البدايةالدليل الاقتصادي للشركات  |  دليل مواقع الويبالاتصال بنا
 
 
 
المقالات الاكثر قراءة
 
تصفح باقي الإدراجات
أحدث المقالات

من قواعد النصر في القران الكريم - 29 - وان تصبروا وتتقوا لا يضركم

كاتب المقال أ. د/ احمد بشير - مصر    من كتـــــّاب موقع بوّابــتي
 المشاهدات: 4059


 يسمح بالنقل، بشرط ذكر موقع "بوابتي" مصدر المقال، ويفضّل أن يكون ذلك في شكل رابط


( .......واعلم أن النصر مع الصبر ...... ) ( من حديث صحيح عن ابن عباس رضي الله عنهما )
********
" ألا إن الصبر من الايمان بمنزلة الرأس من الجسد فإذا قطع الرأس بار الجسد "
" ألا إنه لا إيمان لمن لا صبر له "
" والصبر مطية لا تكبو "
( الإمام علي ابن أبي طالب )
*******

الحمد لله رب العالمين، والعاقبة للمتقين، ولا عدوان إلا على الظالمين، والصلاة والسلام على المبعوث رحمة للعالمين، وعلى آله وصحبه أجمعين،
وبعــــد :

الاسلام اليوم – وأكثر من أي وقت مضى – في قفص الاتهام، من قبل القوى المتنفذة في عالمنا المعاصر، تلك القوى التي تهيأت لها الظروف، التي مهدت لها السبيل لتتخذ من الإسلام عدوا لدودا، وشاع في وسائل الإعلام في أرجاء العالم الغربي ( صاحب الحضارة الغالبة ) مصطلح " الاسلامو فبيا " وهو يعني حالة الخوف المرضي من الإسلام، ولم يكن مستغربا في ظل هذه الأجواء أن يصر الغرب على الربط المريب والغريب بين الاسلام كدين وبين ما يسمى بالإرهاب،
ولا شك أن أوضاع العالم الاسلامي اليوم ساعدت على ذلك،
ورغم الهجوم الشرس الذي يوجهه أغلب المثقفين ( إن لم يكن جميعهم ) في عالمنا العربي، وكذلك دوائر الفكر والثقافة والاعلام في العالم الغربي المتقدم على فكرة نظرية " المؤامرة " وأصحاب التفسير التآمري للأحداث والوقائع التي تتعرض لها الأمة، إلا أننا نقرر أن قضية التآمر على الإسلام وأهله هي قضية نعيشها في كل لحظة بغض النظر عن المغالاة في تبنيها، أو مهاجمتها بضراوة كما هو حادث اليوم على الساحة الثقافية، فنحن نلحظ في القرآن الكريم أنه في الوقت الذي يحذرنا فيه القرآن من إلقاء التبعة على الآخرين فيما يحدث لنا من إصابات وأحداث فنراه يقول مثلا : {أَوَلَمَّا أَصَابَتْكُم مُّصِيبَةٌ قَدْ أَصَبْتُم مِّثْلَيْهَا قُلْتُمْ أَنَّى هَـذَا قُلْ هُوَ مِنْ عِندِ أَنْفُسِكُمْ إِنَّ اللّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ }( آل عمران : 165 )، أي : أولما أصابتكم -أيها المؤمنون- مصيبة, وهي ما أُصيب منكم يوم "أُحد" قد أصبتم مثليها من المشركين في يوم "بدْر", قلتم متعجبين: كيف يكون هذا ونحن مسلمون ورسول الله صلى الله عليه وسلم فينا وهؤلاء مشركون؟ قل لهم -أيها النبي- : هذا الذي أصابكم هو من عند أنفسكم بسبب مخالفتكم أمْرَ رسولكم وإقبالكم على جمع الغنائم. إن الله يفعل ما يشاء ويحكم ما يريد, لا معقِّب لحكمه.( التفسير الميسر )، في الوقت ذاته نجد القرآن الكريم يحذرنا من كيد الأعداء وتآمرهم على الإسلام وأهله في العديد من المواضع والآيات، فمثلا يقول الحق تبارك وتعالى : {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَتَّخِذُواْ بِطَانَةً مِّن دُونِكُمْ لاَ يَأْلُونَكُمْ خَبَالاً وَدُّواْ مَا عَنِتُّمْ قَدْ بَدَتِ الْبَغْضَاء مِنْ أَفْوَاهِهِمْ وَمَا تُخْفِي صُدُورُهُمْ أَكْبَرُ قَدْ بَيَّنَّا لَكُمُ الآيَاتِ إِن كُنتُمْ تَعْقِلُونَ }آل عمران118 )، أي أن هؤلاء الأعداء لا يَفْتُرون عن إفساد حالكم, وهم يفرحون بما يصيبكم من ضرر ومكروه, وقد ظهرت شدة البغض في كلامهم , وما تخفي صدورهم من العداوة لكم أكبر وأعظم، وفي السنة المشرفة نجد الحديث الشريف : " تداعى عليكم الأمم كما تداعى الأكلة إلى قصعتها ...الحديث "،
فما العمل إذا أمام مكر الأعداء وكيدهم المتواصل، ومؤامراتهم التي لا تنتهي، هنا تطل علينا قاعدة قرآنية من قواعد النصر في منظور الإسلام، والقاعدة تقول : أنه بالصبر والإيمان ينجو المؤمنون من كيد أعدائهم، ويكتب الله لهم النصر عليهم، والنجاة مما يحاك لهم ويدبر لهم بليل، قال تعالى : {وَإنْ تَصْبِرُوا وَتَتّقُوا لا يَضُرٍّكُمْ كَيْدُهُمْ شَيْئاً} ( آل عمران : 120 )،
صبر + إيمان = النجاة من كيد الأعداء ومكرهم وتآمرهم،

سياق الآية :

لقد جاءت هذه الآية التي ارتكنا إليها في لإبراز تلك القاعدة من قواعد النصر، وسبل تحقيقه في الرؤية الاسلامية، ضمن سياق الحديث عن العلاقة بين المسلمين والكافرين وتحليل تلك العلاقة، قال تعالى : { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَتَّخِذُواْ بِطَانَةً مِّن دُونِكُمْ لاَ يَأْلُونَكُمْ خَبَالاً وَدُّواْ مَا عَنِتُّمْ قَدْ بَدَتِ الْبَغْضَاء مِنْ أَفْوَاهِهِمْ وَمَا تُخْفِي صُدُورُهُمْ أَكْبَرُ قَدْ بَيَّنَّا لَكُمُ الآيَاتِ إِن كُنتُمْ تَعْقِلُونَ{118} هَاأَنتُمْ أُوْلاء تُحِبُّونَهُمْ وَلاَ يُحِبُّونَكُمْ وَتُؤْمِنُونَ بِالْكِتَابِ كُلِّهِ وَإِذَا لَقُوكُمْ قَالُواْ آمَنَّا وَإِذَا خَلَوْاْ عَضُّواْ عَلَيْكُمُ الأَنَامِلَ مِنَ الْغَيْظِ قُلْ مُوتُواْ بِغَيْظِكُمْ إِنَّ اللّهَ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ{119} إِن تَمْسَسْكُمْ حَسَنَةٌ تَسُؤْهُمْ وَإِن تُصِبْكُمْ سَيِّئَةٌ يَفْرَحُواْ بِهَا وَإِن تَصْبِرُواْ وَتَتَّقُواْ لاَ يَضُرُّكُمْ كَيْدُهُمْ شَيْئاً إِنَّ اللّهَ بِمَا يَعْمَلُونَ مُحِيطٌ{120} وَإِذْ غَدَوْتَ مِنْ أَهْلِكَ تُبَوِّئُ الْمُؤْمِنِينَ مَقَاعِدَ لِلْقِتَالِ وَاللّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ{121} إِذْ هَمَّت طَّآئِفَتَانِ مِنكُمْ أَن تَفْشَلاَ وَاللّهُ وَلِيُّهُمَا وَعَلَى اللّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ{122}( آل عمران )، وهكذا ركز هذا السياق القرآني في إطار تحليله للعلاقة بين معسكر التوحيد ومعسكر الكفر على :
- النهي الحاسم والجازم للمؤمنين عن اتخاذ الكافرين أولياء من دون المؤمنين مهما كانت الدوافع والأسباب ,
- إبراز موقف الكافرين من المؤمنين حتى يكون المؤمنون على بينة من أمرهم : فبين السياق أن هؤلاء الكافرين لا يَفْتُرون عن إفساد حال المسلمين , وأنهم يفرحون ويسعدون بما يصيب المسلمين من ضرر ومكروه ومعاناة , وقد ظهرت شدة البغض في كلامهم , وما تخفي صدورهم من العداوة للمسلمين أكبر وأعظم.
- تجلية أبرز جوانب الفرق بين معسكر الايمان ومعسكر الكفر وموقف كل منهما تجاه الآخر : فبين السياق خطأ المسلمين في محبة أهل الكفر، فالمسلمون يحبونهم وتحسنون إليهم , وهم ( أهل الكفر ) لا يحبون المسلمين، ويحملون لهم العداوة والبغضاء , والمسلمون يؤمنون بالكتب المنزلة كلها ومنها كتاب أهل الكتاب , وهم لا يؤمنون بكتاب المسلمين , وإذا لقوا المسلمين قالوا – نفاقًا - : آمنَّا وصدَّقْنا , وإذا خلا بعضهم إلى بعض بدا عليهم الغم والحزن , فعَضُّوا أطراف أصابعهم من شدة الغضب , لما يرون من ألفة المسلمين واجتماع كلمتهم , وإعزاز الإسلام , وإذلالهم به،
- أن الله تعالى أمر رسوله أن يقول لأعداء المسلمين بعد أن هتك أستارهم، وفضح أسرارهم : موتوا بشدة غضبكم وحنقكم وغيظكم، إن الله مطَّلِع على ما تخفي الصدور, وسيجازي كلا على ما قدَّم مِن خير أو شر.
- أن من عداوة هؤلاء للمسلمين أنهم إن نزل بالمسلمين أمرٌ حسن مِن نصر وغنيمة ظهرت عليهم الكآبة والحزن , وإن وقع بالمسلمين مكروه من هزيمة أو نقص في الأموال والأنفس والثمرات فرحوا بذلك فرحا شديدا ,
- وهنا تأتي القاعدة التي نحن بصدد الحديث عنها وكأن ما سبق كان بمثابة النأسيس لإعلان تلك القاعدة التي ينبغي للمسلمين أن يفقهوها ويلتزموها وهي تقول : " إن تصبروا أيها المؤمنون على ما أصابكم , وتتقوا الله فيما أمركم به ونهاكم عنه , لا يضركم أذى مكرهم شيئا "،
- ويعود السياق القرآني ليذكر الرسول صلى الله عليه وسلم ومن معه من المؤمنين بما وقع في غزوة أحد، وكيف أنه خرج من بيته في المدينة لابسًا عُدَّة الحرب , ينظم صفوف أصحابه , وينْزِل كل واحد في منزله للقاء المشركين في غزوة "أُحُد" (1)،
- ثم يأتي التذكير القرآني بما كان من أمر بني سَلِمة، وبني حارثة حين حدثتهم أنفسهم بالرجوع مع زعيمهم المنافق عبد الله بن أُبيٍّ ابن سلول ( رأس النفاق ) ; خوفًا من لقاء العدو, ولكن الله عصمهم وحفظهم , فساروا مع رسول الله متوكلين على الله تعالى وحده جل جلاله،

* لا سبيل للأمة لتحقيق النصر سوى منهج الايمان الذي هو المنهج الأقوم :
* المنهج الايماني يقوم ضمن ما يقوم على الصبر والتقوى :

وفي حديثه في رحاب تلك الآيات الكريمات يؤكد " صاحب الظلال " (1) على مجموعة من القضايا التي نحسب أنها من الأهمية بمكان، بحيث لا نملك إلا أن ننضم إليه في التأكيد عليها، وإيرازها وهي على النحو التالي :

1- أن هذه الآيات تقرر أنه : " لا جزاء على بذل، وأن لا قيمة لعمل إلا أن يرتبط بمنهج الإيمان وإلا أن يكون باعثه الإيمان " . . يقول الله هذا ويقرره فلا تبقى بعده كلمة لإنسان ؛ ولا يجادل في هذا القرار إلا الذين يجادلون في آيات الله بغير علم ولا هدى ولا كتاب منير . .

2- يجيء التحذير للجماعة المسلمة من أن تتخذ من أعدائها الطبيعيين بطانة، وأن تجعل منهم أمناء على أسرارها ومصالحها، وهم للذين آمنوا عدو . . يجيء هذا التحذير في صورة شاملة خالدة، ما نزال نرى مصداقها في كل وقت، وفي كل أرض، صورة رسمها هذا القرآن الحي، فغفل عنها أهل هذا القرآن، فأصابهم من غفلتهم وما يزال يصيبهم الشر والأذى والمهانة : { يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا بطانة من دونكم لا يألونكم خبالا . ودوا ما عنتم . قد بدت البغضاء من أفواههم، وما تخفي صدورهم أكبر . قد بينا لكم الآيات إن كنتم تعقلون . ها أنتم أولاء تحبونهم ولا يحبونكم، وتؤمنون بالكتاب كله، وإذا لقوكم قالوا : آمنا، وإذا خلوا عضوا عليكم الأنامل من الغيظ . قل : موتوا بغيظكم، إن الله عليم بذات الصدور . إن تمسسكم حسنة تسؤهم، وإن تصبكم سيئة يفرحوا بها . وإن تصبروا وتتقوا لا يضركم كيدهم شيئاً . إن الله بما يعملون محيط } . .

3- إنها صورة كاملة السمات، ناطقة بدخائل النفوس، وشواهد الملامح، تسجل المشاعر الباطنة، والانفعالات الظاهرة، والحركة الذاهبة الآيبة، وتسجل بذلك كله نموذجاً بشرياً مكروراً في كل زمان وفي كل مكان . ونستعرضها اليوم وغدا فيمن حول الجماعة المسلمة من أعداء، يتظاهرون للمسلمين - في ساعة قوة المسلمين وغلبتهم - بالمودة، فتكذبهم كل خالجة وكل جارحة، وينخدع المسلمون بهم فيمنحونهم الود والثقة وهم لا يريدون للمسلمين إلا الاضطراب والخبال، ولا يقصرون في إعنات المسلمين ونثر الشوك في طريقهم، والكيد لهم والدس، ما واتتهم الفرصة في ليل أو نهار .
4- وما من شك أن هذه الصورة التي رسمها القرآن الكريم هذا الرسم العجيب، كانت تنطبق ابتداء على أهل الكتاب المجاورين للمسلمين في المدينة ؛ وترسم صورة قوية للغيظ الكظيم الذي كانوا يضمرونه للإسلام والمسلمين، وللشر المبيت، وللنوايا السيئة التي تجيش في صدورهم ؛ في الوقت الذي كان بعض المسلمين ما يزال مخدوعاً في أعداء الله هؤلاء، وما يزال يفضي إليهم بالمودة، وما يزال يأمنهم على أسرار الجماعة المسلمة ؛ ويتخذ منهم بطانة وأصحاباً وأصدقاء، لا يخشى مغبة الإفضاء إليهم بدخائل الأسرار
فجاء هذا التنوير، وهذا التحذير، يبصر الجماعة المسلمة بحقيقة الأمر، ويوعيها لكيد أعدائها الطبيعيين، الذين لا يخلصون لها أبداً، ولا تغسل أحقادهم مودة من المسلمين وصحبة، ولم يجيء هذا التنوير وهذا التحذير ليكون مقصوراً على فترة تاريخية معينة، فهو حقيقة دائمة، تواجه واقعاً دائماً . . كما نرى مصداق هذا فيما بين أيدينا من حاضر مكشوف مشهود . .

5- والمسلمون في غفلة عن أمر ربهم : ألا يتخذوا بطانة من دونهم، بطانة من ناس هم دونهم في الحقيقة والمنهج والوسيلة، وألا يجعلوهم موضع الثقة والسر والاستشارة . . المسلمون في غفلة عن أمر ربهم هذا يتخذون من أمثال هؤلاء مرجعاً في كل أمر، وكل شأن، وكل وضع، وكل نظام، وكل تصور، وكل منهج، وكل طريق!
6- مؤامرات الأعداء :
والمسلمون في غفلة من تحذير الله لهم، يوادون من حاد الله ورسوله ؛ ويفتحون لهم صدورهم وقلوبهم، والله سبحانه يقول للجماعة المسلمة الأولى كما يقول للجماعة المسلمة في أي جيل : قال تعالى : { ودوا ما عنتم قد بدت البغضاء من أفواههم وما تخفي صدورهم أكبر } . .
والله سبحانه يقول : { ها أنتم أولاء تحبونهم ولا يحبونكم، وتؤمنون بالكتاب كله، وإذا لقوكم قالوا : آمنا، وإذا خلوا عضوا عليكم الأنامل من الغيظ } . .
والله سبحانه يقول : { أن تمسسكم حسنة تسؤهم، وإن تصبكم سيئة يفرحوا بها } . .
ومرة بعد مرة تصفعنا التجارب المرة، ولكننا لا نفيق . . ومرة بعد مرة نكشف عن المكيدة والمؤامرة تلبس أزياء مختلفة ولكننا لا نعتبر . ومرة بعد مرة تنفلت ألسنتهم فتنم عن أحقادهم التي لا يذهب بها ود يبذله المسلمون، ولا تغلسها سماحة يعلمها لهم الدين . . ومع ذلك نعود، فنفتح لهم قلوبنا ونتخذ منهم رفقاء في الحياة والطريق! . . وتبلغ بنا المجاملة، أو تبلغ بنا الهزيمة الروحية أن نجاملهم في عقيدتنا فنتحاشى ذكرها، وفي منهج حياتنا فلا نقيمه على أساس الإسلام، وفي تزوير تاريخنا وطمس معالمه كي نتقي فيه ذكر أي صدام كان بين أسلافنا وهؤلاء الأعداء المتربصين! ومن ثم يحل علينا جزاء المخالفين عن أمر الله، ومن هنا نذل ونضعف ونستخذي . ومن هنا نلقى العنت الذي يوده أعداؤنا لنا، ونلقى الخبال الذي يدسونه في صفوفنا . .
* الطريق الأقوم إلى اتقاء كيد الأعداء ودفع أذاهم :

7 - وها هو ذا كتاب الله يعلمنا - كما علم الجماعة المسلمة الأولى - كيف نتقي كيدهم، وندفع أذاهم، وننجو من الشر الذي تكنه صدورهم، ويفلت على السنتهم منه شواظ : { وإن تصبروا وتتقوا لا يضركم كيدهم شيئاً . إن الله بما يعملون محيط } . . فهو الصبر والعزم والصمود أمام قوتهم إن كانوا أقوياء؛ وأمام مكرهم وكيدهم إن سلكوا طريق الوقيعة والخداع . الصبر والتماسك لا الانهيار والتخاذل؛ ولا التنازل عن العقيدة كلها أو بعضها اتقاء لشرهم المتوقع أو كسبا لودهم المدخول . . ثم هو التقوى : الخوف من الله وحده . ومراقبته وحده ، هو تقوى الله التي تربط القلوب بالله، فلا تلتقي مع أحد إلا في منهجه، ولا تعتصم بحبل إلا حبله . . وحين يتصل القلب بالله فإنه سيحقر كل قوة غير قوته؛ وستشد هذه الرابطة من عزيمته، فلا يستسلم من قريب، ولا يواد من حاد الله ورسوله، طلباً للنجاة أو كسباً للعزة!
هذا هو الطريق : الصبر والتقوى . . التماسك والاعتصام بحبل الله . وما استمسك المسلمون في تاريخهم كله بعروة الله وحدها، وحققوا منهج الله في حياتهم كلها . . إلا عزوا وانتصروا، ووقاهم الله كيد أعدائهم، وكانت كلمتهم هي العليا . وما استمسك المسلمون في تاريخهم كله بعروة أعدائهم الطبيعيين، الذين يحاربون عقيدتهم ومنهجهم سراً وجهراً، واستمعوا إلى مشورتهم، واتخذوا منهم بطانة وأصدقاء وأعواناً وخبراء ومستشارين . . إلا كتب الله عليهم الهزيمة، ومكن لأعدائهم فيهم، وأذل رقابهم، وأذاقهم وبال أمرهم . . والتاريخ كله شاهد على أن كلمة الله خالدة؛ وأن سنة الله نافذة . فمن عمي عن سنة الله المشهودة في الأرض، فلن ترى عيناه إلا آيات الذلة والإنكسار والهوان . .

* سماحة الاسلام ونظافته ومحبته للخير في التعامل مع كل الناس :

8- ويحسن قبل أن ننهي هذا الدرس أن نقرر حقيقة أخرى، عن سماحة الإسلام في وجه كل هذا العداء . فهو يأمر المسلمين ألا يتخذوا بطانة من هؤلاء، ولكنه لا يحرضهم على مقابلة الغل والحقد والكراهية والدس والمكر بمثلها، إنما هي مجرد الوقاية للجماعة المسلمة وللصف المسلم، وللكينونة المسلمة . . مجرد الوقاية ومجرد التنبيه إلى الخطر الذي يحيطها به الآخرون . . أما المسلم فبسماحة الإسلام يتعامل مع الناس جميعا ؛ وبنظافة الإسلام يعامل الناس جميعاً؛ وبمحبة الخير الشامل يلقى الناس جميعاً؛ يتقي الكيد ولكنه لا يكيد، ويحذر الحقد ولكنه لا يحقد، إلا أن يحارب في دينه، وأن يفتن في عقيدته، وأن يصد عن سبيل الله ومنهجه . فحينئذ هو مطالب أن يحارب، وأن يمنع الفتنة، وأن يزيل العقبات التي تصد الناس عن سبيل الله، وعن تحقيق منهجه في الحياة، يحارب جهاداً في سبيل الله لا انتقاماً لذاته، وحباً لخير البشر لا حقداً على الذين آذوه، وتحطيماً للحواجز الحائلة دون إيصال هذا الخير للناس، لا حباً للغلب والاستعلاء والاستغلال . . وإقامة للنظام القويم الذي يستمتع الجميع في ظله بالعدل والسلام، لا لتركيز راية قومية ولا لبناء امبراطورية ! هذه حقيقة تقررها النصوص الكثيرة من القرآن والسنة ؛ ويترجمها تاريخ الجماعة المسلمة الأولى، وهي تعمل في الأرض وفق هذه النصوص .
إن هذا المنهج خير، وما يصد البشرية عنه إلا أعدى أعداء البشرية، الذين ينبغي لها أن تطاردهم، حتى تقصيهم عن قيادتها . . وهذا هو الواجب الذي انتدبت له الجماعة المسلمة، فأدته مرة خير ما يكون الأداء . وهي مدعوة دائماً إلى أدائه، والجهاد ماض إلى يوم القيامة . . تحت هذا اللواء . ." (2)،

وباختصار، ما رأيناه في هذا العرض السابق لطبيعة العلاقة بين المسلمين وغيرهم، وبخاصة مع الأعداء، يمكننا أن نصفها بايجاز بأنها معركة الجدل والمناظرة، والبيان والتنوير، والتوجيه والتحذير،

- يقول " الشعراوي " (3)، رحمه الله في تحليله لتلك القاعدة المستمدة من قوله تعالى : { وَإِن تَصْبِرُواْ وَتَتَّقُواْ لاَ يَضُرُّكُمْ كَيْدُهُمْ شَيْئاً }، " ....فأنت مهما كادوا لك فلن يصيبوك بأذى، إن المطلوب منك أن تصبر على عداوتهم، وتصبر على شرّهم، وتصبر على فرحهم في المصائب، وتصبر على حزنهم من النعمة تصيبك أو تمسك، اصبر فيكون عندك مناعة ؛ وكيدهم لن ينال منك اصبر واتق الله : لتضمن أن يكون الله في جانبك، { وَإِن تَصْبِرُواْ وَتَتَّقُواْ لاَ يَضُرُّكُمْ كَيْدُهُمْ شَيْئاً }، ثم يقول : " وما الكيد؟ الكيد هو أن تبيت وتحتال على إيقاع الضرر بالغير بحيث يبدو أنه كيدٌ من غيرك، أي تدبر لغيرك لتضره، وأصل الكيد مأخوذ من الكيد والكبد، وهما بمعنى واحد، فما يصيب الكبد يؤلم؛ لأن الكبد هو البضع القوي في الإنسان، إذا أصابه شيء أعيى الإنسان وأعجزه، ويقولون: فلان أصاب كبد الحقيقة أي توصل إلى نقطة القوة في الموضع الذي يحكي عنه،
وما معنى يبيتون؟ قالوا : إن التبييت ليس دليل الشجاعة، وساعة ترى واحداً يبيت ويمكر فاعرف أنه جبان؛ لأن الشجاع لا يكيد ولا يمكر، إنما يمكر ويكيد الضعيف الذي لا يقدر على المواجهة، فإن تصبروا على مقتضيات عداواتهم وتتقوا الله لا يضركم كيدهم شيئا؛ لأن الله يكون معكم، ويذيل الحق الآية بالقول الكريم : { إِنَّ اللَّهَ بِمَا يَعْمَلُونَ مُحِيطٌ } وساعة ترى كلمة " محيط " فهذا يدلك على أنه عالم بكل شيء. والإحاطة: تعني ألا تشرد حاجة منه. وها هي ذي تجربة واقعية في تاريخ الإسلام؛ يقول الحق فيها مؤكدا: } وَإِن تَصْبِرُواْ وَتَتَّقُواْ لاَ يَضُرُّكُمْ كَيْدُهُمْ شَيْئاً إِنَّ اللَّهَ بِمَا يَعْمَلُونَ مُحِيطٌ { وعلى كل منا أن يذكر صدق هذه القضية "

- وهكذا جاء الإرشاد القرآني للمؤمنين إلى كيفية تلقّي أذى العدوّ ومكائده : بأن يتلقّوه بالصّبر والحذر، وعبّر عن الحذر بالاتّقاء أي اتّقاء كيدهم وخداعهم، وقوله : { لا يَضِركم كيدهم شيئاً } أي بذلك ينتفي الضرّ كلّه لأنّه أثبت في أوّل الآيات أنّهم لا يضرّون المؤمنين إلاّ أذى، فالأذى ضرّ خفيف، فلمَّا انتفى الضرّ الأعظم الَّذي يحتاج في دفعه إلى شديدِ مقاومة من القتال وحراسة وإنفاق، كان انتفاء ما بَقي من الضرّ هيّناً، وذلك بالصّبر على الأذى، وقلّة الاكتراث به، مع الحذر منهم أن يتوسّلوا بذلك الأذى إلى ما يوصل ضرّاً عظيماً . وفي الحديث : " لا أحد أصبر على أذى يسمعه من اللَّهِ يدعون له نِدّاً وهو يرزقهم " (4)،

-إن من الموضوعات الساخنة التي نعيشها في هذه الأيام، أن العدو البعيد والقريب يخطط لمجتمعاتنا الإسلامية أن تمزق، وأن تضعف، وأن تفتقر، وأن تفسد، وأن تغوص في أوحال الحروب الأهلية، وأن تسقط في حمأة الرذيلة والفساد، وأن تتخلى عن دينها، ويكفي دلالة على ذلك أن يخرج أحدنا إلى شارع من شوارع المسلمين، أو إلى سوق من أسواقهم، أو أن يشاهد أخبارهم، ليرى نتائج هذا الغزو الثقافي، ونتاج هذا التدمير العسكري، الذي يراد لهذه الأمة، التي يمكر بها أعداؤها مكراً تزول منه الجبال، يخططون لإفقارها، ولإضلالها، ولإفسادها، ولإذلالها، ولإبادتها، تحت اسم براق هو الشرق الأوسط الجديد، قال الله تعالى : ﴿ وَقَدْ مَكَرُوا مَكْرَهُمْ وَعِنْدَ اللَّهِ مَكْرُهُمْ وَإِنْ كَانَ مَكْرُهُمْ لِتَزُولَ مِنْهُ الْجِبَالُ ﴾ ( إبراهيم : 46 )، لكن الله جلّ في علاه رسم لنا معشر المؤمنين طريق الخلاص من مكرهم الذي تزول منه الجبال، الخلاص والحل في القاعدة التي نتناولها، ونركز عليها، ونعيد الكلام فيها، وفي دلالاتها ومضامينها، نفصل ما أجملت، ونفسر ما أوجزت، ونحلل ما طوت من معاني نحن في أمس الحاجة إليها اليوم، فمهما كان كيد الأعداء، ومهما كانت ضراوة مكرهم الذي تزول منه الجبال، ومهما كانت خططهم من الدقة والحسم، فكل ذلك لا قيمة له ولا وزن، ولا يضر المؤمنين شيئا إن هم تلقوه بهذين الأصلين الصبر والتقوى، شريطة أن يكون فهمنا لهذين الأصلين على ما جاء به الإسلام بلا تغيير أو تبديل أو تحريف أو اختزال، هكذا علمنا القرآن، وهكذا أخبرنا الملك العلام، فإن مكرهم الكبير غير المعقول، خططهم الجهنمية، بأسهم الشديد، قوتهم العسكرية، قنابلهم النووية، طيرانهم المرتفع، سماؤهم المغطاة بالأقمار الصناعية، كل هذا العَدد، والعُدد، والتقنية، والذكاء، والخبرات، كلها تتلاشى عندما تتقوا وتصبروا، هذا هو الشعار الذي ينبغي أن يتمسك به المسلمون اليوم فهما واستيعابا وإيمانا ويقينا وعملا وتطبيقا وتجسيدا في واقع الحياة، ﴿ وَإِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا لَا يَضُرُّكُمْ كَيْدُهُمْ شَيْئاً ﴾ ( آل عمران : 120 )،

إن هذا الدين العظيم يعلمنا الأسلوب الصحيح في مواجهة ضغوط الخارج وتحدياته، لا يكون في الرد عليها، مما قد يجرنا إلى معارك خاسرة، كما تفعل بعض الجماعات اليوم، وإنما يتمثل في الانكفاء على الداخل بالإصلاح، والتنقية، والتدعيم، فأمام ما نواجهه اليوم هناك طريقان لا ثالث لهما : أن نواجههم مع اختلال ميزان القوى لصالحهم ؛ هم أقوى منا بكثير، هم يخترعون لنا الاتهامات ونحن بريئون منها، أقوى منا بكثير لكن الله تعالى يطلب منا أننا ينبغي أن نعود إلى أنفسنا لنصطلح مع الله، ينبغي أن نجدد إيماننا، أن نبحث عن الثغرات التي في حياتنا، ينبغي أن نحاسب أنفسنا حساباً عسيراً، ولا ريب أن هذا شاق على النفس، لأن المرء آنئذٍ ينقد نفسه، والآية الكريمة تقول : ﴿ وَإِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا لَا يَضُرُّكُمْ كَيْدُهُمْ شَيْئاً ﴾ ( آل عمران : 120 )، هذه الآية التي نحن بصددها، مَعْلَم في التأصيل لهذا الانكفاء على الداخل لإصلاحه وتقويمه،

- إن مشكلاتنا في التحليل الأخير إنما هي أعراض لمرض واحد هو الإعراض عن الله : فحينما ذكر القرآن الكريم أسباب انقراض الأمم الكبيرة، والقوية، واندثار حضاراتها، أخبرنا أن هذا لا يعود إلى قصور في العمران، أو سوء في إدارتها، أو استغلالها، وإنما يعود إلى قصور داخلي، يتمثل في الإعراض عن منهج الله، ولذلك أمراض المسلمين اليوم وعللهم كثيرة، هناك انتماء للذات لا انتماء للمجموع، أو إن شئت فقل أن الانتماء للذات أقوى من الانتماء للمجموع، هناك انتماء للقوميات أكثر من الانتماء للإسلام، هناك انتماء للدولة القطرية أكثر من الانتماء للأمة، هناك تفضيل المصلحة الشخصية على مصلحة الأمة، هناك قلق، هناك خوف، هناك ثقافة اليأس والاحباط، ثقافة الطريق المسدود، هناك أمراض نفسية لا تعد ولا تحصى نعيشها، إلا أن كل هذه الأمراض هي في حقيقةالأمر ليست أمراضاً إنما أعراض لمرض واحد هو الإعراض عن الله عز وجل، لذلك لنتفق على تسميتها بأنها أعراض عن الله، وعن منهج الله، وعن دين الله الذي ارتضاه لنا، وفي القرآن ما يعضد ما ذهبنا إليه ويؤكده : قال تعالى : {وَمَنْ أَعْرَضَ عَن ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكاً وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى، قَالَ رَبِّ لِمَ حَشَرْتَنِي أَعْمَى وَقَدْ كُنتُ بَصِيراً،، قَالَ كَذَلِكَ أَتَتْكَ آيَاتُنَا فَنَسِيتَهَا وَكَذَلِكَ الْيَوْمَ تُنسَى}( طه : 124 - 126)، أي : ومن تولَّى عن ذكري الذي أذكِّره به فإن له في الحياة الأولى معيشة ضيِّقة شاقة -وإن ظهر أنه من أهل الفضل واليسار-، ويُضيَّق قبره عليه ويعذَّب فيه، ونحشره يوم القيامة أعمى عن الرؤية وعن الحجة، قال المعرِض عن ذكر الله: ربِّ لِمَ حَشَرْتني أعمى, وقد كنت بصيرًا في الدنيا؟ قال الله تعالى له: حشرتك أعمى; لأنك أتتك آياتي البينات, فأعرضت عنها, ولم تؤمن بها, وكما تركتَها في الدنيا فكذلك اليوم تُترك في النار.( التفسير الميسر )،
لذلك حينما حلّت الهزيمة بالمسلمين في أُحد، قال بعض الصحابة - رضوان الله عليهم - : كيف نُهزَم ونحن جند الله ؟ فجاء الجواب القرآني : ﴿ قُلْ هُوَ مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِكُمْ ﴾ ( آل عمران : 165 )، ﴿ مَا أَصَابَ مِنْ مُصِيبَةٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ وَمَنْ يُؤْمِنْ بِاللَّهِ يَهْدِ قَلْبَهُ ﴾ ( التغابن : 11 )،

- ما أحوج المسلمين اليوم إلى تجديد الالتفات إلى قضية " الصبر والتقوى "، والاهتمام بها والتحقق الايجابي بهما معا في كل وقت وحين، وفي كل عصر ومصر، ولا سيما عند اشتداد المحن وتوالي الكروب والأزمات، واستفحال الهجمة الشرسة على الأمة من أعدائها من كل حدب وصوب، وإذا تأزمت بالامة الأمور، فينبغي ألا ننسى قول الله تعالى : { وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا }( الطلاق :2 )، إن الأمة – كما تنص القاعدة التي نحن بصددها – أمام سلاح بتار يحميها من كيد الكفرة والفجرة والمنافقين ومكرهم ومؤامراتهم التي لا ينفكون ينسجون خيوطها، فالصبر والتقوى سلاحان لمن أراد النجاة والخلاص والرفعة في الدنيا والآخرة.
* الصبر والتقوى أصلان ومفهومان متلازمان في القرآن الكريم :
قال شيخ الاسلام " ابن تيمية " رحمه الله : " .....ولا بد للإنسان من شيئين : طاعته بفعل المأمور، وترك المحظور، وصبره على ما يصيبه من القضاء المقدور، فالأول هو التقوى والثاني هو الصبر، قال تعالى : { يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا بطانة من دونكم لا يألونكم خبالاً } .......إلى قوله : { وإن تصبروا وتتقوا لا يضركم كيدهم شيئاً إن الله بما يعملون محيط }، وقال تعالى : { بلى إن تصبروا وتتقوا يأتوكم من فورهم هذا يمددكم ربكم بخمسة آلاف من الملائكة مسومين }، وقال تعالى : { لتبلون في أموالكم وأنفسكم ولتسمعن من الذين أوتوا الكتاب من قبلكم ومن الذين أشركوا أذى كثيراً، وإن تصبروا وتتقوا فإن ذلك من عزم الأمور }،
وقد قال يوسف ( عليه السلام ) : { أنا يوسف وهذا أخي قد من الله علينا أنه من يتق ويصبر فإن الله لا يضيع أجر المحسنين } . ولهذا كان الشيخ عبد القادر ونحوه من المشايخ المستقيمين يوصون في عامة كلامهم بهذين الأصلين - المسارعة إلى فعل المأمور، والتقاعد عن فعل المحظور، والصبر والرضا بالأمر المقدور "،
ويقول في موضع آخر : " ....والمؤمن إن قدر عدل وأحسن، وإن قهر وغلب صبر واحتسب، كما قال كعب بن زهير في قصيدته التي أنشدها للنبي صلى الله عليه وسلم التي أولها : بانت سعاد الخ..، في صفة المؤمنين :
ليسوا مفاريح إن نالت رماحهم ... يوماً وليسوا مجازيعاً إذا نيلوا

وسئل بعض العرب عن شيء من أمور النبي صلى الله تعالى عليه وسلم فقال : رأيته يغلب فلا يبطر، ويغلب فلا يضجر، وقد قال تعالى : { قالوا أإنك لأنت يوسف قال أنا يوسف وهذا أخي قد منّ الله علينا، إنه من يتق ويصبر فإن الله لا يضيع أجر المحسنين }، وقال تعالى : { وإن تصبروا وتتقوا لا يضركم كيدهم شيئاً }، وقال تعالى : { إن تصبروا وتتقوا ويأتوكم من فورهم هذا يمددكم ربكم بخمسة آلاف من الملائكة مسومين } وقال تعالى : { وإن تصبروا وتتقوا فإن ذلك من عزم الأمور } فذكر الصبر
والتقوى في هذه المواضع الأربعة، فالصبر يدخل فيه الصبر على المقدور؛ والتقوى يدخل فيها فعل المأمور، فمن رزق هذا وهذا فقد جمع له الخير، بخلاف من عكس فلا يتقي الله بل يترك طاعته، متبعاً لهواه، ويحتج بالقدر، ولا يصبر إذا ابتلى ولا ينظر حينئذ إلى القدر، فإن هذا حال الأشقياء كما قال بعض العلماء : أنت عند الطاعة قدري وعند المعصية جبري، أي مذهب وافق هواك تمذهبت به، يقول أنت إذا أطعت جعلت نفسك خالقاً لطاعتك فتنسى نعمة الله عليك أنه جعلك مطيعاً له، وإذا عصيت لم تعترف بأنك فعلت الذنب، بل تجعل نفسك بمنزلة المجبور عليه بخلاف مراده، أو المحرك الذي لا إرادة له ولا قدرة ولا علم، وكلاهما خطأ، وقد ذكر أبو طالب المكي عن سهل بن عبد الله التستري أنه قال : إذا عمل العبد حسنة فقال: أي وربي أنا فعلت هذه الحسنة، قال له ربه: أنا يسرتك لها وأنا أعنتك عليها، فإن قال أي ربي أنت أعنتني عليها ويسرتني لها، قال له ربه: أنت عملتها وأجرها لك، وإذا فعل سيئة فقال: أي ربي أنت قدرت علي هذه السيئة قال له ربه: أنت اكتسبتها وعليك وزرها فإن قال: أي رب إني أذنبت هذا الذنب وأنا أتوب منه، قال له ربه: أنا قدرته عليك وأنا أغفره لك " (5)،
- ومن الملاحظات التي لا تخفى على المتابع لواقع الامة الاسلامية اليوم ذلك الاهتمام المتزايد، وأحيانا المبالغة الشديدة في تبني التفسير التآمري، ونظرية المؤامرة للإجابة على التساؤلات الصعبة والمعقدة التي تدور على ألسنة أغلب المسلمين حول الأسباب الحقيقة في حالة التدني والتخلف والضعف والمهانة التي تعيشها اليوم، فكم من الكتب التي ألفت، وكم من المقالات التي دبجت، وكم من الدراسات التي أجريت، والتي يجمع بينها التركيز على كيد الكافرين والأعداء المتربصين بنا، ومؤامراتهم وخططهم وخطورتهم والسبل المادية لمواجهتهم أكثـر من التركيز على سبل الإصلاح، وطرق عودة الأمة , مع أن صلاح الأمة هو الأساس لردنا أي كيد وأي اعتداء , وخالقنا العظيم العليم أخبرنا سبحانه بأن كيدهم لن يضرنا إذا صبرنا واتقينا كما تشير القاعدة،
ونعود فنكرر : ما احوج أمتنا في هذه الايام وفي هذه الفتن الى الوقوف أمام هذه القاعدة، والتعمق في فقهها، واعتبارها من الأسس الهامة في بناء الانسان، وصياغة الشخصية المسلمة، واعتبارها من القواعد والمنطلقات الأساسية التي ترتكز عليها سياسات التربية والتعليم والتوجيه والارشاد،
وإلى لقاء آخر إنشاء الله،
***********
الهوامش والاحالات :
===========
(1) – الحديث هنا عن يوم أُحد، حيث خرج النبي صلى الله عليه وسلم بألف، أو ألف إلا خمسين رجلاً من الموحدين، والمشركون كانوا ثلاثة آلاف مشرك، ونزل رسول الله صلى الله عليه وسلم بالشعب يوم السبت سابع شوال سنة ثلاثة من الهجرة، وجعل ظهره وعسكره إلى جبل أحد، وسوى صفوفهم، وأجلس جيشاً من الرماة وأمر عليهم عبد الله بن جبير بسفح الجبل، وقال: أنضحوا عنا بالنبل لا يأتوا من ورائنا ولا تبرحوا غلبنا أو نصرنا،
(2) - سيد قطب : " في ظلال القران "، دار الشروق، القاهرة، ط 38، 2005م، ج1 – ص ص 423 – 426،
(3) - محمد متولي الشعراوي : " تفسير الشعراوي "، مطابع أخبار اليوم، القاهرة، ج 1، ص ص : 512 - 513،
(4) - - الشيخ محمد الطاهر بن عاشور : " التحرير والتنوير "، الطبعة التونسية، دار سحنون للنشر والتوزيع - تونس - 1997 م، ج4، ص ص : 68 – 69،
(5) - شيخ الإسلام أبو العباس أحمد بن عبد الحليم ابن تيمية ( ت : 728 هـ ) : " جَامِعُ الرَّسَائِل "، تحقيق : محمد رشاد سالم، دار المدني، الرياض، 1405هـ - 1984م، ص ص : 46 – 48،

************
أ.د/أحمد بشير، جامعة حلوان، القاهرة،


 اضغط على الكلمات المفتاحية التالية، للإطلاع على المقالات الأخرى المتعلقة:

بحوث إسلامية، النصر الإلاهي، الفاعلية، العمل الإسلامي،

 





تاريخ نشر المقال بموقع بوابتي 1-04-2016  

تقاسم المقال مع اصدقائك، أو ضعه على موقعك
لوضع رابط لهذا المقال على موقعك أو بمنتدى، قم بنسخ محتوى الحقل الذي بالأسفل، ثم ألصقه
رابط المقال

 
لإعلام أحدهم بهذا المقال، قم بإدخال بريده الإلكتروني و اسمك، ثم اضغط للإرسال
البريد الإلكتروني
اسمك

 مشاركات الكاتب(ة) بموقعنا

  محاضرة تمهيدية حول مقرر مجالات الخدمة الاجتماعية والرعاية الاجتماعية لمرحلة الدراسات العليا
  قائمة مختارة لمصطلحات الخدمة الاجتماعية -44- الميثاق الاخلاقي للخدمة الإجتماعية Social Work Code Of Ethics
  وقفات مع سورة يوسف - 5 - المشهد الأول - رؤيا يوسف – أحد عشر كوكبا
  من روائع مالك بن نبي -1- الهدف أن نعلم الناس كيف يتحضرون
  قائمة مختارة لمصطلحات الخدمة الاجتماعية -43- خدمة الجماعة المجتمعية : Community Group Work
  قائمة مختارة لمصطلحات الخدمة الاجتماعية -42- مفهوم البحث المقترن بالإصلاح والفعل Action Research
  قائمة مختارة لمصطلحات الخدمة الاجتماعية -41- مفهوم التقويم Evaluation
  قائمة مختارة لمصطلحات الخدمة الاجتماعية -40- مفهوم التجسيد – تجسيد المشاعر Acting out
  نفحات ودروس قرآنية (7) ابن عباس ونماذج من العطاءات القرآنية للأمة 7 ثمان آيات في سورة النساء ....
  نفحات ودروس قرآنية (6) ابن عباس ونماذج من العطاءات القرآنية للأمة 6 ثمان آيات في سورة النساء .... أ
  من عيون التراث -1- كيف تعصى الله تعالى وانت من أنت وهو من هو من نصائح ابراهيم ابن ادهم رحمه الله
  وقفات مع سورة يوسف - 4 - أحسن القصص
  نفحات قرآنية ( 4 ) ابن عباس ونماذج من العطاءات القرآنية للأمة 5 ثمان آيات في سورة النساء ....
  طريقتنا في التفكير تحتاج إلى مراجعة
  قائمة مختارة لمصطلحات الخدمة الاجتماعية -39 - الانتقائية النظرية في الخدمة الاجتماعية Eclecticism
  قرأت لك - 1 - من روائع الإمام الشافعي
  نماذج من الرعاية الاجتماعية في الإسلام – إنصاف المظلوم
  وقفات مع سورة يوسف - 3 - قرآنا عربيا
  قائمة مختارة لمصطلحات الخدمة الاجتماعية -38- مفهوم التقدير في التدخل المهني للخدمة الاجتماعية Assessment
  الشبكات الاجتماعية Social Network
  نفحات قرآنية ( 4 ) ابن عباس ونماذج من العطاءات القرآنية للأمة 4 ثمان آيات في سورة النساء ....
  وقفات مع سورة يوسف - 2 - تلك آيات الكتاب المبين - فضل القرآن الكريم
  قائمة مختارة لمصطلحات الخدمة الاجتماعية -36- مفهوم جماعة النشاط Activity Group
  رؤية تحليلية مختصرة حول الإطار النظري للخدمة الاجتماعية (9)
  وقفات مع سورة يوسف - 1 - مع مطلع سورة يوسف " الر " والحروف المقطعة
  قائمة مختارة لمصطلحات الخدمة الاجتماعية -35- مفهوم الهندسة الاجتماعية Social Engineering
  نفحات قرآنية ابن عباس ونماذج من العطاءات القرآنية للأمة المحمدية 3 ثمان آيات في سورة النساء ....
  قائمة مختارة لمصطلحات الخدمة الاجتماعية -34- مفهوم التثاقف – او المثاقفة - التثقف Acculturation
  من عجائب القران – نماذج وضاءة لجماليات الأخلاق القرآنية
  من عجائب القرآن الكريم والقرآن كله عجائب –1- الأمر بالعدل والندب إلى الاحسان والفضل في مجال المعاملات

أنظر باقي مقالات الكاتب(ة) بموقعنا


شارك برأيك
لوحة مفاتيح عربية بوابتي
     
*    الإسم
لن يقع إظهاره للعموم
     البريد الإلكتروني
  عنوان المداخلة
*

   المداخلة

*    حقول واجبة الإدخال
 
كم يبلغ مجموع العددين؟
العدد الثاني
العدد الأول
 * أدخل مجموع العددين
 
 
 
أكثر الكتّاب نشرا بموقع بوابتي
اضغط على اسم الكاتب للإطلاع على مقالاته
عواطف منصور، طلال قسومي، د - صالح المازقي، محمود طرشوبي، جاسم الرصيف، محمد شمام ، سامح لطف الله، رافد العزاوي، د. صلاح عودة الله ، نادية سعد، عبد الله زيدان، عبد الغني مزوز، أحمد الحباسي، د- محمود علي عريقات، أحمد ملحم، د- جابر قميحة، الناصر الرقيق، يزيد بن الحسين، محمد يحي، صفاء العراقي، أحمد بن عبد المحسن العساف ، محمد العيادي، فتحي العابد، الهيثم زعفان، محمود سلطان، فتحي الزغل، د. عادل محمد عايش الأسطل، سليمان أحمد أبو ستة، خالد الجاف ، رافع القارصي، صباح الموسوي ، حسني إبراهيم عبد العظيم، مصطفى منيغ، أ.د. مصطفى رجب، د - عادل رضا، د - الضاوي خوالدية، أشرف إبراهيم حجاج، رشيد السيد أحمد، د. مصطفى يوسف اللداوي، رحاب اسعد بيوض التميمي، محمود فاروق سيد شعبان، يحيي البوليني، محمد الطرابلسي، صالح النعامي ، د. كاظم عبد الحسين عباس ، سفيان عبد الكافي، د. خالد الطراولي ، ضحى عبد الرحمن، فهمي شراب، تونسي، عزيز العرباوي، عمر غازي، د- هاني ابوالفتوح، سامر أبو رمان ، عبد الله الفقير، د.محمد فتحي عبد العال، أنس الشابي، خبَّاب بن مروان الحمد، رمضان حينوني، د- محمد رحال، د. أحمد بشير، أحمد بوادي، د. طارق عبد الحليم، إيمى الأشقر، فوزي مسعود ، مصطفي زهران، أ.د أحمد محمّد الدَّغَشِي ، ياسين أحمد، عمار غيلوفي، أحمد النعيمي، أبو سمية، عبد الرزاق قيراط ، مراد قميزة، محمد عمر غرس الله، إسراء أبو رمان، علي الكاش، د - محمد بن موسى الشريف ، سعود السبعاني، د. أحمد محمد سليمان، حاتم الصولي، الهادي المثلوثي، حسن الطرابلسي، صلاح المختار، صفاء العربي، د - شاكر الحوكي ، د. ضرغام عبد الله الدباغ، حسن عثمان، د - محمد بنيعيش، محرر "بوابتي"، مجدى داود، كريم السليتي، محمد اسعد بيوض التميمي، كريم فارق، منجي باكير، علي عبد العال، سيد السباعي، ماهر عدنان قنديل، المولدي الفرجاني، د. عبد الآله المالكي، إياد محمود حسين ، رضا الدبّابي، سلوى المغربي، وائل بنجدو، العادل السمعلي، د - ‏أحمد إبراهيم خضر‏ ، د - المنجي الكعبي، حميدة الطيلوش، د - مصطفى فهمي، سلام الشماع، محمد أحمد عزوز، عراق المطيري، صلاح الحريري، فتحـي قاره بيبـان، محمد الياسين،
أحدث الردود
مسألة الوعي الشقي ،اي الاحساس بالالم دون خلق شروط تجاوزه ،مسالة تم الإشارة إليها منذ غرامشي وتحليل الوعي الجماعي او الماهوي ،وتم الوصول الى أن الضابط ...>>

حتى اذكر ان بوش قال سندعم قنوات عربيه لتمرير رسالتنا بدل التوجه لهم بقنوات امريكيه مفضوحه كالحره مثلا...>>

هذا الكلام وهذه المفاهيم أي الحكم الشرعي وقرار ولي الأمر والمفتي، كله كلام سائب لا معنى له لأن إطاره المؤسس غير موجود
يجب إثبات أننا بتونس دول...>>


مقال ممتاز...>>

تاكيدا لمحتوى المقال الذي حذر من عمليات اسقاط مخابراتي، فقد اكد عبدالكريم العبيدي المسؤول الامني السابق اليوم في لقاء تلفزي مع قناة الزيتونة انه وقع ا...>>

بسم الله الرحمن الرحيم
كلنا من ادم وادم من تراب
عندما نزل نوح عليه السلام منالسفينه كان معه ثمانون شخصا سكنو قريه اسمها اليوم هشتا بالك...>>


استعملت العفو والتسامح في سياق انهما فعلان، والحال كما هو واضح انهما مصدران، والمقصود هو المتضمن اي الفعلين: عفا وتسامح...>>

بغرض التصدي للانقلاب، لنبحث في اتجاه اخر غير اتجاه المنقلب، ولنبدا بمسلمة وهي ان من تخلى عن مجد لم يستطع المحافظة عليه كالرجال، ليس له الحق ان يعامل ك...>>

مقال ممتاز...>>

برجاء السماح بإمكانية تحميل الكتب والمراجع...>>

جل الزعماء العرب صعدوا ،بطرق مختلفة ،تصب لصالح المخطط الانتربلوجي العسكري التوسعي الاستعماري،ساهموا في تبسيط هدم حضارة جيرانهم العربية او الاسلامية عم...>>

مقال ممتاز
لكن الاصح ان الوجود الفرنسي بتونس لم يكن استعمارا وانما احتلال، فرنسا هي التي روجت ان وجودها ببلداننا كان بهدف الاعمار والاخراج من ح...>>


الاولى : قبل تحديد مشكلة البحث، وذلك لتحديد مسار البحث المستقل عن البحوث الاخرى قبل البدء فيه .
الثانية : بعد تحديد مشكلة البحث وذلك لمعرفة الا...>>


بارك الله فيكم...>>

جانبك اصواب في ما قلت عن السيد أحمد البدوي .

اعلم أن اصوفية لا ينشدون الدنيا و ليس لهم فيها مطمع فلا تتبع المنكرين المنافقين من الوها...>>


تم ذكر ان المدخل الروحي ظهر في بداياته على يد شارلوت تويل عام ١٩٦٥ في امريكا
فضلا وتكرما احتاج تزويدي ب...>>


الدين في خدمة السياسة عوض ان يكون الامر العكس، السياسة في خدمة الدين...>>

يرجى التثبت في الأخطاء اللغوية وتصحيحها لكي لاينقص ذلك من قيمة المقال

مثل: نكتب: ليسوا أحرارا وليس: ليسوا أحرار
وغيرها ......>>


كبر في عيني مرشد الاخوان و صغر في عيني العسكر
اسال الله ان يهديك الى طريق الصواب
المنافقون في الدرك الاسفل من النار...>>


It is important that issues are addressed in a clear and open manner, because it is necessary to understand the necessary information and to properly ...>>

وقع تصميم الموقع وتطويره من قبل ف.م. سوفت تونس

المقالات التي تنشر في هذا الباب لا تعبر بالضرورة عن رأي صاحب موقع بوابتي, باستثناء تلك الممضاة من طرفه أومن طرف "بوابتي"

الكاتب المؤشر عليه بأنه من كتاب موقع بوابتي، هو كل من بعث إلينا مقاله مباشرة