البدايةالدليل الاقتصادي للشركات  |  دليل مواقع الويبالاتصال بنا
 
 
 
المقالات الاكثر قراءة
 
تصفح باقي الإدراجات
أحدث المقالات

هل الصلاة الموحدة علاج الإبادة الجماعية في العراق؟

كاتب المقال د. مثنى عبدالله - باريس    من كتـــــّاب موقع بوّابــتي
 المشاهدات: 3226


 يسمح بالنقل، بشرط ذكر موقع "بوابتي" مصدر المقال، ويفضّل أن يكون ذلك في شكل رابط


تفتقر المعضلة العراقية إلى حلول ناجعة، حتى التي يسمونها حلولا مطروحة لا ترتقي إلى مستوى ما يتعرض له هذا البلد من دمار على كل الاصعدة، لأسباب موضوعية تخص طبيعة المشكلة، ولأسباب ذاتية تخص الجهات التي تتصدى لعملية طرح الحلول.

فعلى المستوى الداخلي يبرز عامل رئيسي أمام من يحاول إيجاد حل، ألا وهو الأنانيات الطائفية والإثنية، ونوعية الكسب الذي سيتحقق من هذا الطرح لطائفة أو قومية الجهة التي تحاول إيجاد الحلول. فلقد بات في حكم الاشتراط أن يحفظ البعض حصة الأسد لهم، حتى في محاولات الخروج من المأساة التي يعيشها العراقيون جميعا، لأن الطوائف والإثنيات باتت هي المرجعية الاولى بالنسبة للكثير من الاطراف السياسية. ثم أن عامل المنافسة السياسية بات يرتقي منزلة أعلى بكثير من منزلة الوطن في النفوس والعقول، فأدوار الوطن دفعها البعض إلى منازل أدنى من غيرها، لان اشتراطاتها واستحقاقاتها ذات كلف سياسية واجتماعية عالية، لا يستطيع المتصدرون في المشهد العراقي تحمل أعبائها أو النهوض بحملها، وعلى قدر أهل العزم تأتي العزائم.

وهذا هو السبب الذي دفع رئيس البرلمان العراقي إلى أن يخرج من جيبه، قائمة بأسماء بعض الذين شاركوا في مجزرة المقدادية في محافظة ديالى مؤخرا، في خطبة حماسية له للتعليق على الأحداث، بدون أن يجرؤ على أن يقرأ الاسماء علنا، لأن قراءاتها ستجعله يدفع كلفا سياسية عالية تفرضها أطراف أخرى عليه، لأنه في العرف السياسي العراقي الحالي يمثل طائفة، وليس من حقه أن يعلن عن أسماء تنتمي لطائفة أو مذهب أو إثنية أخرى، بينما لو كان الوطن والشعب حاضرين في ضمير الرجل، لذهب بقائمته إلى القضاء، وإن كانت لديه شكوك في نزاهة القضاء لذهب بها إلى القضاء الدولي، لكنه آثر الصمت كي لا تُجمع التواقيع في البرلمان تمهيدا لخلعه من المنصب. كذلك كانت ردة فعل القادة البؤساء الذين يدّعون تمثيل السنة، الذين انسحبوا من جلسة البرلمان واجتماع مجلس الوزراء، احتجاجا على الأحداث، وكأن انسحابهم له تأثير حذاء خروشوف رئيس الاتحاد السوفييتي السابق، حين هدد به الآخرين في اجتماعات الامم المتحدة عام 1960غاضبا من سياساتهم.

أما على الصعيد الإقليمي والدولي، فإن القضية العراقية باتت حصصا ذات نسب معينة في منظومات الأمن القومي لهذه الدولة وتلك، وبالتالي لا نجد مبادرات جادة في إيقاف النزيف الذي يتعرض له هذا البلد، لأن بلوغ المأساة العراقية نهايتها يعني هبوط الاسهم الإقليمية والدولية في المشهد، فالإيرانيون والأتراك والأمريكان والإسرائيليون ودول غربية وشرقية أخرى، حريصون كل الحرص على موازنة القوى الفاعلة فيه، كي تستمر استثماراتهم لبلوغ أعلى الارباح لصالح منظومات أمنهم القومي. على سبيل المثال يجد الأمريكان أن لُب الهيكل السياسي الحالي هو صناعتهم، وبالتالي لا يريدون أن يعلنوا فشلهم في صناعة هذا النموذج، كي يبتعدوا عن المسؤولية القانونية والاخلاقية في صناعة التدمير، ليست بالضرورة المسؤولية الآنية بل المستقبلية، لانهم إن كانوا قادرين اليوم على إسقاط المطالبات التعويضية بالترهيب والترغيب لمكانتهم في السياسية الدولية، قد لا تكون لديهم هذه الفرصة مستقبلا إن أفل نجمهم. حدث هذا المشهد في الكثير من القضايا الدولية، آخرها مطالبات مواطنات كوريات وفلبينيات الحكومة اليابانية، بتعويضهن عن دور المتعة الجنسية الذي أجبرن على القيام بها لجنود الجيش الياباني في الحرب العالمية. أما بالنسبة للدول الاقليمية خاصة إيران، فلا مصلحة لهم في إيقاف مسلسل التدمير الذي يعصف بالعراقيين، لأنهم هم العامل الرئيسي في إيقاظ جذوته. أما النظام الرسمي العربي فإن القضية العراقية بعيدة تماما عن تصوراتهم، لاسباب أهمها أن هذه المنظومة لاتزال ترى نفسها هدفا لتأثير خارجي، وأن أمنها القومي ليس موحدا، كما أن مصالحها السياسية والأمنية والاقتصادية مع دول صنع التدمير العراقي، أكبر وأهم بكثير من الاطار القومي الذي يربطها بالعراق، على الرغم من أن سلة الأخطار المقبلة من هذا القطر العربي باتت تهدد أمنهم الوطني.

وإذا كانت هذه هي ردات فعل المجتمع السياسي الدولي والاقليمي والمحلي أزاء الإبادة الجماعية التي تحدث في العراق، فإن الغرابة الاكبر هي ردات فعل البعض من رجال الدين العراقيين، التي اتسمت بطابع السلبية نفسه الذي تعامل به الساسة. فعلى الرغم من أن الرموز المعنوية تظهر أدوارها البارزة للعيان أكبر بكثير في أوقات الازمات والحروب، لكن الرمزية الدينية العراقية فشلت حتى الآن في القيام بهذا الدور، وفي التحرك لصيانة الأمن الوطني والسلم الأهلي، وقد ظهر هذا الموقف جليا في أحداث المقدادية الاخيرة في محافظة ديالى. فأمام القتل الطائفي وتفجير المساجد ونهب المحال التجارية والدور السكنية، لم يجد رجال الدين غير فعالية الصلاة الموحدة بين السنة والشيعة، فهل يُعقل أن نعالج المصاب بالسرطان كمعالجة المصاب بالزكام؟ وهل لا يملك رجال الدين غير هذه الوسيلة في التصدي لحادث جلل؟ فإذا كانت صلاتهم الموحدة تشير إلى إيمانهم المطلق بان ما حدث في المقدادية هو حرب طائفية، وأنهم بهذه الفعالية أرادوا إشعار تابعيهم بأنهم على وفاق ويجب أن يقتدوا بهم، فإنها تشير إلى فقدانهم التأثير المعنوي على أتباعهم، وبالتالي لم تعد لديهم فعالية التأثير الحقيقية داخل المجتمع. وإذا كانت الصلاة الموحدة التي قاموا بها لا تحمل هذا المعنى، إنما هي إشارة منهم إلى أن الطوائف ليست أديانا بل إنها دين واحد بقلب رجل واحد، فإنها أيضا تشير بهذا المعنى إلى تراجع دور رجال الدين، في تعزيز وحدة الدين وقيمه لدى مختلف اتجاهات المجتمع.

إننا نرى أن الصلاة الموحدة عقب برك الدماء المنهمرة من الابرياء هي فعاليات مصطنعة، وهي تحركات سياسية يراد منها التغطية على جرائم ترتكب وحقوق مضاعة، فالدين عقاب وثواب وليس فعاليات سلبية بدون معان واضحة، وقُبل وعناق بين الظالم والمظلوم. لقد أقامها العراقيون بصورة فردية وجماعية على مدى عقود من الزمن بدون دعوة من رجل دين سني أو شيعي، بل بفطرة صافية وإيمان عميق بأنهم شعب واحد، لا يرتب الاختلاف الطائفي أي استحقاقات لهذا الطرف بالضد من الطرف الاخر. كان المواطن من هذه الطائفة يدخل مسجد الطائفة الاخرى وهو مار في الطريق، حين يحكم موعد أداء الفرائض، وكان المواطن يقيم مأتمه في قاعات مساجد الطائفة الاخرى بدون حرج، لكن صناعة الاختلاف هي التي قادت إلى اعتبار أماكن العبادة هي مختلفة أيضا. يقينا لا يستطيع أحد أن يبرئ الساسة من هذه الصناعة البائسة، كما لا يستطيع أحد أن يعطي صك البراءة لبعض رجال الدين من الفعل نفسه، لأن الكثير منهم انخرط في أجندات سياسية، وباتت قيم الدين لديه سلالم يرتقي بها الزعيم السياسي الذي يتبع نهجه، ويسفه بها الزعيم السياسي الاخر الذي لا يتفق سياسيا معه.

إن الكارثة العراقية بحاجة ماسة إلى رجال دين من صنف الاوائل، الذين وحدوا أمما وأقواما مختلفة في اللغة والتاريخ والثقافة، وصنعوا منهم أمة واحدة بحجم الامبراطورية الاسلامية.


 اضغط على الكلمات المفتاحية التالية، للإطلاع على المقالات الأخرى المتعلقة:

العراق، الصراعات المذهبية، الارهاب، داعش، الشيعة، السنة، التدخل الايراني، التدخل الامريكي،

 





تاريخ نشر المقال بموقع بوابتي 2-02-2016  

تقاسم المقال مع اصدقائك، أو ضعه على موقعك
لوضع رابط لهذا المقال على موقعك أو بمنتدى، قم بنسخ محتوى الحقل الذي بالأسفل، ثم ألصقه
رابط المقال

 
لإعلام أحدهم بهذا المقال، قم بإدخال بريده الإلكتروني و اسمك، ثم اضغط للإرسال
البريد الإلكتروني
اسمك

شارك برأيك
لوحة مفاتيح عربية بوابتي
     
*    الإسم
لن يقع إظهاره للعموم
     البريد الإلكتروني
  عنوان المداخلة
*

   المداخلة

*    حقول واجبة الإدخال
 
كم يبلغ مجموع العددين؟
العدد الثاني
العدد الأول
 * أدخل مجموع العددين
 
 
 
أكثر الكتّاب نشرا بموقع بوابتي
اضغط على اسم الكاتب للإطلاع على مقالاته
د - محمد بن موسى الشريف ، رافد العزاوي، محمد شمام ، فتحي الزغل، محمد العيادي، د - ‏أحمد إبراهيم خضر‏ ، د - عادل رضا، محمد يحي، د. عادل محمد عايش الأسطل، مصطفى منيغ، حسن عثمان، سفيان عبد الكافي، عواطف منصور، محمد الطرابلسي، د. ضرغام عبد الله الدباغ، رشيد السيد أحمد، سيد السباعي، د - المنجي الكعبي، أشرف إبراهيم حجاج، علي عبد العال، د - شاكر الحوكي ، الهادي المثلوثي، سعود السبعاني، حاتم الصولي، د. أحمد بشير، عمار غيلوفي، سامر أبو رمان ، عراق المطيري، فتحـي قاره بيبـان، خبَّاب بن مروان الحمد، علي الكاش، نادية سعد، عمر غازي، د - مصطفى فهمي، د- محمود علي عريقات، أحمد النعيمي، د.محمد فتحي عبد العال، العادل السمعلي، عبد الرزاق قيراط ، د - محمد بنيعيش، د. صلاح عودة الله ، أحمد ملحم، رحاب اسعد بيوض التميمي، أ.د. مصطفى رجب، د. مصطفى يوسف اللداوي، فهمي شراب، محمد عمر غرس الله، عبد الله الفقير، إسراء أبو رمان، إياد محمود حسين ، محمد الياسين، سلوى المغربي، جاسم الرصيف، أ.د أحمد محمّد الدَّغَشِي ، محمد أحمد عزوز، د. طارق عبد الحليم، د- هاني ابوالفتوح، طلال قسومي، محمود طرشوبي، محرر "بوابتي"، إيمى الأشقر، د - الضاوي خوالدية، صلاح المختار، أحمد بوادي، صلاح الحريري، رمضان حينوني، صفاء العربي، صالح النعامي ، د. عبد الآله المالكي، مراد قميزة، عبد الله زيدان، كريم السليتي، عزيز العرباوي، د. خالد الطراولي ، د. أحمد محمد سليمان، أبو سمية، منجي باكير، محمد اسعد بيوض التميمي، تونسي، رافع القارصي، أنس الشابي، ضحى عبد الرحمن، عبد الغني مزوز، حسن الطرابلسي، صفاء العراقي، مجدى داود، فوزي مسعود ، سلام الشماع، أحمد بن عبد المحسن العساف ، محمود فاروق سيد شعبان، فتحي العابد، مصطفي زهران، كريم فارق، يحيي البوليني، حميدة الطيلوش، ياسين أحمد، صباح الموسوي ، د. كاظم عبد الحسين عباس ، سامح لطف الله، سليمان أحمد أبو ستة، الهيثم زعفان، د - صالح المازقي، خالد الجاف ، وائل بنجدو، حسني إبراهيم عبد العظيم، يزيد بن الحسين، د- جابر قميحة، أحمد الحباسي، محمود سلطان، المولدي الفرجاني، ماهر عدنان قنديل، د- محمد رحال، الناصر الرقيق، رضا الدبّابي،
أحدث الردود
مسألة الوعي الشقي ،اي الاحساس بالالم دون خلق شروط تجاوزه ،مسالة تم الإشارة إليها منذ غرامشي وتحليل الوعي الجماعي او الماهوي ،وتم الوصول الى أن الضابط ...>>

حتى اذكر ان بوش قال سندعم قنوات عربيه لتمرير رسالتنا بدل التوجه لهم بقنوات امريكيه مفضوحه كالحره مثلا...>>

هذا الكلام وهذه المفاهيم أي الحكم الشرعي وقرار ولي الأمر والمفتي، كله كلام سائب لا معنى له لأن إطاره المؤسس غير موجود
يجب إثبات أننا بتونس دول...>>


مقال ممتاز...>>

تاكيدا لمحتوى المقال الذي حذر من عمليات اسقاط مخابراتي، فقد اكد عبدالكريم العبيدي المسؤول الامني السابق اليوم في لقاء تلفزي مع قناة الزيتونة انه وقع ا...>>

بسم الله الرحمن الرحيم
كلنا من ادم وادم من تراب
عندما نزل نوح عليه السلام منالسفينه كان معه ثمانون شخصا سكنو قريه اسمها اليوم هشتا بالك...>>


استعملت العفو والتسامح في سياق انهما فعلان، والحال كما هو واضح انهما مصدران، والمقصود هو المتضمن اي الفعلين: عفا وتسامح...>>

بغرض التصدي للانقلاب، لنبحث في اتجاه اخر غير اتجاه المنقلب، ولنبدا بمسلمة وهي ان من تخلى عن مجد لم يستطع المحافظة عليه كالرجال، ليس له الحق ان يعامل ك...>>

مقال ممتاز...>>

برجاء السماح بإمكانية تحميل الكتب والمراجع...>>

جل الزعماء العرب صعدوا ،بطرق مختلفة ،تصب لصالح المخطط الانتربلوجي العسكري التوسعي الاستعماري،ساهموا في تبسيط هدم حضارة جيرانهم العربية او الاسلامية عم...>>

مقال ممتاز
لكن الاصح ان الوجود الفرنسي بتونس لم يكن استعمارا وانما احتلال، فرنسا هي التي روجت ان وجودها ببلداننا كان بهدف الاعمار والاخراج من ح...>>


الاولى : قبل تحديد مشكلة البحث، وذلك لتحديد مسار البحث المستقل عن البحوث الاخرى قبل البدء فيه .
الثانية : بعد تحديد مشكلة البحث وذلك لمعرفة الا...>>


بارك الله فيكم...>>

جانبك اصواب في ما قلت عن السيد أحمد البدوي .

اعلم أن اصوفية لا ينشدون الدنيا و ليس لهم فيها مطمع فلا تتبع المنكرين المنافقين من الوها...>>


تم ذكر ان المدخل الروحي ظهر في بداياته على يد شارلوت تويل عام ١٩٦٥ في امريكا
فضلا وتكرما احتاج تزويدي ب...>>


الدين في خدمة السياسة عوض ان يكون الامر العكس، السياسة في خدمة الدين...>>

يرجى التثبت في الأخطاء اللغوية وتصحيحها لكي لاينقص ذلك من قيمة المقال

مثل: نكتب: ليسوا أحرارا وليس: ليسوا أحرار
وغيرها ......>>


كبر في عيني مرشد الاخوان و صغر في عيني العسكر
اسال الله ان يهديك الى طريق الصواب
المنافقون في الدرك الاسفل من النار...>>


It is important that issues are addressed in a clear and open manner, because it is necessary to understand the necessary information and to properly ...>>

وقع تصميم الموقع وتطويره من قبل ف.م. سوفت تونس

المقالات التي تنشر في هذا الباب لا تعبر بالضرورة عن رأي صاحب موقع بوابتي, باستثناء تلك الممضاة من طرفه أومن طرف "بوابتي"

الكاتب المؤشر عليه بأنه من كتاب موقع بوابتي، هو كل من بعث إلينا مقاله مباشرة