية وإستراتيجية البدائل. وذلك لان معاناة سورية الكبرى تقوم في فقدانه لفكرة الكلية السورية أو الفكرة الوطنية الجامعة.

وبالتالي، فان خصوصية مرحلتنا الانتقالية الحالية تقوم في فقدان فكرة الوطنية وفيها ينبغي البحث عن أن احد أسباب مأساتنا الحالية. بمعنى فقدان فكرة القيادة الواعية على مستوى الدولة والمجتمع والنخب والثقافة السياسية بشكل خاص. وهي نتيجة يمكن رؤية اغلب ملامحها في ظاهرة انعدام الاتفاق على ابسط مقومات الوحدة بعد سقوط الاسدية التي كانت ‘فضيلتها التاريخية’ الوحيدة تقوم في صنعها أسس الوحدة المعارضة للتوتاليتارية والدكتاتورية، ومن ثم التمهيد لإدراك القيمة الأخلاقية والأهمية السياسية لفكرة الحرية والنظام (الحقوق). في حين أن تجربة مايقارب الست سنوات مريرة بعد سقوط الدكتاتورية باذن الله كما نراها في تصاعد موجة الإرهاب العشوائي، و’المقاومة الملثمة’ لقطاع الطرق واللصوص، وفساد السلطة والنخب السياسية وانحدارها صوب اشد الأنماط تخلفا وتقليدية (من جهوية وعرقية وطائفية وحزبية ضيقة) قد أفسدت فكرة الحرية والديمقراطية والحق والسلام الاجتماعي والوطني وكل القيم القادرة على انتشال سورية من أزمتها التاريخية الكبرى. وهي حالة ليست معزولة من حيث محدداتها التاريخية والإيديولوجية عن تخلف البنية الاجتماعية وسيطرة نمط التفكير الراديكالي والممارسة السياسية المناسبة له في كل مجرى حياتنا وهي محددات جعلت من التحزب الضيق أسلوب ‘الثقافة السياسية’ الوحيدة في ظل واقع لم تتكامل فيه بنية الدولة المركزية والفكرة الوطنية وقواعد النظام الشرعي وذهنية المجتمع المدني. وهو الأمر الذي عادة ما يجعل من النطق باللسان لا يعني بالضرورة تعبيرا عما يدور في الجنان. وفيما لو جمعنا بصورة متسلسلة خطب وكلمات وتصريحات كل شخصية سياسية في مجرى ىسنوات الثورة لأمكننا رؤية مستوى التعرج الذي لا يجمعه شيئا غير نفسية التحزب وذهنيته الجزئية. بمعنى فقدان النخب السياسية لأبسط قواعد ومبادئ ومفاهيم الوحدة الوطنية الجامعة. وهو الأمر الذي يجعلها جميعا ضعيفة بذاتها قوية بتحالفاتها. وهي ‘تحالفات’ لا تصنع غير قوة المؤامرة والمغامرة. وهي ظاهرة جلية في تاريخ الحركات السياسية السورية جميعا دون استثناء. والسبب التاريخي لهذه الظاهرة يقوم في ضعف التمايز الاجتماعي، ومن ثم سيادة البنية التقليدية، التي شكلت الأحزاب ‘تنظيمات’ لها. وهي ظاهرة يمكن فهمها باعتبارها جزء من صيرورة الدولة والمجتمع المدني والتقاليد السياسية والنخب العامة والخاصة. لكن خصوصيتها تكمن في تكوينها الانتهازي خلال الثورة وذلك بغية التصدر للمشهد السياسي والاقتصادي والاعلامي وابراز بعض الشخصيات كقادة رغم تبعيتهم لكل دول العالم واستخباراتها الا الثورة السورية والشعب السوري لتتحول إلى كيان مضاد لها. بمعنى تحول فكرة الإرادة الثورية وشرعيتها الإيديولوجية إلى القوة المتحكمة في مسار الثورة. بحيث أصبح تاريخه السياسي خلال الثورة اقرب ما يكون إلى مسرحية باهتة، الانتصار والهزيمة فيها ليس أكثر من ‘حسابات’ القوى المكونة للاتلاف والتي لايعرف الشعب السوري عنها شيئا وهي ‘حسابات’ لا علاقة لها بالتاريخ والدولة، بل بتمثيل ادوار محكومة بسيناريو سيئ وممثلين أسوأ وهو سر فقدان تراكم المؤسسات والشرعية والعقلانية. وهي دورة تعكس بؤس التاريخ وقيمة الزمن! أي تراكم الاجترار الفارغ.. وإذا كانت تجربة الحكم قبل الاسد استطاعت أن ترسي أسس الدولة الحديثة وتفلح لحد ما في بناء مقدمات الدولة الشرعية والمجتمع المدني وتراكم الخبرات وتطوير الاقتصاد وصنع الوطنية السورية والنخب العامة، بما في ذلك السياسية، فإنها كانت تعاني من نقاط ضعف جوهرية أسهمت الحركات الراديكالية في إجهاضها التام. بمعنى أن النظام السياسي القديم وقواه السياسية المعارضة لم يرتقيا إلى مصاف الواقعية العقلانية. ومن ثم يتحمل الجميع بأقدار مختلفة جريرة ما جرى ويجري الآن. فقد أدت الراديكالية السياسية السورية إلى تخريب الدولة والمجتمع والثقافة والإنسان والقيم. وقد كانت التوتاليتارية البعثية والدكتاتورية الاسدية و نموذجها ‘التام’. فقد هشمت الدولة وفتت المجتمع وأرجعت كل ما في سورية إلى ما قبل الدولة، بعد أن غذت فيه كل عناصر التنافر والصراع الاجتماعي والقومي والعرقي والديني والطائفي والجهوي والإيديولوجي. لقد أرجعت سورية إلى حالة الصفر! لكنه صفر مروع لا يمكن استعماله في القسمة والمعادلات! وهي حالة درامية من طراز خاص، تحتوي، شأن كل مراحل الانحطاط والصراع الهمجي الدامي على بصيص أمل وآفاق للتطور.

ولعل الأمل الأكبر والآفاق الأرحب لكل هذا الخراب يقوم في انتهاء مرحلة تاريخية سوداء لسيطرة الراديكالية والتوتاليتارية. ومن ثم ظهور آفاق جديدة ومتنوعة لبناء الدولة. لكنها خلافا عن عشرينيات القرن العشرين تفتقد إلى إجماع وطني ونخب قادرة على المساومة والإقناع والاقتناع. على العكس من ذلك كانت سورية تقف أمام حالة من التمزق العلني والتبجح به من قبل الأحزاب االمكونة للائتلاف وشخصياته الفاعلة فيه. وهي أحزاب وشخصيات محكومة بنوعية رؤيتها وممارستها بزمن الخراب الفعلي لسورية وذلك استنادا الى تبعيتها اللاوطنية وحماقتها في السياسة من هنا جاءت وحدة الرياء والدجل والمؤامرة والمغامرة. لكن ‘فضيلتها’ تقوم في أنها تجري بصورة علنية. وهي فضلاعن ذلك مجزأة في داخلها. تلتقي وتختلف لحسابات حزبية ضيقة، بسبب انعدام أو ضعف الفكرة الاجتماعية والوطنية العامة. بمعنى أن كل منها يعمل حسب نواياه وغاياته. وهي نوايا وغايات محكومة بتبعية كل منها. بعبارة أخرى، إن الجميع طبعا الا قلة قليلة يعمل بنفسية الانتقام والتشفي والحصول على غنيمة، أي لا يعمل حسب منطق الرؤية الوطنية وقواعد العمل السياسي الاجتماعي. وهي نتيجة تتحمل التوتاليتارية البعثية والدكتاتورية الاسدية مسؤوليتها السابقة، كما تتحمل الأحزاب الحالية في هرم الاتلاف مسؤوليتها الحالية.

فعندما نتأمل مقدمات ونتائج الصراع العنيف والدموي والمتداخل من حيث مكوناته وقواه السياسية والاجتماعية في مجرى قرابة ست اعوام بعد سقوط التوتاليتارية البعثية والدكتاتورية الاسدية فإننا نقف أمام حقيقة تقول، بأنها كانت السنوات الوحيدة التي تحول فيها الزمن إلى تاريخ فعلي في مجرى خمسة عقود بعد استلام حافظ الاسد المشؤوم بمعنى أنها كانت تعمل رغم كل قسوتها الهمجية على فرز القوى الاجتماعية والسياسية والفكرية عبر حراك قد يكون هو الأقوى والأشد والأكثر ديناميكية في تاريخ سورية الحديث. والقضية هنا ليست فقط في انه حراك كان وما يزال يعادل إشراك العالم وقواه المتصارعة على المستوى الإقليمي والقومي والدولي، بل ولأثره الفعال في جذب القوى الداخلية في سورية نحو تحالفات خارجية. وهي تحالفات تكشف في ظروف المرحلة الانتقالية عن طبيعة المعدن الذاتي للقوى السياسية.

ففي مراحل الانتقال عادة ما تكون ‘العلاقة الخارجية’ أكثر تعبيرا عن طبيعة الحركة السياسية وذلك بفعل هشاشة الواقع وأرضيته المتغيرة والمتبدلة. ومن ثم عادة ما تكون العلاقة الخارجية عروة تستند إليها القوى السياسية من اجل ‘تمشية أوضاعها’ أو الاتكاء عليها. وهي علاقة طبيعية، بل وضرورية لحد ما. بل أنها اقرب ما تكون إلى قانون سياسي يمكن رؤيته في تاريخ كل الحركات السياسية في جميع الدول التي مرت بمراحل انتقال عاصفة. ولا يشذ واقع سورية الحالي عن هذه الظاهرة. بل على العكس أنها أكثر ما تظهر فيه بفعل طبيعة وحجم الانحلال الداخلي والدمار الذي خلفته التوتاليتارية البعثية والدكتاتورية الاسدية. وليس مصادفة أن تكون السنوات الست السابقة، وبالأخص بعد تشكيل ‘المجلس الوطني ثم الاتلاف ‘ هي زمن التنقل والسفر والزيارات المستمرة للقوى السياسية وقياداتها. فقد كان من الممكن التهكم والسخرية والاستهزاء على الرغبة المكبوتة للتمتع بصفة ‘الرئيس’ و’الوزير’ أمام العالم الخارجي ووسائل الإعلام. وهو تهكم وسخرية واستهزاء لا يخلو من إصابة. غير انه كان يخدم، رغم مفارقة الظاهرة، آلية الانجذاب والتجاذب الضروري، أي الفرز السياسي الداخلي والخارجي. فكل حركة ‘في الخارج’ هي حركة ‘في الداخل’ على مستوى النفس والعلاقة بالحركات السياسية الأخرى. من هنا كثافة هذه الحركة التي أخذت بالخفوت السريع في الآونة الأخيرة. وعندما نضعها ضمن السياق الكمي والنوعي، فإننا نرى حماسة وفاعلية قوى ‘الاتلاف’ حسب ‘حصتها’ في السلطة الجديدة. بينما بقت البقية الباقية، كما نراها الآن، من حصة أولئك الذين دخلوا ‘المعركة السياسية’ في وقت متأخر. وهي ظاهرة تكشف عن التأخر في رؤية آفاق تطور الدولة. فقد كان تعويلها في بادئ الأمر على الخارج. انه من سيأتي ليدعمنا! لكن الخارج لا يدعم قوة بلا داخل. من هنا نشاطها الداخلي حاليا في مجرى الاحداث ومحاولاتها الحثيثة للتواجد في الداخل سواء عن طريق تشكيل حكومة او غيره ومحاولة خروجها الأخير إلى ميدان المعترك السياسي بوصفها قوة ‘سورية’ بمختلف الأسماء. وهي محاولة تتصف بقدر من البؤس، لكنها مع ذلك ضرورية. ومن هنا تخبطها. إذ عادت في اغلب سلوكها إلى نقطة البدء، بمعنى الدعوة المباشرة وغير المباشرة إلى فكرة المحاصصة الطائفية بأتعس أشكالها وأكثرها تخلفا.

وهي مواقف لا يمكن تفسيرها بمعايير السياسة، لكن يمكن فهمها بمعايير الانحطاط. وفي هذا فقط تكمن قيمتها الفعلية، بوصفها ‘خطوة إلى الأمام’ في مسار الكشف السافر عن حقيقة الشخصية وحدودها الفعلية وآفاقها الممكنة في سورية المستقبل. وهي ظاهرة تشير إلى دوران الدورة الأولى لرجوع اغلب القوى السياسية إلى مصادرها الأولية من خلال إيجاد النسبة المعقولة بين قوى الداخل والخارج بوصفها المقدمة الواقعية للصراع السياسي الفعلي، أي الضروري بالنسبة لتاريخ الدولة. وهي العملية التي تؤدي بالضرورة إلى وقوف القوى السياسية أمام ‘الاستحقاقات’ الداخلية من اجل أن يكون لها ولرصيدها الاجتماعي أثرا وبعدا في الحاضر والمستقبل. من هنا تداخل وقسوة الرياء والمغامرة التي تضعف الجميع لكنها تسهم بالقدر نفسه في حرث أرض سورية المالحة. وبالتالي التمهيد اللاحق لظهور القوى الاجتماعية والسياسية الأكثر عقلانية ووطنية. إذ لا يمكن توقع جريان الأمور بطريقة أخرى في ظروف سورية الحالية التي تفتقد من حيث الجوهر إلى فكرة الدولة الشرعية والسلطة المركزية والفكرة الوطنية وقواعد النظام الشرعي وذهنية المجتمع المدني. من هنا يصبح الرجوع إلى البنية التقليدية مقدمة تهشيمها. وذلك لأنه يضعها على محك صراع عنيف وديناميكي تتبخر في مجراه كل ‘الأحلام’ و’الأمزجة’ و’العلاقات الشخصية’ أمام استحقاقات الصعود الوطني.

إن مسار الدولة ومنطق السلطة وتطور المجتمع سوف يسحق بالضرورة كل نماذج البنية التقليدية. ويجعل من الدولة مطلبا وطنيا، ومن النظام الديمقراطي أسلوبا لإيجاد النسبة الضرورية بين المركزية واللامركزية، وبين الحرية والنظام، كما سيجعل من الحقوق والواجبات والمواطنة والانتماء الجزئي مكونات ضرورية لوجود الفرد والمجتمع والحركات السياسية نفسها..

ان الحقيقة الحتمية سوف تعمل على تفجير مكوناتها الدفينة. وهي ديناميكية محتملة وضرورية لسلخ الزيف والرياء السياسي والانحطاط المادي والمعنوي للقوى السياسية وبقايا التوتاليتارية المغلف بغشاء ‘التحالفات’ التي ‘لا ينفصم عراها’ وما شابه ذلك من عبارات مهمتها ‘تثليج’ القلب في أجواء سورية الحارة! بمعنى أنها ستتبخر بسرعة لتضع الجميع من جديد أمام الامتحان الأعقد ألا وهو الخروج من مأزق الدراما التاريخية لسورية أو الاندثار مع مسبباتها من بقايا الهامشية والراديكالية ونزعة المؤامرة والمغامرة.
إن الدراما السورية لم تعد لعبة الزمن. بل انتقلت الآن إلى ميدان التاريخ الفعلي. بمعنى أنها لم تعد تمثيلية لترفيه الأذواق الفاسدة، بقدر ما أصبحت حياة سورية والسوريين الفعلية. وهو تحول يعطي لنا إمكانية التفاؤل المغري عن أن الدراما التاريخية ليست مأساوية بالضرورة. وهو الإدراك الذي انتهى فصله الأول من خلال معرفة اغلب القوى السياسية على حقيقتها وانتهاء زمن التحالفات والتكتلات المبنية على نفسية الكسب الضيق والغنيمة والرشوة والابتزاز وما شابه ذلك. فقد قال الشعب كلمته في ثورته وداعا أيها الزمن الكاذب للتحالفات الكاذبة! وهي الحالة التي تصبح فيها المفارقة المنطقية حقيقة. وهي مفارقة تعطي لمهمة التحالف مع النفس ثم المجتمع ولاحقا مع فكرة الوطنية العامة والدولة الشرعية والنظام الديمقراطي والمواطنة الكاملة، قيمة تاريخية كبرى بالنسبة الى المستقبل. لاسيما وأنها المراحل التي تتكون منها فصول الدراما الفعلية لما يمكن دعوته بتاريخ البدائل في سورية.

لقد حررت ‘الثورة السورية للمرة الأولى بعد سقوط الاسدية الجميع من الالتزامات الحزبية والاتفاقات السرية التي تعودت عليها الأحزاب السياسية عبر نقلها إلى ميدان العلنية الاجتماعية، ومن ثم إلى ميدان الدولة. وهي عملية لا تخلو من الاعوجاج والتشوه، لكنها الطريقة الوحيدة للاستقامة والتكامل. فقد كانت الاتفاقات الحزبية التي لا تمثل غير نفسها و’قياداتها’، الوجه المقلوب ‘للاتفاقات’ بالمعنى الشرعي. ومن ثم يمكن النظر إليها بوصفها الوجه ‘الديمقراطي’ لزمن الدكتاتورية. فقد أفرغت التوتاليتارية البعثية والدكتاتورية الاسدية المجتمع والدولة من كل مكنوناتهم الذاتية. ومن ثم أفرغت المرء من ذاته، والمجتمع من قواه السياسية الحية، والفكر من مهمته النقدية والإرشادية. ولم تبق سوى علاقة الخضوع والاستبداد. من هنا كان لجوء الأحزاب السياسية إلى الاتفاق فيما بينها تعويضا عن عجزها على التوجه إلى المجتمع والحصول على تأييده ودعمه وبالتالي استمداد الشرعية منه. وهي حالة لها ما يبررها، بل ويعطي لها صفة الشرعية السياسية. ولكن حالما يجري الانتقال إلى ميدان الدولة، فان التمسك بها يعني البقاء ضمن نفسية وزمن الدكتاتورية وانتفاء الشرعية. وهي الحالة التي نعثر على الكثير من مكوناتها في مجرى الأعوام الست بعد سقوط الدكتاتورية الاسدية بمعنى تزاوج وتعايش الأساليب والمواقف المتعارضة والمتضادة تجاه النسبة الضرورية بين الشرعي والسياسي.

جميع الأحزاب السياسية المكونة للاتلاف في سورية لم تعرف ماهية وحقيقة الممارسة الشرعية العلنية، من هنا صعوبة توقع ارتقائها السريع إلى مصاف الشرعية الفعلية. أما ممارستها السياسية فلا تخلو من نفسية وذهنية العمل السري، أي اشد وأحط أنواع الممارسة السياسية. وهي البقية الباقية والمترسبة في قاع الذهنية المتحكمة في سلوك ونفسية اغلب القيادات السياسية للأحزاب في سورية ولعل أهم مظاهرها هو بقاء الاتلاف بمكوناته في هرم السلطة بدون تغير وتبدل وهو دليل على أن فكرة الهرم السياسي هي في هرمية الذهنية أو هرمها أو عقم الأحزاب وقواعدها عن تقديم نماذج جديدة أو أن الأحزاب لا أجيال فيها، لأنها من رعيل لا علاقة له بالزمن والتاريخ والحياة. ومهما كانت نوعية التفسير أو التبرير، فإنها تصب في نهاية المطاف في مستنقع الخبرة الخبيثة، أي الخبرة المحكومة بالنزوع نحو السلطة والتسلط وليس تجديدها بقوى حية. وهي نتيجة نلمح مظاهرها المتنوعة في ‘خبث’ المواقف على أنها ‘سياسة’. بل عادة ما يجري مطابقة السياسي المحنك مع قدرته على المكر والخداع

إن مطابقة مضمون الحنكة السياسية مع المكر والخديعة تعكس مضمون السياسة في العرف التقليدي للتقاليد الراديكالية المتخلفة، أي المعزولة عن منظومة الفكرة وأهدافها المعلنة. وهي ممارسة أكثر من جسدها في تاريخ سورية الحديث التيارات التي تدعي الثورية وعلى قدر اقترابها من السلطة يبرز ‘خبثها’ الفعلي، أو مكرها السياسي المبتذل. وهي صفة أكثر من جسدها في مجال الدولة والسلطة قديما وحديثا الحركات القومية ( بنموذج البعث والجبهة الوطنية التقدمية )


 اضغط على الكلمات المفتاحية التالية، للإطلاع على المقالات الأخرى المتعلقة:

سوريا، الحرب الأهلية بسوريا، النظام السوري، تركيا،

 





تاريخ نشر المقال بموقع بوابتي 31-07-2016  

تقاسم المقال مع اصدقائك، أو ضعه على موقعك
لوضع رابط لهذا المقال على موقعك أو بمنتدى، قم بنسخ محتوى الحقل الذي بالأسفل، ثم ألصقه
رابط المقال

 
لإعلام أحدهم بهذا المقال، قم بإدخال بريده الإلكتروني و اسمك، ثم اضغط للإرسال
البريد الإلكتروني
اسمك

شارك برأيك
لوحة مفاتيح عربية بوابتي
     
*    الإسم
لن يقع إظهاره للعموم
     البريد الإلكتروني
  عنوان المداخلة
*

   المداخلة

*    حقول واجبة الإدخال
 
كم يبلغ مجموع العددين؟
العدد الثاني
العدد الأول
 * أدخل مجموع العددين
 
 
 
أكثر الكتّاب نشرا بموقع بوابتي
اضغط على اسم الكاتب للإطلاع على مقالاته
د - صالح المازقي، إيمى الأشقر، الناصر الرقيق، خالد الجاف ، إياد محمود حسين ، صالح النعامي ، نادية سعد، ماهر عدنان قنديل، د.محمد فتحي عبد العال، أحمد النعيمي، رافد العزاوي، سعود السبعاني، عبد الله زيدان، عبد الرزاق قيراط ، د - محمد بنيعيش، صلاح الحريري، د. أحمد بشير، الهادي المثلوثي، رضا الدبّابي، ضحى عبد الرحمن، أحمد بن عبد المحسن العساف ، د - الضاوي خوالدية، صفاء العربي، د. أحمد محمد سليمان، د- محمود علي عريقات، خبَّاب بن مروان الحمد، د - محمد بن موسى الشريف ، محمد يحي، فتحي العابد، سامح لطف الله، د. طارق عبد الحليم، د - ‏أحمد إبراهيم خضر‏ ، د. كاظم عبد الحسين عباس ، سلوى المغربي، طلال قسومي، حسن عثمان، د. صلاح عودة الله ، حسني إبراهيم عبد العظيم، فوزي مسعود ، حميدة الطيلوش، رمضان حينوني، رشيد السيد أحمد، ياسين أحمد، رحاب اسعد بيوض التميمي، عراق المطيري، د. عادل محمد عايش الأسطل، د- جابر قميحة، فهمي شراب، محمد العيادي، أ.د. مصطفى رجب، محمد شمام ، سامر أبو رمان ، د. خالد الطراولي ، صلاح المختار، أبو سمية، يحيي البوليني، محمد اسعد بيوض التميمي، محرر "بوابتي"، إسراء أبو رمان، الهيثم زعفان، رافع القارصي، مصطفي زهران، منجي باكير، العادل السمعلي، صفاء العراقي، محمود فاروق سيد شعبان، د. ضرغام عبد الله الدباغ، عبد الغني مزوز، سلام الشماع، يزيد بن الحسين، أحمد الحباسي، أحمد ملحم، سفيان عبد الكافي، د- هاني ابوالفتوح، حاتم الصولي، حسن الطرابلسي، مصطفى منيغ، كريم فارق، د - المنجي الكعبي، أنس الشابي، صباح الموسوي ، عمار غيلوفي، د - مصطفى فهمي، عزيز العرباوي، أشرف إبراهيم حجاج، سيد السباعي، فتحـي قاره بيبـان، محمد الطرابلسي، محمد أحمد عزوز، تونسي، وائل بنجدو، مراد قميزة، جاسم الرصيف، محمود سلطان، عبد الله الفقير، علي عبد العال، د. عبد الآله المالكي، د - شاكر الحوكي ، محمد عمر غرس الله، علي الكاش، أحمد بوادي، محمود طرشوبي، كريم السليتي، د- محمد رحال، أ.د أحمد محمّد الدَّغَشِي ، المولدي الفرجاني، عواطف منصور، د - عادل رضا، سليمان أحمد أبو ستة، مجدى داود، فتحي الزغل، د. مصطفى يوسف اللداوي، عمر غازي، محمد الياسين،
أحدث الردود
مسألة الوعي الشقي ،اي الاحساس بالالم دون خلق شروط تجاوزه ،مسالة تم الإشارة إليها منذ غرامشي وتحليل الوعي الجماعي او الماهوي ،وتم الوصول الى أن الضابط ...>>

حتى اذكر ان بوش قال سندعم قنوات عربيه لتمرير رسالتنا بدل التوجه لهم بقنوات امريكيه مفضوحه كالحره مثلا...>>

هذا الكلام وهذه المفاهيم أي الحكم الشرعي وقرار ولي الأمر والمفتي، كله كلام سائب لا معنى له لأن إطاره المؤسس غير موجود
يجب إثبات أننا بتونس دول...>>


مقال ممتاز...>>

تاكيدا لمحتوى المقال الذي حذر من عمليات اسقاط مخابراتي، فقد اكد عبدالكريم العبيدي المسؤول الامني السابق اليوم في لقاء تلفزي مع قناة الزيتونة انه وقع ا...>>

بسم الله الرحمن الرحيم
كلنا من ادم وادم من تراب
عندما نزل نوح عليه السلام منالسفينه كان معه ثمانون شخصا سكنو قريه اسمها اليوم هشتا بالك...>>


استعملت العفو والتسامح في سياق انهما فعلان، والحال كما هو واضح انهما مصدران، والمقصود هو المتضمن اي الفعلين: عفا وتسامح...>>

بغرض التصدي للانقلاب، لنبحث في اتجاه اخر غير اتجاه المنقلب، ولنبدا بمسلمة وهي ان من تخلى عن مجد لم يستطع المحافظة عليه كالرجال، ليس له الحق ان يعامل ك...>>

مقال ممتاز...>>

برجاء السماح بإمكانية تحميل الكتب والمراجع...>>

جل الزعماء العرب صعدوا ،بطرق مختلفة ،تصب لصالح المخطط الانتربلوجي العسكري التوسعي الاستعماري،ساهموا في تبسيط هدم حضارة جيرانهم العربية او الاسلامية عم...>>

مقال ممتاز
لكن الاصح ان الوجود الفرنسي بتونس لم يكن استعمارا وانما احتلال، فرنسا هي التي روجت ان وجودها ببلداننا كان بهدف الاعمار والاخراج من ح...>>


الاولى : قبل تحديد مشكلة البحث، وذلك لتحديد مسار البحث المستقل عن البحوث الاخرى قبل البدء فيه .
الثانية : بعد تحديد مشكلة البحث وذلك لمعرفة الا...>>


بارك الله فيكم...>>

جانبك اصواب في ما قلت عن السيد أحمد البدوي .

اعلم أن اصوفية لا ينشدون الدنيا و ليس لهم فيها مطمع فلا تتبع المنكرين المنافقين من الوها...>>


تم ذكر ان المدخل الروحي ظهر في بداياته على يد شارلوت تويل عام ١٩٦٥ في امريكا
فضلا وتكرما احتاج تزويدي ب...>>


الدين في خدمة السياسة عوض ان يكون الامر العكس، السياسة في خدمة الدين...>>

يرجى التثبت في الأخطاء اللغوية وتصحيحها لكي لاينقص ذلك من قيمة المقال

مثل: نكتب: ليسوا أحرارا وليس: ليسوا أحرار
وغيرها ......>>


كبر في عيني مرشد الاخوان و صغر في عيني العسكر
اسال الله ان يهديك الى طريق الصواب
المنافقون في الدرك الاسفل من النار...>>


It is important that issues are addressed in a clear and open manner, because it is necessary to understand the necessary information and to properly ...>>

وقع تصميم الموقع وتطويره من قبل ف.م. سوفت تونس

المقالات التي تنشر في هذا الباب لا تعبر بالضرورة عن رأي صاحب موقع بوابتي, باستثناء تلك الممضاة من طرفه أومن طرف "بوابتي"

الكاتب المؤشر عليه بأنه من كتاب موقع بوابتي، هو كل من بعث إلينا مقاله مباشرة