البدايةالدليل الاقتصادي للشركات  |  دليل مواقع الويبالاتصال بنا
 
 
 
المقالات الاكثر قراءة
 
تصفح باقي الإدراجات
أحدث المقالات

"الكبّوس" التّونسي رمز الأصالة والنّضال

كاتب المقال فتحي العابد - تونس / إيطاليا    من كتـــــّاب موقع بوّابــتي
 المشاهدات: 5748


 يسمح بالنقل، بشرط ذكر موقع "بوابتي" مصدر المقال، ويفضّل أن يكون ذلك في شكل رابط


برزت الشاشية أو الكبّوس التونسي في القيروان عاصمة الدولة الأغلبية مع وصول الجيوش الإسلامية الفاتحة في القرن الثاني للهجرة، وحتى وإن ظهرت الشاشية في القيروان مبكرا مع قدوم الفرسان المرتدية للشاشية، ويعود إسمها إلى النعت المشتق من "شاش" الإسم القديم لطشقند في أوزبكستان.. أما في مظهرها الحالي (الدائري) فقد عادت من الأندلس عند هجرة الأندلسيين إلى تونس بعد سقوط غرناطة، وازدهرت صناعاتهم اليدوية ومنها صناعة الشاشية خاصة في تونس المدينة أين أحدث لهم سوق سمي بـ"سوق الشواشين".

تكونت الشاشية القيروانية أو الكبوس بمواصفات لا نعرفها إلا في سوق جوار المسجد الأكبر مسجد عقبة ابن نافع وبقيت هناك مدة طويلة.

ولأسباب إقتصادية وسياسية هاجر بعض أهل القيروان من ضمنهم صانعي الشاشية متجهين نحو مدينة فاس بالمغرب أين تكونت نواة لصنع الشاشية المغربية والتي سميت باسم المدينة، بينما اتجه البعض الآخر من صانعي الكبوس أو الشاشية القيروانية إلى بلاد الأندلس، أين وجدوا "البيرّيتّو الباسكي" الذي وقعت عملية تزاوج بينه وبين الشاشية القيروانية فولدت الشاشية الأندلسية، والتي إزدهرت صناعتها وانتشرت في كامل ربوع الأندلس، وبقيت قرونا إلى غاية القرن الحادي عشر هجري الموافق للقرن السابع عشر ميلادي، حين أطرد المسلمين من الأندلس راجعين إلى الشمال الإفريقي ومن بينهم صناع الشاشية أو الكبوس الذين توجهوا إلى مدينة تونس، أين ساعدهم داي تونس على إقامة أسواق هناك، وازدهرت صناعة الشاشية أو الكبوس في تونس وانتشرت منها، وكثر لابسيها في كل أرجاء الأقطار التي كانت تحت لواء الحكم العثماني.

ظلّ الكبوس طيلة عدة قرون لباسا ذكوريا أساسيا في تونس يتساوى في ارتدائه الأطفال والشبان والكهول والشيوخ أغنياء وفقراء، ويحمي الكبوس الرأس من أشعة الشمس صيفا ومن البرد ومياه الأمطار شتاء.

وكان التونسي لا ينزع كبوسه إلا عند الخلود إلى النوم بل كان من العيب الكبير أن يشاهد خارج المنزل "عاري الرأس" دون الكبوس. واعتبر الكبوس من المقاييس الإجتماعية للرجولة إذ ما إن يبلغ الطفل سن السابعة يسارع أهله بإلباسه الشاشية تفاؤلا بدخوله سن "الرجولة".

إنّ للكبوس مكانة خاصة عند الوطنيين التونسيين منذ أن اعتمده زعماء التحرير الوطني بقيادة عبد العزيز الثعالبي وجميع المناضلين ضد الإستعمار الفرنسي شعارا للإستقلال الإقتصادي والسياسي عن المستعمر. وقد عبّروا من خلال ارتدائه بدلا من القبعة الفرنسية عن عشقهم لتونس، وانتمائهم إليها، وتمسّكهم بهويّتهم التونسية العربية الإسلامية وبتراثهم العريق وتقاليدهم التي توارثوها جيلا بعد جيل.

ومما كان يشدّ هؤلاء الوطنيين في الكبوس هو لونه الأحمر الوهّاج الذي يرمز إلى التضحية ودماء الشهداء، وهو أقوى الألوان وأكثرها تعبيرا عن القوة والشجاعة والأمل والنصر والحرية والمحبّة والروح الجماعية والترابط الإجتماعي المتين.

والسؤال المطروح في هذا المجال: لماذا اليوم لا يستمرّ هذا الحب للكبوس وهذا الإعتزاز به من خلال لبسه دائما في كل المناسبات والإجتماعات من قبل أعضاء الحكومة والمجلس التأسيسي والأحزاب ومنظمات المجتمع المدني والكشافة التونسية، وكذلك السفراء لما لا خاصة عند تنصيبهم أو حضورهم حفلات رسمية، والقضاة والمحامين والأعوان العاملين بالمحاكم والمتاحف والمواقع الأثرية، وأدلة السيّاح، وأعوان الإستقبال والإرشاد بالوزارات والنزل والعاملين بالقنصليات والسفارات، والعاملين بالمطارات والمضيفات والمضيفين الجويين، وممثلي تونس في المعارض، والعاملين بالمناطق السياحية مثلما هو الحال في إيطاليا وبريطانيا والساحل الأزرق وإسبانيا والهند وغيرها. ولما لا يلبسها الطلاب في يوم التخرّج الجامعي، وكذلك المتميزين والفائزين بالمسابقات في شتى المجالات عند تسليمهم الجوائز.

كان الكبوس "العلامة الفارقة" الذي ينفرد به التونسيون عن غيرهم من الشعوب المجاورة.. وانتشر الكبوس بسرعة في المدن والأرياف التونسية وأصبح جزءا من اللباس اليومي وارتقى الشواشون إلى مصاف الأرستقراطية، وأصبح لهم ممثل قار في المحكمة التجارية وأعطوا حق اختيار أمينهم، كما أضحى المهرة منهم يرقون رسميا إلى رتبة المعلمين بمرسوم يختمه الباي، وفي تاريخ هاته الصنعة كان جنود الباي ورجال الدولة والأعيان يلبسون الكبوس بلا عمامة. ويلبس أحيانا فوق العرّاقية القطنيّة التي تمتصّ العرق وتحمي الرأس إذا نزع الكبوس. وكان الرجال لا يحبّذون نزع الكبوس إلا في حالة أداء مناسك العمرة والحج أو عند المصيبة الكبرى التي يصعب تحمّلها، فالرأس المكشوف هو من مظاهر الحزن الشديد.. وتمر صناعة الكبّوس بـ9 مراحل، وينتقل بين أربع مدن قبل تسويقه، حيث يتم الإنطلاق من قرابة 100 غرام من الصوف..

صار لبسه حاليا مقصورا على الكهول من سكان الأرياف والقرى الذين تخلّوا عن التقليديي لصالح المصنّع لرخص ثمنه، وأئمة صلاة الجمعة وعلماء الدين مصحوب بعمامة "الكشطة"، وذلك لأنّ الرسول صلى اللّه عليهم وسلم كان يعتمّ بعمامة بيضاء، ولذا أحبها العلماء وتعمّموا بها، وأضحت العمامة في الإسلام تقليدا وطنيا ورسميا.

أتمنى أن يعود اللباس التقليدي وخاصة الجبة والكبوس بقوة في صفوف الشباب وحتى الشابات ليمثل شيئا مختلفا لدى الأجيال التونسية. أتمنى أن تعي الأجيال الحالية أهمية اللباس التقليدي كما وعى أهل المغرب الأقصى اللباس التقليدي لديهم فتشبثوا به، بل وأصبح اللباس الرسمي لديهم حتى في أوروبا، وأن لايقتصر على حفلات الختان (الطهور)، أين يرتدي كل طفل اللباس التقليدي التونسي ويزيّن رأسه بشاشية حمراء مطرّزة، ويمتطي حصانا يطوف به في الحي الذي يقطنه، أو الأحياء المجاورة احتفالا بهذه المناسبة، بما أنه زي يميّزهم عن غيرهم من الشعوب..

فالكبوس علامة مميزة لا يمكن أن يخضع للتقليد، لأن صناعته المعتمدة على حنكة حرفيين تخصّصوا فيه وأتقنوه من خلال شكله وطوله ومقاسه وطريقة صنعه.


 اضغط على الكلمات المفتاحية التالية، للإطلاع على المقالات الأخرى المتعلقة:

تونس، الكبوس، التقاليد التونسية، اللباس التقليدي، التراث المادي، التراث،

 





تاريخ نشر المقال بموقع بوابتي 6-06-2013  

تقاسم المقال مع اصدقائك، أو ضعه على موقعك
لوضع رابط لهذا المقال على موقعك أو بمنتدى، قم بنسخ محتوى الحقل الذي بالأسفل، ثم ألصقه
رابط المقال

 
لإعلام أحدهم بهذا المقال، قم بإدخال بريده الإلكتروني و اسمك، ثم اضغط للإرسال
البريد الإلكتروني
اسمك

 مشاركات الكاتب(ة) بموقعنا

  بيع الجمل ياعلي
  الهدهد واللقاء الأول
  البغولية
  ابني بدأ يكبر
  ثروة العقول
  حتى لا ننسى..
  الدعوشة إعاقة ذهنية
  الجدية قيمة مفقودة في تونس
  بومباي Pompei عبرة التاريخ
  معنوية النضال
  علاقة النهضة بمنزل حشاد
  حنبعل القائد العظيم
   زرادشتية حزب الله
  بناء الإنسان
  تجديد الفهم الديني
  منزل حشاد
  لطفي العبدلي مثال الإنحدار الأخلاقي
  النهضة بين الفاعل والمفعول به
  حركة النهضة بين شرعية الحكم ومشرعتها الشعبية
  التمرد على اللغة العربية في تونس
  قرية ساراشينسكو “Saracinesco” صفحة من الوجود الإسلامي في شبه الجزيرة الإيطالية
  هروب المغترب التونسي من واقعه
  سياسة إيران الإستفزازية
  محاصرة الدعاة والأئمة في تونس
  المعارضة الإنكشارية في تونس
  حجية الحج لوالديا هذا العام
  إعلام الغربان
  المسيرة المظفرة للمرأة التونسية عبر التاريخ
  رسالة إلى الشيخ راشد الغنوشي
  الدستور.. المستحيل ليس تونسيا

أنظر باقي مقالات الكاتب(ة) بموقعنا


شارك برأيك
لوحة مفاتيح عربية بوابتي
     
*    الإسم
لن يقع إظهاره للعموم
     البريد الإلكتروني
  عنوان المداخلة
*

   المداخلة

*    حقول واجبة الإدخال
 
كم يبلغ مجموع العددين؟
العدد الثاني
العدد الأول
 * أدخل مجموع العددين
 
 
 
أكثر الكتّاب نشرا بموقع بوابتي
اضغط على اسم الكاتب للإطلاع على مقالاته
أحمد بوادي، المولدي الفرجاني، محمد شمام ، محمد اسعد بيوض التميمي، أحمد ملحم، الهادي المثلوثي، د - شاكر الحوكي ، د- هاني ابوالفتوح، أنس الشابي، أ.د. مصطفى رجب، ضحى عبد الرحمن، علي عبد العال، حاتم الصولي، د. كاظم عبد الحسين عباس ، محمد يحي، أ.د أحمد محمّد الدَّغَشِي ، د- محمد رحال، علي الكاش، حسن عثمان، مصطفي زهران، د - المنجي الكعبي، محمود فاروق سيد شعبان، رضا الدبّابي، أشرف إبراهيم حجاج، د - ‏أحمد إبراهيم خضر‏ ، د- محمود علي عريقات، عمر غازي، رافع القارصي، سامر أبو رمان ، عمار غيلوفي، طلال قسومي، حسني إبراهيم عبد العظيم، حسن الطرابلسي، يحيي البوليني، محرر "بوابتي"، تونسي، سيد السباعي، د. عبد الآله المالكي، د. ضرغام عبد الله الدباغ، نادية سعد، عبد الغني مزوز، صلاح الحريري، مصطفى منيغ، د. صلاح عودة الله ، محمد أحمد عزوز، سلوى المغربي، عراق المطيري، سليمان أحمد أبو ستة، محمد العيادي، د - الضاوي خوالدية، أحمد بن عبد المحسن العساف ، الهيثم زعفان، مراد قميزة، عواطف منصور، إياد محمود حسين ، رمضان حينوني، يزيد بن الحسين، فتحي العابد، د. عادل محمد عايش الأسطل، د. أحمد محمد سليمان، د. أحمد بشير، صباح الموسوي ، رافد العزاوي، صفاء العربي، سامح لطف الله، سفيان عبد الكافي، سعود السبعاني، خالد الجاف ، د - مصطفى فهمي، د - عادل رضا، صالح النعامي ، أحمد الحباسي، د - صالح المازقي، العادل السمعلي، صلاح المختار، إسراء أبو رمان، د - محمد بن موسى الشريف ، عبد الله الفقير، محمد الياسين، وائل بنجدو، عبد الرزاق قيراط ، فتحي الزغل، إيمى الأشقر، الناصر الرقيق، كريم فارق، خبَّاب بن مروان الحمد، مجدى داود، د- جابر قميحة، د. طارق عبد الحليم، سلام الشماع، ماهر عدنان قنديل، د - محمد بنيعيش، د. خالد الطراولي ، محمود طرشوبي، ياسين أحمد، كريم السليتي، عزيز العرباوي، أبو سمية، رحاب اسعد بيوض التميمي، د. مصطفى يوسف اللداوي، منجي باكير، رشيد السيد أحمد، فهمي شراب، فوزي مسعود ، فتحـي قاره بيبـان، حميدة الطيلوش، عبد الله زيدان، محمود سلطان، صفاء العراقي، محمد الطرابلسي، محمد عمر غرس الله، أحمد النعيمي، جاسم الرصيف، د.محمد فتحي عبد العال،
أحدث الردود
مسألة الوعي الشقي ،اي الاحساس بالالم دون خلق شروط تجاوزه ،مسالة تم الإشارة إليها منذ غرامشي وتحليل الوعي الجماعي او الماهوي ،وتم الوصول الى أن الضابط ...>>

حتى اذكر ان بوش قال سندعم قنوات عربيه لتمرير رسالتنا بدل التوجه لهم بقنوات امريكيه مفضوحه كالحره مثلا...>>

هذا الكلام وهذه المفاهيم أي الحكم الشرعي وقرار ولي الأمر والمفتي، كله كلام سائب لا معنى له لأن إطاره المؤسس غير موجود
يجب إثبات أننا بتونس دول...>>


مقال ممتاز...>>

تاكيدا لمحتوى المقال الذي حذر من عمليات اسقاط مخابراتي، فقد اكد عبدالكريم العبيدي المسؤول الامني السابق اليوم في لقاء تلفزي مع قناة الزيتونة انه وقع ا...>>

بسم الله الرحمن الرحيم
كلنا من ادم وادم من تراب
عندما نزل نوح عليه السلام منالسفينه كان معه ثمانون شخصا سكنو قريه اسمها اليوم هشتا بالك...>>


استعملت العفو والتسامح في سياق انهما فعلان، والحال كما هو واضح انهما مصدران، والمقصود هو المتضمن اي الفعلين: عفا وتسامح...>>

بغرض التصدي للانقلاب، لنبحث في اتجاه اخر غير اتجاه المنقلب، ولنبدا بمسلمة وهي ان من تخلى عن مجد لم يستطع المحافظة عليه كالرجال، ليس له الحق ان يعامل ك...>>

مقال ممتاز...>>

برجاء السماح بإمكانية تحميل الكتب والمراجع...>>

جل الزعماء العرب صعدوا ،بطرق مختلفة ،تصب لصالح المخطط الانتربلوجي العسكري التوسعي الاستعماري،ساهموا في تبسيط هدم حضارة جيرانهم العربية او الاسلامية عم...>>

مقال ممتاز
لكن الاصح ان الوجود الفرنسي بتونس لم يكن استعمارا وانما احتلال، فرنسا هي التي روجت ان وجودها ببلداننا كان بهدف الاعمار والاخراج من ح...>>


الاولى : قبل تحديد مشكلة البحث، وذلك لتحديد مسار البحث المستقل عن البحوث الاخرى قبل البدء فيه .
الثانية : بعد تحديد مشكلة البحث وذلك لمعرفة الا...>>


بارك الله فيكم...>>

جانبك اصواب في ما قلت عن السيد أحمد البدوي .

اعلم أن اصوفية لا ينشدون الدنيا و ليس لهم فيها مطمع فلا تتبع المنكرين المنافقين من الوها...>>


تم ذكر ان المدخل الروحي ظهر في بداياته على يد شارلوت تويل عام ١٩٦٥ في امريكا
فضلا وتكرما احتاج تزويدي ب...>>


الدين في خدمة السياسة عوض ان يكون الامر العكس، السياسة في خدمة الدين...>>

يرجى التثبت في الأخطاء اللغوية وتصحيحها لكي لاينقص ذلك من قيمة المقال

مثل: نكتب: ليسوا أحرارا وليس: ليسوا أحرار
وغيرها ......>>


كبر في عيني مرشد الاخوان و صغر في عيني العسكر
اسال الله ان يهديك الى طريق الصواب
المنافقون في الدرك الاسفل من النار...>>


It is important that issues are addressed in a clear and open manner, because it is necessary to understand the necessary information and to properly ...>>

وقع تصميم الموقع وتطويره من قبل ف.م. سوفت تونس

المقالات التي تنشر في هذا الباب لا تعبر بالضرورة عن رأي صاحب موقع بوابتي, باستثناء تلك الممضاة من طرفه أومن طرف "بوابتي"

الكاتب المؤشر عليه بأنه من كتاب موقع بوابتي، هو كل من بعث إلينا مقاله مباشرة