البدايةالدليل الاقتصادي للشركات  |  دليل مواقع الويبالاتصال بنا
 
 
 
المقالات الاكثر قراءة
 
تصفح باقي الإدراجات
أحدث المقالات

منهج التفكير بالأوهام والأحلام في الميزان

كاتب المقال د. محمد الأمين مقراوي الوغليسي   
 المشاهدات: 3348



في خضم الأحداث المأساوية التي تعصف بسفينة الأمة، وفيما تعاني من تلاحق الضربات، وتوالي النكبات، ظهر في أوساط المسلمين صنفان من الناس، شذا في تصورهما للحياة عن التصور الإسلامي الراقي، وعن الهدي النبوي في كيفية التفاعل مع الواقع، حيث اتخذ الصنف الأول الأماني والأحلام منهجا حياتيا، واتخذ الصنف الثاني التفكير بالأوهام منهجا للتفاعل مع الأحداث التي تمر بالمسلمين اليوم، بدل التفاعل مع الحياة بمنهج العمل والتكيّف الإيجابي، والمغالبة والتغيير، ومن خلال التصور الحضاري للإسلام.

الغارقون في الأحلام

وهو فريقٌ شاذ الوجهة، غريبُ اللغة؛ لأنّه اختار الأحلام لغة، والنوم حلا، والانعزال ملاذا، ولم يعد أمره خاصا ببعض الأفراد، بل إن الواقع يظهر أنّه يتضخم يوما بعد يوما، وأهم ميزة لهذا الصنف أنه يتخذ من الأحلام منهجا للتفاعل مع الحياة، سواء أكان الأمر متعلقا بالأمور الشخصية، أو بالأمور العامة للأمة الإسلامية.

وازداد انجذاب الكثيرين نحو هذا المنهج مع انتشار صيت البرامج الفضائية الربحية التي تعتمد تفسير أحلام المتصلين، والتي تأتي ببعض من لا يخاف الله تعالى في أمة الإسلام، ويقوم بتفسير كل حلم يعرض عليه، دون معرفة حقيقة هذا الحلم، ولا حقيقة المتصل، ولأن السذاجة الفكرية قد صارت رائجة اليوم، فإنّ هذا الميدان أصبح من الميادين التي يفضلها الكثير من الباحثين عن الشهرة والمال على ظهر الغافلين والسطحيين من المسلمين.

خطورة التهوين من هذا المنهج

ومن الخطأ التهوين من خطورة هذا المنهج، خاصة بعد أن ثبت استثمار أعداء الإسلام فيه، لضرب صورة المسلمين، وقد وجد الملاحدة -على سبيل المثال- في هذا الأمر وسيلة للطعن في الإسلام، ووصمه بالخرافة والدجل، ومحاولة استغلاله لتنفير الناس منه، أو زعزعة ايمان النّاس، خاصة الشباب المثقف غير المحصن بالثقافة الإسلامية الأصيلة، الأمر الذي يستحق أن يجد من ردا وتصديا من أهل العلم والثقافة الإسلامية في أمتنا.

أسرى الأوهام
وواقع هذا الفريق لا يقل خطورة عن الأول، قد غلبه اليأس، وأثّر فيه الضعف، وانهارت عليه جدر الإحباط، وخارت عزيمته، وتلاشت رباطة جأشه، بعد أن اختار الانحياز إلى العالم الموهوم، وسيلة للهروب من العالم المشهود، وغذّى اختياره هذا: الهزيمة النفسية وسذاجة الفكر، وضياع الوعي، وغياب الإدراك، بعدما غطّت حجب الضلالة على العقول، فجعل الاستنجاد بالأوهام سبيلا للخلاص، وترك المنهج الثابت عن خير الأنام عليه الصلاة والسلام، وهانت عليه عزّته، فارتضى أن يعيش بغير عقل، ودون ميزان صحيح.

مظاهر مرض الوهم الحضاري

وأبرز مظاهر مرض الوهم الذي أصاب هذا الفريق من النّاس ركونه إلى نفسية انتظار المنقذ، وتبنيه فكرة المخلِّص، وهي فكرة ضالة مصادمة للفطرة والعقل والشرع، تبناها اليهود والنّصارى من قبل والرافضة من بعدهم، فلم تزدهم إلّا ضلالا وخسرانا.

الحياة قاعة انتظار أم ورشة عمل؟

إنّ الإسلام لا يربي أتباعه على القعود، بحجة انتظار البطل القادم، ويرفض التغني بأمجاد السابقين من الفاتحين والمصلحين، دون الاقتداء بهم، والسعي نحو التمثل بمنهجهم وأخلاقهم، بل إنّ الإسلام لا يتحدث عن الفرد المنقذ، بقدر ما يتحدث عن تغيّر المجتمع ككتلة واحدة، فالمجتمع الصالح يثمر قائدا صالحا، يواصل بالجموع مسيرة البناء، ويجسد مجتمع التقوى، والحياة المتزنة بوفرة الحقوق، وأداء الواجبات.

لذلك يسعى الإسلام لتخريج أجيال صالحة، ترتبط بمنظومة قيادة راشدة، تنشر العدل والخير، ولا يسعى لتغيير الأجيال بانتظار مخلّصين غير موجودين في الواقع، وما نسمعه من الكثيرين من الاحتفاء بالفاروق رضي الله عنه، أو صلاح الدين، وتمني ظهور أمثالهم من واقع فاسد، وأجيال مثخنة بالفتور، دون الالتفات إلى المدرسة التي تربى فيها هذين الرمزين الخالدين، ودون الالتفات إلى المجتمع الذي تخرّجا منه يصادم التصور الإسلامي لحقائق التغيير الاجتماعي.

إنّ الرموز التي يتغنى بها الكثيرون كانت ثمرة مجتمع فاضل، تملأ قيم العمل والواجب دنياه، وينفض عنه باستمرار مظاهر الخمول والكسل الاجتماعي، الذي ينتج العطالة الحضارية والرسالية.

المسلم بين نفسيتين
إنّ الأحلام والأوهام ليست المنهج الإسلامي الأمثل في التعاطي مع مسائل الحياة، ولم تكن يوما الحادي في المسير، والهادي للطريق، ولم تكن السبيل الأمثل للتغيُّر والإصلاح، بل إن قيم الواجب والبذل، هي المنهج الأقوم لتغيير الأحوال والأجيال، من السلبية إلى الإيجابية، وهذا من سنن الله التي لم تخرمها القرون الماضية، ولن تخرمها أحلام العقول الخاوية.

المنهج الإسلامي في التفاعل مع الحياة

إنّ آيات مثل: قوله تعالى " وافعلوا الخير" وقوله جلّ شأنه: " قل سيحوا في الأرض" وقوله تعالى: " فاضربوا في الأرض"، والآية: " سارعوا إلى مغفرة من ربكم"، وقوله سبحانه: " سابقوا إلى مغفرة من ربكم" وقوله عزّ وجلّ: "وقل اعملوا فسيرى الله عملكم ورسوله"، وأحاديث النبي عليه الصلاة والسلام مثل: حديث الفسيلة، واشتراطه عليه الصلاة والسلام في المبايع أن لا يسأل النّاس شيئا، وتشديد الوعيد في حق المتسوّل، وحض الإسلام على العمل والتجارة والرياضة، وحديث اليد العليا، والأدعية التي جاءت تتعوذ من العجز والكسل والوهن، وحديث: "بادروا بالأعمال" وحديث " أحب العباد إلى الله أنفعهم للنّاس"، كل ذلك يثبت أنّ الإسلام دين العمل والنفع والخير، وأنّ المسلم مطالب بالتكيف مع الحياة في أقسى الظروف، ولكن بالعمل والاجتهاد، لا بالجبن والخوف والبطالة الفكرية والبدنية، وهو ما فهمه السابقون وتلبسوا به، فأفلحوا في بناء حضارة إسلامية عظيمة، لا تزال أثارها حاضرة إلى اليوم، ولن تعود هذه الحضارة إلا بالقيم التي بنيت عليها أولا.

"إن لم تنفع فضر"

إن الهروب من الحاضر إلى الماضي، ومن الواقع إلى الأوهام والأحلام، لن يغير واقعا، ولن يسعد أحدا، ولن ينقذ مجتمعا يغرق، ولن يردع عدوا، إنما الحركة الإيجابية في الحياة هي الوسيلة الأجدر بإصلاح وتغيير الواقع، وقديما قالت العرب: " إن لم تنفع فضرّ"، والمقصود بذلك المبالغة في ذم التبلد والعجز، وأنّ الإنسان لا يليق به القعود والهروب، بل التدافع والتحرك أنفع لحياته ولمجتمعه.


 اضغط على الكلمات المفتاحية التالية، للإطلاع على المقالات الأخرى المتعلقة:

التفكير، الفكر، مشكلات الفكر، تأملات،

 





تاريخ نشر المقال بموقع بوابتي 30-06-2016   المصدر: الإسلام اليوم

تقاسم المقال مع اصدقائك، أو ضعه على موقعك
لوضع رابط لهذا المقال على موقعك أو بمنتدى، قم بنسخ محتوى الحقل الذي بالأسفل، ثم ألصقه
رابط المقال

 
لإعلام أحدهم بهذا المقال، قم بإدخال بريده الإلكتروني و اسمك، ثم اضغط للإرسال
البريد الإلكتروني
اسمك

شارك برأيك
لوحة مفاتيح عربية بوابتي
     
*    الإسم
لن يقع إظهاره للعموم
     البريد الإلكتروني
  عنوان المداخلة
*

   المداخلة

*    حقول واجبة الإدخال
 
كم يبلغ مجموع العددين؟
العدد الثاني
العدد الأول
 * أدخل مجموع العددين
 
 
 
أكثر الكتّاب نشرا بموقع بوابتي
اضغط على اسم الكاتب للإطلاع على مقالاته
صلاح الحريري، أحمد بوادي، عبد الله الفقير، فتحـي قاره بيبـان، يحيي البوليني، د. كاظم عبد الحسين عباس ، أحمد الحباسي، د. أحمد محمد سليمان، عواطف منصور، د- هاني ابوالفتوح، خالد الجاف ، علي الكاش، سفيان عبد الكافي، كريم السليتي، سلوى المغربي، د. عبد الآله المالكي، صلاح المختار، سلام الشماع، صفاء العربي، محمد الطرابلسي، ضحى عبد الرحمن، جاسم الرصيف، أحمد ملحم، سامر أبو رمان ، د - مصطفى فهمي، ماهر عدنان قنديل، د- محمد رحال، محمد شمام ، محمد يحي، الناصر الرقيق، محمود فاروق سيد شعبان، د. طارق عبد الحليم، محمود سلطان، ياسين أحمد، إيمى الأشقر، كريم فارق، أنس الشابي، الهادي المثلوثي، حسن عثمان، إياد محمود حسين ، صفاء العراقي، د - شاكر الحوكي ، د. ضرغام عبد الله الدباغ، إسراء أبو رمان، د. صلاح عودة الله ، عبد الرزاق قيراط ، أحمد النعيمي، عبد الله زيدان، يزيد بن الحسين، سامح لطف الله، وائل بنجدو، أ.د. مصطفى رجب، د.محمد فتحي عبد العال، مصطفي زهران، العادل السمعلي، سيد السباعي، أحمد بن عبد المحسن العساف ، علي عبد العال، عراق المطيري، حميدة الطيلوش، فتحي العابد، عزيز العرباوي، عبد الغني مزوز، د. خالد الطراولي ، د - صالح المازقي، مصطفى منيغ، د. مصطفى يوسف اللداوي، محمد عمر غرس الله، أشرف إبراهيم حجاج، سليمان أحمد أبو ستة، محمد الياسين، د - محمد بنيعيش، صالح النعامي ، أبو سمية، فوزي مسعود ، الهيثم زعفان، محمد اسعد بيوض التميمي، رشيد السيد أحمد، عمار غيلوفي، حاتم الصولي، رمضان حينوني، عمر غازي، سعود السبعاني، رضا الدبّابي، د. أحمد بشير، رافع القارصي، د - ‏أحمد إبراهيم خضر‏ ، طلال قسومي، تونسي، فهمي شراب، خبَّاب بن مروان الحمد، رحاب اسعد بيوض التميمي، د - عادل رضا، محمد أحمد عزوز، محرر "بوابتي"، د. عادل محمد عايش الأسطل، صباح الموسوي ، د - محمد بن موسى الشريف ، منجي باكير، حسني إبراهيم عبد العظيم، مراد قميزة، د - الضاوي خوالدية، د- محمود علي عريقات، أ.د أحمد محمّد الدَّغَشِي ، د- جابر قميحة، المولدي الفرجاني، محمود طرشوبي، حسن الطرابلسي، د - المنجي الكعبي، مجدى داود، محمد العيادي، رافد العزاوي، فتحي الزغل، نادية سعد،
أحدث الردود
مسألة الوعي الشقي ،اي الاحساس بالالم دون خلق شروط تجاوزه ،مسالة تم الإشارة إليها منذ غرامشي وتحليل الوعي الجماعي او الماهوي ،وتم الوصول الى أن الضابط ...>>

حتى اذكر ان بوش قال سندعم قنوات عربيه لتمرير رسالتنا بدل التوجه لهم بقنوات امريكيه مفضوحه كالحره مثلا...>>

هذا الكلام وهذه المفاهيم أي الحكم الشرعي وقرار ولي الأمر والمفتي، كله كلام سائب لا معنى له لأن إطاره المؤسس غير موجود
يجب إثبات أننا بتونس دول...>>


مقال ممتاز...>>

تاكيدا لمحتوى المقال الذي حذر من عمليات اسقاط مخابراتي، فقد اكد عبدالكريم العبيدي المسؤول الامني السابق اليوم في لقاء تلفزي مع قناة الزيتونة انه وقع ا...>>

بسم الله الرحمن الرحيم
كلنا من ادم وادم من تراب
عندما نزل نوح عليه السلام منالسفينه كان معه ثمانون شخصا سكنو قريه اسمها اليوم هشتا بالك...>>


استعملت العفو والتسامح في سياق انهما فعلان، والحال كما هو واضح انهما مصدران، والمقصود هو المتضمن اي الفعلين: عفا وتسامح...>>

بغرض التصدي للانقلاب، لنبحث في اتجاه اخر غير اتجاه المنقلب، ولنبدا بمسلمة وهي ان من تخلى عن مجد لم يستطع المحافظة عليه كالرجال، ليس له الحق ان يعامل ك...>>

مقال ممتاز...>>

برجاء السماح بإمكانية تحميل الكتب والمراجع...>>

جل الزعماء العرب صعدوا ،بطرق مختلفة ،تصب لصالح المخطط الانتربلوجي العسكري التوسعي الاستعماري،ساهموا في تبسيط هدم حضارة جيرانهم العربية او الاسلامية عم...>>

مقال ممتاز
لكن الاصح ان الوجود الفرنسي بتونس لم يكن استعمارا وانما احتلال، فرنسا هي التي روجت ان وجودها ببلداننا كان بهدف الاعمار والاخراج من ح...>>


الاولى : قبل تحديد مشكلة البحث، وذلك لتحديد مسار البحث المستقل عن البحوث الاخرى قبل البدء فيه .
الثانية : بعد تحديد مشكلة البحث وذلك لمعرفة الا...>>


بارك الله فيكم...>>

جانبك اصواب في ما قلت عن السيد أحمد البدوي .

اعلم أن اصوفية لا ينشدون الدنيا و ليس لهم فيها مطمع فلا تتبع المنكرين المنافقين من الوها...>>


تم ذكر ان المدخل الروحي ظهر في بداياته على يد شارلوت تويل عام ١٩٦٥ في امريكا
فضلا وتكرما احتاج تزويدي ب...>>


الدين في خدمة السياسة عوض ان يكون الامر العكس، السياسة في خدمة الدين...>>

يرجى التثبت في الأخطاء اللغوية وتصحيحها لكي لاينقص ذلك من قيمة المقال

مثل: نكتب: ليسوا أحرارا وليس: ليسوا أحرار
وغيرها ......>>


كبر في عيني مرشد الاخوان و صغر في عيني العسكر
اسال الله ان يهديك الى طريق الصواب
المنافقون في الدرك الاسفل من النار...>>


It is important that issues are addressed in a clear and open manner, because it is necessary to understand the necessary information and to properly ...>>

وقع تصميم الموقع وتطويره من قبل ف.م. سوفت تونس

المقالات التي تنشر في هذا الباب لا تعبر بالضرورة عن رأي صاحب موقع بوابتي, باستثناء تلك الممضاة من طرفه أومن طرف "بوابتي"

الكاتب المؤشر عليه بأنه من كتاب موقع بوابتي، هو كل من بعث إلينا مقاله مباشرة