البدايةالدليل الاقتصادي للشركات  |  دليل مواقع الويبالاتصال بنا
 
 
 
المقالات الاكثر قراءة
 
تصفح باقي الإدراجات
أحدث المقالات

رسائل إيران في تركيع البحّارة الأمريكان

كاتب المقال د.مثنى عبدالله - باريس    من كتـــــّاب موقع بوّابــتي
 المشاهدات: 2958


 يسمح بالنقل، بشرط ذكر موقع "بوابتي" مصدر المقال، ويفضّل أن يكون ذلك في شكل رابط


في منتصف الشهر الجاري بثت المواقع الإلكترونية الإيرانية، وغيرها من المسبّحات بحمدها، صورا ثابتة ومتحركة لبحارة عسكريين أمريكان، راكعين على ركبهم ورافعين أيديهم دلالة الاستسلام، بينما يدقق بعض العسكريين الإيرانيين بأوراقهم الثبوتية، وبوثائق الزورقين الأمريكيين اللذين احتجزتهما قوات الحرس الثوري الإيراني، بعد أن دخلا مياهها الاقليمية بالخطأ .

المفارقة أن الحادثة وقعت عشية البدء بتنفيذ الاتفاق الذي توصل إليه الغرب وأمريكا مع إيران، بموضوع البرنامج النووي الإيراني، كما تزامن مع خطاب الرئيس أوباما في الكونغرس، الذي حمل كلمات ذات معان ودلالات يؤكد فيها لشعبه التفوق الامريكي في العالم، وأنهم يعيشون في كنف دولة لا تقهر، وأن الفناء مصير كل من يجرؤ على تحديها. فهل جاوزت الغطرسة الايرانية الحدود المتوقعة منها؟ أم أن الامريكان وضعوا ضوابط تعامل خاص مع إيران تفوق خصوصية التعامل مع الحلفاء؟ وهل هنالك سيناريو تخادم ينفع الطرفين؟

يقول جورج فريدمان، كبير الباحثين في مركز ستراتفور للدراسات الإستراتيجية والأمنية الامريكي، «إن مشكلة أمريكا مع إيران هو أن طهران أثبتت أنها تستطيع التفوق في المنطقة من دون التحالف مع أمريكا، وبوسعها الاشتباك معها». هذا العامل هو الذي أسال القبضة الأمريكية الحديدية، وجعلها طرية إلى الحد الذي تقدمها إلى الايرانيين كي يلوونها أمام أنظار العالم، وهي بالمناسبة ليست المرة الأولى التي تسلك فيه الإدارات الامريكية هذا السلوك، مقابل تصرف عدائي من طرف دولة أخرى، ففي عام 1972 اقترح البنتاغون على الرئيس الأمريكي نيكسون، القيام بعمل عسكري ضد الصين لأنها أصبحت خطرا، فجاء الرد الامريكي أن زار الرئيس نيكسون الصين. وكما غيرت تلك الليونة الامريكية مع الصين المعادلات الجيوسياسية في العالم كله آنذاك، ترى الولايات المتحدة أن فتح صفحة جديدة من العلاقات مع إيران، سوف يغير المعادلات الجيوسياسية في منطقة الشرق الاوسط كله، ويخلق موازين قوى جديدة لا تدخل فيه القوى التقليدية القديمة كعوامل فاعلة في معادلاته، بل سيجبرها هذا الوضع على التأقلم معه حتى في حالة اضطرارها لدفع ثمن، لأن التهميش سوف يأتيها راكضا وليس ماشيا، بعد أن انطلقت العلاقات الامريكية الإيرانية بسرعة لم يتوقعها الكثيرون. وقد حصل هذا بالفعل في المنطقة وأصاب السعودية وتركيا وإسرائيل، إلى الحد الذي شلت فيه حركتهم وباتوا في موقف الدفاع وخارج اللعبة الامريكية الايرانية، يقابله اطمئنان أمريكي بوجود فاعل جديد توازن به المنطقة عن بعد، بعد أن أنهكها الحلفاء القدامى الكسالى، الذين كانوا يطلبون منها كل شيء، بينما هي لديها مصالح ومسؤوليات أخرى، لا تقل أهمية عن مصالحها في الشرق الاوسط. وقد يحتاج المقاول الرئيسي أن يتعاقد مع مقاولين ثانويين يمسكون الملفات الاقل أهمية. هذا هو دور إيران الجديد، الذي قبلته بعد أن وصلت في تحقيق أهدافها إلى نقطة الذروة وجني الثمار. فهل يعقل أن تفرط بالفرصة وتهدم بيتها بيدها؟

لقد أعطى الامريكان دورا جديدا لإيران بث فيها روحا دينامية جديدة، وكرّس كل مكاسبها التي حققتها في العراق وسوريا ولبنان وغيرها من نقاط التماس الأخرى. إنهم يثقون بقدرتها لأن لديها قابلية الانتحار، ومن يروم الانتحار لا تستطيع السيطرة عليه أي قوة في العالم، والافضل هو استثماره . كما أنها حليف تاريخي انفرط عقد التحالف معه لأسباب سياسية يمكن العبور من فوقها، لكن الأهم ليس لديه عقدة الثأر القومي والامبراطوري وعقدة الارض السليبة مع إسرائيل. فلا يوجد عداء حقيقي متجذر في المنهج السياسي الايراني تجاه إسرائيل، بل إن عداءها مع المحيط العربي، خاصة السعودية يفوق ما تدعيه من عداء مع إسرائيل.

هذه كلها عوامل مهمة تجعلها نموذجية في حمل السوط الامريكي براية إسلامية في المنطقة. من جهة اخرى يريد الامريكان أن يُكبّلوا الصين بمنجنيق ناري أحجاره اليابان وفيتنام والهند، وعندما تنظم إيران إلى هذا التحالف يصبح فاعلا أكثر. إذن صانع القرار الامريكي أمام مصالح أمريكية يمكن تحقيقها بالراية الايرانية، وإن لم يتحرك يحسب تصرفه في خانة الغباء. لكن المشكلة هي في إيران بعد تفصيل هذا الدور عليها ولبسها له. المشكلة الكبرى هو أن جيل كامل نشأ في المجتمع الايراني وقد تربى على مفهوم الشيطان الاكبر، وشعارات الموت لامريكا واللعنة على اليهود، وأن المدارس والجامعات والمساجد، والمعممين وغير المعممين، إصلاحيين ومتشددين، ضخوا على مدى عقود من السنين، تيارا ثقافيا يقوم على تحريم التعامل مع الامريكان، وأن التطبيع معهم خيانة للثورة الإسلامية. صحيح أن المرشد الاعلى رفع شعار الليونة البطولية في موضوع الملف النووي، لكن كيف سيتم اقناع هذا الجيل بالمعادلة الجديدة؟ ثم أن المرشد نفسه يعاني اليوم من شرور الدور الايراني الجديد الذي أفتى بقبوله، لأن رفع الحصار وإسقاط العقوبات يعني دخول الرساميل الاجنبية والشركات العالمية، وهذه كلها فيها كلف سياسية ستدفعها إيران شاءت أم أبت، لأن الانفتاح الاقتصادي يتطلب حرية الاتصالات والانترنت والتواصل والاحتكاك بالكوادر الإيرانية، وبعثات دبلوماسية نصفها عناصر مخابرات، وبالتالي ستتحرك حرية التعبير والقدرة على إيصال الصوت إلى الخارج أكبر مما كانت عليه، بينما كان النظام في حصن حصين من كل هذه المنغصات طيلة زمن الحصار. هنا لابد أن يتحرك صانع القرار الإيراني لإثبات استمرارية المنهج والسلوك وتصدير الثورة، بفعاليات سياسية وعسكرية، لتطمين من صدّقوا بكذبة الشيطان الاكبر، بأن المسيرة مازالت على ثوابتها.

في هذا السياق المُظلل جاءت عملية احتجاز البحارة الامريكان، لتبعث برسالتين مهمتين إلى المحيط الاقليمي، أولها، أن إيران دولة مساوية بالمقدار المادي والمعنوي لأقوى دولة في العالم، وقادرة على تركيع جنودها. هذه الرسالة كانت موجهة مباشرة إلى الدول العربية الخليجية، التي تحرس سواحلها في الخليج العربي القوات الامريكية، مفادها أن من يحميكم قادر على كسر هيبته وتركيع جنوده، وأن اعتمادكم عليه لا ينجيكم من غضبنا وجبروتنا. وقد أشار محسن رضائي رئيس مجلس تشخيص مصلحة النظام إلى ذلك قائلا، على السعودية أن لا تنسى بأن هنالك قوة قريبة منها، وأن على دول المنطقة أن لا تلعب بالنار. أما الرسالة الثانية فقد كانت موجهة إلى الداخل الإيراني، ملخصها أن عنجهية تصدير الثورة مستمرة، وشعار الموت لامريكا لازال ساري المفعول حتى لو أكل الامريكان والايرانيون طبق العسل معا، وأن الاوساط التي تراهن على أن رياح التغيير مقبلة بقدوم الرساميل والشركات ورجال الاعمال هم واهمون.

يقينا أن البيت الأبيض يفهم مشاكل واستحقاقات الاتفاق النووي على المرشد الاعلى، ويعلم جيدا أن استفزازات ستظهر هنا وهناك، وأن دعم الميليشيات سيستمر، لكن لن يرقى أيا منها إلى مستوى تهديد المصالح الامريكية. إنها مجرد تنفيس عن عنف ثوري كاذب، لذلك قال وزير الخارجية الأمريكي جون كيري في مؤتمر دافوس الأخير «أعتقد أن بعض الأموال الايرانية التي تم الافراج عنها ستنفق على دعم الإرهاب والجماعات المتشددة»، مشيرا إلى أن «واشنطن لا يمكنها اتخاذ موقف الآن» لعدم وجود أدلة تثبت ذلك كما يقول.

------------
د.مثنى عبدالله
٭ باحث سياسي عراقي


 اضغط على الكلمات المفتاحية التالية، للإطلاع على المقالات الأخرى المتعلقة:

إيران، البحارة الامريكان، المارينز،

 





تاريخ نشر المقال بموقع بوابتي 26-01-2016  

تقاسم المقال مع اصدقائك، أو ضعه على موقعك
لوضع رابط لهذا المقال على موقعك أو بمنتدى، قم بنسخ محتوى الحقل الذي بالأسفل، ثم ألصقه
رابط المقال

 
لإعلام أحدهم بهذا المقال، قم بإدخال بريده الإلكتروني و اسمك، ثم اضغط للإرسال
البريد الإلكتروني
اسمك

شارك برأيك
لوحة مفاتيح عربية بوابتي
     
*    الإسم
لن يقع إظهاره للعموم
     البريد الإلكتروني
  عنوان المداخلة
*

   المداخلة

*    حقول واجبة الإدخال
 
كم يبلغ مجموع العددين؟
العدد الثاني
العدد الأول
 * أدخل مجموع العددين
 
 
 
أكثر الكتّاب نشرا بموقع بوابتي
اضغط على اسم الكاتب للإطلاع على مقالاته
رافع القارصي، محمد شمام ، جاسم الرصيف، د. خالد الطراولي ، عبد الله الفقير، أحمد بن عبد المحسن العساف ، علي عبد العال، د - عادل رضا، فتحي العابد، نادية سعد، كريم السليتي، فوزي مسعود ، الهادي المثلوثي، مصطفى منيغ، مجدى داود، عواطف منصور، د.محمد فتحي عبد العال، مصطفي زهران، د - المنجي الكعبي، ياسين أحمد، د - الضاوي خوالدية، سفيان عبد الكافي، ماهر عدنان قنديل، محمد العيادي، أحمد بوادي، محمد أحمد عزوز، عمر غازي، طلال قسومي، إسراء أبو رمان، محمد اسعد بيوض التميمي، سلام الشماع، صباح الموسوي ، العادل السمعلي، الناصر الرقيق، تونسي، صلاح المختار، د. أحمد محمد سليمان، صالح النعامي ، د- محمد رحال، سعود السبعاني، أ.د. مصطفى رجب، محمد عمر غرس الله، أحمد ملحم، إيمى الأشقر، محرر "بوابتي"، عزيز العرباوي، صفاء العراقي، عبد الرزاق قيراط ، صفاء العربي، د. طارق عبد الحليم، د. صلاح عودة الله ، حسني إبراهيم عبد العظيم، د- محمود علي عريقات، خبَّاب بن مروان الحمد، علي الكاش، سلوى المغربي، أ.د أحمد محمّد الدَّغَشِي ، منجي باكير، د. كاظم عبد الحسين عباس ، د. مصطفى يوسف اللداوي، محمود فاروق سيد شعبان، عبد الله زيدان، د. عادل محمد عايش الأسطل، رضا الدبّابي، أحمد النعيمي، رشيد السيد أحمد، فتحي الزغل، د - مصطفى فهمي، د- جابر قميحة، رافد العزاوي، سامر أبو رمان ، محمد يحي، إياد محمود حسين ، عراق المطيري، المولدي الفرجاني، د - محمد بن موسى الشريف ، رمضان حينوني، سيد السباعي، عمار غيلوفي، د. أحمد بشير، د. عبد الآله المالكي، د - محمد بنيعيش، مراد قميزة، محمد الطرابلسي، الهيثم زعفان، محمود طرشوبي، كريم فارق، أبو سمية، أشرف إبراهيم حجاج، د - شاكر الحوكي ، خالد الجاف ، محمد الياسين، فهمي شراب، فتحـي قاره بيبـان، أنس الشابي، سامح لطف الله، د - صالح المازقي، صلاح الحريري، يحيي البوليني، د - ‏أحمد إبراهيم خضر‏ ، حسن عثمان، يزيد بن الحسين، حاتم الصولي، د. ضرغام عبد الله الدباغ، د- هاني ابوالفتوح، حسن الطرابلسي، وائل بنجدو، حميدة الطيلوش، عبد الغني مزوز، أحمد الحباسي، سليمان أحمد أبو ستة، رحاب اسعد بيوض التميمي، محمود سلطان، ضحى عبد الرحمن،
أحدث الردود
مسألة الوعي الشقي ،اي الاحساس بالالم دون خلق شروط تجاوزه ،مسالة تم الإشارة إليها منذ غرامشي وتحليل الوعي الجماعي او الماهوي ،وتم الوصول الى أن الضابط ...>>

حتى اذكر ان بوش قال سندعم قنوات عربيه لتمرير رسالتنا بدل التوجه لهم بقنوات امريكيه مفضوحه كالحره مثلا...>>

هذا الكلام وهذه المفاهيم أي الحكم الشرعي وقرار ولي الأمر والمفتي، كله كلام سائب لا معنى له لأن إطاره المؤسس غير موجود
يجب إثبات أننا بتونس دول...>>


مقال ممتاز...>>

تاكيدا لمحتوى المقال الذي حذر من عمليات اسقاط مخابراتي، فقد اكد عبدالكريم العبيدي المسؤول الامني السابق اليوم في لقاء تلفزي مع قناة الزيتونة انه وقع ا...>>

بسم الله الرحمن الرحيم
كلنا من ادم وادم من تراب
عندما نزل نوح عليه السلام منالسفينه كان معه ثمانون شخصا سكنو قريه اسمها اليوم هشتا بالك...>>


استعملت العفو والتسامح في سياق انهما فعلان، والحال كما هو واضح انهما مصدران، والمقصود هو المتضمن اي الفعلين: عفا وتسامح...>>

بغرض التصدي للانقلاب، لنبحث في اتجاه اخر غير اتجاه المنقلب، ولنبدا بمسلمة وهي ان من تخلى عن مجد لم يستطع المحافظة عليه كالرجال، ليس له الحق ان يعامل ك...>>

مقال ممتاز...>>

برجاء السماح بإمكانية تحميل الكتب والمراجع...>>

جل الزعماء العرب صعدوا ،بطرق مختلفة ،تصب لصالح المخطط الانتربلوجي العسكري التوسعي الاستعماري،ساهموا في تبسيط هدم حضارة جيرانهم العربية او الاسلامية عم...>>

مقال ممتاز
لكن الاصح ان الوجود الفرنسي بتونس لم يكن استعمارا وانما احتلال، فرنسا هي التي روجت ان وجودها ببلداننا كان بهدف الاعمار والاخراج من ح...>>


الاولى : قبل تحديد مشكلة البحث، وذلك لتحديد مسار البحث المستقل عن البحوث الاخرى قبل البدء فيه .
الثانية : بعد تحديد مشكلة البحث وذلك لمعرفة الا...>>


بارك الله فيكم...>>

جانبك اصواب في ما قلت عن السيد أحمد البدوي .

اعلم أن اصوفية لا ينشدون الدنيا و ليس لهم فيها مطمع فلا تتبع المنكرين المنافقين من الوها...>>


تم ذكر ان المدخل الروحي ظهر في بداياته على يد شارلوت تويل عام ١٩٦٥ في امريكا
فضلا وتكرما احتاج تزويدي ب...>>


الدين في خدمة السياسة عوض ان يكون الامر العكس، السياسة في خدمة الدين...>>

يرجى التثبت في الأخطاء اللغوية وتصحيحها لكي لاينقص ذلك من قيمة المقال

مثل: نكتب: ليسوا أحرارا وليس: ليسوا أحرار
وغيرها ......>>


كبر في عيني مرشد الاخوان و صغر في عيني العسكر
اسال الله ان يهديك الى طريق الصواب
المنافقون في الدرك الاسفل من النار...>>


It is important that issues are addressed in a clear and open manner, because it is necessary to understand the necessary information and to properly ...>>

وقع تصميم الموقع وتطويره من قبل ف.م. سوفت تونس

المقالات التي تنشر في هذا الباب لا تعبر بالضرورة عن رأي صاحب موقع بوابتي, باستثناء تلك الممضاة من طرفه أومن طرف "بوابتي"

الكاتب المؤشر عليه بأنه من كتاب موقع بوابتي، هو كل من بعث إلينا مقاله مباشرة