البدايةالدليل الاقتصادي للشركات  |  دليل مواقع الويبالاتصال بنا
 
 
 
المقالات الاكثر قراءة
 
تصفح باقي الإدراجات
أحدث المقالات

ربيعٌ أم حريقٌ عربي

كاتب المقال د. مصطفى يوسف اللداوي - بيروت    من كتـــــّاب موقع بوّابــتي
 المشاهدات: 5158


 يسمح بالنقل، بشرط ذكر موقع "بوابتي" مصدر المقال، ويفضّل أن يكون ذلك في شكل رابط


يحزنني جداً وصف بعض المثقفين العرب للربيع العربي بالحريق العربي، فأغتاظ كثيراً كلما سمعتهم في مداخلاتهم ومشاركاتهم في بعض المؤتمرات والندوات، يركزون على وصف الثورات العربية بالثبرات، والربيع بالحريق، وأنه شتاءٌ قاحلٌ مجذب قاتلٌ مهلكٌ لا حياة فيه ولا مستقبل له، وأنه ليس إرادة شعوب بل مخططات استعمار، وتدبير متآمرين حاقدين كارهين، ويعززون وصفهم ببياناتٍ وأرقام، تشير إلى عدد القتلى والجرحى، وآثار التدمير والخراب، ومؤشرات الخسائر الإقتصادية، وجداول الأسعار الآخذة في الارتفاع، ومستويات المعيشة الآخذة في التدهور والإنحدار، ومستويات الفقر المتزايدة بإطراد، وأرقامٍ واحصائياتٍ تتحدث عن موجات الهجرة ورحلات اللجوء العربية إلى كل الدنيا، وبياناتٍ أخرى كثيرة تتناول الجوانب المادية للمواطن العربي

ولكنها تتجنب الحريات والكرامات والحقوق، التي كانت مستباحة ومهانة في كل دول الربيع أو الحريق العربي، وتنسى بيانات السجون، وأعداد المعتقلين، وإحصائيات لجان حقوق الإنسان، وتقارير المؤسسات المدنية، وتتجاهل التأبيد في الحكم، والخلود في السلطة، والتوارث على العروش، للأسف أجد آذاناً تصغي لهم، وتتابع بياناتهم ومداخلاتهم، وتؤخذ بأرقامهم وإحصائياتهم، ويعجبهم ما يقولون، مبدين ندمهم وحزنهم على من هلل ورحب بسراب الربيع

ترى هل أنهم على حق عندما وصفوا انتفاضة الشعوب العربية بالحريق، أم أنهم جوقة السلطات الحاكمة، وهم بقايا فلول، وبعض المستفيدين من كبار التجار ورجال الأعمال

يدعون للعودة إلى عهود الاستبداد، وقمع الحريات والإرادات، وعصور الغنى والإستخواذ والثراء، فلا يوجد ثورة نجحت بالكلية، ورست مراكبها على شواطئ الأمان والسلام، فلا تونس أمنت واستقرت وهنأت بالحكم والإستقرار فيها، بل ما زالت تموج وتثور وتغلي كالمرجل، ولا اليمن عاد إلى أصله العتيد القديم سعيداً، بل القتل في جنباته يتوزع، والموت في أرضه يتبعثر، وليبيا باتت شرعةً للغاب، وقانوناً للقوة، فمن امتلك البندقية يحكم ويفرض ويغير ويبدل، فلا أمن فيها لمواطنيها، ولا سلام على أرضها للوافدين إليها أو المستثمرين فيها، وأم الدنيا مصر، محط الآمال ومناط العيون والقلوب، تهوي وتسقط وتضيع وتخسر، فلا ثورة نجحت، ولا نظام حوسب وعوقب، ولا فلول منعوا وكبتوا، ولا ديمقراطية عاشت، ولا أنظمة ودساتير احترمت، ولا نظام استقر وانتظم، وعسكرٌ يدعون الحياد، وقادةٌ وضباط يعلنون احترام الحقوق وصيانة الحريات، لكنهم ينقلبون ويعملون لحسابِ غير بلادهم، وضد صالح أوطانهم، يخربون أكثر مما يصلحون، ويفسدون أكثر مما يعمرون، ويحرسون الظلم بدل حمايتهم للحق، وسوريا التي بدأت بلا نهاية، وانطلقت بلا خاتمة، واشتعلت بلا أفق لانتهاء حريقها، فلا شعب فيها بقي، ولا نظام فيها يسيطر، ولا مصالح فيها بقيت، ولا اقتصاد فيها صمد، خرائب أصبحت، وبقايا ركامٍ صارات، وساحةً للموت الغريب والعجيب أصبحت، أم أن الثورات يلزمها ثمن، والانتفاضات تتطلب تضحية وبدل، فلا يوجد ثورةٌ بلا ضحايا، ولا تغيير بلا خسائر، ولا انتقال من عهودٍ دون فواتير دموية، والحرية تستحق الدم، والكرامة تفتدى بالمهج والأرواح، فهذه سنة الشعوب، وتاريخ الثورات، العربية منها والدولية على السواء، وأن على الشعوب أن تصبر وتحتسب، وأن تعطي وتبذل وتضحي، فالموت في سوح النضال وميادين الانتفاضة، أشرف وأكرم من الموت في أقبية السجون وغياهب المعتقلات، لست أدري متى تدرك الأنظمة والحكومات أنها من شعوبها وإليه، وأن الحكم لا يدوم والسلطة لا تبقى، والخلود لغير الخالق معاذ الله أن يكون،

فلماذا لا يؤوبون إلى شعوبهم، ويستجيبون إلى طلباتهم، وينزلون عند شروطهم، فمع الشعوب تكون العزة، وفي ظلالهم تكون الكرامة، وبينهم تكون الرحمة والمحبة، الربيع لنا ولشعوبنا، فلا تجعلوه حريقاً علينا وعلى بلادنا، فالأول قد يكون ربيعاً أخضراً يانعاً مزهراً فواحاً بروائحة عطرية تفوح وتتضوع، تعم أرضنا، وتشمل شعوبنا وكل أجيالنا، وتنعكس على حياتنا، وتحسن صورتنا وسمعتنا، والثاني قد يكون حريقاً أسوداً يجعل أحلامناً رماداً، وآمالنا حطاماً، ومصالحنا رذاذاً وسراباً، يحرق أرضنا، ويخرب بلادنا، ويدمر مستقبلنا، ويهجر أولادنا وأجيالنا،
ما زلتُ تائهاً حائراً لست أدري، أربيعٌ هو أم حريق؟ ...


 اضغط على الكلمات المفتاحية التالية، للإطلاع على المقالات الأخرى المتعلقة:

الثورات العربية، الربيع العربي، الإنقلاب بمصر،

 





تاريخ نشر المقال بموقع بوابتي 7-07-2013  

تقاسم المقال مع اصدقائك، أو ضعه على موقعك
لوضع رابط لهذا المقال على موقعك أو بمنتدى، قم بنسخ محتوى الحقل الذي بالأسفل، ثم ألصقه
رابط المقال

 
لإعلام أحدهم بهذا المقال، قم بإدخال بريده الإلكتروني و اسمك، ثم اضغط للإرسال
البريد الإلكتروني
اسمك

 مشاركات الكاتب(ة) بموقعنا

  يومٌ في الناقورة على تخوم الوطن
  فرنسا تضيق الخناق على الكيان الصهيوني
  ليبرمان يعرج في مشيته ويتعثر في سياسته
  يهودا غيليك في الأقصى والكنيست من جديد
  عيد ميلاد هدار جولدن وأعياد الميلاد الفلسطينية
  ليبرمان يقيد المقيد ويكبل المكبل
  سبعون عاماً مدعاةٌ لليأس أم أملٌ بالنصر
  ويلٌ لأمةٍ تقتلُ أطفالها وتفرط في مستقبل أجيالها
  سلاح الأنفاق سيفٌ بتارٌ بحدين قاتلين
  دلائل إدانة الأطفال ومبررات محاكمتهم
  طبول حربٍ إسرائيلية جديدة أم رسائلٌ خاصة وتلميحاتٌ ذكية
  سياسة الأجهزة الأمنية الفلسطينية حكيمةٌ أم عميلةٌ
  العلم الإسرئيلي يرتفع ونجمة داوود تحلق
  نصرةً للجبهة الشعبية في وجه سلطانٍ جائر
  طوبى لآل مهند الحلبي في الدنيا والآخرة
  تفانين إسرائيلية مجنونة لوأد الانتفاضة
  عبد الفتاح الشريف الشهيد الشاهد
  عرب يهاجرون ويهودٌ يفدون
  إيلي كوهين قبرٌ خالي وقلبٌ باكي ورفاتٌ مفقودٌ
  إرهاب بروكسل والمقاومة الفلسطينية
  المساخر اليهودية معاناة فلسطينية
  الدوابشة من جديد
  المهام السرية لوحدة الكوماندوز الإسرائيلية
  المنطقة "أ" إعادة انتشار أم فرض انسحاب
  إعلان الحرب على "فلسطين اليوم" و"الأقصى"
  عظم الله أجر الأمريكيين وغمق لفقيدهم
  الثلاثاء الأبيض وثلاثية القدس ويافا وتل أبيب
  الهِبةُ الإيرانية والحاجةُ الفلسطينية
  هل انتهت الانتفاضة الفلسطينية ؟
  سبعة أيامٍ فلسطينيةٍ في تونس

أنظر باقي مقالات الكاتب(ة) بموقعنا


شارك برأيك
لوحة مفاتيح عربية بوابتي
     
*    الإسم
لن يقع إظهاره للعموم
     البريد الإلكتروني
  عنوان المداخلة
*

   المداخلة

*    حقول واجبة الإدخال
 
كم يبلغ مجموع العددين؟
العدد الثاني
العدد الأول
 * أدخل مجموع العددين
 
 
 
أكثر الكتّاب نشرا بموقع بوابتي
اضغط على اسم الكاتب للإطلاع على مقالاته
عبد الغني مزوز، أحمد النعيمي، عواطف منصور، صباح الموسوي ، د - محمد بنيعيش، سليمان أحمد أبو ستة، كريم السليتي، رافع القارصي، سيد السباعي، د - عادل رضا، فتحـي قاره بيبـان، د - المنجي الكعبي، مجدى داود، حاتم الصولي، د. طارق عبد الحليم، وائل بنجدو، سامر أبو رمان ، محمد عمر غرس الله، تونسي، فوزي مسعود ، محمد اسعد بيوض التميمي، يحيي البوليني، ياسين أحمد، محمد أحمد عزوز، محمد شمام ، سلام الشماع، د. أحمد محمد سليمان، سلوى المغربي، رحاب اسعد بيوض التميمي، عبد الله الفقير، عزيز العرباوي، المولدي الفرجاني، عبد الله زيدان، محمد الطرابلسي، أنس الشابي، د. عادل محمد عايش الأسطل، خبَّاب بن مروان الحمد، إيمى الأشقر، د. كاظم عبد الحسين عباس ، علي عبد العال، منجي باكير، أحمد بن عبد المحسن العساف ، رضا الدبّابي، يزيد بن الحسين، سامح لطف الله، د - صالح المازقي، رشيد السيد أحمد، د- هاني ابوالفتوح، محمود سلطان، د- محمود علي عريقات، أ.د أحمد محمّد الدَّغَشِي ، طلال قسومي، د - شاكر الحوكي ، عمار غيلوفي، سفيان عبد الكافي، محمد الياسين، سعود السبعاني، د. صلاح عودة الله ، فتحي الزغل، د- جابر قميحة، صلاح الحريري، حسني إبراهيم عبد العظيم، د. أحمد بشير، حميدة الطيلوش، صالح النعامي ، د - مصطفى فهمي، محمد يحي، الناصر الرقيق، أ.د. مصطفى رجب، د.محمد فتحي عبد العال، مصطفي زهران، علي الكاش، أحمد بوادي، رافد العزاوي، مصطفى منيغ، د - ‏أحمد إبراهيم خضر‏ ، د - محمد بن موسى الشريف ، جاسم الرصيف، محمد العيادي، صفاء العربي، صلاح المختار، العادل السمعلي، د. مصطفى يوسف اللداوي، فهمي شراب، الهيثم زعفان، نادية سعد، د- محمد رحال، محمود طرشوبي، إسراء أبو رمان، د. خالد الطراولي ، عمر غازي، حسن الطرابلسي، خالد الجاف ، د. ضرغام عبد الله الدباغ، عبد الرزاق قيراط ، إياد محمود حسين ، د. عبد الآله المالكي، أحمد ملحم، مراد قميزة، صفاء العراقي، أشرف إبراهيم حجاج، ضحى عبد الرحمن، محمود فاروق سيد شعبان، رمضان حينوني، فتحي العابد، كريم فارق، ماهر عدنان قنديل، أبو سمية، أحمد الحباسي، عراق المطيري، الهادي المثلوثي، محرر "بوابتي"، د - الضاوي خوالدية، حسن عثمان،
أحدث الردود
مسألة الوعي الشقي ،اي الاحساس بالالم دون خلق شروط تجاوزه ،مسالة تم الإشارة إليها منذ غرامشي وتحليل الوعي الجماعي او الماهوي ،وتم الوصول الى أن الضابط ...>>

حتى اذكر ان بوش قال سندعم قنوات عربيه لتمرير رسالتنا بدل التوجه لهم بقنوات امريكيه مفضوحه كالحره مثلا...>>

هذا الكلام وهذه المفاهيم أي الحكم الشرعي وقرار ولي الأمر والمفتي، كله كلام سائب لا معنى له لأن إطاره المؤسس غير موجود
يجب إثبات أننا بتونس دول...>>


مقال ممتاز...>>

تاكيدا لمحتوى المقال الذي حذر من عمليات اسقاط مخابراتي، فقد اكد عبدالكريم العبيدي المسؤول الامني السابق اليوم في لقاء تلفزي مع قناة الزيتونة انه وقع ا...>>

بسم الله الرحمن الرحيم
كلنا من ادم وادم من تراب
عندما نزل نوح عليه السلام منالسفينه كان معه ثمانون شخصا سكنو قريه اسمها اليوم هشتا بالك...>>


استعملت العفو والتسامح في سياق انهما فعلان، والحال كما هو واضح انهما مصدران، والمقصود هو المتضمن اي الفعلين: عفا وتسامح...>>

بغرض التصدي للانقلاب، لنبحث في اتجاه اخر غير اتجاه المنقلب، ولنبدا بمسلمة وهي ان من تخلى عن مجد لم يستطع المحافظة عليه كالرجال، ليس له الحق ان يعامل ك...>>

مقال ممتاز...>>

برجاء السماح بإمكانية تحميل الكتب والمراجع...>>

جل الزعماء العرب صعدوا ،بطرق مختلفة ،تصب لصالح المخطط الانتربلوجي العسكري التوسعي الاستعماري،ساهموا في تبسيط هدم حضارة جيرانهم العربية او الاسلامية عم...>>

مقال ممتاز
لكن الاصح ان الوجود الفرنسي بتونس لم يكن استعمارا وانما احتلال، فرنسا هي التي روجت ان وجودها ببلداننا كان بهدف الاعمار والاخراج من ح...>>


الاولى : قبل تحديد مشكلة البحث، وذلك لتحديد مسار البحث المستقل عن البحوث الاخرى قبل البدء فيه .
الثانية : بعد تحديد مشكلة البحث وذلك لمعرفة الا...>>


بارك الله فيكم...>>

جانبك اصواب في ما قلت عن السيد أحمد البدوي .

اعلم أن اصوفية لا ينشدون الدنيا و ليس لهم فيها مطمع فلا تتبع المنكرين المنافقين من الوها...>>


تم ذكر ان المدخل الروحي ظهر في بداياته على يد شارلوت تويل عام ١٩٦٥ في امريكا
فضلا وتكرما احتاج تزويدي ب...>>


الدين في خدمة السياسة عوض ان يكون الامر العكس، السياسة في خدمة الدين...>>

يرجى التثبت في الأخطاء اللغوية وتصحيحها لكي لاينقص ذلك من قيمة المقال

مثل: نكتب: ليسوا أحرارا وليس: ليسوا أحرار
وغيرها ......>>


كبر في عيني مرشد الاخوان و صغر في عيني العسكر
اسال الله ان يهديك الى طريق الصواب
المنافقون في الدرك الاسفل من النار...>>


It is important that issues are addressed in a clear and open manner, because it is necessary to understand the necessary information and to properly ...>>

وقع تصميم الموقع وتطويره من قبل ف.م. سوفت تونس

المقالات التي تنشر في هذا الباب لا تعبر بالضرورة عن رأي صاحب موقع بوابتي, باستثناء تلك الممضاة من طرفه أومن طرف "بوابتي"

الكاتب المؤشر عليه بأنه من كتاب موقع بوابتي، هو كل من بعث إلينا مقاله مباشرة