أحمد الحباسى - تونس
من كتـــــّاب موقع بوّابــتي المشاهدات: 3951
يسمح بالنقل، بشرط ذكر موقع "بوابتي" مصدر المقال، ويفضّل أن يكون ذلك في شكل رابط
فوجئ المتابعون ليلة الأحد لبرنامج ‘ لمن يجرؤ فقط ‘ بكثير من الاستياء لتصريح رئيس لجنة التشريع بمجلس النواب المحامى الأستاذ عبادة الكافي، تحدث الرجل بكثير من الزهو و الانتهازية بكونه من ‘ أسس ‘ حركة النداء بجهة الكاف و أنه نجح كنائب فى مجلس الشعب بفضل أصوات الشعب و انه لا فضل للنداء في هذا الأمر، طبعا هذا ليس صحيحا و فيه كثير من المبالغة و الغرور و قلة الشهامة، للحقيقة، الذين صوتوا للنداء قد صوتوا ضد النهضة و العكس صحيح، و في تلك الانتخابات التشريعية لم يكن من خيار لدى الناخب الذي جرب سنوات الجمر و القهر و الدم و نهب المال العام طيلة أربعة سنوات من حكم النهضة الاستبدادي إلا اختيار التصويت لحركة النداء بما يدعيه الحزب بكونه المنقذ الوحيد للبلاد من الأفغنة و الرجوع إلى العصور الجاهلية في حكم الرعية .
فالذين صوتوا لقائدة النداء بجهة الكاف مثلا لم تكن تهمهم الأسماء أو القامات السياسية التي تؤثث تلك القائمة بقدر ما كان يهمهم الانحياز إلى خيار وحيد و معين هو خيار الهروب من حكم الإسلام السياسي على طريقة رئيس الحكومة الفاشل السيد حمادي الجبالى أو نظيره السيد على العريض الملقب بعلي الرش ‘تخليدا’ لذكرى ذلك القرار الأرعن بضرب المتظاهرين في ولاية سليانة بذلك ‘ المبيد’ البوليسي الذي أضر بعيون المتساكنين في مشهد سيبقى عالقا بالمخيال الشعبي لعقود قادمة، و في هذا الإطار لا بد من الإشارة إلى نجاح حزب نداء تونس في شيطنة حركة النهضة نجاحا تؤكده المظاهرة التاريخية فيما سمي باعتصام الرحيل بباردو حين انهار حكم الإخوان انهيارا تاريخيا سيبقى علامة فارقة في تاريخ تونس المعاصر، أيضا كان واضحا أن الإخوان قد ارتبكوا و فشلوا و سقطوا و زاد سقوط حكم السيد محمد مرسى في مصر و بروز عدة احتجاجات على حكم حزب العدالة و التنمية التركي في تسريع قبولهم باليد الممدودة من الرئيس الحالي إلى زعيم النهضة فيما عرف ‘بمقابلة باريس’ الشهيرة .
إذن، لا يمكن الحديث عن إرادة شعبية حرة في الانتخابات التشريعية الأخيرة بالمفهوم الكامل للكلمة و لا عن برنامج سياسي طموح يشد الناخبين و لا عن شطارة نواب الجهة و تميزهم و ثقة الناخبين في قدرتهم على تحويل الواقع المر إلى واقع مقبول، كل ما حصل هو انتخاب تحت دافع و هواجس الخوف من العودة إلى حكم النهضة بما مثله من خنق للحريات و ضرب لقيم المواطنة و رجوع بالمكاسب إلى السياسية إلى الوراء، لذلك فمن تم انتخابهم و من بينهم السيد محسن مرزوق قد تم انتخابهم نتيجة لعبة سياسية واضحة شارك فيها الإعلام و المال السياسي و عدم قدرة الحركة على مواجهة العواصف السياسية الناتجة عن رعونتها في الحكم و في التعامل مع مكونات المجتمع المدني بالموضوعية المطلوبة، و حيث يقفز اليوم السيد مرزوق من حضن النداء إلى تكوين حزب على أنقاضه معتمدا على هذا الإرث البورقيبى الذي طالما تناسوه و تملصوا منه طيلة حكم الرئيس السابق بن على فمن الواضح للمتابعين أنها عملية سرقة حزبية موصوفة و خيانة أخلاقية مكتملة الأركان .
اليوم، و بالممارسة تفطن الناخب إلى سقوط مشروع الإسلام السياسي خاصة بعد الانهيار و حمام الدم الحاصل في مصر المحروسة، كما سيتفطن الناخب طيلة هذه الخمسة سنوات من حكم النداء ‘المختلط’ إلى أن الثورة التي قادت هؤلاء الانتهازيين إلى حكم البلد قد سرقت و أن هؤلاء الذين حكموا و يحكمون هم من أطاحوا بكل عناوين هذه الثورة و شكلوا قوة الردة و الدفع إلى الوراء، فحكم النهضة أو حكم الإخوان بصورة أصح قد نجح في تأليب الرأي العام ضد الإسلام و ضد الفضيلة السياسية المزيفة، و اليوم تحتاج حركة النهضة إلى كثير من ‘ المراجعات’ لتغتسل من جنابتها التي كادت تؤدى بالبلد إلى الحرب الأهلية في حين يمكن القول أن حركة النداء قد ‘أفلحت’ اليوم في بيان عورات الوعود الانتخابية الزائفة و أعطت للناخب التونسي فرصته كاملة هذه المرة لمراجعة خياراته الانتخابية بدءا بالانتخابات البلدية القادمة، لذلك يمكن القول أن ما يحاول السيد مرزوق ‘بناءه’ اليوم على الأنقاض و على الخداع السياسي و المغالطات الانتخابية لم يعد منتجا و هذه الثقة الزائدة في هذا المشروع الفاشل ستكون لها عواقب مدمرة لان الشعب يقابل الثقة الزائدة بالثقة الغائبة.
اليوم تقف الأحزاب أمام صورتها القبيحة في مواجهة الناخبين، و اليوم كلهم تجمع لن يقدروا على ربح الانتخابات إلا ‘بالرشوة’ الانتخابية كما كان يفعل التجمع، المواطن اليوم لن يثق في هذه الأحزاب رغم طول و عرض القائمة، و لن يصوت بدافع الخوف أو بدافع الهروب من المأزق، المواطن يعلم انه خسر ثورته و أن هذه الأحزاب هي من استولت عليها كل بطريقته الخاصة، لذلك فمن الممكن أن تشهد الانتخابات القادمة عزوفا جماعيا و تضطر الأحزاب كما كان يفعل التجمع في عهد بن على إلى تزوير العملية الانتخابية برمتها، أو سيؤدى هذا العزوف إلى تدافع شعبي يحرق هذه الأحزاب و يدفعها إلى الاستقالة و الخروج المهين من المشهد السياسي تحت طائلة الخوف من تسلم العسكر للسلطة لحماية النظام الجمهوري، لذلك من الواضح أن شهادة ‘ الغباء’ و عدم القدرة السياسية و غياب الوعي السياسي التي وزعها الرئيس على السيد محسن مرزوق و بعض الهامشيين من حركة النداء بالخصوص بمناسبة حديثه الصحفي الأخير للسيدين سفيان بن فرحات و نزار بهلول هي رسالة واضحة لمن يعنيه الأمر .
اضغط على الكلمات المفتاحية التالية، للإطلاع على المقالات الأخرى المتعلقة: