البدايةالدليل الاقتصادي للشركات  |  دليل مواقع الويبالاتصال بنا
 
 
 
المقالات الاكثر قراءة
 
تصفح باقي الإدراجات
أحدث المقالات

فهم محاولة إنتحار: نموذج لتدين الإنحطاط

كاتب المقال فوزي مسعود - تونس    من كتـــــّاب موقع بوّابــتي
 المشاهدات: 7277


 يسمح بالنقل، بشرط ذكر موقع "بوابتي" مصدر المقال، ويفضّل أن يكون ذلك في شكل رابط


اليوم، قام أحدهم –في إريانة- بحرق نفسه لعدم قدرته على تحمل ظروفه الإجتماعية المتردية

نظرت لبعض التعليقات أسفل الصورة حيث نشر الخبر بالفايسبوك، فوجدت أن بعضهم لم يسترعه من كل الحادثة إلا أن فسرها بأن هذا نتيجة إبتعاد الناس عن الدين وعدم خوفهم من الله، يقصد أن الإنتحار حرام وهذا أرتكب محرما، لم يقل مثلا أن بقايا فرنسا فقروا التونسيين بحيث ألجؤوهم للإنتحار، ولم يقل أن منظومة الإقتلاع أهلكت التونسيين وفقرتهم وامتصت خيراتهم طيلة عقود، لم يقل ذلك، بل نظر نظرة سطحية بائسة صممها المتحكمون بالواقع وإن تسترت بالتقوى، نظرة يفرح بها ويعمل على الترويج لها من دمر التونسيين و اقتلعهم من جذورهم ونهب ثرواتهم.

هذا أسميه تناولا تسطيحيا، وتوظيفيا ووظيفيا وموجها، وسأبرهن على هذا الكلام.

فهو تسطيحي لأن المعني اختزل أبعادا متعددة في بعد واحد، حيث سطّح تضاريس المسألة في الخوف من الله فقط، وكان الأجدر أن ينظر للسبب وليس للنتيجة، وسبب الحادثة ليس عدم الخوف من الله، لان الذين لايخافون من الله كثر ولكنهم لايحرقون أنفسهم، فالسبب هو أمر سابق في التأثير على الخوف من الله وعدمه، فالسبب هو الظروف الإجتماعية أي الواقع المتردي الذي غلب المنتحر، أما الخوف من الله فهو يتناول النتيجة التي هي الحرق، فالأولى موضوعيا تناول ما هو سابق في الوجود وهو سبب الإنتحار أي التركيز على الوضع المتردي لتغييره، لا التركيز على فهم يغطي على الواقع وينتهي لتكريسه

أي أنه نسبة للواقع هناك فهم يكرس الموجود وهناك فهم يجعل الواقع موضوع التغيير، هذا الأخير هو الفهم الرسالي المطلوب من الفرد المسلم، وهو الفهم المبني على النظر في الأسبباب وينطلق من فرضية أن كل موجود يمضي بقانون وأن خالق الكون يستحيل عليه أن يخلق الدنيا بالعشوائيات بحيث لا نفسرها ونفهمها

أما الفهم الاخر فهو يكرس الموجود ويستعمل لذلك النظر في النتائج، وهذا نظر مجزء ولايمكن إلا أن يعطي تصورات فاسدة مغالطة مادامت لم تنظر في كل مسار المسالة منذ وجودها أي أسبابها.

المسألة إذن ليست في رفض استعمال الإسلام وإنما استعماله هل يكون في مستوى النتيجة أو في مستوى السبب، والأصح للفهم هو الاستعمال في مستوى السبب، ثم الاستعمال في مستوى النتيجة يكون لاعتبار آخر كتحمل النتائج السيئة مثلا، فالإشكال قائم ابتداء في مستوى الفهم، أي أن المسالة ذهنية وليست دينية.

ثم هو تناول وظيفي وتوظيفي لأنه يجعل مثل هذا الفهم السقيم للواقع وللدين على السواء، أداة لحرف الانتباه عن الواقع ومشاكله والمؤثرين فيه أعداء عامة الناس، ولذلك تجد الاستعمال الوظيفي للدين يكثر في المجتمعات المنحطة، بل ان الاحتلال البريطاني كان يدعم ويشجع الانحرافات الدينية لأنها تمثل توظيفا يخدم مصلحتها في حرف الانتباه عن وجودها، كما أن آل سعود مثلا يستعملون هذا التدين الوظيفي المحرف لصرف النظر عن الواقع المتردي الذي يتحكمون فيه، من دون انتباه من الناس لهم، بل هناك من يعتبرهم رموزا للدين وأولياء أمور.

هذا الفهم هو بالآخر وبالأول من حيث وجوده، نتيجة توجيه ذهني، فالمتحدث بهذا الفهم المختل هو ضحية عمليات توجيه ذهني وإلا لما ركز على النتيجة من دون السبب، إذ لايوجد مرجح منطقي لتناول فصل من مسار وجود أمر ما دون فصل، إلا أن يكون المرجح عاملا خارجيا قام بترجيح أحد الاحتمالين وهو هنا التركيز على النتيجة دون السبب.

هذا المرجح هو عادة ادوات تشكيل الأذهان، ممثلة في أجهزة إنتاج التدين الوظيفي من مرتزقة الدين كالشيوخ والمفتين من الذين يعملون على تكريس الفهم التجزيئيي للدين بالعمل على تضخيم جوانب من التدين دون سواها (كالصلاة فقط او الأخلاق فقط)، وان كانت صوابا في ذاتها ولكنها خطأ إذا نظرنا اليها باعتبار أشمل ذلك أن هذا الفهم التجزيئي لا ينتج الا تدينا وظيفيا بطبعه لخدمة المتحكمين بالواقع، فهو تدين يقزم الاسلام كرسالة، ويجعله في احسن الحالات مجرد اداة اخلاقية فقط، وهذا يقود موضوعيا للعلمانية، ويمكن لفهم هذه النقطة الرجوع لنموذج تدين آل سعود حيث تنتج الة الدعاية الدينية هناك تدينا يختزل الاسلام في الصلاة، ولكنه بالمقابل مجتمع تابع للغرب ودولة أضرت بالإسلام والمسلمين أكثر من باقي دول الإسلام، بل إنه مجتمع في العديد من أبعاده لاعلاقة او تكاد له بالاسلام، لان التين بني بطريقة مشوهة مجزئة.


 اضغط على الكلمات المفتاحية التالية، للإطلاع على المقالات الأخرى المتعلقة:

تونس، الظروف الإجتماعية، الإنتحارـ التدين الوظيفي، الإنحطاط،

 





تاريخ نشر المقال بموقع بوابتي 11-06-2015  

تقاسم المقال مع اصدقائك، أو ضعه على موقعك
لوضع رابط لهذا المقال على موقعك أو بمنتدى، قم بنسخ محتوى الحقل الذي بالأسفل، ثم ألصقه
رابط المقال

 
لإعلام أحدهم بهذا المقال، قم بإدخال بريده الإلكتروني و اسمك، ثم اضغط للإرسال
البريد الإلكتروني
اسمك

 مشاركات الكاتب(ة) بموقعنا

  تماثيل شكري بلعيد، أعمال عدائية يجب أن تزال
  لقد أثبتت الأحداث أن تُهَمَكم ضد "النهضة" باطلة: من يجعل مُغالِبه مسطرة فلن تنتظر منه غير الهزيمة
  "الوطد" ليس هو المسؤول الأول ولا الوحيد عن سوئنا، وماهو إلا مجرد مقاول صغير
  "الكيل بمكيالين": نموذج لصيغ الإخضاع الذهني
  حول اغتصاب الفلسطينيات
  من يدعو لترك الفرز الايديولوجي إنما يريد تسهيل عمليات إخضاعنا
  "المعارضة الديموقراطية": المسلمة الفاسدة التي تصر على إلزامك بتأسيسات تونس الاولى
  المفاضلة بين درجات السوء تنزع عن مواقفك السند الأخلاقي: نموذج حادث الفتيات السائبات
  الوعي الموجه، ظاهره جيد وباطنه تأسيس للإمّعية الذهنية
  خواطر حول الجمال والمنفعة
  الخضوع الذهني التلقائي للفرد التابع
  تعاملنا مع الأفعال نقطيا يجعل الأخطاء حتمية
  الأعمال التلفزية المتهتكة يجب رفضها لأصلها وليس لتفاصيلها
  نقاشات التونسيين حول الديموقراطية والحرية، تشبه عراك ركاب حافلة
  التضاد في المصطلحات: "على مسؤوليتي"، "إسلام التسامح"
  الاذاعات والتلفزات التونسية تمثل أكبر مصدر للتعفين الذهني: بداية من السجناء السياسيين وصولا لعموم الناس
  الدروس الوعظية تشوش وعي الناس ولاتخدمهم
  تناول مشاكل واقعنا من خلال نقاش الحرية والتنمية والديموقراطية، كحال من يرمّم بيتا خربا
  الإكتفاء بالتقييم المعياري يعيق فهمنا الحقيقة
  الإسلام ورموزه ليسوا في حاجة للأساطير
  الناس لديهم طاقات للفعل لكنهم يقمعون أنفسهم ويفضلون السلبية
  هل يقيّم ويقدّر الإنسان لفعله أو لفعل غيره به
  الإسراف في نقل أحداث الواقع انفعال وغياب للتفكير
  حول حضور "صلاة الجمعة" التي تخضع للسلطات
  حول مسألة الحج، في ظل سلطة آل سعود
  في المجال العام لا يكفي التعامل مع الفعل ببعده المادي، وانما علينا النظر للمحرك العقدي للفعل
  "الحل في الديموقراطية": نموذج للأخطاء التصورية
  أخلاق القوة وأخلاق الضعف: إذا لزم قول "لا" فقلها مباشرة وبوضوح
  لا نقيّم تفاصيل أمر، ما لم يكن صوابا في أوله
  نموذج هجرة الإسلاميين المطاردين وتحولهم لأدوات إقناع بالتبعية للغرب

أنظر باقي مقالات الكاتب(ة) بموقعنا


شارك برأيك
لوحة مفاتيح عربية بوابتي
     
*    الإسم
لن يقع إظهاره للعموم
     البريد الإلكتروني
  عنوان المداخلة
*

   المداخلة

*    حقول واجبة الإدخال
 
كم يبلغ مجموع العددين؟
العدد الثاني
العدد الأول
 * أدخل مجموع العددين
 
 
 
أكثر الكتّاب نشرا بموقع بوابتي
اضغط على اسم الكاتب للإطلاع على مقالاته
علي عبد العال، حميدة الطيلوش، د. عبد الآله المالكي، أحمد ملحم، عواطف منصور، د. خالد الطراولي ، أحمد الحباسي، عبد الله زيدان، حاتم الصولي، د - مصطفى فهمي، أنس الشابي، فتحي الزغل، عراق المطيري، د. عادل محمد عايش الأسطل، د.محمد فتحي عبد العال، محمود سلطان، صلاح المختار، كريم السليتي، صالح النعامي ، الناصر الرقيق، إيمى الأشقر، عبد الغني مزوز، خبَّاب بن مروان الحمد، محمود فاروق سيد شعبان، يحيي البوليني، د - صالح المازقي، فتحي العابد، كريم فارق، د- هاني ابوالفتوح، د. أحمد بشير، د. مصطفى يوسف اللداوي، محمد يحي، عبد الرزاق قيراط ، سلوى المغربي، د - عادل رضا، فوزي مسعود ، عبد الله الفقير، محمود طرشوبي، إسراء أبو رمان، د- محمود علي عريقات، المولدي الفرجاني، حسن الطرابلسي، جاسم الرصيف، إياد محمود حسين ، أ.د. مصطفى رجب، علي الكاش، د - الضاوي خوالدية، رضا الدبّابي، محمد أحمد عزوز، د- جابر قميحة، سيد السباعي، أحمد النعيمي، صلاح الحريري، رحاب اسعد بيوض التميمي، الهادي المثلوثي، خالد الجاف ، مصطفى منيغ، سليمان أحمد أبو ستة، العادل السمعلي، د - محمد بن موسى الشريف ، أحمد بن عبد المحسن العساف ، حسن عثمان، صباح الموسوي ، محمد شمام ، مراد قميزة، مصطفي زهران، ياسين أحمد، د - محمد بنيعيش، سامح لطف الله، محمد اسعد بيوض التميمي، أشرف إبراهيم حجاج، د. طارق عبد الحليم، سلام الشماع، محمد العيادي، رمضان حينوني، تونسي، د - المنجي الكعبي، حسني إبراهيم عبد العظيم، عمر غازي، الهيثم زعفان، أبو سمية، فهمي شراب، سفيان عبد الكافي، د- محمد رحال، عزيز العرباوي، عمار غيلوفي، سعود السبعاني، د - شاكر الحوكي ، صفاء العراقي، مجدى داود، أ.د أحمد محمّد الدَّغَشِي ، رافد العزاوي، صفاء العربي، وائل بنجدو، د. أحمد محمد سليمان، رافع القارصي، ماهر عدنان قنديل، محمد الياسين، محرر "بوابتي"، محمد عمر غرس الله، د. صلاح عودة الله ، ضحى عبد الرحمن، سامر أبو رمان ، د. ضرغام عبد الله الدباغ، أحمد بوادي، منجي باكير، رشيد السيد أحمد، د. كاظم عبد الحسين عباس ، د - ‏أحمد إبراهيم خضر‏ ، طلال قسومي، فتحـي قاره بيبـان، نادية سعد، يزيد بن الحسين، محمد الطرابلسي،
أحدث الردود
مسألة الوعي الشقي ،اي الاحساس بالالم دون خلق شروط تجاوزه ،مسالة تم الإشارة إليها منذ غرامشي وتحليل الوعي الجماعي او الماهوي ،وتم الوصول الى أن الضابط ...>>

حتى اذكر ان بوش قال سندعم قنوات عربيه لتمرير رسالتنا بدل التوجه لهم بقنوات امريكيه مفضوحه كالحره مثلا...>>

هذا الكلام وهذه المفاهيم أي الحكم الشرعي وقرار ولي الأمر والمفتي، كله كلام سائب لا معنى له لأن إطاره المؤسس غير موجود
يجب إثبات أننا بتونس دول...>>


مقال ممتاز...>>

تاكيدا لمحتوى المقال الذي حذر من عمليات اسقاط مخابراتي، فقد اكد عبدالكريم العبيدي المسؤول الامني السابق اليوم في لقاء تلفزي مع قناة الزيتونة انه وقع ا...>>

بسم الله الرحمن الرحيم
كلنا من ادم وادم من تراب
عندما نزل نوح عليه السلام منالسفينه كان معه ثمانون شخصا سكنو قريه اسمها اليوم هشتا بالك...>>


استعملت العفو والتسامح في سياق انهما فعلان، والحال كما هو واضح انهما مصدران، والمقصود هو المتضمن اي الفعلين: عفا وتسامح...>>

بغرض التصدي للانقلاب، لنبحث في اتجاه اخر غير اتجاه المنقلب، ولنبدا بمسلمة وهي ان من تخلى عن مجد لم يستطع المحافظة عليه كالرجال، ليس له الحق ان يعامل ك...>>

مقال ممتاز...>>

برجاء السماح بإمكانية تحميل الكتب والمراجع...>>

جل الزعماء العرب صعدوا ،بطرق مختلفة ،تصب لصالح المخطط الانتربلوجي العسكري التوسعي الاستعماري،ساهموا في تبسيط هدم حضارة جيرانهم العربية او الاسلامية عم...>>

مقال ممتاز
لكن الاصح ان الوجود الفرنسي بتونس لم يكن استعمارا وانما احتلال، فرنسا هي التي روجت ان وجودها ببلداننا كان بهدف الاعمار والاخراج من ح...>>


الاولى : قبل تحديد مشكلة البحث، وذلك لتحديد مسار البحث المستقل عن البحوث الاخرى قبل البدء فيه .
الثانية : بعد تحديد مشكلة البحث وذلك لمعرفة الا...>>


بارك الله فيكم...>>

جانبك اصواب في ما قلت عن السيد أحمد البدوي .

اعلم أن اصوفية لا ينشدون الدنيا و ليس لهم فيها مطمع فلا تتبع المنكرين المنافقين من الوها...>>


تم ذكر ان المدخل الروحي ظهر في بداياته على يد شارلوت تويل عام ١٩٦٥ في امريكا
فضلا وتكرما احتاج تزويدي ب...>>


الدين في خدمة السياسة عوض ان يكون الامر العكس، السياسة في خدمة الدين...>>

يرجى التثبت في الأخطاء اللغوية وتصحيحها لكي لاينقص ذلك من قيمة المقال

مثل: نكتب: ليسوا أحرارا وليس: ليسوا أحرار
وغيرها ......>>


كبر في عيني مرشد الاخوان و صغر في عيني العسكر
اسال الله ان يهديك الى طريق الصواب
المنافقون في الدرك الاسفل من النار...>>


It is important that issues are addressed in a clear and open manner, because it is necessary to understand the necessary information and to properly ...>>

وقع تصميم الموقع وتطويره من قبل ف.م. سوفت تونس

المقالات التي تنشر في هذا الباب لا تعبر بالضرورة عن رأي صاحب موقع بوابتي, باستثناء تلك الممضاة من طرفه أومن طرف "بوابتي"

الكاتب المؤشر عليه بأنه من كتاب موقع بوابتي، هو كل من بعث إلينا مقاله مباشرة