البدايةالدليل الاقتصادي للشركات  |  دليل مواقع الويبالاتصال بنا
 
 
 
المقالات الاكثر قراءة
 
تصفح باقي الإدراجات
أحدث المقالات

نحو رسم خريطة العراق الجديدة

كاتب المقال هيفاء زنكنة - لندن    من كتـــــّاب موقع بوّابــتي
 المشاهدات: 2835


 يسمح بالنقل، بشرط ذكر موقع "بوابتي" مصدر المقال، ويفضّل أن يكون ذلك في شكل رابط


في رسالة مصورة موجهة إلى العالم، نسمع شابا عراقيا من سكان محافظة ديالى، شمال شرقي بغداد، يترحم على استشهاد شقيقه ثم يوجه بقلب لم يعد يتسع للمزيد من الموت، نداء لانقاذ ديالى التي تتعرض للذبح «فالجثث بالشوارع. وسيارات الميليشيات تجول الشوارع وتنادي عبر مكبرات الصوت، تطالب السكان من السنة بالخروج، تأمرهم بالرحيل والا قتلوا». ثم يتحدث بغضب عن الساسة المشاركين بالعملية السياسية على اساس تمثيل السنة، قائلا: «أطلع. استقيل. وصلت الدماء حد الركبة».

حين استقتل عدد من الأحزاب العراقية، منذ بداية التسعينات، على استقطاب الدعم الانكلو أمريكي لما أطلقوا عليه تسمية «تحرير» العراق، كانت وعودهم لعموم الشعب ذهبية، لامثيل لها، تراوح ما بين الحرية والديمقراطية وحقوق الانسان.
وعدوا المرأة بسلة مملوءة بحقوق المرأة والمشاركة السياسية، بعد ان قدموها للعالم كضحية تعاني من الحيف والجهل.

وكانت الوعود، لمن تغذوا على « مظلوميتهم» وحين فوجئوا بأنهم، اولا وأخيرا، عراقيون، وطنيون، لا يرضون التفريط بوحدة وطنهم، تنص على ان وجود القوات الاجنبية خط أحمر لن يتجاوز الستة شهور، بعدها سيكون العراقيون النموذج المضيء، ديمقراطيا، في الشرق الاوسط.
مضت الستة أشهر التي عرف بها التيار الصدري والحكيم، ومضى معها مايقارب 13 عاما. ومن كان طفلا في 2003، عام الغزو، صار شابا أجبر على النزوح والهجرة (ان لم يعتقل ويقتل)، وهو ينتظر انقضاء الفترة الموعودة، كما انتظر «فلاديمير» و»استراغون»، في مسرحية « بانتظار غودو « للكاتب الايرلندي صموئيل بيكيت. في أعوام الانتظار، صار المواطن كرة قدم، ترميها وتتبادلها وتدحرجها، اقدام 22 لاعبا في لعبة يتم تمديدها، كلما ظن المواطن انها أوشكت على الانتهاء.

يعيش المواطن اليوم كابوسا، دائما، بلا ملامح. واذا كانت منظمة داعش قد تم تبنيها، سياسيا وإعلاميا، لتكون الوجه الأبرز في ترويع المواطن وإرهابه، فان حصره في زنزانات كونكريتية، بلا منافذ، وتعذيبه وقتله، من قبل ميليشيات، يطبل ويزمر لها باعتبارها البطل المنقذ، لايقل وحشية عن داعش.

واذا كانت صفة «المظلومية» قد استغلت، سياسيا، بشكل مشوه ليسيء، في النهاية، إلى ذات الطائفة التي استنبطت من أجلها، فانها وبدلا من تجاوزها كشرط أساسي للمحافظة على وطن يتسع للجميع، تم تكريسها، تاريخيا وأبديا، في ظل حكومات طائفية تشرعن الافعال الانتقامية.
ان الصمت على وحشية وجرائم الميليشيات، جريمة لا تغتفر، كما هو الصمت على جرائم المحتل، ايا كانت جنسيته، كما هو الصمت على جرائم داعش، كما هو الصمت على جرائم نظام لم يعد يمثل غير مصالح ذاتية لحفنة من الفاسدين، على كل المستويات، وتجاوزت الفساد المالي والاداري. لم يعد الصمت ممكنا ازاء حملات الاعتقال والتعذيب والتهجير القسري والتغيير الديموغرافي والقتل. جرائم تتم جهارا بلا وازع أخلاقي أو خوف من مسؤولية قانونية. هل تتذكرون كيف كانت الحكومات قبل الويكيليكس والتلفونات المصورة، ترتكب جرائمها خفية أو تتستر عليها، فلا تنشر تفاصيلها الا بعد مرور ثلاثين عاما، مثلا، خشية غضب شعوبها والرأي العام العالمي؟ الانظمة العربية اليوم، مثالها الابرز سوريا والعراق، على خطى الكيان الصهيوني والأمريكي، لا تخشى في الاعتقال والقتل لومة لائم. قتلة اليوم، في العراق، من داعش والحشد الشعبي والميليشيات، يصورون جرائمهم ويجدون لذة لا تضاهى في سادية ما ترتكبه ايديهم. انهم يتباهون بنشر وتوزيع افلامهم وهم يعذبون ضحاياهم، مفتخرين بكونهم استنساخا عراقيا، بصبغة طائفية، لجرائم التعذيب الوحشية الأمريكية في أبو غريب.

ومع تزايد أعداد الميليشيات وتصاعد الصراع بين مافيات الفساد، ضمن النظام نفسه، تنطلق بين الحين والآخر تصريحات تشي بعمق الإرهاب الذي يمارسه النظام واجهزته الأمنية بدعوى مكافحة الإرهاب. فمن قلب النظام نفسه، صرح رئيس مجلس القضاء الأعلى مدحت المحمود ( 11 يناير 2016)، بأن مجموع الموقوفين في عموم العراق، خلال شهرين فقط، من العام المنصرم، بلغ (23316) شخصًا، وأن موظفي القضاء تمكنوا من انجاز القضايا المتعلقة بالإرهاب تحقيقاً ومحاكمة وبمعدلات قياسية بلغت 27545 دعوى في دور التحقيق و6362 دعوى انجزت في دور المحاكمة. مما يعني ان اعداد المعتقلين بتهمة الإرهاب (وعقوبتها الاعدام)، قياسية حقا، خاصة إذا ما اخذنا بنظر الاعتبار فساد النظام القضائي، والاتهامات الكيدية، واستخلاص الاعترافات بواسطة التعذيب وعدم توفر أدنى شروط المحاكمات العادلة والنزيهة، حسب تقارير مجلس حقوق الانسان في الامم المتحدة.

ان يوميات العنف والانتقام، باشكاله، تحجب عن المواطن الامل بالمستقبل وتشعره بالعجز الكلي، مما يدفعه في ظل حكومة عاجزة عن حماية حقوقه، نحو التطرف والعنف المضاد. فما الذي يتوقعه نظام، فاشي، فاسد، من مواطنيه حين يحاول تجريدهم من انسانيتهم وكرامتهم عبر التهميش والاقصاء؟

ما الذي يتوقعه من مدن استبيحت ودمرت وتم رشها باليورانيوم المنضب والفسفور الابيض، من قبل المحتل الأمريكي، كما حدث في الفلوجة؟ وها هي فلوجة المقاومة محاصرة منذ شهور والمستشفى العام يوجه النداء اثر النداء طلبا للادوية والمواد الطبية، كما تزداد المعاناة في نقص الكادر الطبي المتخصص وفي غرف العمليات الجراحية، التي تنعدم فيها المستلزمات الطبية لمعالجة الجرحى جراء تزايد اعداد المصابين بسبب القصف العشوائي المستمر، فضلا عن عدم وجود اي لقاحات للاطفال، وازدياد حالات الوفاة في صفوفهم بسبب الجوع وعدم توفر الحليب؟ ما الذي سيؤدي اليه حرق المساجد والمتاجر، والمنازل، وقتل المدنيين الأبرياء وهجوم الميليشيات الوحشي على مدينة المقدادية، في محافظة ديالى، حيث بلغ عدد ضحايا الاعتداءات الدامية للمليشيات حتى يوم السبت، 169 قتيلاً وعشرات الجرحى والمفقودين؟ لا اعتقد ان النظام سيحتاج عرافا يتنبأ له بمستقبله إذا ما واصل السير على طريق الانتقام هذا.


 اضغط على الكلمات المفتاحية التالية، للإطلاع على المقالات الأخرى المتعلقة:

العراق، الصراعات المذهبية، الارهاب، داعش، الشيعة، السنة، التدخل الايراني، التدخل الامريكي،

 





تاريخ نشر المقال بموقع بوابتي 19-01-2016  

تقاسم المقال مع اصدقائك، أو ضعه على موقعك
لوضع رابط لهذا المقال على موقعك أو بمنتدى، قم بنسخ محتوى الحقل الذي بالأسفل، ثم ألصقه
رابط المقال

 
لإعلام أحدهم بهذا المقال، قم بإدخال بريده الإلكتروني و اسمك، ثم اضغط للإرسال
البريد الإلكتروني
اسمك

شارك برأيك
لوحة مفاتيح عربية بوابتي
     
*    الإسم
لن يقع إظهاره للعموم
     البريد الإلكتروني
  عنوان المداخلة
*

   المداخلة

*    حقول واجبة الإدخال
 
كم يبلغ مجموع العددين؟
العدد الثاني
العدد الأول
 * أدخل مجموع العددين
 
 
 
أكثر الكتّاب نشرا بموقع بوابتي
اضغط على اسم الكاتب للإطلاع على مقالاته
صلاح المختار، فتحي العابد، وائل بنجدو، فتحـي قاره بيبـان، محمود طرشوبي، أحمد ملحم، عبد الرزاق قيراط ، حسني إبراهيم عبد العظيم، د. طارق عبد الحليم، الهادي المثلوثي، خالد الجاف ، رمضان حينوني، فتحي الزغل، د. أحمد بشير، د - محمد بن موسى الشريف ، إسراء أبو رمان، د - مصطفى فهمي، عواطف منصور، صفاء العراقي، سلام الشماع، رشيد السيد أحمد، عبد الغني مزوز، د. مصطفى يوسف اللداوي، عبد الله الفقير، أشرف إبراهيم حجاج، د.محمد فتحي عبد العال، محمد يحي، سامح لطف الله، أحمد الحباسي، أ.د أحمد محمّد الدَّغَشِي ، رحاب اسعد بيوض التميمي، د - محمد بنيعيش، محمد أحمد عزوز، طلال قسومي، حسن عثمان، أحمد بوادي، حسن الطرابلسي، محمد الطرابلسي، مصطفي زهران، رضا الدبّابي، د - الضاوي خوالدية، عمر غازي، ياسين أحمد، د - ‏أحمد إبراهيم خضر‏ ، محمد عمر غرس الله، علي الكاش، خبَّاب بن مروان الحمد، علي عبد العال، حاتم الصولي، رافع القارصي، صالح النعامي ، د - صالح المازقي، حميدة الطيلوش، فوزي مسعود ، ماهر عدنان قنديل، محمد شمام ، عمار غيلوفي، د- محمود علي عريقات، د - عادل رضا، أنس الشابي، يزيد بن الحسين، سفيان عبد الكافي، مراد قميزة، د. ضرغام عبد الله الدباغ، د- جابر قميحة، د. أحمد محمد سليمان، سليمان أحمد أبو ستة، يحيي البوليني، مصطفى منيغ، المولدي الفرجاني، إياد محمود حسين ، محمود سلطان، د - شاكر الحوكي ، كريم فارق، محرر "بوابتي"، د - المنجي الكعبي، صلاح الحريري، إيمى الأشقر، الناصر الرقيق، محمد الياسين، تونسي، أ.د. مصطفى رجب، د. خالد الطراولي ، صفاء العربي، محمود فاروق سيد شعبان، كريم السليتي، سيد السباعي، محمد اسعد بيوض التميمي، عبد الله زيدان، د- هاني ابوالفتوح، جاسم الرصيف، أحمد النعيمي، أبو سمية، د- محمد رحال، محمد العيادي، صباح الموسوي ، د. عادل محمد عايش الأسطل، سامر أبو رمان ، د. صلاح عودة الله ، رافد العزاوي، الهيثم زعفان، عراق المطيري، العادل السمعلي، أحمد بن عبد المحسن العساف ، منجي باكير، سعود السبعاني، ضحى عبد الرحمن، د. كاظم عبد الحسين عباس ، نادية سعد، سلوى المغربي، مجدى داود، د. عبد الآله المالكي، عزيز العرباوي، فهمي شراب،
أحدث الردود
مسألة الوعي الشقي ،اي الاحساس بالالم دون خلق شروط تجاوزه ،مسالة تم الإشارة إليها منذ غرامشي وتحليل الوعي الجماعي او الماهوي ،وتم الوصول الى أن الضابط ...>>

حتى اذكر ان بوش قال سندعم قنوات عربيه لتمرير رسالتنا بدل التوجه لهم بقنوات امريكيه مفضوحه كالحره مثلا...>>

هذا الكلام وهذه المفاهيم أي الحكم الشرعي وقرار ولي الأمر والمفتي، كله كلام سائب لا معنى له لأن إطاره المؤسس غير موجود
يجب إثبات أننا بتونس دول...>>


مقال ممتاز...>>

تاكيدا لمحتوى المقال الذي حذر من عمليات اسقاط مخابراتي، فقد اكد عبدالكريم العبيدي المسؤول الامني السابق اليوم في لقاء تلفزي مع قناة الزيتونة انه وقع ا...>>

بسم الله الرحمن الرحيم
كلنا من ادم وادم من تراب
عندما نزل نوح عليه السلام منالسفينه كان معه ثمانون شخصا سكنو قريه اسمها اليوم هشتا بالك...>>


استعملت العفو والتسامح في سياق انهما فعلان، والحال كما هو واضح انهما مصدران، والمقصود هو المتضمن اي الفعلين: عفا وتسامح...>>

بغرض التصدي للانقلاب، لنبحث في اتجاه اخر غير اتجاه المنقلب، ولنبدا بمسلمة وهي ان من تخلى عن مجد لم يستطع المحافظة عليه كالرجال، ليس له الحق ان يعامل ك...>>

مقال ممتاز...>>

برجاء السماح بإمكانية تحميل الكتب والمراجع...>>

جل الزعماء العرب صعدوا ،بطرق مختلفة ،تصب لصالح المخطط الانتربلوجي العسكري التوسعي الاستعماري،ساهموا في تبسيط هدم حضارة جيرانهم العربية او الاسلامية عم...>>

مقال ممتاز
لكن الاصح ان الوجود الفرنسي بتونس لم يكن استعمارا وانما احتلال، فرنسا هي التي روجت ان وجودها ببلداننا كان بهدف الاعمار والاخراج من ح...>>


الاولى : قبل تحديد مشكلة البحث، وذلك لتحديد مسار البحث المستقل عن البحوث الاخرى قبل البدء فيه .
الثانية : بعد تحديد مشكلة البحث وذلك لمعرفة الا...>>


بارك الله فيكم...>>

جانبك اصواب في ما قلت عن السيد أحمد البدوي .

اعلم أن اصوفية لا ينشدون الدنيا و ليس لهم فيها مطمع فلا تتبع المنكرين المنافقين من الوها...>>


تم ذكر ان المدخل الروحي ظهر في بداياته على يد شارلوت تويل عام ١٩٦٥ في امريكا
فضلا وتكرما احتاج تزويدي ب...>>


الدين في خدمة السياسة عوض ان يكون الامر العكس، السياسة في خدمة الدين...>>

يرجى التثبت في الأخطاء اللغوية وتصحيحها لكي لاينقص ذلك من قيمة المقال

مثل: نكتب: ليسوا أحرارا وليس: ليسوا أحرار
وغيرها ......>>


كبر في عيني مرشد الاخوان و صغر في عيني العسكر
اسال الله ان يهديك الى طريق الصواب
المنافقون في الدرك الاسفل من النار...>>


It is important that issues are addressed in a clear and open manner, because it is necessary to understand the necessary information and to properly ...>>

وقع تصميم الموقع وتطويره من قبل ف.م. سوفت تونس

المقالات التي تنشر في هذا الباب لا تعبر بالضرورة عن رأي صاحب موقع بوابتي, باستثناء تلك الممضاة من طرفه أومن طرف "بوابتي"

الكاتب المؤشر عليه بأنه من كتاب موقع بوابتي، هو كل من بعث إلينا مقاله مباشرة