البدايةالدليل الاقتصادي للشركات  |  دليل مواقع الويبالاتصال بنا
 
 
 
المقالات الاكثر قراءة
 
تصفح باقي الإدراجات
أحدث المقالات

"القيومية" "والسببية" وأساس بناء التدين

كاتب المقال سيكو مارفا توري   
 المشاهدات: 2992



الدين هو المعيار الأول لمقياس أعمال المؤمن، وعلى ضوء التعاليم الدينية يَقدُم المسلم أو يحجم! لكن على أي أساس يبني الدينُ نفسُه تديّنَ المسلم؟ أيقول لك الدين: اتخذ الأسباب ثم ادع، أو اعتمد على الدعاء، وحسبك الله؟! فكّر في تكاليف الأولاد قبل الخلفة، أم خلّف دون التعرض لتبعات الأمر، فالرزق بيد الله؟! لدراسة ذلك نقف على بعض ما يأتي:

العلم بين الوحي والعقل:

معرفة المجهول تتم بإدراك كُنهه وحقيقته عبر مصادر المعرفة ووسائله. ووسائل الإدراك هي السمع والبصر والفؤاد: "وَاللَّهُ أَخْرَجَكُم مِّن بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ لاَ تَعْلَمُونَ شَيْئًا وَجَعَلَ لَكُمُ الْسَّمْعَ وَالأَبْصَارَ وَالأَفْئِدَةَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ" " وَلاَ تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْؤُولاً." ومصادر المعرفة اثنان: أولهما الوحي والمعني بهداية الخلق إلى ربهم وإرشادهم؛ ولا يهتم بكشف حقائق الطبيعة للبشر، كبناء بيت وصنع طائرة..، وترك ذلك للناس. والمصدر الثاني من مصادر المعرفة هو الكون وما فيه من ظواهر، ويشترك جميع البشر في هذا، بخلاف الأول؛ إذ لا يتوقف الإدراك به على إيمان أو وحي. وأقره الإسلام في أدلة وجود الله والإيمان عموماً. "إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ.. لآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يعقلون" " أَفَلا يَنظُرُونَ إِلَى الإِبِلِ كَيْفَ خُلِقَتْ وَإِلَى السَّمَاء كَيْفَ رُفِعَتْ وَإِلَى الْجِبَالِ كَيْفَ نُصِبَتْ وَإِلَى الأَرْضِ كَيْفَ سُطِحَتْ"، ومن هنا ربط القرآن العلم والفهم والكشف بـ التعقل والتفكر والتدبر في هذه المصادر.

هل العلاقة بين العقل والوحي كدوامة البيضة والدجاجة؟

لعل قاعدة "العقل الصحيح لا يعارض النص الصحيح الصريح" لا معنى لها واقعيا؛ إذ إن الإقرار بهذه القاعدة يحتاج أولا إلى إيمان، كما أن في تحديد العقل الصحيح إشكالية أخرى. على أن المشكلة تبدأ لدى التعارض، لا لدى الاتفاق. وعليه، فلعله لا معنى حقيقةً بعد ثبوت العلم لطريقة ثبوته؛ أبالوحي أم بالعقل؟ وتصبح القضية من بعد ثانوية. لكن أيهما الأوّل والأولى؛ يدخل الإنسان في دوامة البيضة والدجاجة؛ وذلك في ظل اهتمام تركيز كلٍّ بجانب مغاير.

إشكالية العقل والوحي في ثوبه الجديد:

من المضوعات التي أصبحت من المسلمات باسم العلم الاطمئنان على جنس الجنين بخبر الطبيب وأجهزته، وأن درجة الزلزال والفيضان في المنطقة الفلانية ستكون كذا في وقت كذا، والحديث عن التلوث البيئي وأنه أمر قطعي، وقلة الماء في الكون مقارنة بالطلب الإنساني له، بل والإيمان بأن عدد السكان أكثر من المصادر الموجودة في الكون وغيرها.. فلعل مثل هذه الأمور التي يتم الحديث عنها باسم العلم التطبيقي أو الطبيعي نتيجة التطور العلمي إلى درجة ما لا ينكر؛ من الإشكالات الحديثة التي توقظ من جديد إشكالية العقل والوحي؛ نظرا إلى أن الوحي له موقف معين تجاه هذه الأمور؛ إذ ثمة عناية ربانية، لا يهتدي لها العلم التطبيقي.

الإيمان بقيومية الله:

يقتضي الإيمان بالله تعالى وصفَه بكل كمال وتنزيهه عن كل نقص، وذلك دلالة الربوبية والألوهية. وعليه، فإن المسلم يعتقد أن كل شيء في الكون بقدرة الله ومشيئته، وأن الله حي قيوم، وأنه كل يوم في شأن وتدبير. لا ضار ولا نافع إلاهُ. وعليه يتوكل المسلم وبه يستعين. وإن الله يصنع الصانع وصنعته. ومن هنا يرتبط القلب بالله، ولا يريد إلا رضاه، ولا يدعو إلاهُ؛ لذا يؤمن بالبركة، وبالتوكل، وبالعناية الربانية وغيرها!

الإقرار بسنة السببية:

لكن في الوقت نفسه، لا معنى للكلام السابق إلا باتخاذ الأسباب غالبا؛ وليس ذلك تناقضا لما قيل، بل إن الله ربط القيومية باتخاذ الأسباب"سنة السببية"؛ لذلك يُعرف عكس هذه العادة بالخوارق كمعجزة وكرامة أو استدراج. ومن هنا: لا معنى لطلب الرزق من الله دون عمل، "فإن السماء لا تمطر ذهبا ولا فضة". ولا معنى للتوكل دون جهد؛ "اعقلها وتوكل". ويستوي المؤمن وغير المؤمن في السببية، بخلاف القيومية. ولا تعرف السببية -ظاهريا- البركة والتوفيق والتضرع (1+1= 2.)

إشكالية الفصل بين القيومية والسببية:

من ذلك أنه يمكن أن يحقق الكافر مأربه باتخاذ أسبابه، وينجح في ذلك رغم كفره، ولا يحقق المؤمن مأربه بالقيومية مع انعدام الأسباب، والحضارة المادية خير دليل.

وهذا يجعل السببية أقرب إلى عين الإنسان من القيومية بحكم المادة، "كلا بل تحبون العاجلة".

ومن الإشكالية أن عدم التريث والتفطن يجعل الإنسان مغرورا؛ "إنما أعطيته على علم" اتخذت الأسباب فحققت ما أريد، وظالماً "أنطعم من لو يشاء الله أطعمه" وربما ينحدر الإنسان بذاك نحو الإلحاد "ما علمت لكم من إلهي غيري" "أليس لي ملك مصر."

ومن الإشكالية أيضا التصوف السلبي، والزهد العجزي، والتقليل من شأن رسم خطط عملية لمئات السنين، وعدم اتخاذ الأسباب باسم القدر أو القيومية.

ومنه أيضا التخدير وعدم الجدية في العمل، والاهتمام بالشكليات وسفاسف الأمور، ومحاولة إنجاز ما ينجزه الغير بأوهن الأسباب وأقل الخسائر، والظن بذلك أن الأسباب اتخذت.

بماذا يربط المسلم تدينه؟

حث الإسلام في كثير من الآيات والأحاديث على الزواج مثلا، وعلى التعددية لتكثير أمة محمد -صلى الله عليه وسلم-، لكن هل المسلم مطالب بربط هذه الآيات والأحاديث (قدر وقيومية) بما هو ظاهر من أعباء الزواج، ومسؤوليات الأولاد، أم عليه أن يعقلها، ويعرف مدى أهبته واستعداده الواقعي لذلك "السببية."؟! وحث الإسلام أيضا على الدعاء (قيومية) لكن شرط فيه ولا تعتدوا "السببية"، يعني "ولا تعتدوا" لا تدعو بأشياء غير ممكنة عادة كإرجاع الشيخ شابا، وأن تكون باريس عاصمة إيطاليا! وهل يعد المسلم ما استطاع من قوة، أم يدعو اللهم دمر وزلزل وأهلك؟!

يُرى أن في العمل بالسببية فقط كفران، والعمل بالقيومية فقط نقصان، والإنسان سيقدم على هذا أو ذاك وفق ظرفه، والمؤمن الحق من وُفق لخير الأمرين، والدنيا ليست في الحقيقة إلا التنازع بين هذا وذاك، "فمن ثقلت موازينه فأولئك هم المفلحون ومن خفت موازينه فأولئك الذين خسروا أنفسهم "


 اضغط على الكلمات المفتاحية التالية، للإطلاع على المقالات الأخرى المتعلقة:

الفكر الإسلامي، التفكير الإسلامي، تأملات، الفاعلية، السببية،

 





تاريخ نشر المقال بموقع بوابتي 28-04-2016   المصدر: نوافذ / بوابة الإسلام اليوم

تقاسم المقال مع اصدقائك، أو ضعه على موقعك
لوضع رابط لهذا المقال على موقعك أو بمنتدى، قم بنسخ محتوى الحقل الذي بالأسفل، ثم ألصقه
رابط المقال

 
لإعلام أحدهم بهذا المقال، قم بإدخال بريده الإلكتروني و اسمك، ثم اضغط للإرسال
البريد الإلكتروني
اسمك

شارك برأيك
لوحة مفاتيح عربية بوابتي
     
*    الإسم
لن يقع إظهاره للعموم
     البريد الإلكتروني
  عنوان المداخلة
*

   المداخلة

*    حقول واجبة الإدخال
 
كم يبلغ مجموع العددين؟
العدد الثاني
العدد الأول
 * أدخل مجموع العددين
 
 
 
أكثر الكتّاب نشرا بموقع بوابتي
اضغط على اسم الكاتب للإطلاع على مقالاته
وائل بنجدو، د- جابر قميحة، حسن عثمان، د - صالح المازقي، صلاح الحريري، د- محمود علي عريقات، حسن الطرابلسي، د - محمد بنيعيش، كريم السليتي، أ.د. مصطفى رجب، رحاب اسعد بيوض التميمي، د - ‏أحمد إبراهيم خضر‏ ، د. طارق عبد الحليم، د. صلاح عودة الله ، يحيي البوليني، د - عادل رضا، صفاء العراقي، منجي باكير، عمر غازي، كريم فارق، أنس الشابي، نادية سعد، د. عبد الآله المالكي، ماهر عدنان قنديل، صالح النعامي ، سليمان أحمد أبو ستة، سامر أبو رمان ، عواطف منصور، صفاء العربي، د - الضاوي خوالدية، فتحي العابد، صلاح المختار، طلال قسومي، سفيان عبد الكافي، إسراء أبو رمان، رافد العزاوي، محمد شمام ، عزيز العرباوي، أبو سمية، رمضان حينوني، د - المنجي الكعبي، إياد محمود حسين ، يزيد بن الحسين، الهادي المثلوثي، محمد الطرابلسي، محمد عمر غرس الله، د. كاظم عبد الحسين عباس ، علي عبد العال، د - مصطفى فهمي، رافع القارصي، أشرف إبراهيم حجاج، محمد اسعد بيوض التميمي، د- هاني ابوالفتوح، د. خالد الطراولي ، ضحى عبد الرحمن، رضا الدبّابي، خالد الجاف ، حسني إبراهيم عبد العظيم، علي الكاش، د. مصطفى يوسف اللداوي، د. ضرغام عبد الله الدباغ، خبَّاب بن مروان الحمد، عبد الغني مزوز، الهيثم زعفان، مصطفي زهران، فوزي مسعود ، عبد الله الفقير، عراق المطيري، محمد العيادي، سعود السبعاني، الناصر الرقيق، أحمد بوادي، فتحـي قاره بيبـان، محمد أحمد عزوز، المولدي الفرجاني، أحمد النعيمي، سيد السباعي، مجدى داود، د - شاكر الحوكي ، عبد الله زيدان، فتحي الزغل، عبد الرزاق قيراط ، رشيد السيد أحمد، أحمد ملحم، سامح لطف الله، محمود فاروق سيد شعبان، جاسم الرصيف، ياسين أحمد، د- محمد رحال، حاتم الصولي، حميدة الطيلوش، تونسي، د. أحمد بشير، محرر "بوابتي"، عمار غيلوفي، مراد قميزة، أ.د أحمد محمّد الدَّغَشِي ، أحمد بن عبد المحسن العساف ، محمد الياسين، فهمي شراب، محمد يحي، صباح الموسوي ، د. أحمد محمد سليمان، محمود طرشوبي، د - محمد بن موسى الشريف ، د.محمد فتحي عبد العال، د. عادل محمد عايش الأسطل، أحمد الحباسي، سلوى المغربي، العادل السمعلي، مصطفى منيغ، إيمى الأشقر، سلام الشماع، محمود سلطان،
أحدث الردود
مسألة الوعي الشقي ،اي الاحساس بالالم دون خلق شروط تجاوزه ،مسالة تم الإشارة إليها منذ غرامشي وتحليل الوعي الجماعي او الماهوي ،وتم الوصول الى أن الضابط ...>>

حتى اذكر ان بوش قال سندعم قنوات عربيه لتمرير رسالتنا بدل التوجه لهم بقنوات امريكيه مفضوحه كالحره مثلا...>>

هذا الكلام وهذه المفاهيم أي الحكم الشرعي وقرار ولي الأمر والمفتي، كله كلام سائب لا معنى له لأن إطاره المؤسس غير موجود
يجب إثبات أننا بتونس دول...>>


مقال ممتاز...>>

تاكيدا لمحتوى المقال الذي حذر من عمليات اسقاط مخابراتي، فقد اكد عبدالكريم العبيدي المسؤول الامني السابق اليوم في لقاء تلفزي مع قناة الزيتونة انه وقع ا...>>

بسم الله الرحمن الرحيم
كلنا من ادم وادم من تراب
عندما نزل نوح عليه السلام منالسفينه كان معه ثمانون شخصا سكنو قريه اسمها اليوم هشتا بالك...>>


استعملت العفو والتسامح في سياق انهما فعلان، والحال كما هو واضح انهما مصدران، والمقصود هو المتضمن اي الفعلين: عفا وتسامح...>>

بغرض التصدي للانقلاب، لنبحث في اتجاه اخر غير اتجاه المنقلب، ولنبدا بمسلمة وهي ان من تخلى عن مجد لم يستطع المحافظة عليه كالرجال، ليس له الحق ان يعامل ك...>>

مقال ممتاز...>>

برجاء السماح بإمكانية تحميل الكتب والمراجع...>>

جل الزعماء العرب صعدوا ،بطرق مختلفة ،تصب لصالح المخطط الانتربلوجي العسكري التوسعي الاستعماري،ساهموا في تبسيط هدم حضارة جيرانهم العربية او الاسلامية عم...>>

مقال ممتاز
لكن الاصح ان الوجود الفرنسي بتونس لم يكن استعمارا وانما احتلال، فرنسا هي التي روجت ان وجودها ببلداننا كان بهدف الاعمار والاخراج من ح...>>


الاولى : قبل تحديد مشكلة البحث، وذلك لتحديد مسار البحث المستقل عن البحوث الاخرى قبل البدء فيه .
الثانية : بعد تحديد مشكلة البحث وذلك لمعرفة الا...>>


بارك الله فيكم...>>

جانبك اصواب في ما قلت عن السيد أحمد البدوي .

اعلم أن اصوفية لا ينشدون الدنيا و ليس لهم فيها مطمع فلا تتبع المنكرين المنافقين من الوها...>>


تم ذكر ان المدخل الروحي ظهر في بداياته على يد شارلوت تويل عام ١٩٦٥ في امريكا
فضلا وتكرما احتاج تزويدي ب...>>


الدين في خدمة السياسة عوض ان يكون الامر العكس، السياسة في خدمة الدين...>>

يرجى التثبت في الأخطاء اللغوية وتصحيحها لكي لاينقص ذلك من قيمة المقال

مثل: نكتب: ليسوا أحرارا وليس: ليسوا أحرار
وغيرها ......>>


كبر في عيني مرشد الاخوان و صغر في عيني العسكر
اسال الله ان يهديك الى طريق الصواب
المنافقون في الدرك الاسفل من النار...>>


It is important that issues are addressed in a clear and open manner, because it is necessary to understand the necessary information and to properly ...>>

وقع تصميم الموقع وتطويره من قبل ف.م. سوفت تونس

المقالات التي تنشر في هذا الباب لا تعبر بالضرورة عن رأي صاحب موقع بوابتي, باستثناء تلك الممضاة من طرفه أومن طرف "بوابتي"

الكاتب المؤشر عليه بأنه من كتاب موقع بوابتي، هو كل من بعث إلينا مقاله مباشرة