أحمد الحباسى - تونس
من كتـــــّاب موقع بوّابــتي المشاهدات: 3406
يسمح بالنقل، بشرط ذكر موقع "بوابتي" مصدر المقال، ويفضّل أن يكون ذلك في شكل رابط
هناك من توسم الخير في أصحاب العفة و اللحية الكثيفة و الكلام الرطب و البسمة الأنيقة، لذلك صوت الآلاف لحركة النهضة في الانتخابات التشريعية الأولى، و جاءت الصفعة موجعة في تلك الليلة الحزينة القاتمة التي تشبه ليلة السكاكين الطويلة الشهيرة (la nuit des longs couteaux) حين أقدم الزعيم النازي أدولف هتلر على ذبح كل ‘ أعداءه ‘ من أصدقاءه القدامى، تلك الليلة سهر ‘نواب’ حركة النهضة و نواب حزبي المؤتمر و التكتل إلى الهزيع الأخير من الليل لينهبوا ميزانية الدولة بإقرارهم لقانون التعويضات المريحة المجزية لمن ‘ ناضلوا’ بماء الفرق و بالحرق و الاغتيال زمن الرئيس الراحل الحبيب بورقيبة و من توزعوا على صالونات المعارضة الباريسية اللندنية يلوكون تلك الخطب الفاقدة للطعم حول مساوئ نظام الطرابلسية، طبعا ، جاء اغتيال الشهيد الكبير شكري بلعيد ليدخل البلاد في نفق الإرهاب المتنقل و بات الجميع في شك من الجميع، حتى نسيت الذاكرة الجمعية أكبر عملية نهب باسم الثورة تشبه عملية نهب القطار المتجه من مدينة قلاسقو إلى مدينة لندن سنة 1963 و التي اعتبرت في حينها أكبر عملية نصب ( le casse du siècle ) أسالت كثيرا من الحبر.
منذ أيام نشرت صحيفة الثورة نيوز بعض الاتهامات بالفساد و الاستيلاء على المال العام و اتهمت بالاسم و بالتفاصيل المريحة بعض أطراف من ‘ كبار’ القيادات في حركة النهضة، لا يهم، فيكفى أن يخرج علينا هؤلاء القوم نافين كل شيء حتى تصمت’ العدالة’ و يصمت السيد وكيل الجمهورية و يصمت بعض الإعلام و يصمت الداعون للمحاسبة و الحكم الرشيد و الشفافية عن الكلام المباح ، فهل كان العيب في الصحيفة أم في الحكم الرشيد، و هل لا يعتبر هذا الاتهام إخبارا للسيد وكيل الجمهورية على معنى فصول مجلة الإجراءات و المرافعات الجزائية، أم أن العدالة قد خلقت للاقتصاص من الفقير فقط ، ثم كيف تسمح ‘ الثورة’ لمثل هؤلاء بالعيش بسلام ؟ و إذا استغنت الثورة على القصاص من هؤلاء فمن أين ستملأ خزائنها، طبعا سيخرج علينا من ينازع الاتهام ملوكا تلك العبارة الشهيرة المتهم بريء حتى تثبت إدانته ، لكن في واقع الأمر عندما تكشف الصحيفة ‘ الخنار’ و يصمت القضاء عن الإخبار فانه من حق الألسنة أن تنهش العار و تعرى الكبار.
يتحدث البعض عن كل ما يحصل في المعابر الديوانية، عن المليارات و عن رشوة المليارات و عن أعوان الديوانة المنقسمون بين رغيف الحلال و رغيف الحرام ، لا أحد يتحرك أو يحرك و لا أحد يهتم، فالعملية ‘روتينية’ و المهربون قد بنو دار مقام في كل مفاصل الديوانة و نصبوا الشباك على الطرقات و وزعوا المغانم و المناصب و الحظوة على ‘الأصدقاء’ ، طبعا، هناك شرفاء يتضاءلون مع الوقت و هناك عملية ‘نهب’ للعقول الشريفة و الدولة على علم بما يحدث لكنها منكسرة الجناح لا تريد إزعاج ‘أولاد الحلال’ حتى لا تبتزها المظاهرات ‘ العشوائية ‘ المبيتة و تستغل بعض الأحزاب الكرتونية المنبعثة من رحم مال السفارات و المخابرات الأجنبية حملة التنظيف الحكومية لرمى فضلاتها الخطابية القذرة في الساحات العامة فيحدث الانقسام المنشود و تعم الفوضى الخلاقة ويدخل الإرهاب التكفيري من الباب بعد أن ظن الجميع أنه لن يدخل إلا من الشباك، تماما كما حصل منذ فترة في القصرين و ما تبع من اتهام ‘رئاسي’ رسمي لأحد الأطراف ‘ المتطرفة’ المعروفة أسال كثيرا من الحبر و بكاء التماسيح .
نحن نشاهد ثمار الموز و نسأل، هل هذا موز الحكومة المفلسة أم موز ‘ الديوانة’ المثقوبة، و نسأل، كيف يمر الموز بهذه الكميات المهولة رغم رقابة الديوانة ؟ فهل يحتاج السيد العون لسكانار آخر صيحة ليكشف ما في الحاويات و الحال أن رائحة الموز تكاد تقول خذوني، نحن ندرك أن هناك من يعلم و من لا يعلم و من لا يريد أن يعلم و من قال أنه يعلم فطلبوا منه أن لا يعلم ، و نحن ندرك أن هناك من الأعوان من فقد الأمل و من تحصن بالعفة و هو كظيم محتاج، لكن أليس من العار أن تصمت الحكومة كل هذا الصمت ، تصمت عن الشباب فيذهب إلى داعش، تصمت عن الأمن فيقبل الرشوة و تصمت عن الديوانة فتضيع البلاد، فما هو دور الدولة ؟ و ما هو دور القيادة ؟ و أين كل الوعود ؟ و هل ستبقى الحكومة الفاشلة أسيرة الجواب النمطي الدائم ‘ هؤلاء مخربون، هؤلاء مخربون ‘، لا أيها السادة و السيدات المحترمون في حكومة الثورة، أنتم متهمون و أنتم متسترون و أنتم فاشلون، و حين ‘تقبض’ الثورة على مهرب كبير واحد بالجنوب يموت في ظروف غامضة فمن الواضح أن كل جيوب الدولة مثقوبة و كل خططها الأمنية مثقوبة و لم يبق لهذا الشعب إلا الدعاء، ربنا نحن لا نروم رد القضاء، نحن نلتمس اللطف فيه .
اضغط على الكلمات المفتاحية التالية، للإطلاع على المقالات الأخرى المتعلقة: