البدايةالدليل الاقتصادي للشركات  |  دليل مواقع الويبالاتصال بنا
 
 
 
المقالات الاكثر قراءة
 
تصفح باقي الإدراجات
أحدث المقالات

بن علي رجع والشعب هرب

كاتب المقال علي أنوزلا   
 المشاهدات: 3626


 يسمح بالنقل، بشرط ذكر موقع "بوابتي" مصدر المقال، ويفضّل أن يكون ذلك في شكل رابط


"بن علي هرب". كانت هذه العبارة التي اخترقت صمت شارع بورقيبة، في العاصمة التونسية ليلة 14 يناير/كانون ثاني 2011، بمثابة الشرارة التي أججت ثورات الربيع العربي، فتردد صداها في جميع أصقاع العالم العربي من طنجة حتى المنامة، ومن صنعاء حتى دمشق.

"بن علي هرب" كانت أول إعلان لهزيمة الاستبداد والطغيان، وانتصار إرادة الشعب الذي خرج إلى الشوارع أعزل، إلا من إرادته التي ركزها في شعاره القوي "الشعب يريد".

وطوال خمس سنوات، هي عمر الثورات العربية التي لم تخمد نيرانها في سورية وليبيا واليمن، جرت مياه كثيرة تحت الجسر. هرب مستبدون وفاسدون، وحوكم وسجن مستبدون وفاسدون. وأٌقيمت محاكمات ثوار وشرفاء، امتلأت بهم المعتقلات. وقامت ثورات مضادة لسرقة الأحلام وإجهاض الآمال. وحدثت انقلاباتٌ وسالت دماء واغتصبت أرواح بريئة. وغيّر مستبدون جلدهم، ليتحولوا إلى "ثوار" و"مقاتلين" يقودون كتائبهم ومليشياتهم للإجهاز على كل شيء يتحرك، رافعين خيار شمشون "علي وعلى أعدائي". وتم تشويه الصورة الطهرانية للثوار لتقديمهم إلى المحاكمات والزج بهم في السجون، بتهمة التجمهر والتظاهر. وساد الصمت وخرست الألسن، وعاد الخوف ليستأسد. وفي كلمة واحدة، أٌجهضت الثورات وسرقت الأحلام وأجهضت الآمال.. وحده الشعب السوري ظل مثل سيزيف عصره، يحمل آلامه وجراحه وأحلامه فوق ظهره، يطوف بها الملاجئ ومخيمات الشتات الجديد، هارباً من القصف ومن الجوع ومن الحصار ومن الاستعباد ومن السبي، ومن أن يتحول إلى غنيمة حرب تدار باسمه، هو ضحيتها ووقودها وحطبها.

"الشعب هرب". هل فعلاً نحتاج إلى من يصور لنا لحظة خروج الدكتاتور من قمقمه ليلة هروب الشعب، لنصدّق أن من هرب، في النهاية، هو الشعب، أو ما تبقى من الشعب. نعم، الشعب هرب من الخراب والأنقاض، بحثاً عن معنى آخر للحياة. بينما دكتاتور دمشق مازال مصمماً على البقاء، مثل بوم أخرس أصم يحرس الخراب، حتى آخر طفلة وآخر طفل سوري.

انعكست الآية في سورية، ولم يهرب الدكتاتور، كما حدث في تونس، كما لم يُعتقل كما جرى في مصر، ولم يُقتل كما كانت نهايته المأساوية في ليبيا. الشعب هو الذي قُتل واعتقل وأُحرق وشُرد.. والفئة الناجية منه من براميل النار ومن جحيم المعتقلات ومن حصار التجويع لم يعد من خلاص أمامها سوى الهرب. والهرب هنا ليس خوفاً، وإنما للنجاة والخلاص.

"الشعب هرب" إلى الملاجئ، وإلى مخيمات الشتات. ركب موج البحار وعبر الفيافي والبراري والأدغال، وتجاوز الحدود انتصاراً للحياة، وليس خوفاً من الدكتاتور الذي واجهه بصدور عاليةٍ، طوال خمس سنوات.

الشعب السوري، في الحقيقة، لم يهرب، وإنما خرج بحثاً عن الخلاص، مثلما فعل الشعب

"الشعب السوري هرب من الخراب والأنقاض بحثاً عن معنى آخر للحياة"

المصري، قبل آلاف السنين، هرباً من طغيان فرعون. للخروج، هنا، كما حدث مع شعب موسى، له مغزى أكبر، أي مغزى النجاة من استبداد فرعون سورية الحالي، واستعباده وظلمه وبطشه. وله أيضاً معنى البحث عن ميعاد الولادة الجديدة للثورة التي لم تستنفد بعد كل كلمات شعاراتها التي رددها أطفال درعا قبل خمس سنوات، ورسموها على جدران مدارسهم التي تحولت أطلالاً.

قوافل الشعب السوري التي باتت تؤثث شاشات القنوات العالمية، في مسيرة التيه نحو المجهول، تركب المخاطر، وتغامر لشق عباب البحار، وتقف في طوابير طويلة أمام بوابات الحدود المغلقة. هي عنوان لهروبنا الجماعي من واجب وصوت الضمير الذي لم نعد نسمع أنينه تحت ركام الخراب. هي إعلان موت ضميرنا الجماعي.

من تحمل الحياة تحت قصف الصورايخ وبراميل البارود وحمم النيران المنهمرة من السماء، ومن صبر على الجوع والحصار، وتحمل ضنك العيش وقلة ذات اليد، خمس سنوات، وقرّر اليوم، بعد أن فقد كل شيء، الهجرة نحو المجهول، لا يفعل ذلك للنجاة بجلده، وإنما لأنه لا يريد أن يتحول إلى حطب حروبٍ ليست حروبه، أما انتماؤه لوطنه فسيظل يحمله معه، لن ينتزعه منه إلا موته. ومن قال إن الموت يلغي الانتماء للمكان؟ بل العكس، ففي عالم الموت حيث اللا مكان، يصبح للانتماء معنى الخلود.

تقول أرقام إحصائياتٍ غير رسميةٍ، لكنها متطابقة، إن عدد القتلى السوريين، منذ بدأت الحرب، تجاوز 260 ألف ضحية، وإن عدد القتلى والجرحى معاً يناهز المليونين، وعدد النازحين الموزعين على مخيمات اللجوء، وفي بلاد الشتات، يتراوح ما بين 4 و5 ملايين لاجئة ولاجئ، أغلبهم من الأطفال والنساء والشباب اليافعين.

وحسب المكتب المركزي للإحصاء، بلغ عدد السكان المقيمين في سورية عام 2011 نحو 21.6 مليون نسمة. وطبقاً لتقديرات المكتب نفسه، التابع للنظام بدمشق، فإن عدد السكان حتى منتصف عام 2015، تراوح بين 18 و19 مليون نسمة، وإن عدد النازحين، بحسب المكتب، بين أربعة وخمسة ملايين نسمة.

"الشعب هرب" ولم يبق سوى إعلان هروبه. بقي فقط أن يخرج الدكتاتور، ليعلن انتصاره على شعبه، ويصرخ في الخراب "الشعب هرب". هذا إذا بقي تحت الأنقاض، وبين ركام الجثث، من يقوى على حمل عدسته، ليسجل تلك اللحظة المأساوية، لحظة عواء الدكتاتور يبكي هروب الشعب الذي لم يعد شعبه


 اضغط على الكلمات المفتاحية التالية، للإطلاع على المقالات الأخرى المتعلقة:

الثورات العربية، تونس، ليبيا، اليمن، مصر، الربيع العربي،

 





تاريخ نشر المقال بموقع بوابتي 17-02-2016  

تقاسم المقال مع اصدقائك، أو ضعه على موقعك
لوضع رابط لهذا المقال على موقعك أو بمنتدى، قم بنسخ محتوى الحقل الذي بالأسفل، ثم ألصقه
رابط المقال

 
لإعلام أحدهم بهذا المقال، قم بإدخال بريده الإلكتروني و اسمك، ثم اضغط للإرسال
البريد الإلكتروني
اسمك

شارك برأيك
لوحة مفاتيح عربية بوابتي
     
*    الإسم
لن يقع إظهاره للعموم
     البريد الإلكتروني
  عنوان المداخلة
*

   المداخلة

*    حقول واجبة الإدخال
 
كم يبلغ مجموع العددين؟
العدد الثاني
العدد الأول
 * أدخل مجموع العددين
 
 
 
أكثر الكتّاب نشرا بموقع بوابتي
اضغط على اسم الكاتب للإطلاع على مقالاته
أ.د أحمد محمّد الدَّغَشِي ، يحيي البوليني، محمد الطرابلسي، د- محمود علي عريقات، فهمي شراب، رحاب اسعد بيوض التميمي، محمود سلطان، حسن عثمان، سيد السباعي، إياد محمود حسين ، المولدي الفرجاني، أبو سمية، رمضان حينوني، محمود فاروق سيد شعبان، ماهر عدنان قنديل، د. عبد الآله المالكي، محمد يحي، محمد عمر غرس الله، علي عبد العال، أحمد بوادي، صلاح المختار، العادل السمعلي، سفيان عبد الكافي، د - شاكر الحوكي ، صفاء العراقي، إسراء أبو رمان، د- محمد رحال، أشرف إبراهيم حجاج، رضا الدبّابي، سامح لطف الله، يزيد بن الحسين، عواطف منصور، محمد أحمد عزوز، رشيد السيد أحمد، د - الضاوي خوالدية، أنس الشابي، د - عادل رضا، خالد الجاف ، عبد الرزاق قيراط ، مجدى داود، د - ‏أحمد إبراهيم خضر‏ ، أحمد النعيمي، صفاء العربي، د - المنجي الكعبي، صباح الموسوي ، صلاح الحريري، أحمد ملحم، منجي باكير، أ.د. مصطفى رجب، سامر أبو رمان ، تونسي، فتحـي قاره بيبـان، عمار غيلوفي، مراد قميزة، د- جابر قميحة، د - مصطفى فهمي، الهيثم زعفان، د. طارق عبد الحليم، عراق المطيري، كريم فارق، إيمى الأشقر، مصطفي زهران، ياسين أحمد، حاتم الصولي، أحمد بن عبد المحسن العساف ، أحمد الحباسي، رافع القارصي، د. أحمد بشير، الناصر الرقيق، د- هاني ابوالفتوح، محرر "بوابتي"، د. عادل محمد عايش الأسطل، د. أحمد محمد سليمان، عبد الله الفقير، فتحي العابد، علي الكاش، د.محمد فتحي عبد العال، مصطفى منيغ، صالح النعامي ، محمد العيادي، محمد الياسين، الهادي المثلوثي، رافد العزاوي، حسن الطرابلسي، نادية سعد، د - صالح المازقي، عمر غازي، ضحى عبد الرحمن، فتحي الزغل، عبد الله زيدان، جاسم الرصيف، حميدة الطيلوش، سلام الشماع، د - محمد بن موسى الشريف ، خبَّاب بن مروان الحمد، د - محمد بنيعيش، سليمان أحمد أبو ستة، كريم السليتي، وائل بنجدو، محمد اسعد بيوض التميمي، محمود طرشوبي، د. خالد الطراولي ، د. صلاح عودة الله ، د. مصطفى يوسف اللداوي، د. ضرغام عبد الله الدباغ، فوزي مسعود ، عزيز العرباوي، حسني إبراهيم عبد العظيم، محمد شمام ، سلوى المغربي، د. كاظم عبد الحسين عباس ، عبد الغني مزوز، سعود السبعاني، طلال قسومي،
أحدث الردود
مسألة الوعي الشقي ،اي الاحساس بالالم دون خلق شروط تجاوزه ،مسالة تم الإشارة إليها منذ غرامشي وتحليل الوعي الجماعي او الماهوي ،وتم الوصول الى أن الضابط ...>>

حتى اذكر ان بوش قال سندعم قنوات عربيه لتمرير رسالتنا بدل التوجه لهم بقنوات امريكيه مفضوحه كالحره مثلا...>>

هذا الكلام وهذه المفاهيم أي الحكم الشرعي وقرار ولي الأمر والمفتي، كله كلام سائب لا معنى له لأن إطاره المؤسس غير موجود
يجب إثبات أننا بتونس دول...>>


مقال ممتاز...>>

تاكيدا لمحتوى المقال الذي حذر من عمليات اسقاط مخابراتي، فقد اكد عبدالكريم العبيدي المسؤول الامني السابق اليوم في لقاء تلفزي مع قناة الزيتونة انه وقع ا...>>

بسم الله الرحمن الرحيم
كلنا من ادم وادم من تراب
عندما نزل نوح عليه السلام منالسفينه كان معه ثمانون شخصا سكنو قريه اسمها اليوم هشتا بالك...>>


استعملت العفو والتسامح في سياق انهما فعلان، والحال كما هو واضح انهما مصدران، والمقصود هو المتضمن اي الفعلين: عفا وتسامح...>>

بغرض التصدي للانقلاب، لنبحث في اتجاه اخر غير اتجاه المنقلب، ولنبدا بمسلمة وهي ان من تخلى عن مجد لم يستطع المحافظة عليه كالرجال، ليس له الحق ان يعامل ك...>>

مقال ممتاز...>>

برجاء السماح بإمكانية تحميل الكتب والمراجع...>>

جل الزعماء العرب صعدوا ،بطرق مختلفة ،تصب لصالح المخطط الانتربلوجي العسكري التوسعي الاستعماري،ساهموا في تبسيط هدم حضارة جيرانهم العربية او الاسلامية عم...>>

مقال ممتاز
لكن الاصح ان الوجود الفرنسي بتونس لم يكن استعمارا وانما احتلال، فرنسا هي التي روجت ان وجودها ببلداننا كان بهدف الاعمار والاخراج من ح...>>


الاولى : قبل تحديد مشكلة البحث، وذلك لتحديد مسار البحث المستقل عن البحوث الاخرى قبل البدء فيه .
الثانية : بعد تحديد مشكلة البحث وذلك لمعرفة الا...>>


بارك الله فيكم...>>

جانبك اصواب في ما قلت عن السيد أحمد البدوي .

اعلم أن اصوفية لا ينشدون الدنيا و ليس لهم فيها مطمع فلا تتبع المنكرين المنافقين من الوها...>>


تم ذكر ان المدخل الروحي ظهر في بداياته على يد شارلوت تويل عام ١٩٦٥ في امريكا
فضلا وتكرما احتاج تزويدي ب...>>


الدين في خدمة السياسة عوض ان يكون الامر العكس، السياسة في خدمة الدين...>>

يرجى التثبت في الأخطاء اللغوية وتصحيحها لكي لاينقص ذلك من قيمة المقال

مثل: نكتب: ليسوا أحرارا وليس: ليسوا أحرار
وغيرها ......>>


كبر في عيني مرشد الاخوان و صغر في عيني العسكر
اسال الله ان يهديك الى طريق الصواب
المنافقون في الدرك الاسفل من النار...>>


It is important that issues are addressed in a clear and open manner, because it is necessary to understand the necessary information and to properly ...>>

وقع تصميم الموقع وتطويره من قبل ف.م. سوفت تونس

المقالات التي تنشر في هذا الباب لا تعبر بالضرورة عن رأي صاحب موقع بوابتي, باستثناء تلك الممضاة من طرفه أومن طرف "بوابتي"

الكاتب المؤشر عليه بأنه من كتاب موقع بوابتي، هو كل من بعث إلينا مقاله مباشرة